تاريخ العنف ضد الأطفال في المسرح العالمي والسير العربية

510114_0

 

قدم الدكتور مخلد الزيودي ، أستاذ مشارك بقسم الدراما – جامعة اليرموك، ورقة بحثية مهمة تتناول دور المسرح في ترسيخ القيم المجتمعية منذ بدايات المسرح العالمي حتى الآن.

جاء ذلك خلال الندوة الفكرية التي نظمها مهرجان الإبداع الطفولي بعمان في الفترة من 22 إلى 31 أغسطس الجاري.

وجاءت الورقة البحثية تحت عنوان، آليات حماية الأطفال في مواجهة مظاهر العنف المجتمعي .. هل المسرح البيت الآمن للطفولة المعذّبة وقال في بحثه: «منذ البدايات الاولى ومنذ ان غادر الطقس الديني المعابد معلنا ميلاد طقس جديد اسمه المسرح ومنذ ان تم الفصل مابين الواقع والمتخيل ومنذ ان تم تحديد العلاقة بين المرسل والمستقبل كان الطفل حاضراً يعرض قضيتهُ ويأسهُ وتعاستهِ وشقاؤه واشكال العنف والقهر والخوف التي مورست ضده».

وتضيف الدراسة: «كانت الصرخة الاولى صرخة اوديب الطفل، يسود صمت رهيب وتبدأ رحلة البحث عن حل،التخلصِ من الطفل الكارثة فيمارس الاب ضدهُ كل الوان العذاب لتجتمع السلطتين سلطة القدر وسلطة النظام الابوي فيتخلى القدر عن الطفل الوليد ليواجه مصيره وحيدا فيعلق من قدميه ليخرج بعاهةٍ جسديه رافقته طوال حياته لتكون شاهد على فضاعة الفعل البشري وقسوة القدر. من هناك ومن على أول خشبةِ مسرح عرفها الجمهور بدأت حكاية العنف ضد الطفل الى يومنا هذا ليرث الطفل فكرة العنف والانتقام والحقد والكراهية نموذجاً نتذكرهُ كلما صرخ طفلٌ في فضاء الواقع والافتراض».

وبالرغم من ان المسرح العالمي غادر المربع الاول، بتخليه عن الاسطورة، ها هو شكسبير الذي التزم بقاعدة من قواعد المسرح اليوناني من خلال تنفيذ مشاهد القتل بعيداً عن اعين المتفرجين خارج خشبة المسرح الا انه يصدمنا من خلال مشهدا دموي صارخ عندما يُقدم; الوحش البشري البوليس السرّي – فريق التصفيات الجسديه – بأمر من الجنرال الطاغيه مكبث على قتل طفلٍ لم يتجاوز الثماني سنوات (ابن مكدف ) على مرأى من امه والمتلقي والكل مسلوب الارادة .

في ظل القيم الجديدة التي فرضها الواقع المعاش في اوروبا، وانعكاساتها الايجابية على المسرح استمرت رحلة اليأس والشقاء والطفولة المعذبة ليطرق; ابسن; بيد (نورا) باب بيتها – بيت دمية – بيت اوروبا، لتهز العالم

بأسرهِ احتجاجاً على ما تمارسهُ السلطة سلطة الزوج وغياب التشريعات فتترك اطفالها (ايفر،بوبيوايمي) ضحية للقيم والعادات الاجتماعية البالية.
بيت دميه، كانت ثورة اجتماعية حقيقية ارّغمت اوروبا على اصدار تشريعات تحمي الطفل والاسرة والمجتمع والدولة من عبث العابثين. قائد هذه الثورة لم يكن جنرال في الجيش، او سياسي قفز من حضن السلطة الى حضن المعارضة هو كاتب مسرحي حُرّ.

وتابع الزيودي: «إن استدعينا الزير سالم نموذج للبطولة وقصصنا سيرته للصغار والكبار، نموذج للثأر فبني قصورا من جماجم ابناء عمه واقسم ان لايبقي منهم (شفيع ورضيع) وفجأة يظهر طفل يعرف امه ولا يعرف اباه فيهدد الجليلة امه ويشكك بشرفها، فتكشف له نسبه انه (الجريوي هجرس) ابن كليب، وتُستغل براءة الطفل ابشع استقلال فيزرع عمه الفارس المغوار الزير سالم الضغينة في صدره فيدفعه الى قتل خاله جساس غدرا في ساحة المعركة. لتبدأ رحلة الشتات لمن بقى من قوم جساس النساء والاطفال والشيوخ. فأن هزّت طرقة باب (نورا) اركان اوروبا، فنحن خلعنا الابواب والشبابك منذ عصر الزير والهجرس ولا زلنا نردد الصيحة اياها ( يا لثارات كُليب)».

استدعينا ابو زيد الهلالي سلامه ذاك الوليد الاسود ابن الحرّة – الخضراء – لتُتهم بشرفها وعفتها ويتم طردها من حضيرة النساء ملطخة بالسواد وتحمل طفل العار بين يديها تطوف بالقبائل لعل احدا يسمع روايتها.

كما طافت شخصيات براندللو التي شكلت وصمة عار في جبين اوروبا، ووثيقة ادانه صارخة للمؤسسة الدينية قبل السياسية وآثار الحرب الاجتماعية على المجتمع واهم اركانه الام والطفل؟ كان الطفل حاضرا في ثنايا الارث الذي اعدنا انتاجه لكن اي حضور واي اثر تركه العرض المسرحي الموجه للكبار والصغار، ليصنع رأي عام ضاغط يُرغم المشرّع على وضع قوانين تحمي الام والطفل والاسرة والمجتمع من التغوّل عليهم؟ وامتهان كرامتهم وانسانيتهم وتشردهم وجوعهم وقتلهم وغرقهم وعمالتهم، وانتهت الدراسة بأننا لم نكتف ولم نتعلم، استدعينا في معظم عروض الطفل قوى الشر والظلام والعنف والكوابيس والاحلام المزعجة لتطارد الطفل في يقضته ومنامه فهددناه بالغولة شعرها اسود كثيف، لها اسنان طويلة وحاده تأكل الاطفال، الساحرة الشريرة تحول الطفل الى جماد او حيوان، ابو رجل مسلوخه كائن مسخ يأخذ الطفل ويسلخ جلده عن عظمه ولا يمكن ان نكون ثوارا ومناضلين ونخشى السلطة في أن معاً، لا يمكن ان ننقذ انفسنا واطفالنا ومجتمعاتنا ونحن نخشى الغرق. لا يمكن ان نخوض معارك للتحرير ونخاف الموت.

ولا يمكن ان نرتقي بمسرح الطفل ونتركه لمن امتهنوا الكتابة فأعادوا انتاج حكايات الخوف والرعب والكراهية وقوى الشر ونبذ الآخر واقصاءه. على اعتبار ان الدراما صراع بين قوى الخير والشر، والصراع عمود الدراما، لم يكن الخلل في العامود؟، بل كان بمن وضعه في غير مكانه فكان السقوط.

لايمكن ان نحدث نقلة نوعية اذا تركنا مسرح الطفل لمخرج لم يجد له مكان في مسرح الكبار، فتسلل الى مسرح الصغار ليجرب حظه، وتركناه لمؤسسات حكومية يتولاها موظفين باسم المسرح لا يميّزون بين المسرح المدرسي، مسرحة المناهج، النشاط في الغرفة الصفية، التربية الدراميه والدراما التعليمية ومسرح العرائس.

وأنهي دراسته قائلا: اخيرا، وللاجابة على السؤال عنوان الندوة فأن المسرح هو البيت الآمن للطفل وللاسرة ان امتلكنا الشجاعة في الاجابة على اسئلة الطفل بدون استثنا، وان تخلينا عن الكذب على الطفل.

 

محمد الكفراوي

 

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *