” ثائر هادي جبارة” وأخاديده المسرحية

 

 

بشار عليوي 

هل يُشكّل المُخرج المسرحي البابلي “ثائر هادي جبارة” ظاهرة مسرحية لوحدهِ ؟ وهل يُمكن لنا كمُتلقين على الأقل تتبع تحولاتهِ الإخراجية مع باقة العروض المسرحية التي قدمها خلال عقد ونصف العقد؟ نعم “جبارة” يحمل كُل مقومات الظاهرة المسرحية لوحدهِ وهي ميزة يكاد ينفرد بها دون غيره من المُخرجين المسرحيين البابليين، فهوَ قدم عدّة أساليب إخراجية تمثلت بسلسلة من العُروض المسرحية التي وجدت ضالتها في القصيدة والمونودراما ومسرح الشارع وعروض المجاميع المسرحية والمسرحية الشعرية فضلاً عن كتابتهِ لنصوص عروضهِ المسرحية وقيامهِ بعملية كولاج لعدّة نصوص في عرض مسرحي واحد، لقد جَرب “جبارة” عدة أساليب إخراجية ضمن إرتكازهِ المُعلن على مجموعة المضامين الفكرية التي بثها من خلال عروضهِ المسرحية، فثمة تحولات واضحة في اشتغالاتهِ لناحية التجريب أكثر على ماهية النص وتفجير طاقتهِ البصرية والاعتماد أكثر على حضور الصورة داخل منظومة العرض ونجد هذهِ التمثلات واضحة في عروضهِ السابقة (منورين) و(مرويات النهر الحزين) و(اغنية الهَم والهم) وغيرها من العروض التي شكلت ظاهرة “ثائر هادي جبارة” المسرحية بجميع مُقوماتها وأنساق تَشَكُلِها. في عرضهِ (أخاديد) الذي كتبهِ وأخرجهُ مؤخراً لحساب مديرية النشاط المدرسي في بابل وقٌدمَ ضمن عروض المهرجان المسرح العراقي الثامن لفرق التربية الذيُ نظمتهُ وزارة التربية في مدينة البصرة مؤخراً وحاز على الجائزة الثالثة كأفضل عرض فيهِ، يضعنا “جبارة” إزاء عرض مسرحي فكري بامتياز، مشحون بطاقة سيمائية عالية، تحتاج الى مُتلقي خاص، يحاول مُلاحقة جميع مبثوثات “أخاديد” الرمزية التي بثها “جبارة ” في فضاء عرضهِ حينما عمدَ الى تأثيثهِ بكُل ما هوَ مُتاح أمامه من خامات مُتنوعة “أغرق” فيها العرض فالمُتتبع لمرجعيات المُخرج المعرفية يعي تماماً بأن لو قُدر لجبارة  أن يضع كُل ما مُتاح أمامهُ على خشبة المسرح لفعلها، فهوَ مسكون بالصورة ويُحاول تجسيد المتن النصيَ صورياً في هيئة تمظهرات واضحة للمُتلقي، فـ(أخاديد) من نوعية تلكَ العُروض التي يُجاهر فيها وبإشهارية عالية حضور مسرح المُخرج بتبدياتهِ المعروفة، والمُتابع لعروض “ثائر هادي جبارة”، يتلمس تلكَ الخصيصة التي يتمتع بها دونَ غيرهِ من أقرانهِ المُخرجين المسرحيين في بابل سواء المُنتمين لجيلهِ أو الجيل اللاحق.    أحسب أن هذهِ النوعية من العروض كـ”أخاديد” تحتاج الى هذهِ المغامرة “المحسوبة” من قبل المُخرج الذي يعرف كيف يُحرك أدواتهِ بكافة أنساقها السمعية والبصرية والأدائية. فيُحسب لـ”جبارهِ” أنهُ ذا ذهنية إخراجية مكنتهُ من وضع مُجمل التقنيات التي استخدمها في سياق العرض الرئيوي (مسرح أسود/مشاهد سينمائية/صور مُتحركة /إضاءة مُسايرة لفكرية العرض)، وبالتالي جعلنا نُتبارى في الحاق بعديد الصور التي خرجت من”أخاديد”، فثمة كائنات لا هويةَ لها خرجت من تلك الأخاديد والجحور لتُعيثَ في الوطن خراباً ودماراً، أحسبَ أن العرض كان على درجة عالية من التشفير غير المُبرر ومُتحفظ لناحية عدم التصريح بما يجول في خلجاتنا.

———————————————

المصدر : مجلة الفنون المسرحية – المدى 

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *