الى حسن عطية كُلَّ الوفاء.. – د. بشار عليوي #العراق

عطية
من مؤلفات الراحل د.حسن عطية

الى حسن عطية كُلَّ الوفاء.. – د. بشار عليوي #العراق

بمُناسبة مرور 40 يوماً على رحيل فقيدنا الغالي أ.د. حسن عطية, الناقد المسرحي المصري والعربي الكبير , يتجدد الحديث عن الشخصيات الاستثنائية في حياتنا , بما يتطلبهُ من توافر مُفردات وتراكيب نصيّة استثنائية , تُحايث أثرها الوجودي لدينا لأنها قِلة قليلة قياساً لما هوَ مُتاح أمامنا من ذوات تتحرك , لكنها ليست بذات القدر والأثر البارز كالذي تتركهُ الشخصيات الاستثنائية .

وعندما يُغادروننا الى اللا عودة , تكون فاجعة الفقد أليمة جداً , فكيف يكون الكلام والوصف حينما يتعلق بالناقد والاستاذ والمُعلم المسرحي والاستثنائي والأب والسند والداعم فقيدنا الغالي أ.د. حسن عطية . كلماتنا خجلى إزاء رحيل هذا المُفكر والانسان الاستثنائي فلا يُمكن على المدى المنظور تعويض خسارتنا برحيلهِ رحمة الله عليهِ . الحديث طويل جداً عن شخصيتهِ الفذة ودورهِ الفاعل في حياتنا الانسانية والمسرحية , ودعمهِ اللامحدود لنا في جميع المحطات . شفاف .. طيب .. كريم .. مُحب .. نبيل .. معطاء .. عصامي .. يفتخر بنا حينما نُنجز هذا النتاج أو ذاك , حينما يبث فينا كُلَّ ما لديهِ من طاقة ايجابية تاركاً جسدهُ وقلبهُ يحترقان بُغية إنارة الطريق أمامنا معرفياً وانسانياً .

تَتناسلّ الأسئلة واحدة تلو الأُخرى لتقذف نفسها أمامي , وأنا أُحاول بكُل ما أملك أن أُجيب عليها : لماذا حسن عطية بالذات من كانَ لي خلال السنوات المُنصرمة بمثابة الأب .. المُعلم .. السند ؟ ما الذي فعلهُ هذا الرجل المعطاء من أثرْ , حتى يترك كُل هذا التأثير البالغ فيَّ ؟ لمَ هوَ بالذاتْ قد توافرَ على جميع مُعطيات الأُبوة الحَقْة لأُبادلهُ بالبِنوة وبجميع جوارحي ؟ لأنهُ وبِكُل بساطة حسن عطية , الأُستاذ والمُربي الفاضل والناقد المعرفي والمُثقف العضوي والإنساني حَدْ الثمالة الذي لا يشبههُ أحد لأنهُ لا يشبه إلا نفسهُ وهذا مبعث فخري ومصدر سروري أن بَعثَتْ لي الحياة عطاياها الجميلةِ , فكانَ منها أُستاذي (الذي لم أنال شرف التتلمذ تحت يديهِ الكريميتين), والذي عشتُ معهُ أجمل محطات عمري ,فكانَ بالنسبةِ لي أباً ومُعلماً وسَنَداً .

تعرفتُ إلى د. حسن عطية , بدايةً عبرَ نتاجه النقدي من خلال كتابهِ( مسرح أمريكا اللاتينية) وما أجمل لحظات التعارف حينما تبداً عبرَ المعرفة ولأجل المعرفة لأتعرف عليهِ وعن قُرب بوساطة صديقي وأخي الحبيب د.عامر صباح المرزوك (الذي كان السبب في هذهِ المعرفة الجميلة) في عام 2010 حينما كانَ في مرحلة الانتهاء من مرحلة ترشيحه من جامعة بابل بُغية الحصول على شهادة الدكتوراه من المعهد العالي للفنون المسرحية بالقاهرة وأخبرني وهوَ في خضم استصدار الاوراق الثبوتية والعلمية من المؤسسات الرسمية العراقية داخل العراق وسفارة جمهورية مصر العربية ببغداد وكنتُ قد رافقتهُ في العديد من رحلاتهِ بين الحلة وبغداد , بأنهُ يسعى أيضاً للظفر بإشراف واحد من أبرز نُقاد المسرح المصري والعربي فقال لي بأنهُ سيصبح محظوظاً لو حققَ ثاني أهدافهُ من دراسة الدكتوراه في اكاديمية الفنون بالقاهرة بالظفر بخدمات أحد أهم اساتذة المعهد والاكاديمية وأهم وأبرز النُقاد المعروفين كي يكون مُشرفاً على رسالة الدكتوراه خاصتهُ , فسئلتهُ , من هوَ هذا الناقد , فقال لي والفرح والثقة على مُحياهُ , أنهُ الدكتور حسن عطية وأني أطمح لأنال شرف أي يكون , قلتُ لهُ , أن شاء الله تُحقق ما تريدهُ , وبالفعل سافر صديقي وأخي عامر الى القاهرة والتحق للدراسة بالمعهد العالي للفنون المسرحية بالقاهرة , لنتواصل سوية في أوقات فراغهِ , ليُخبرني لاحقاً , أنهُ حَقق هدفهُ الثاني , بعد أن ظفر بالدكتور حسن عطية مُشرفاً على رسالة الدكتواره وبشكل رسمي

أذكرُ هُنا واحدةً من أهم المحطات الجميلة التي جمعتني بأُستاذي الراحل الكبير د.حسن عطية حينما كانت فرحتي عارمة وأنا أتلقى كلمات أُستاذي حينما كلفني بمهمة التنظيم والتنسيق لهذا القسم الجديد في المهرجان الذي تولى رئاستهِ مؤخراً كتعبير من قبلهِ عن رغبتهِ الدائمة في التطوير والتحديث في جميع ما يُحيط بهِ , وهذا شأنهُ الدائم أنهُ لم يتمسك بقوالب جامدة على مُستوى التفكير والإدارة والتعليم والمُمارسة النقدية , ولعلّ ما زادَ المهرجان تشريفاً أن هذهِ هي المرةَ الأولى التي يتولى فيها ناقد مسرحي إدارة مهرجان مسرحي مصري رسمي وتوجّ ناقدنا عملهُ في المهرجان , حينما أطلق أسم الناقدة الراحلة د. نهاد صليحة على دورة المهرجان , تأكيداً على أهمية وجود النقد في حياتنا المسرحية .

سبب فرحتي بإختيارهُ لي , لهُ ما يبررها يتركز في معنى الإختيار وأهميتهُ على المُستوى الشخصي والمهني بالنسبةِ لي أنا العراقي أن يتم أختياري من قبل ناقدنا لتنظيم وتنسيق قسم جديد ضمن مهرجان مسرحي مصري كبير بحجم المهرجان القومي , وهذا يؤكد بشكل لا لبسَ فيهِ حجم المكانة التي أحتلها في قلب وعقل هذا الرجل الاستثنائي في كُل شيء وهو ما يُحملني مسؤولية مُضافة إتجاه نفسي وأيضاً أمامهُ كي أكون بحجم هذهِ الثقة الكبيرة التي شرفني بمنحي إياها (رحمة الله عليه) , وكنتُ اتواصل معهُ بشكل شُبه يومي لتحقيق رغبتهِ في وجود هذا القسم المُستحدث داخل بُنية المهرجان وعندما أخبرتهُ برغبتي بالمُشاركة في مُسابقة المقال النقدي ,وهي المُسابقة المُستحدثة في المهرجان عبرَ مقال نقدي سبقَ لي أن نشرتهُ , جاءني هذا الرد منهُ يوم 3/6/2017 :

صباح الفل

أبنى الرائع بشار .. رغم أنك الناقد العربي الوحيد الذى تقدم للمشاركة فى مسابقة المقال النقدى ، ورغم تاخرك فى إرساله قبل أن ينتهى الشهر الماضى ، وهو الموعد المحدد للمشاركة ، والذى جعل اللجنة العليا للمهرجان تلغي اشتراك النقاد العرب نظرا لعدم المشاركة منهم ، ومع ذلك فقد مددنا التقديم للمسابقة حتى السابع من هذا الشهر ، مما اتاح لمقالك فرصة المشاركة بموضوعية فى المسابقة ، وسنعتبرك مصريا يعيش فى العراق لتنافس المصريين الذين يعيشون بمصر . كم كنت اتمنى أن يشارك نقاد من الوطن العربي فى المسابقة لمنحها مذاقا عروبياً .

تحياتى ومحبتى

د. حسن عطية

وقبل موعد السفر للقاهرة بأيام قلائل , اتصل بي ناقدنا ليُخبرني أنهُ أمنَّ لنا أقامةَ وضيافةً مُميزة في أحد فنادق القاهرة الفاخرة بما يُليق بنا كضيوف على الدولة المصرية , وحانَ موعد السفر ووصلنا القاهرة لنجد كُلَّ الامور اللوجستية محسومة ومُنظمة ,والتقينا بهِ مساء اليوم وكانت رحلة المهرجان من أجمل الأيام التي جمعتني بأُستاذي د. حسن عطية , ولنكونَّ شهود على مهنيتهِ وحرصهِ على اخراج المهرجان بأبهى صورة , ولعلَّ البادرة النبيلة في ختام المهرجان والمُتمثلة باهداء 100 كتاب مسرحي ورقي والمجان تُمنح لكُل فرقة مسرحية من الفرق المُشاركة من قبل إدارة المهرجان , هي سابقة نوعية جداً تُحسب لهُ شخصياً في تاريخهِ , لم ولن تشهدها جميع المهرجانات المسرحية التي أُقيمتْ وتُقام في عموم بُلدان العالم العربي قاطبةً , وتأتي تأكيداً منهُ (رحمة الله عليهِ) على أهمية الثقافة المسرحية واتاحة القراءة والإطلاع وجعلها مُتاحةً لجميع المسرحيين , ومصداقاً لما كانَ يؤمن بهِ من أنّ للمسرحِ دوراً تنويراً في تثقيف المُجتمعات .

لقد تدهورت صحة ناقدنا أكثر وأكثر خلال الفترة الطويلة التي سبقت رحيلهُ يوم 27/7/2020 وكنتُ أتواصل مع زوجتهِ الدكتورة عايدة علّام للاطمئنان على صحتهِ بين الفينةِ والأُخرى , وجمعتني آخر مُكالمة هاتفية جرت بيني وبينهُ قبل 7 أيام من رحيلهِ بعد خروجهِ من المُستشفى لأجدهُ يُكلمني رُغمَ صوتهِ المُتعب وحالتهِ الصحية المُتدهورة ليدعوني أنا وأخي د.عامر صباح المرزوك للمُشاركة في أحد ندوات مهرجان القاهرة التجريبي في دورتهِ القادمة 2020 وأن بيتهُ سيكون محل سكننا , وهوَ بهذا يؤكد رحمة الله عليهِ كدأبهِ الدائم على حُبهِ للناس واخلاصهِ لعملهِ وتمسكهِ بالأمل في كُل شيء , فهو لأخر لحظة في حياتهِ , كان يُعطينا الدروس تلو الدروس , ثُمَ .. في ليلة العيد … عيد الأضحى .. يرحل ناقدنا الكبير عن دُنيانا , تاركاً خلفهُ علماً ومعرفة وتراث نقدي زاخر وبصمات ابداعية في كُل مكان , وآيادٍ بيضاء كانت ممدودة للجميع , فالطيبون هُم فقط من يرحلوا بسرعة وسنبقى نُردد (الى حسن عطية كُلَّ الوفاء) .. رحمكَ الله أُستاذي وأبي , وأسكنكَ فسيح جناتهِ .

  • أ.د.حسن عطية في سطور

ناقد مسرحي وسينمائي وأستاذ نظريات الدراما والنقد بأكاديمية الفنون المصرية والرئيس السابق للمهرجان القومى للمسرح المصري ومدير تحرير مجلة (الفن المعاصر) المحكمة . شغل منصب عميد المعهد العالى للفنون المسرحية سابقا وعميد المعهد العالى للفنون الشعبية سابقا , ورئاسة قسم التنشيط الثقافى بالمعهد العالى للنقد الفني باكاديمية الفنون . حاصل على دكتوراه فلسفة الفنون 0 عن “المنهجية السوسيولوجية في النقد” كلية الفلسفة والآداب 0 جامعة الأوتونوما 0 مدريد 0 أسبانيا . وهوَ رئيس الجمعية العربية لنقاد المسرح سابقاً ورئيس جمعية نقاد السينما المصريين سابقاً , وعضو لجنة المسرح واللجنة العليا للمهرجانات بالمجلس الأعلى للثقافة , وكانَ عضواً في المجالس القومية المتخصصة سابقا , وعضو (اللجنة العليا للتخطيط الدرامي) و(اللجنة العليا للدراما) بمدينة الإنتاج الإعلامي , وعضو اللجنة العليا للدراما بإتحاد الإذاعة والتليفزيون , وعضو نقابة المهن التمثيلية  , وعضو اتحاد الكتاب المصريين , وعضو لجان القراءة والتقييم بالعديد من المؤسسات العلمية والفنية ، منها قطاع الإنتاج بإتحاد الإذاعة والتليفزيون ، ومدينة الإنتاج الإعلامي ، والبيت الفنى للمسرح والبيت الفنى للفنون الشعبية والاستعراضية . أشرف على وناقش العديد من رسائل الدكتوراه والماجستير بأكاديمية الفنون والعديد من الجامعات المصرية والعربية ، وشارك فى ترقية العديد من الأساتذة والأساتذة المساعدين داخل وخارج مصر , عمل بالهيئة العامة لقصور الثقافة  ، مراقباً عاماً لإدارة البرامج والمهرجانات ومديراً عاماً للمسرح بها .شارك فى العديد من الملتقيات والمهرجانات والمؤتمرات الدولية المسرحية والسينمائية والأدبية فى باريس ومونبليه ومرسيليا وروما وسيشل وأثينا ولشبونة وبرشلونة وجزر الكناريا وسان سباستيان وميريدا وكاراكاس وبوجوتا والمكسيك وفينيزويلا وقرطاج بتونس وجرش وعمان بالأردن ودمشق بسوريا ، فضلا عن القاهرة وبقية المُدن المصرية . راجع العديد من الكتب المترجمة عن الأسبانية ، وقدم أكثر من كتاب لمبدع مصري وعربي فى مجالات القصة والرواية والمسرح والسينما . نشر العديد من الكتب الخاصة بالمسرح والسينما والفنون الشعبية ، منها (الثابت والمتغير) : دراسات في المسرح والتراث 0 الهيئة المصرية العامة للكتاب 0 القاهرة 1989، و(فضاءات مسرحية) الهيئة العامة لقصور الثقافة 1996 ، (الرومانسية : يوتوبيا السينما المصرية) – مطبوعات مهرجان القاهرة الدولي للسينما – 2000 ، (نجيب محفوظ في السينما المكسيكية) ط 1  مكتبة الإسكندرية – 2003 – – ط 2 مكتبة الأسرة – القاهرة 2009 ، (السينما فى مرآة الوعى) الهيئة العامة لقصور الثقافة – القاهرة – 2003 ، (سوسيولوجية الفنون المسرحية) – الهيئة العامة لقصور الثقافة – القاهرة – 2004م ، (السينما الأسبانية)  مهرجان القاهرة الدولى للسينما – 2008م .

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش