جدلية العلاقة بين المسرح التفاعلي والقضايا المعاصرة
وسام عبد العظيم عباس
يُلاحظ ان العروض المسرحية السائدة محصورة فيعرض مسرح تقليدي يترك المتفرج منكباً على مقعدهدون التفكير حتى بكيفية ما يحصل على الخشبة بللايجرؤ على الحراك من مكانه في أثناء العرض بغيةتحقيق أهداف فنية معنوية ، واعتمدت أنواع المسارحالمتعددة على طريقة إرسال المعلومات باتجاه واحد, من ملقي إلى متلقي عبر وسائل الممثل المتنوعة, ممايجعل المتفرج قابعاً في مقعده دون حراك مادي أومعنوي يمكن أن يظهر خلال سير العمل المسرحي ،مما يجعل الرضوخ سائداً لدى المتلقين إذ أنهم لايستطيعون التفكير بالتغيير والبحث عن الأفضل وعنالبدائل الأكثر ملائمة ، لهذا شهد المسرح تحولاتمتعددة مع ظهور انواع جديدة كلها تسعى الىالبحث عن اشكال الاتصال والتواصل بين المرسلوالمتلقي او بين الممثل والجمهور لذلك اجتهدالمنظرون باختيار وانتقاء أو ابتكار أساليب جديدةتتماشى مع الحاجة الزمانية او الفكرية او السياسيةاو الثقافية او اي حاجة اخرى . وقد ظهرت تجاربكثيرة من عصر ارسطو الى الان وعبر مراحل مختلفة، كل مرحلة تطور سابقتها او تختلف عنهار، والآنظهر المسرح التفاعلي نتيجة الحراك الفكريوالثقافي الذي ساد في المجتمعات الاوربية وتراجعفاعلية رسالة المسرح التقليدي فضلا عن الفجوةالحاصلة بين المسرح وجمهوره لذا جاء هذا المسرح لكونه اكثر شمولية في نوعية المتلقي واكثر طاقةوحيوية من تلك العروض التي تتخذ المسرح التقليدي، فضلاً عن كونها اكثر حرية في انشاء الرؤىالجديدة وبناء الشكل المسرحي ويتميز بتأكيد حريةالشكل والمضمون متخلصاً من التقليدية والقيود ،وإن عملية إنشاء المشاركة على هذا النحو بين الممثلوالمتفرج تستند إلى فهم المتفرج لمبدأ المشاركةالفاعلة قبل البدء بها والذي يؤسس لأفعال تلقائية منقبل المتفرج دون تكلف ودون تدريب مسبق فالجمهورفي هذا المسرح يتداخل مع العرض في علاقة تبادليةيمكن أن تؤثر في مسار العرض ونجاحه والتي لابدمن توفرها في الجانبين أي أن هناك جزءاً مهما منالعرض مخبأً في داخل المتلقي يصل إلى مستوىالجزء الذي يقدمهُ الممثل في الأهمية . ولان المسرحالتفاعلي من المصطلحات المسرحية التي تفترضنسقاً اتصالياً يُفَعل من عمق العلاقة بين العرضالمسرحي والجمهور ، مما يغير من مهارات المتلقيتغيراً فعلياً
والمسرح التفاعلي بوصفهِ احد وسائل العلاج النفسي إذ “انطلق مورينو في طرحه للبسيكودرامافي مفاهيم الفيلسوف الفرنسي هنري برجسون عن تيار الوعي، ومن أبحاث عالم النفس النمساوي سيجموند فرويد في التحليل النفسي ومن تجربة المسرح العفوي التي قام بها مورينو نفسه .
وفي سياق العمل المسرحي التفاعلي تجري مجموعة من التفاعلات التي تشارك في صناعة الجو الذي يعد الرحم لولادة المتفرج المتفاعل، إن احد هذه التفاعلات هو الإجراء العلاجي للمرضى النفسيين ودراسة حالاتهم ومدى قدرة تفعيل العلاج بالمسرح التفاعلي كأحد طرق العلاج المجتمعي عبر ممارسات حياتية يومية أو معالجة لها من قبيل التدريب والتمرين هذا هو الحال مثلاً في المسرح التفاعلي العلاجي الذي يتراوح بين الطب العقلي والتمثيل النفساني. المداواة بالتمثيل المسرحي ممارسة طبية موجودة منذ القرن التاسع عشر وتطورت في القرن التالي مع التحليل النفساني الفرويدي, وينطلق من المسرح التفاعلي العفوي ونظرية فرويد بغية العلاج النفسي وإعانة الذين يعانون من الكبت أو صعوبة الاتصال والاندماج الاجتماعي
وقد يأخذ جانب العلاج الفاعل في المسرح التفاعلي مدياتٍ تساعدُ على النمو النفسي والحصول على جرع التشجيع عبر وسيلة عرفتها البشرية منذ قرون ،
ويتضمن هذا المسرح على عدد من التقنيات الخاصة بالتأثير على الاقران او النظراء والمساعدة في حل القضايا المعاصرة الخاصة بالشباب .
اولا : النموذج المسرحي ( السكيتش )
وهو مشهد مرتبط بقضية معينة يهدفُ العرضُالمسرحيُ الى ابرازها ، ويتم اعداد هذا المشهد ( السكيتش ) اما انطلاقاً من نصوص جاهزه مرتبطة بالموضوع المراد مقاربته او بكتابته في اطار جماعي من اقتراحات الممثلين او باقي اعضاء الفريق المسرحي ، كما “ يمكن كتابة ( السكيتش ) كتابةًمسرحيةً من خلال ارتجال الممثلين لمواقف متعدده في الموضوع يتم التوليف بينها للخروج بـ مشهد ( سكيتش) متكامل يستجيب لشروط المسرح التفاعلي.
بحيث يكون قصيراً ، بسطاً ، مفتوحاً ، مستفزاً للجمهور ، مثيراً لقضايا ومشكلات من صميم حياته ، بقصد ادماجه في العرض واشراكه في البحث عن الحلول ، بعيداً عن تقديم حلول جاهزه ، و تستمد مواضيع ( السكيتش ) من حياة الجمهور اليومية في علاقته مع الامراض التي يعاني منها وهي مواضيع ذات بعد اجتماعي او نفسي ، كالامراض المنقولة جنسياً وداء فقدان المناعة المكتسبة ( السيدا ) من خلال التعريف بالامراض من حيث السبب وطرق الانتقال والوقاية والمضاعفات ، ومحاربة الوصم والاقصاء والتمييز ، والتعريف بحقوق وواجبات المتايشي مع الامراض و “ يعرض السكيتش امام شرائح اجتماعية متباينة في العمر والمستوى الثقافي او الانتماء المجتمعي لذا يجب ان يكون قابلاً للتبديل والتغيير حسب الحاجة والضرورة ، وهنا يكون دور المنشط (الميسر) المسرحي اساسياً في انجاز هذا المشهد.
ثانياً : المُيَسر
ويرى الباحث ان الجوكر يشكل النواة العملية او المركز الذي تقع عليه كل الانظار ويحظى بمتابعة مكثفة من قبل الجمهور ، وان ما يقدمه الجوكر يساند المتفرج الممثل في الوقوف على الطريق الصحيح لانشاء الاسلوب المطلوب للاداء من قبل المتفرج الممثل .
ثالثاً : لعب الادوار :
يقصد بلعب الادوار التمثيل التلقائي لمواقف يضطلع بها الجمهور بعد عرض النموذج المسرحي (السكيتش ) لقضايا تتعلق بالجمهور وما تطرحه من اشكالات تختلف فيها وجهات نظر الجمهور ، وتهدف تقنية لعب الادوار التي تعتبر جزأ اساسياً من مكونات المسرح التفاعلي الى اضفاء المزيد من التوضيحات والبيانات المتعلقة بالموضوع حيث تسهم هذه التقنية في ابراز صوره حقيقية للقضية التي هي موضوع النقاش وما يرتبط بها من علاقات انسانية ، وهكذا يسهم الجمهور المتطلع للعب الدور في الكشف عن مواقفه الشخصية وآراءه وتجاربه بقصد اضفاء مزيد من التوضيح لما تعذر على الجمهور ، ويعرف لعب الأدوار كـتغيير في سلوك أحد الأفراد للقيام بدور اجتماعي في مجال علم النفس، ويستخدم للإشارة إلى القيام بدور الشخصية أو الشخص الحالي والتصرف كشريك يقوم بدور شخص آخر، وغالبًا ما يتضمن أنواعًا مختلفة من الممارسات ، ويرى الباحث ان لعب الأدوار يشير إلى تغيير سلوك أحد الأفراد للقيام بدور ما، إما للقيام بدور اجتماعي على نحو غير مقصود أو القيام بدور محدد عن قصد .
رابعاً : السيناريو السريع
هو القدرة على انشاء سرد عفوي دون اعداد مسبق او الارتكاز الى نص مكتوب ، وذلك من خلال المهارات الحركية واللغوية وخصوبة الخيال وسرعة البديهية ، وللسيناريو السريع القدرة على استغلال الاحداث اليومية التي تحصل لنا او مع غيرنا وتحويلها الى مشاهد مسرحية ناقدة ومن ميزاته التمتع بوفره من الافكار والتعابير المناسبة لتجسيدها وتوصيلها بوضوح ، فكلما كانت المعرفة بالموضوع الذي نعمل عليه اكبر زادت قدرتنا على الارتجال فيه ، والارتجال هو الشروع في حل المشكلهدون مفاهيم مسبقة لكيفية أدائها . ومن مميزات السيناريو السريع :
والسيناريو السريع من المهارات التي لابد منها في المسرح التفاعلي الذي تتغير فيه الادوار والمواقف بناءً على ملاحظات الجمهور مما يضطر اللاعبين الى الخروج عن النص المعد سلفاً جزئياً او حتى كلياً في بعض الاحيان .
خامساً : المناقشة الختامية :
تثقيف الاقران
الاقران ، القرين هو الشخص الذي ينتمي الى المجموعة نفسها التي ينتمي اليها شخص اخر او مجموعة اخرى ، وترتكز المجموعة على العمر والجنس والمركز الاجتماعي والصحي . وتثقيف القرين يعني بتنمية معارف الشخص او مواقفه او التاثير الايجابي في معتقداته او سلوكه
و الاقران هم افراد من اعمار متشابهة وخصوصيات اخرى كالجنس والمنطقة الجغرافية والمستوى المادي او المعيشي ، وزمرة الاقران تضم افرادا ً تجمعهم علاقات وثيقة (صداقة) والصداقة امر طبيعي في هذه المرحلة وتؤمن للمراهق والمراهقة الشعور بالانتماء والاحساس بالامان والتقدير ، لكن تاثيرالصداقة قد يكون ايجابياً ( بحيث يصغي الصديق ويتفهم ويؤمن الفرح والمرح المساعدين على التخلص من ضغوط الحياة ) او سلبياً بحيث ( يحث بعض الاصدقاء الاخرين على سلوكيات سلبية وغير صحيحة ، مثل التدخين ، السرعة في قيادة السيارة وغيرها )
ويتم تطوير وتثقيف الاقران ضمن مجموعات صغيره وفي مختلف الاماكن ، في المدارس والجامعات والاندية واماكن العمل وفي الشوارع او اي مكان يجتمع فيه الشباب ، كما يمكن استخدام تثقيف القرين مع العديد من السكان والفئات العمرية لاهداف مختلفة ، كما انها عملية يقوم بها شباب او اناس مدربون جيداً بنشاطات تربوية غير رسمية او منظمة مع اقرانهم او نظرائهم ( اي الذين لهم العمر نفسه ولديهم الخلفية او الاهتمامات نفسها لفتره من الزمن ، ويرى الباحث ان تثقيف الاقران هي مقاربة تشاركية تفاعلية تهدف الى تغيير السلوكيات الخطرهعن طريق القرين او الصديق او الخل او النظيربأستخدام تقنيات مسرحية بمقدور الجميع تطبيقها فهي تؤدي الى الموعظة والمتعة معاً .
وهنالك معايير لاختيار مثقفي الاقران ومن اهما :
وتؤثر مجموعة الاقران التي ينتمي اليها الفرد بشكل كبير على طريقة تصرفه وهذا يصح بالنسبة الى السلوك الخطير والامن على حد سواء ويرتكز تثقيف القرين على تأثير القرين ولكن بصوره ايجابية ، ولا شك ان مصداقية مثقفي القرين لدى افراد المجموعة المستهدفة قاعده مهمة يبنى عليها هذا التثقيف .
ان تثفيف القرين (النظير) يمكن الشباب ويعطيهم الفرصة للمشاركة في نشاطات تتعلق بهم شخصياً وللحصول على المعلومات والخدمات التييحتاجون اليها من اجل حمايتهم ، إضافة الى انها منهجية للوقاية من الامراض الاجتماعية والصحية والنفسية وللتدخل المبكر الذي يسهم في معالجتها ، فهو يوسع شبكة المثقفين الصحيين الماهرين وذوي المصداقية والذين يمكن الوصول اليهم ، كما يضمن هذا التثقيف ان يتواصل مثقفو القرين بشكل ملائم مع اقرانهم ، ويمكن ان يوفر مثقفو الاقران المدربون جيدا ً قدرا ً كبيراً من التثقيف الناشط ، وان يمارسوا تاثيراً غير رسمي على المعايير والتوقعات .
ان نظرية التثقيف التشاركي تمكن الاشخاص الذين يعانون من مشكلة ما من تشجيعهم ومشاركتهم الكامله في حل هذه المشكلة ، ويعتمد التثقيف التشاركي على مبادئ اساسية مهمة وهي المشاركة ويقصد بها مشاركة الناس في عملية البحث عن المعرفة والخبرات والفائدة منها وهذا المبدأ يتعارض تماماً مع طرق التعليم التلقينية. والمشارك اي الشخص الذي يريد التعلم يجب ان يكون في مركز النشاط .
ان النظير( القرين ) المقهور يعاني خوفاً من مواجهة القاهر وهو ما يقوم به اوجستو بوال في مسرحه من تدريبات للمواجهة وتمرين النفس أو الذات الإنسانية على الأيمان بمبدأ المواجهة لذا كان لابد من التغلب على المشاكل التي يواجهها القرين، و“ لكي يعلم المقهور بأن التغيير يبدأ من الداخل ومن ثم متوجهاً إلى الخارج, ويعد التمرين والتدريب على إسقاط الخوف من العمق الذاتي للإنسان إذا ما صنف الخوف على انه أحد الأمراض النفسية المعيقة للفرد ، فعليه يتمكن المسرح التفاعلي من المعالجة النفسية للذات المقهورة بالمسرح والعلاج بالتمثيل ولهذا اتخذ النشاط المسرحي التفاعلي سبيلاً للمعالجة النفسية وأطلق عليه السكيودراما وهو شكل من الأداء الارتجالي غير المكثف لدور أو عدة ادوار يرسمها فريق عمل ويؤديها القرين وتتم العملية العلاجية أمام جمع كبير من المشاهدين الذين يشاركون في علاج أنفسهم في أثناء المشاركة بالعرض وهو ما يعود على المشارك بالجرأة وعدم التردد مما يساعدهُ في القيام بدوره دون خوف بالتمثيل والانتقال إلى الحياة بذات الجرأة المكتسبة من عمليه المشاركة في تغيير مجرى الأحداث في العرض. ، واستاداً الى القول المأثور الذي يقول ( قل لي امرا ً انساه ، أرني إياه اتذكره ، أشركني فيه أفهمه ) يرى الباحث من الضروري اذا ً اشراك المتفرجين والذهاب اليهم لمناقشة القضايا المعاصره بتقنيات المسرح التفاعلي كونهاتسمح بدمج تجاربهم الخاصة في العرض المسرحي فمن شأن التعلم المبني على التجربة المباشره ان يعطي المشاركين الفرصة لتنمية مهاراتهم بطريقة تعلم تشاركية مع استخدام تقنيات تفاعلية .
المرحلة الاخيرة، الجمع والتنظيم.
وينتهي الجزء الاول عند نهاية كل مشهد ثم يبدأ شخص مختص بكتابة النص المقترح من قبل الجمهور في يوم العرض اثناء اشراك الجمهور بطريقة تفاعلية من خلال طرح المشكلة وفتح باب النقاش والحوار عن طريق ( المٌيَسر ) وهذا ادى الىتلاشي المسافة الجمالية في التجارب التي قدمها الباحث فقلب الاتجاه المألوف لإرسال العلاقة فيه،فبات المتلقي مشاركاً فعالاً في تأسيس المعنى (ذهنياً وحسياً ومادياً).اذ إنَّ انها تبعث عدداً من التساؤلات، فهو يضع علاقة المتلقي بالمادة المعروضة موضوع التساؤل والتشكك من ناحية، كما تشير التساؤلات إلى مدى تورط العرض في عمليات الانتهاك التي يدينها ، فالمعنى في هذه العروض يتغير مع كل تفعيل جديد (ملف او مشهد جديد) ويبني بنحوٍ مختلف من قبل كلَّ متلقي على حده،ويتغير كلُّ مدرك ذهنيّ للمتلقي بتغير وتجدد الحدث ، وبالتالي يصبح الجمهور أكثر إدراكاً في تأسيس معاني متعددة ومغمورين في تجربة تحرك الفكر.وقد اقترح عدد من المسؤولين واصحاب القرار الحاضرين حلول جذرية عن طريق تشكيل لجان خاصة بعد انهاء العروض بالتنسيق مع مدراء المخيمات لحل المشكلة بصورة فعلية وقم تمت متابعة اللجان من قبل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين للتحقق من تنفيذ الوعود التي تم اقتراحها في اثناء العرض من قبل المتفرجين اصحاب القرار والعلاقة ، وقد اعتبرت هذه العروض من العروض المغايرة التي تم تقديمها في العاصمة بغداد
قائمة المصادر