تجليات المراقبة والعقاب في عرض gate 7 / د .سعد عزيز عبد الصاحب

نشر / محمد سامي موقع الخشبة

تستمد مسرحية gate 7 نص (عواطف نعيم) واخراج (سنان العزاوي) قدرتها التعبيرية المتفوقة من فواعل ما بعد الحداثة بسمات التشظي واللاتمركز والتكرار والكولاج والقبح الجميل بفرضية اللعب الفني (التمسرح) المستنطقة لمضمرات السياسي والديني والثقافي بالكشف عن نتائج ثورات الربيع العربي وبأخذها لعينات (شخصيات) متعددة الانتماء الايديولوجي والوطني (عراقيان مغربي تونسي فرنسية سورية مصري) يلتقون في محطة (مترو) في بقعة ما من العالم نفهم من خلال وسائل الاعلام الـ(ميديا) المجسدة على شاشة خلفية (داتا شو) ان هناك ارهابي يحمل حزاما ناسفا قبع في البوابة رقم 7 فيبدا الشك وعدم الوثوق يداهم الشخصيات في ايهم الارهابي ويبدأ الفضح للوقائع بكل قسوته اللغوية والجسدية والنفسية والادانة المرة للافكار السلفية والرجعية والراديكالية على لسان الشخصيات كل من من منطلق فهمه وايديولوجيته التي يقف عليها فالفرنسية (الرسامة) بنظرها ان جميع العرب ارهابيين فهي تستعيد برسمها كاريكاتيريا لصورة الرسول العربي حادث المجلة الفرنسية الشهير وهي من وجهة النظر العربية مذنبة فالمصري الاخواني يرفض هذا الفعل ملطخا بيده الحمراء صورة الكاريكاتير(ان شانئك هو الابتر) والفرنسية تصرخ وتدين عملية تلطيخ عملها الفني وتخريبه لانه من وجهة نظرها مجرد عمل فني لا يملك محمولا سياسيا ولا يستوجب كل هذا الانفعال والغضب تجاهه ، ادت الشخصية وبظهور اول باهر على المسرح الممثلة (اشتي حديد) وبحوارات باللغة الفرنسية من بداية المسرحية الى نهايتها، ومن الطريف عدم استعانة المخرج بوسائل ايضاح او ترجمة تعكس على شاشة كما هو متعارف عليه انما جاءت الترجمة غير مباشرة من قبل الشخصيات الاخرى بحواراتها التي ترد وتجيب على الفرنسية وببعض التلميحات المكتوبة التي هي من ضمن الفعل المسرحي ..تشير دلالة المهيمن اللغوي الفرنسي في العرض على الهيمنة (الكولونيالية) في ضوء اللغة الغير مترجمة التي جاءت على لسان العراقيان لغة بلهجة دارجة خبئت ورائها اسرارا ومواربات فضحت جريمة قام بها الابن (سبايكر) والاب الذي هرب ولده ووصل به الى بقعة نائية الا انه لم يستطع ان يخلصه من رائحته النتنة التي بقيت لصيقة بولده.. (الابن: اريد مي.. انطوني مي..) لينظف نتانته الازلية العصية على المحو بفعل القتل في استعارة ذكية للرائحة وبعدها التاريخي في حوار الليدي مكبث في المسرحية الشكسبيرية الشهيرة لينتهي منتحرا على مرآ من الاب الذي مثل شخصيته الممثل (نظير جواد) بوثوق وثبات واسترخاء ووضوح صوتي لافت وقام بدور الابن الممثل (وسام عدنان) بتوتر نفسي شديد واشمئزاز وقلق رهيب تتطلبه شخصية القاتل ..عكسه على صفحة ادائه المتوثب.. لقد فضح العرض جميع شخوصه وكشف مضمراتهم بفعل (التعري) الجسدي الذي هو كناية على فضح الذات وما خبئ من اسرارها فالإخوان المصري يحاول ان يتستر بصلاته وتلاوته لمقاطع من القران ممجدا لثورته المسروقةـ حسب زعمه ـ ولائما العلمانيين والليبراليين على وأدهم لثورته الشرعية .. والعلماني التونسي يفضح الاسلام الراديكالي المتقنع بمقولات دينية والذي سرق الثورة في بلاده .. ادى شخصية المصري (ياسر قاسم) بروح تقمصية واطلالة مائزة ووضوح صوتي مستنهضا لوازم الشخصية ومكياجها الداخلي والخارجي وضبطه للهجة المصرية، كما قدم (علاء قحطان) في افضل ادواره على الاطلاق شكلا لشخصية التونسي المتنور والاحتجاجي بأداء حيوي واضح حيث لم يغفل بحركته السريعة وتحولاتها المستمرة الوضوح الصوتي على الرغم من صعوبة اللهجة التونسية حيث كان في قلب الدور .. اكتشف المخرج (العزاوي) ما يسهم في تطوير وبناء عمل الممثل على الصعيدين النفسي والحركي من مفردات (ازياء واكسسوار) هي من ضمن مكياج الشخصية الداخلي والخارجي ، فالسورية التي تنقلت في اسواق النخاسة (الداعشية) واستبيحت من عشرات الرجال بذريعة (زواج النكاح) لفعت نفسها ب(قفطان)(بالطو) طويل نتن الرائحة وثوب داخلي ممزق تلك الرائحة الخاصة بها والتي لا يشتمها احد غيرها والتي علقت بالقفطان الموشى بتاريخ من العذاب والاستباحات والالام، تمكنت الممثلة (اسراء العبيدي) في اداء قطعة تراجيدية نادرة للسورية المهاجرة بميكانزمات ادائية داخلية مشحونة وقاسية وانفعالات مضبوطة صوتيا وجسديا وجرأة لافتة على خشبات مسارحنا ازعم ان اسراء جاءت اضافة ادائية مهمة للعرض ولجسد المسرح العراقي في المستقبل ، اما (المغربي) (المهرب) الذي كان (داينمو) العرض والرابط لكل الاحداث هو القطعة المكملة او الجسر الرابط للفعل او كأنه استعاضة عن الجوقة الغنائية الاغريقية بصوت غنائي صوفي يحتفي بفكرة التصالح بين العلماني والديني/السلفي هو المعادل الموضوعي للمضمر والمكبوت هو الاشهار والمكاشفة هو النقيض فيقدم (الدف) للاخواني الاسلامي ويدعو السورية للرقص على جمر اوجاعها، مثل المغربي الممثل(حيدر خالد) بعودة قوية لمضماره الفني بروح تقمصية ولهجة غاية في الوعورة اوصلها لنا بيسر ومرونة حركية بتفجرات غنائية عرفانية مائزة .
بقيت قيمة العرض الفنية مرهونة بمستوى اللعب في الفضاء الذي شيده الممثلون ببنى مشهدية تكرارية مراقبة من قبل روح علوية وشخص متستر يرن هاتف الخوف بلحظة ويقذف حقيبة التنصت بلحظة اخرى ، الكل يتنصت على الاخر لا اسرار والكل يمتلك سرا يمتلك خطيئة، كاميرا خلفية مراقبة .. كاميرا البوابة .. كاميرا الذات انها تجليات المراقبة والعقاب ـ حسب فوكوـ فكل شئ يدور بفعل فاعل يرقب وينصت لما نفعل ويدير اللعبة من علية ملتبسة يعاقبنا ويحتفي بعقوبته لنا، انه يلعب بنا، بنهاية دائرية ينتهي العرض وبلا ستارة تغلق او تفتح وبلا موسيقى سوى ضجيج يصم الاذان واستغاثات من قاطرة مهجورة تنفتح على المجهول .

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *