تداعيات ‘حرب السوس’ دلاليا

عمد خطاب عرض مسرحية “حرب السوس” وهي رابع عروض مهرجان العماني السادس من 1- 15 ديسمبر/كانون الأول الجاري في مدينة نزوى, تاليف حميد فارس واخراج مرشد راقي, عمد الى الترميز الدلالي.

ومنذ اللحظات الاولى للعرض وعبر وسيلته الدرامية “دودة السوس” التي تنخر أشياء عديدة ومنها الاشجار والنخيل, الى ذلك الشر الوافد لناس المزرعة الطيبين والمسالمين بوصفهم الطرف المستهدف في هذه الحرب.

ويبدو ان مفردة “السوس” هذه ولرمزيتها العالية قد جذبت عددا من كتاب المسرح العربي ليتخذوا منها ثريا نصوصهم المسرحية, فبالأمس القريب غادرتنا المسرحية التونسية “سوس” او “ياجوج”, من تاليف الشاعر عبدالوهاب ملوح، واخرج نزار السعيدي، والتي تدور أحداثها في مستشفى, وايضا مسرحية “السوس” اعداد واخراج أحمد عبدالباسط لفرقة الناصية محافظة البحر الاحمر بمصر.

وفي مصر أيضا مسرحية “السوس يا بلد”، هذا الى جانب عنوانات أخرى مقاربة عالميا وعربيا. كلها تشير الى ذلك الوافد الخبيث الذي يحاول نخرنا فيسوس فكرنا ورحنا وجسدنا, ومن هنا يبدأ التصدي والتحدي ومن ثم توجب الانتصار.

لسنا بصدد المقارنة ما بين نص المؤلف ونص المخرج لان خطاب العرض ذاته هو الحاوي الرئيس لكلا النصين, برغم ان المخرج قد حذف الكثير من أوراق نص المؤلف الذي فاضت في سردية حوارية مسهبة للتاكيد على أفكار النص وشخصياته ومواقفه المتعاقبة, إلا إن هذا الحذف لم يخلخل من بنية النص الاصل أو البنية الفكرية لخطاب العرض برمته, بل ان الحذف عمد الى تكثيف الافكار الرئيسة والتركيز على الحوارية التصاعدية والمحورية.

كشف العرض عن العلامة الكبرى التي احتلت فضاء العرض وهي تلك الشجرة المقلوبة على رأسها مكونة أغصانا متدلية اتخذت شكلا عنكبوتيا جاثما على صدر العرض دون حراك لندخل في المشهد الاستهلالي للعرض مع جملة “ذبحني السوس” أو “دخل جسمي السوس” دون ان يمهد لنا ولو بشكل غير مباشر الى تثوير اسئلة لنذهب في البحث عنها وسط دائرة التلقي التي تحتوينا طيلة فترة العرض.

وحسنا فعل المخرج توظيفه لمفردة “سعف النخيل” – التي شكلت علامة مركزية ثانية – متحركة لا ثابتة, راحت تفترض المكان والتحولات المنظرية حينا, لكنها وقعت أيضا في فخ التكرار جماليا, وهي نفسها رمزت الى ذلك السور المتين الذي لا ينبغي ان يفتح بابه مطلقا للاغراب والناقمين على مزرعتهم الطيبة.

وكان للتوظيفات الصوتية الموسيقية التراثية حضورا فاعلا مع الحدث وحققت انسجاما مع نسيج العرض وروحه، الامر الذي أسهم في تفعيل الايقاع وتناغمه شكلا ومضمونا لولا لحظات الصمت غير المسوغة أحيانا بين حوارية الشخصيات في الاستلام والتسليم مما أحدث خفوتا إيقاعيا في لحظات عديدة من العرض.

مجموعة العرض من المؤدين والمفعلين للتشكيلات المنظرية كان المخرج قد استهلكهم كثيرا في تكرارية التشكيل والانتقال من مشهد الى آخر, ربما كانت صفة التنوع والتغيير الشكلي والانتقالي هي الصفة الاكثر حضورا وفاعلية لمناطق العرض وجمالياته السينوغرافية.

اذا كان الأب يرمز الى التاريخ, فكانت البنت ممثلة لهذا الامتداد التاريخي المعاصر في كونها ستظل الحامية للباب الآمن الذي يحمينا ويحمي ديرتنا من خطر “السوس” الوافد لنا أو المسلل في غفلتنا احيانا, وهو احالة الى “الارهاب” وبشتى أنواعه وأهدافه ضد مجتمعاتنا العربية المسالمة والتي ينبغي لها ان لا تغفل عنه وتعمل على التصدي له بكل يقظة وحذر دائمين.

اما التمثيل فقد تباينت القدرات الادائية بين الممثلين الا انهم طاقات شبابية واعدة من شانها أن تحقق حضورا مستقبليا مهما, لكن من الاشارة هنا الى الفنان طالب كحيلان الشهري، والى الفنانة سميرة الوهيبي، لتميزهما في تقمص الشخصية وحرصهما على تواصلية هذا التقمص بموهبة مائزة.

 

أ. د. محمد حسين حبيب

http://middle-east-online.com/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *