ثلاثية المأساة السورية: معاناة اللاجئين على خشبة المسرح

أقفل الستار في العاصمة عمّان، مساء الخميس الماضي، على الجزء الأول من ثلاثية المأساة السورية، التي كتبها وأخرجها الإسباني ماركو ماغوا، العرض المسرحي الذي حمل عنوان “أنا السماء”، وثق فيه الإسباني لأحزان اللاجئين السوريين فور مغادرتهم لبلادهم، مخلفين وراءهم منازلهم وأهلهم ومعارفهم الأحياء منهم والأموات، حاملين معهم ذكرياتهم عن بلد دمر وأحلام حالت الحرب دون تحقيقها.
العرض المسرحي الذي بلغت مدته نصف ساعة، شارك فيه عشرون فناناً وهاوياً أردنياً وسورياً وعراقياً، تدربوا على العرض أسبوعاً واحداً فقط، وقبل أن تفتح الستارة قال ماغوا مخاطباً الجمهور باللغة العربية التي يتقنها باللهجة المصرية “الأسبوع وقت غير كافٍ، يكون مستحيلاً إنجاز عرض بتدريبات لأسبوع واحد، لكننا هنا لنقول لكم: لا يوجد مستحيل”.
روى اللاجئون/ الممثلون على خشبة المسرح ذكرياتهم السعيدة التي دمرتها الحرب، وذرفوا أحزانهم على واقعهم في بلد اللجوء ناقصي وطن، وحاروا بين عبقرية النجاة من الموت والحنين الذي يكاد يقتلهم قهراً، سرد تخللته قصائد للشاعر محمود درويش عن ذكريات الوطن المهجور والحنين.
صفق الجمهور بالدموع لحظة انتهاء العرض، كيف لا والعديد منهم لاجئون سوريون في الأردن، انتقلوا عاطفياً من مقاعد المتفرجين ليكونوا أبطالاً على خشبة المسرح، عندما وجد كل منهم قصته تروى وهو في مقعده، فالمأساة متشابهة.
يقول ماغوا، في لقاء مع “العربي الجديد”، إن “أنا السماء.. هي بداية مأساة اللاجئ السوري، لحظة ترك الوطن، في مطلع رحلة طويلة عبر الحدود حتى الوصول إلى الساحل وركوب قارب في اتجاه قارة أخرى، أرض أخرى يبدو كل شيء فيها مجهولاً”. يقول “لا يوجد ما هو أكثر مرارة من مشاعر شخص يجبر على الخروج من بلده، وعندما يعبر الحدود إلى بلد آخر، وينظر خلفه ويكون ما يزال قادراً على رؤية بيته”، تلك المشاعر التي حاول ماغوا ترجمتها من خلال النص المسرحي الذي كتبه بلغة شعرية تحاكي روح قصائد درويش الذي يعشقه حد الاعتراف “درويش مختلف عن الجميع”.
بعد أن أسدل الستار على “أنا السماء”، يغادر ماغوا عمّان قاصداً القاهرة التي سيعرض فيها الجزء الثاني من ثلاثيته، والتي ستحمل عنوان “لا شيء”، المقرر أن يفتح الستار عليها في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، ليروي من خلالها مأساة اللاجئين خلال بحثهم عن القوارب التي ستقلهم عبر البحر الأبيض المتوسط إلى القارة الأوروبية، يقول “في لحظات الانتظار ليس لدى هؤلاء اللاجئين أحلام للمستقبل، أحلامهم يومية، ولا تتعدى حدود القارب الذي سيركبونه للوصول إلى هدفهم أو الغرق في مياه المتوسط”.
الناجون من رحلة الموت ينتظرهم ماغوا في كوبنهاغن في يناير/كانون الثاني المقبل ليختتم ثلاثية بعرض “نهاية أحلامكم”، والذي سيتحدث فيه عن محمود؛ وهو شخصية خيالية لأحد اللاجئين السوريين الذين يتم إنقاذهم من البحر يومياً، يقول “هو ناجٍ محظوظ.. وربما لا”. في “نهاية أحلامكم” الذي سيكون باللغة الإنجليزية خلافاً للجزأين الأول والثاني، سيعرض ماغوا لمأساة اللاجئ السوري التي تبلغ ذروتها دون قدرة منه على العودة إلى الوراء، يقول “قد يكون اللاجئون/ الممثلون أحياءً في نهاية العرض، وقد يكونون أمواتاً وهم لا يدركون”.
يدافع ماغوا الذي قضى عشر سنوات يتعلم اللغة العربية، وزار خلالها دمشق والقاهرة والرباط وعمّان، وغيرها من العواصم العربية، عن أوربا الشعبية، يقول “أوروبا ليست عنصرية، رؤساء الحكومات والحكومات قد تكون كذلك، لذلك نرى اليوم الناس تخرج في الشوارع لتقول لرؤسائها: اسمحوا للاجئين بالدخول”، وهو يرى أنه ومن خلال المسرح يساهم في تغيير مواقف الأوروبيين تجاه القضية السورية، وتجعلهم أكثر تفهماً للمأساة ببعدها الإنساني، “لن أتحدث بالسياسة” يؤكد.
يعتقد ماغوا أن جزءا كبيراً من سوء الفهم الواقع بين العرب والغرب، عائد لعدم إتقان الغربيين للغة العربية، خاصة الفنانين منهم الذين يبتعدون عن الخوض في أعمال تخص العرب، يقول “ليتهم يقيمون في العالم العربي لفترة حتى يدركوا الحقيقة”، والحقيقة كما يراها من خلال ذاكرته الجميلة عن العالم العربي الذي أقام فيه، “كنت أعود إلى منزلي ليلاً وأنا أحمل أغراضي بكل ثقة، دون أن أشعر بالخوف من أن يعترضني أحدهم، تلك الثقة غير متوفرة في أوروبا”، وهو يرى أن “العرب قلوبهم بيضاء وطيبون.. لهذا أنا متحمس لهذا العمل”.

محمد الفضيلات

http://www.alaraby.co.uk/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *