«امرأة وحيدة» بروح مصرية أصيلة على مسرح الطليعة/هند سلامة

 

 

المصدر/روز اليوسف/ نشر محمد سامي موقع الخشبة

من أكثر العروض المسرحية صعوبة التى يتورط فيها الممثل مع الجمهور هى عروض المونودراما، والتى تعتمد فى الأساس على ممثل وحيد يواجه الجمهور بمفرده لمدة ساعة أو يزيد، مثل العرض الذى نحن بصدده اليوم «امرأة وحيدة» أو «واحدة حلوة» كما أراد أن يطلق عليه معد ومخرج النص أكرم مصطفى، والذى انتهت أيام عرضه الأربعاء أمس الأول بقاعة صلاح عبد الصبور بمسرح الطليعة استعدادا لاستقبال شهر رمضان غدا السبت، ليعود العمل من جديد كى يستأنف أيام عرضه عقب انتهاء الشهر الكريم.
«واحدة حلوة» عن نص «امرأة وحيدة» للكاتب الإيطالى داريفو الذى كتبه بصحبة زوجته فرانكا راما حيث أراد الاثنان تجسيد معاناة المرأة فى يوم من حياة هذه السيدة الوحيدة التى قررت أن تحكى لأول شخص تلقاه من أمام نافذتها عن كل ما حدث لها من مآسى إنسانية كامرأة لمجرد أنها امرأة، جسد هذا النص ولخص كل ما يدور بخلد النساء من أفكار عن الحب والعلاقات العاطفية من خلال سيدة قرر زوجها أن يحبسها بالمنزل بعد أن اكتشف خيانتها مع مدرس شاب يصغرها بخمسة عشر عاما، وبعد أن فضح أمرها أمام زوجها قررت المرأة الانتحار حتى تهرب من مواجهة الحياة بعد صدمة مراقبتها لها، وسرعان ما نكتشف من خلال حكايات هذه السيدة لجارتها الجديدة عن أزمة علاقتها الحميمية بزوجها طوال تلك السنوات وأن هذا الشاب حين عناقها وقبلها اكتشفت معه أشياء أخرى لم تشعر بها ولو مرة واحدة برغم أنها أنجبت مرتين..!!
لم يتوقف النص عند تحليل أو استعراض أزمة علاقة هذه المرأة بزوجها فحسب بل عن أزمة نظرة الرجل للمرأة بشكل عام بمعنى أدق أراد الكاتب أن يشير إلى عقول الرجال فى مقابل مشاعر النساء، فحتى هذا الحبيب الذى توهمت أنه يعشقها لم يكن سوى رجل مثل كل الرجال أراد الاستمتاع بجسدها كما يفعل زوجها على طريقته وشقيق زوجها المعاق الذى يعيش معهم رغم إرادتها ويحاول ملامستها والتحرش بها وغيرهم من الرجال ممن يتلصص عليها من النافذة ومن يحاول مداعبتها جنسيا عن طريق الهاتف، هكذا نحن أمام نص مسرحى يشرح عقل الرجل ونظرته للمرأة المنحسرة فى العلاقة الجنسية فقط دون الشعور بها أو التفكير فى احتياجاتها الإنسانية، وبما أن المجتمع المصرى اليوم أصبح يعيش أزهى عصوره فى تسجيل أعلى معدلات الإنفصال والطلاق وفشل العلاقات العاطفية فكان اختيارا موفقا من المخرج إعادة قراءة وتمصير هذا النص بما يناسب مجتمعا شرقيا.
تخلى أكرم فى إعداده للنص المسرحى الإيطالى عن تقديمه كما هو سواء فى الأحداث أو فى تقديمه باللغة العربية الفصحى مما ساهم فى جعل النص أكثر قربا وحميمية من الجمهور باعتماده على اللهجة العامية المصرية واستبدال عادات المجتمع الأوروبى بما يناسب عادات زوجة مصرية بسيطة قد تهوى بمجرد التفكير فى شخص آخر والخروج معه، فهو ما يعتبره زوجها والمجتمع عملا مشينا وخيانة فاضحة خاصة عندما وجدها بين أحضان هذا الشاب ففى العرض المصرى كان الفتى يعمل مدرساً خصوصياً لأحد أبناء الجيران، بينما فى النص الأصلى كان الفتى مدرسا خصوصيا للزوجة البائسة التى طالبت زوجها بأن يحضر لها من يعلمها اللغة الإيطالية حتى تقوم بتعلم شىء جديد فى الحياة وتقع فى غرامه ويدخل الاثنان فى علاقة عاطفية كاملة وشرح داريفو تفاصيل العلاقة بينهما وتفاصيل معاناتها الجسدية أثناء مضاجعة زوجها، بينما تخلى مصطفى فى إعداده المسرحى عن دقة الشرح والتفصيل واكتفى بالإيحاء والتلميح بما تعانيه هذه السيدة، مما يؤكد حرصه الشديد على إظهار الاختلاف العميق بين مساحة الخيانة المتاحة للزوجة المصرية والمتاحة للسيدة الإيطالية، كما أنه ليس من المنطقى أن يتطوع زوج فى أى مجتمع شرقى مهما بلغت درجة انفتاحه الفكرى بإحضار مدرس خصوصى لزوجته كى يعلمها لغة أو فناً، وكذلك ظهرت مصرية العمل بشكل أكبر فى تراجع شخصية الزوجة فى الإتيان بكثير من الأفعال التى قد يؤاخذها المجتمع بسببها ليس فقط فى عدم الوصول لهذه العلاقة إلى حد المضاجعة، ولكن فى عدم تخلصها فى مشهد النهاية من زوجها كما فعلت الزوجة الإيطالية بالنص الأصلى، ففى نص مصطفى فضلت الزوجة التخلص من نفسها حتى تنجو من تعذيب زوجها والرجال من حولها وكى تنجو من لوم مجتمع لن يرحمها إذا قتلت زوجها، وهو ما يوحى بمدى البؤس والخوف الذى قد تعانى منه المرأة فى مجتمع شرقى فى مقابل جرأة المجمتعات  الغربية.
عادة تتجه الكاتبات أو المخرجات لتقديم هذه النوعية من النصوص المسرحية وقلما نجد رجلا يرى المرأة من الداخل بهذا العمق وهذه الحرفية التى قدم عليها أكرم مصطفى إعداده وإخراجه المتميز لنص داريفو، بجانب أن هذه النوعية من النصوص تمس المجتمع المصرى من الداخل خاصة فى هذه الأيام فكم من بيوت خربت وأخفت أسرار خرابها وراء الجدران بسبب انفصال الزوج والزوجة إنسانيا وجسديا لكن لم يفصح أحد عن هذا السبب ويبقى عادة طى الكتمان، ففى داخل قاعة المسرح الصغيرة وداخل هذه الجدران التى تحولت إلى منزل لأسرة مصرية بسيطة أطلت علينا الممثلة مروة عيد الزوجة المحبوسة من نافذة هذا المنزل لتكشف لنا عن هذه الأسرار، والذى صممه بمهارة مهندس الديكور فادى فوكيه حيث فصل بين الممثلة والجمهور بهذه النافذة التى وضعت وكأننا نرى الممثلة من شرفة منزل كئيب مقابل للمسرح فنجح هذا الديكور فى وضع الجمهور مع مروة داخل منزلها المصرى البسيط، وكأن الجمهور هو جارتها المتخيلة التى تحدثها وتشاركها أحزانها طوال الوقت.
كما أشرنا فى بداية المقال من أصعب العروض التى يتورط فيها الممثل والجمهور عروض المونودراما وورطت وتورطت مروة فى هذا العرض مع الجمهور الذى استطاعت السيطرة عليه بقوة واقتدار وبمهارة ممثلة محترفة للغاية، فلم يغفل الحضور عنها لحظة واحدة ولم يمل أحد منها طوال فترة العرض الـ55 دقيقة وهى فترة طويلة فى عرف المونودراما، قدمت مروة الشخصية وكأنها تقف أمام كاميرا تليفزيون فلم تشعر أنك تشاهد مسرحية بل أحد الأعمال الدرامية المعروضة على الشاشة، وانتقلت بالجمهور من حالة البهجة التى كانت عليها وهى تقوم بكى ملابس زوجها وإعداد متطلبات المنزل على أغنية «أنا بستناك» للفنانة نجاة إلى أقصى حالات الحزن القاتمة بحديثها عن الانتحار ومعاملة زوجها لها وكيفية استعماله لجسدها كامرأة ثم وصولها إلى ذروة اليأس وشدة الألم والكراهية لكل شىء حولها، فنجح أكرم مصطفى فى هذا العمل مرتين المرة الأولى بإعداده المصرى الأصيل شديد العمق والحميمية والثانية فى إلقاء الضوء وكشفه عن موهبة مروة عيد التى وضعت قدميها على طريق النجومية.

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *