تقرير اليوم السادس لمهرجان فلسطين الوطني للمسرح

نادرة عمران وسهير فهد تتحدثان عن تجربة التمثيل على الخشبة وأمام الكاميرا

حضور مسرحية عن غزة وغياب مسرحية من غزة في اليوم السادس لمهرجان فلسطين الوطني للمسرح

إعلام الهيئة العربية للمسرح. يوسف الشايب. رام الله

تواصلت فعاليات اليوم السادس من أيام مهرجان فلسطين الوطني للمسرح الذي تنظمه وزارة الثقافة بتعاون و دعم من الهيئة العربية للمسرح،  كانت غزة هي العنوان الأبرز في مساء الثلاثاء، عبر مسرحية “سما تحت الحصار”، وهي من إنتاج مسرح الحارة في بيت جالا، عن المجموعة القصصية “يوميات امرأة محاصرة” للكاتبة سما حسن من غزة، وذلك على المسرح البلدي في دار بلدية رام الله.

فيما غاب قسراً، وبسبب سياسات استصدار التصاريح، العرض المسرحي “الحرب والسلام” فرقة “مسرح للجميع” من غزة، والمبني على رواية الكاتب الروسي ليو تولستوي، ليؤكد بأن الحرب شيء مريع، ولكن، ورغم مأساوية الحياة وضغوطاتها بسبب سياسات الحروب، إلا أن الحياة الطبيعة تستمر، لكن هذه السياسات هي التي حالت دون مشاركة عرض مسرحي من القطاع المحاصر جنباً إلى جنب مع عروض مسرحية فلسطينية من القدس والداخل الفلسطيني وعدة مدن بالضفة الغربية، في الدورة الأولى لمهرجان فلسطين الوطني للمسرح.

سما تحت الحصار: عايشين بسجن كبير سقفه السما

في “سما تحت الحصار” جسد كل من مريم الباشا، ومنذر بنورة، ورزق إبراهيم، حياة اللاجئين في غزة تحت الحصار، وفي ظروف الحرب، وانقطاع الكهرباء والماء، وربما انقطاع الحبل الممدود من دواخل قاطني تلك البقعة الجغرافية الأكثر اكتظاظاً في العالم نحو مزيد من الأمل، في مسرحية من إخراج ميرنا سخلة.

تعددت الحصارات في المسرحية كما في المجموعة القصصية، حيث الأسلاك الشائكة كخيوط عنكبوت، وحيث الطائرات الورقية غير الحارقة، والتي تبدو طوق نجاة متخيل من حصار داخل حصار، وكلاهما يتوهان في حصار جديد ما بين واحد نفسي، وآخر اجتماعي، وثالث سياسي أمني، فالأول يتعلق بحصار المرأة لنفسها وتجسد بعدم البوح باسمها، والثاني كان بطله الرجل أو مجموعة الرجال المحيطين وكذلك الحصار المجتمعي بقوانينه ومعتقداته ومعاييره، علاوة على حصار اللاجئة التي هي ليست من مواطني المدينة الأصليين، فيما الحصار الأكبر هو حصار المحتل الذي يكبل غزة من يديها وقدميها، ويشد عصبة سوداء على عينيها وفمها أيضاً، ويضربها بعنف إن حاولت التملص بأي شكل من الأشكال.

المسرحية، ورغم تقشفها على مستوى الديكور والإكسسوارات والعناصر الفنية، ورغم عدم الخبرة الكبيرة لممثليها من خريجي مسرح الحارة حديثاً، استطاعت أن تقدم صورة بانورامية حول المعاناة المركبة للمرأة الغزية خاصة، وللاجئ في قطاع غزة عامة، حيث يأخذ الحصار أشكالاً متعددة، فهي صرخة ضد الاحتلال أولاً، وضد القمع المجتمعي والذكوري للمرأة ثانياً، وضد اضطهاد المرأة لنفسها ثالثاً، وهو ما عبرت عنه الممثلة على لسان مؤلفة “يوميات تحت الحصار”، وتحولت إلى “سما تحت الحصار” في إحالة إلى اسم الكاتبة، بالصراخ:

“مكان مغلق … كل شي فيه بحاصرنا

الخوف، الخنقة، العتمة… كل شي فيه بضغطنا

فش حدا قادر يتنفّس… انقطع الهوا زي ما انقطعت الكهربا

في الشّرايين … ما ضلّش أكسجين

الدّم مش قادر يطلع من القلب … ولا قادر يوصل الرّئتين

عم ننخنق … وأحنا نحلم بالسّما

عم منموت موت بطيء … وأحنا تحت الحصار

بس مين سائل فينا؟ ومين داري عنّا؟

أحنا عايشين في سجن كبير سقفه السّما”.

وقامت ميرنا سخلة، في العمل الذي عرض في إطار العروض الموازية، أي خارج المسابقة الرسمية للمهرجان، بإعداد دراماتورجيا المسرحية علاوة على إخراجها، بإشراف وسينوغرافيا وأزياء فيروز نسطاس، وإشراف تقني لعصام رشماوي، فيما كان الإشراف العام على العمل لنقولا زرينة.

 

ندوة عن التمثيل ما بين المسرح والكاميرا

وعقدت في المسرح البلدي أيضاً، ندوة بعنوان: “الممثل بين خشبة المسرح والكاميرا”، للفنانتين القديرتين، وعضويتي لجنة تحكيم المهرجان: نادرة عمران، وسهير فهد.

وقالت الفنانة نادرة عمران في الندوة: بكل تأكيد التمثيل على خشبة المسرح يختلف عنه في السينما، أما التلفزيون فلا أعتبره فنّاً بالأساس .. تعبير الممثل في السينما كفن مختلف بالضرورة عن تعبيراته على خشبة المسرح.

وأضافت: هناك مساحة لدى الممثل في مدى تقبل الشخصية المطروح عليه تجسيدها، والطريقة التي يقدم فيها هذه الشخصية، فهناك طرق تضاف إلى تلك المبنية على اتباع المدارس الأكاديمية في التمثيل، وهي طرق تكتسب مع الخبرة والممارسة، لافتة إلى أن التمثيل  أرفع مستويات الأداء أو “لعب الدور” قياساً بالتشخيص والتقليد واللعب، فهناك الممثل اللاعب، مشيرة إلى أنها خلال فترة عملها الفني حاولت الاتجاه إلى منطقة التمثيل، وقد تكون وفقت في ذلك وقد لا تكون، فالحكم للجمهور هنا مسرحياً أو سينمائياً، لكني آثرت الابتعاد عن الحركات والإشارات والأداء الصوتي والانفعالي والإيقاعي دون دراسة التي تتحول مع الوقت إلى فعل تلقائي غير متقصّد، ولكنه مقصود بمعنى أنه ليس عبثياً، وليس سلوكاً عادياً،  وهذا مهم بالنسبة لي في المسرح والسينما، وإن كان تأثيره أمام الكاميرا أكبر وأخطر منها على خشبة المسرح.

وتحدثت عمران في عديد المحاور المتخصصة على صعيد تحويل الدور إلى فكرة، كي يتكسب مصداقيته وعمقه، وعن ما وراء “الدور”، مشددة على أهمية ما وصفته بـ”بؤرة التركيز والجذب والاستمتاع” في التمثيل سواء على خشبة المسرح أو أمام كاميرات السينما، عبر العينين اللتين تربطان ما بين العقل والقلب، والصوت “رسول الممثل”، كما تطرقت للحديث عن الممثل الكاذب والممثل الصادق، خالصة إلى أن “أعذب الممثلين وأبرعهم هم أتقنهم لفن الكذب”.

من جانبها شددت الفنانة سهير فهد على فكرة الممثل المقنع .. وقالت: كي نصل إلى هذه المرحلة سواء على خشبة المسرح أو أمام الكاميرا، لابد من امتلاك المعرفة الحياتية علاوة على الموهبة والدراسة الأكاديمية، ولابد من تبني الشخصية، وتقدميها كل بلغته الجسدية والتعبيرية الخاصة، لافتاً إلى أن كل ممثل أو ممثلة له أو لها بصمته الخاصة هنا.

وأضافت: على الممثل أن يكون منسجماً مع الموسيقى، والإضاءة، والديكور المحيط به، وغيرها من عناصر العمل الإبداعي، لافتة إلى أن “البروفات” تشكل مساحة للمتعة لدى الممثل، حيث التجريب وإعادة الصياغة، وهنا الحديث عن المسرح، وعليه يكون العمل المسرحي هو نتاج هذه المساحة من المتعة التي تواصلت على مدار أشهر أو أقل أو أكثر.

ولفتت فهد إلى أن “الكاميرا لها تأثير كبير على الممثل، وتساعده في إبراز أدواته على عكس التمثيل المسرحي، مشددة على ضرورة التواؤم ما بين الممثل والمخرج في كامل مراحل تصوير العمل التلفزيوني أو السينمائي”.

وأجابت الفنانتان على أسئلة الحضور في تلك الندوة التي لم تكن مدرجة بالأساس على جدول المهرجان، ولكنها شكلت إضافة نوعية له، خاصة في ظل الغياب القسري للمبدعين العرب، الذين كان من المفترض أن يكونوا الشعلة المتقدة لندوات مهرجان فلسطين الوطني للمسرح .. ولكنه الاحتلال الذي يصر على عزل المثقف الفلسطيني عن عمقه العربي، ويعبر باستمرار وبوتيرة متصاعدة عن حالة الرعب التي يعيشها من الثقافة الفلسطينية التي هي فعل تعزيز صمود ومقاومة ضد هذا الاحتلال وسياساته العنصرية اليومية.

 

 

شاهد أيضاً

وادي الذئاب تعيد للمسرح الصومالي حياته بعد ثلاثة عقود من التوقف

        وادي الذئاب تعيد للمسرح الصومالي حياته بعد ثلاثة عقود من التوقف …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *