توفيق الحكيم .. قانوني في “بحر المسرح”

“واحد من القلائل الذين لا يمكن أن يغفلهم الزمن ويتناسهم بمجرد رحيلهم، اسمه بارز في تاريخ الأدب العربي الحديث، كاتب وأديب مصري من رواد الرواية والكتابة المسرحية العربية”، إنه توفيق الحكيم.

ولد “الحكيم” في 9 أكتوبر 1898م، بمدينة الدلنجات بمحافظة البحيرة، تلقى تعليمه بالمرحلة الابتدائية في مدرسة دمنهور الابتدائية، وبعد اتمامها انتقل إلى القاهرة، مع أعمامه، لمواصلة دراسته الثانوية في مدرسة محمد علي.

سُجن “الحكيم” إثر مشاركته لأعمامه في ثورة 1919م، لكن تمكن والده من نقله للمستشفي العسكري حتى تم الإفراج عنه، وانتظم في دراسته حتى حصل شهادة البكالوريا، ليلتحق بعدها لمدرسة الحقوق بناء على رغبة والده 1925م.

لم يكن توفيق الحكيم محباً لدراسة الحقوق، وظهرت ميوله إلى التفكير في المسرح بعيدا عن مجال دراسته، ما دفع والده إلى إرساله إلى فرنسا ليبتعد عن المسرح ويتفرغ لدراسة القانون.

ولكن “رب ضارة نافعة”، ففي فرنسا، اطّلع “الحكيم” علي فنون المسرح شُغله الشاغل، وعلى الأساطير والملاحم اليونانية العظيمة، وتعرف على أن الثقافة المسرحية الأوروبية بأكملها أسست على أصول المسرح اليوناني فقام بدراسة المسرح اليوناني القديم.

وتجول  الحكيم بقلمه ما بين “الصفقة” و “الورطة”، ولخص “يوميات نائب في الأرياف”، وبحث في “عودة الروح”، وحلق مع “عصفور من الشرق”، وهو يكتب “شهر زاد”، حتى وصل لـ “أهل الكهف” التي تعتبر أول مسرحية عربية ناضجة بالمعيار النقدي الحديث.

 

وعلى الرغم من الإنتاج الغزير لتوفيق الحكيم، إلا أنه لم يكتب إلا عدداً قليلاً من المسرحيات التي يمكن تمثيلها على خشبة المسرح فمعظم مسرحياته من النوع الذي كُتب ليُقرأ فيكتشف القارئ من خلاله عالماً من الدلائل والرموز التي يمكن إسقاطها على الواقع في سهولة لتسهم في تقديم رؤية نقدية للحياة والمجتمع تتسم بقدر كبير من العمق والوعي .

سمي التيار المسرحي “الحكيم” بالمسرح الذهني لصعوبة تجسيدها في عمل مسرح،  فكان أول مؤلف استلهم في أعماله المسرحية موضوعات مستمدة من التراث المصري واستلهم أيضاً هذا التراث عبر عصوره المختلفة، سواء كانت فرعونية أو رومانية أو قبطية أو إسلامية لكن بعض النقاد اتهموه بأن له ما وصفوه بميول فرعونية وخاصة بعد روايته عودة الروح.

ونجح الحكيم في المزج بين الرمزية والواقعية علي نحو يتميز بالخيال والعمق دون تعقيد أو غموض، حيث أصبح هذا الاتجاه هو الذي يكون مسرحياته بذلك المزاج الخاص، ولعل الرمز في أدبه يتميز بالوضوح وعدم المبالغة في الإغلاق أو الإغراق في الغموض.

ويتخلص ما يؤمن به الحكيم في أقواله التي لا تزال خالدة، ومنها: “لا خير في فكرة لم يتجرد لها صاحبها، ولم يجعلها رداءة وكفنه”، و”المصلحة الشخصية هي دائما الصخرة التي تتحطم عليها أقوى المبادئ”، و”لا يوجد إنسان ضعيف، ولكن يوجد إنسان يجهل في نفسه موطن القوة”، و”يجب على الإنسان أن يعرف كل شيء عن شيء ما، ويعرف بعض الشيء عن كل شي”.

ورغم  لقب “عدو المرآة” الذي أسنده إليه البعض في عصره، إلا أنه قال  “إن عقل المرأة إذا ذبل ومات فَقَد ذبل عقل الامة كلها ومات”، وكذلك “ليس للنساء عمل في الحياة سوى الحب، أما حياة الرجل فهي حب العمل، ومن هنا بدأ سوء التفاهم”.

 

وتولى الحكيم العديد من المناصب، فكان رئيس لمجلس إدارة نادي القصة، ورئيساً للمركز المصري للهيئة العالمية للمسرح، ومقرر للجنة فحص جوائز الدولة التقديرية في الفنون وتم تعيينه كنائب فخري بمجلس الأدباء، وعضواً في المجلس القومي للخدمات والشؤون الاجتماعية.

وحصل على عدد من الجوائز والأوسمة، منها قلادة الجمهورية عام 1957، جائزة الدولة في الآداب عام 1960، ووسام الفنون من الدرجة الأولى، كما حصل على الدكتوراه الفخرية من أكاديمية الفنون عام 1975، وأطلق اسمه على مسرح محمد فريد اعتباراً من عام 1987، وهو نفس العام الذي توفي فيه الحكيم.

 

أسماء عز الدين

http://alwafd.org/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *