ثريا حسن رائدة المسرح بالشمال .. مواقف وطرائف على الخشبة

 

في إطلالة تأريخية وإبداعية على ضفاف الأمس تبرز ثقافته الإنسانية الواسعة وهو يوثّق للمسرح بشمال المغرب ويعرّف بالكثير من التجارب المسرحية، يطلّ القاص والكاتب المسرحي المرموق، الأستاذ رضوان احدادو، عبر هذا المدار الفنّي ليقدّم للقارئ رائدة من رواد التمثيل المسرحي المغربي والعربي ابنة مدينة تطوان الراحلة ارحيمو الناصري، أو ثريا حسن.

هذه المبدعة المنفلتة من طابوهات المجتمع شغلت النّاس وخاضت غمار التحدي كأوّل فتاة شمالية تصعد الخشبة وتواجه كل صعاب الإقصاء والتّضييق والمصادرة، حيث اختارت وبإصرار المسرح لتؤسّس وجوداً آخر لطريقها ومسارها وللمرأة بصفة عامة، جاعلة العملية المسرحية منفتحة على الرجل والمرأة بعدما كانت أدوار النساء على الخشبة تسند إلى الرّجال أيضا بسبب التّقاليد والأعراف السّائدة.

في هذه الرحلة القصيرة، سنحاول التعرف أكثر على الفنانة وما خاضته من محن ومعاناة في سبيل إبراز حضورها على خشبة المسرح في سنوات استثنائية تعكس روح مرحلة بخيباتها وآمالها على لسان الأستاذ رضوان احدادو، أحد مؤسسي مهرجان المسرح الأدبي بتطوان، الذي أفرد للفنانة كتابا مهماً موسوماً بـ: “ثريا حسن.. رائدة مسرحية من شموخ”.

(1/2)

ثريا حسن.. سيرة فنانة ومسار أحداث

لم يكن من السّهل على الفنانة ثريا حسن أن تجابه الأعراف والتقاليد وأوامر السلطة والفكر الرجعي والخرافي، متخطية بإرادتها كل المثبّطات لتجعل من الخشبة مرآة للفعل الإبداعي. كان ازدياد ثريا حسن-واسمها الحقيقي ارحيمو الناصري–في 10 أكتوبر 1937 بمدينة تطوان وسط أسرة منفتحة على الفن، فوالدها هو المرحوم الحسين الناصري الذي يعدّ من طليعة الأسماء الموهوبة والبارزة في الفرقة النحاسية للخليفة السلطاني بالشمال، ووالدتها المرحومة فاطمة شعيب اليعقوبي كانت عضوا في جوق موسيقي نسائي.

في سياق هذه الأجواء نشأت وترعرعت الفنانة ثريا حسن، وكان عليها أن تواجه تلك الحيرة التي تعتمل داخلها ما بين الانفتاح على الفنون، وهو الجوّ الذي كان عليه البيت، أو الانغلاق الذي كان عليه المجتمع وما تشكله غالبيته من مواقف مسبقة عن المرأة، بحيث لم يكن يسمح لها حتى بالخروج من البيت إلا رفقة قريب شرعي. كما كانت قد صدرت عن باشا المدينة آنذاك تعليمات صارمة تمنع المرأة منعا كليا من ارتياد دور السينما وقاعات المسرح أو استبدال “الحايك” بالجلباب، ونشرت الصحف أن امرأة سيقت إلى الباشوية بتهمة خروجها إلى الشارع بحذاء عصري بدل “الشربيل”، ولم يفرج عنها إلا بعد إحضار زوجها وتعهده والتزامه بعدم تكرارها لذلك.

بداية الصّراع

لم تكن نفس ثريا الجامحة نحو الأرحب قادرة على تقبل هذا الوضع مهما كلفها ذلك من ثمن. ورغم أن الشروط كانت قاسية بالنسبة لها، فما كان للتلميذة الصغيرة المنفتحة لتقبل بهذا الوضع وأن تختزل عالمها وأحلامها في التنقل بين البيت والمدرسة، حيث ثارت ثائرتها الأولى على لباسها التقليدي، مستبدلة إياه باللباس الإفرنجي المحرّم آنذاك على التلميذات، بل حتى على الأطفال… إذ لاحقتها المضايقات بأشكال وأساليب متنوعة وكان يقتفي خطواتها “المْقدمينْ” و”المْخازنية” و”العْريفة”، ومراراً تم استنطاقها في الشارع العمومي عن سبب خروجها من البيت.

أهواء وألسنة أوّل فتاة شمالية تصعد سماء المسرح

تؤكد البداية المحتملة للفنانة ثريا حسن أن أوّل عمل مسرحي شاركت فيه، ومع فرقة رجالية وعلى ركح قاعة مسرحية عمومية وأمام جمهور متنوع، كان سنة 1950، إلى جانب “فرقة الواحة للتمثيل العربي”، بعدما لعبت دور البطولة في مسرحية “الأب النّادم” للمرحوم عبد الكريم الغازي؛ إذ أدّت دوراً أساسياً مع فرقة شبه محترفة وواجهت حشدا جماهيري حاصرها في دهشة ولربما في شبقية وهو يتطلّع لأوّل مرة صوب فتاة مغربية فوق الركح تمثّل بثقة وكفاءة عاليتين.

لم تكن هذه الخطوة بالأمر الهيّن بعدما حاصرتها الأقوال ولاحقتها المضايقات، فهناك من نعتها بفتاة مثيرة مشاكسة ومشاغبة تخلق الفتنة بين النّاس، وهناك من قال إنها جريئة، منفتحة على الحياة، تبحث لنفسها عن طريق آمن يكسبها وجودها وإنسانيتها. انخرطت ارحيمو الناصري رسمياً في “فرقة الواحة” المكوّنة أصلا من طلبة مدرسة المعلمين بتطوان كممثلة من خارج المؤسسة، وكان لها منذ ذلك التاريخ اسم فني ظهرت به ولازمها طيلة حياتها الفنية وهو “ثريا حسن”، وواصلت مع الفرقة التداريب المنتظمة والمكثفة في صمت وسريّة.

يتبع…

https://www.hespress.com/

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش