“تغريبة آدم الليلكي”.. حكاية الهاربين من الموت – لمى طيارة

آدم الليلكي
هرب إلى المجهول (لوحة للفنان عبدالله العمري)

“تغريبة آدم الليلكي”.. حكاية الهاربين من الموت – لمى طيارة #سوريا

رغم الجائحة التي حلت بالعالم بأسره، وأوقفت جميع نشاطاته وعلى رأسها الثقافية والفنية، مازالت وزارة الثقافة في مصر، على موعدها مع الكّتاب والباحثين والنقاد، في إبرام المسابقات وتقديم المكافآت التي اعتادوا عليها، وتأتي جائزة التأليف المسرحي كواحدة من تلك الجوائز التي توج عنها الكاتب والناقد إبراهيم الحسيني بالمركز الأول. “العرب” كان لها هذا الحوار مع الحسيني في إطلالة على عوالمه وتجربته.

توجت مسرحية “تغريبة آدم الليلكي” للكاتب والناقد المصري إبراهيم الحسيني بالمركز الأول في التأليف المسرحي، وذلك ضمن المسابقة التي عقدها المجلس الأعلى للثقافة في مصر وظهرت نتيجتها منذ أيام، وهي مسرحية تراجيدية مكونة من 13 فصلا.

تدور أحداث مسرحية “تغريبة آدم الليلكي”، التي ستصدر قريبا عن دار جملون، على مستويين، الأول في المقهى حيث تروي إحدى شخصيات العمل (ريتاج) قصة أبطال التغريبة (آدم وأمير وأماندا)، بينما المستوى الثاني فيصور هؤلاء الأبطال في عملهم بمزارع الورد حيث يقومون يومياً بقتل الآلاف من الورود كي لا يموتوا من الجوع، إلى أن يتم فصلهم من العمل بتهمه الحب لتبدأ رحلتهم الشاقة كمختطفين ومن ثم كمهاجرين عبر البحار، يتلقون كل أنواع القهر والذل والعذاب جرّاء المعاملة السيئة من مهربيهم أو بالأصح من مختطفيهم.

فصول الهجرة

يقول إبراهيم الحسيني “جاءتني الفكرة، وأنا أتابع وسائل الإعلام التي كانت ترصد جائحة كورونا وتسجل أعداد الإصابات والوفيات ونسبة الأطباء المصابين من جراء الاحتكاك بالمرضى، وكيف ينتقل الفايروس وما هي تداعياته وغيرها من التفاصيل”.

ويضيف “في الوقت عينه كنت أشاهد عبر قناة إخبارية، خبراً عن وفاة 13 رجلا، وهم في طريقهم إلى اليونان أو أوروبا، وتساءلت بيني وبين نفسي، في ظل ما يحصل في العالم وخاصة في إيطاليا مع انتشار كورونا ووفاة كل تلك الأعداد الكبيرة، هل مازال هاجس أو حلم السفر موجوداً لدى البعض، وهل أميركا واليونان وإيطاليا وأوروبا بالإجمال مازالت حلما بالنسبة إليهم، بمعنى هل يتركون الموت في بلادهم ليموتوا في البحر أو في أوروبا”.

قصة الهاربين من الموت إلى الموت
قصة مستوحاة من الجائحة

كتب إبراهيم الحسيني عن المهاجرين الهاربين من الموت إلى الموت، دون أن يحدد جنسيتهم، عن ذلك يبرر “حلم الهجرة مازال موجوداً ولا يقتصر على جنسية معينة رغم أن شعوب أفريقيا أكثر من يفكر فيه”.

لكن الفصل الثامن من المسرحية المعنون بـ”الحب داخل شاحنه غاز”، والذي يصوّر الساعات التي قضاها أبطال التغريبة داخل شاحنة الغاز أثناء تهريبهم، جاء مطابقاً إلى حد كبير بين عملين سابقين أحدهما أدبي والآخر سينمائي، فرواية الفلسطيني غسان كنفاني “رجال تحت الشمس” التي قام المخرج المصري توفيق صالح بتحويلها إلى فيلم سينمائي بعنوان “المخدوعون”، تصور أيضا رحلة الفلسطينيين الثلاثة الهاربين للعمل في الكويت، فيقوم المهرب اضطرارياً باحتجازهم داخل صندوق الشاحنة أثناء مروره من إحدى نقط التفتيش الحدودية، وكيف قضى هؤلاء الشباب نحبهم داخل الشاحنة أثناء ذلك الانتظار القاتل.

عن ذلك التشابه يقول الحسيني “في الحقيقة لم يسبق لي أن قرأت الرواية أو شاهدت الفيلم، وأنا في طريقي للبحث حول تلك الهجرة عرفت أن هناك طرقا معينة لنقل هؤلاء المهاجرين، ربما حتى أصعب من نقلهم ضمن شاحنة الغاز التي وضعتها في نصي، ولكن لا أعرف شخصياً لماذا فكرت بها”.

ورغم أن فكرة النص ومحوره الأساسي حول المهاجرين، إلا أن الكاتب لم يوفر فرصة المرور والتطرق لجماعة الحشاشين الذين يستغلون ضعف بعض المهاجرين فيسّخرونهم ويدربونهم لخدمة قضاياهم، ويأتي ذلك على لسان قاسم أحد المختطفين “يا ولدي أنت هنا من أجل خدمة بلادك وللانضمام لصفوف المحاربين ضد الأعداء”، وهي ليست المرة الأولى التي يأتي فيها الكاتب على ذكر تلك الفئة الخطيرة، فلقد سبق له وأن كتب منذ ما يقارب 15 عاما، نصاً مسرحيا بعنوان “جنة الحشاشين” حصل عنه على جائزة ساويرس الثقافية لكبار الكتاب في العام 2013.

يقول الحسيني عن تلك النقطة “في الحقيقة مازلت متأثراً بموضوع الحشاشين وعلى اطلاع كبير بتفاصيلهم، وأرى أنهم كجماعة مازالوا متمددين حتى هذه اللحظة، فمنهم اليوم جماعة متأسلمة هدفها الوصول إلى الحكم بأي صيغه كانت، وتتبنى نفس المبادئ التي كان يتبناها الحشاشون بقيادة حسن الصباح”. مؤكداً على أن نص “جنة الحشاشين” قد شكل مفصلًا هاماً في حياته ككاتب، رغم أنه حين كتبه كان يضع نصب عينيه على ما يحدث في الحاضر، دون أي التزام بالوقائع التاريخية المتعلقة بالحشاشين.

يبدأ الكاتب نصه بعبارة استهلالية، قد لا يعيرها القارئ انتباها كافيا عند قراءة النص، “هل يجب علينا دفن الجثث ثم إعادة استخراجها كي يتأكد المارة من هوية الموتى”، إلا أنه وبعد الانتهاء من القراءة سيتلمس معناها وقوتها، لأنها ستأتي لاحقاً على لسان سماحة، شخصية حفار القبور، الذي تفرغ لاستقبال جثث الموتى التي ابتلعها البحر ثم لفظها لاحقا.

عن تلك الشخصية يقول الحسيني “كنت قد قرأت مؤخرا، خبراً في إحدى الصحف العربية حول رجل تونسي ترك عمله وبدأ باستقبال ودفن الجثث التي تأتيه من البحر، وحين بحثت في الموضوع وجدت بعضاً من التسجيلات معه يتحدث فيها عن السبب الإنساني الذي دفعه لدفن هؤلاء الناس بدلا من تركهم، فتخيلت لو أنه أراد أن يصنع كياناً لهؤلاء الموتى وأن يكتب التفاصيل الخاصة بهم، فهل يمكن لحكومة بلاده أن توافق على ذلك، خاصة أنها تحتسب هؤلاء الموتى غير موجودين أو غير مهمين أو لا ينتمون لها”.

الوصول إلى العالمية

إبراهيم الحسيني: أحاول أن أهتم بلغة النص والشخصيات وأن أمنحه وقتا للمراجعة
إبراهيم الحسيني

معروف أن الكاتب والناقد إبراهيم الحسيني غزير الإنتاج فقد بلغت مجمل مسرحياته التي ألفها منذ تخرجه من المعهد العالي في العام 1998 وحتى اليوم ما يقارب 35 نصاً مسرحيا، معظمها باللغة الفصحى، نفذت على الأقل 30 منها كعروض مسرحية، كما أنه بات من القلائل الذين يتصدرون جوائز التأليف ليس فقط في مصر بل في العالم العربي.

عن ذلك يقول “السبب في الجوائز ربما يعود لأنني أكتب بصدق، سواء كمؤلف أو حتى كناقد، رغم أنني منذ ثلاث سنوات توقفت تماماً عن كتابة النقد خاصة بعد أن شعرت أنه لا يحتوي على أي إسهام حقيقي وربما لا يختلف عما يكتبه باقي النقاد، وتفرغت كلياً للتأليف، أحاول أن أركز وأهتم كثيراً بلغة النص والشخصيات، وأن أمنحه الوقت الكافي للمراجعة، بالإضافة إلى أن جل مطالعاتي في علوم إنسانية بعيدة عن المسرح، كالقصص والروايات وغيرها، أكتب عندما أريد أن أكتب وليس كوظيفة”. مشيراً إلى شعوره بالحرج في حال كتب نصا وأراد إرساله لمن يقرأه ويقيمه ويبدي ملاحظاته عليه، الأمر الذي يدفعه لتقييمه بنفسه كناقد.

أما بالنسبة إلى الكتابة بالفصحى مؤخراً فيقول الكاتب “يعود الأمر لتأثري بالمسرحي السوري سعدالله ونوس الذي انشغلت بكتاباته منذ رسالة بحثي عنه والتي نلت عنها جائزة سعاد الصباح في النقد سنه 1999، وأعتبره من أهم الذين شكلوا وجداني في الكتابة، فلقد اطلعت على كل أعماله بدءاً من التي كتبها في العام 1964 ‘ميدوزا تحدق في الحياة’، ‘فصد الدم’، ‘عندما يلعب الرجال’، ‘جثة على الرصيف1964’، وصولاً إلى ‘سهرة مع أبوخليل القباني’ و’الملك هو الملك’ (1978) ومرحلة توقفه عن الكتابة لمدة 11 عاما، ليعود في العام 1990 مع جواد الأسدي في مسرحية ‘الاغتصاب’ التي أعدها عن نص للكاتب الإسباني أنطونيو باييخو بعنوان ‘القصة المزدوجة للدكتور بالمي’، إلى أن توفي في العام 1997 بعد أن كتب مسرحيته ‘بلاد أضيق من الحب’، استفدت كثيرا من طريقته وخاصة شفافيته في الكتابة، بالإضافة إلى استفادتي بالعموم من المواضيع (الثيمات) العالمية، والتاريخ الذي أستلهم منه ولكن وفق مقاييس اللحظة التي أعيشها الآن”.

ويعتبر الحسيني من المحظوظين لأن أعماله وصلت إلى العالمية، فلقد ترجمت مسرحيته “كوميديا الأحزان” إلى عدة لغات أجنبية، ونشر عنها مقالات نقدية في كل من أميركا اليوم وفي نيويورك تايمز، بعد عرضها في البيت الفني للمسرح، ولفتت تلك المقالات نظر جامعة هارفارد في بوسطن، لأن النص لم يتحدث عن ثورة 25 يناير، بل عن انعكاساتها عند بعض الناس الذين لم يعايشوها أو شاركوا فيها، فترجم العمل وعرض داخل جامعه هارفارد في بوسطن، ولاحقاً في سبع جامعات أميركية أخرى، ثم بشكل احترافي على مسرح من مسارح برودواي مع ممثلين أمريكان، من ضمنهم ابنة إدوارد سعيد .

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش