الهيئة العربية للمسرح ومهماتها الجسام

يمتد عمر المسرح العربي إلى قرن ونيف، أي أنه أسن من ولادة كل الدول العربية عامة والجامعة العربية بشكل خاص التي سبقها بحدود نصف قرن..فما الذي دفع الجيل الأول من رواد الثقافة العرب ليؤسسوا لفن غريب وجديد على شعوبهم سوى رغبتهم بنشر الوعي وإعادة إنتاجه وتنوير ذلك المواطن الذي كان ضحية الجهل والفقر والمرض.. لقد وجد الرعيل المسرحي الأول في قول مؤسس اول دولة للفقراء “فلاديمير اليتش لينين” : ” أعطني خبزاً ومسرحاً أعطيك شعباً واعياً” أساسا لكي يدخل هذا المضمار واضعا نصب عينيه كيفية تطوير وعي المواطن وادراكه لمحيطه على امل ان يساهم كلاهما، الفنان والمواطن، بتغيير هذا المحيط وذلك الواقع نحو الأحسن! يساعدهما في ذلك عدم وجود وسائل فنية اخرى كالسينما وما تبعها من وسائل حديثة التي نمتلكها اليوم.. وقد ساهمت بعض الدول العربية التي عاشت نهضة وطنية في منتصف القرن الماضي، بالحدود الدنيا، فشيدت مسارح داخل وخارج المدارس، وجعلت من المسرح مادة أساسية في النشاط المدرسي اللاصفي، وهذا ما لاحظناه بتجربتنا المتواضعة في العراق، حيث أصبح النشاط المدرسي في ستينات القرن الماضي ينبوعا لا يستهان به بتزويد الحركة المسرحية والمعاهد الفنية بطاقات شابة أثبتت حضورها الفني لاحقا. إلا ان سيطرة مفهوم الدولة الشمولي على مفاصل الحياة أفسد التوجه الحقيقي الأول للرواد ولوى عنق الجهود الخيرة لبعض من الأجيال اللاحقة!

الارتقاء بالمسرح لا يستطيع أن يقوم به المسرحيون لوحدهم، لأنه يستلزم تكاتف الجميع وبالأخص المؤسسات الثقافية والتربوية للدولة المعنية إن أرادت أن يكون المسرح متطور فعلا. ولكن كيف لك أن ترجو من يعتقد بأن المسرح ” بدعة ” و( كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار)! وحين نقلب مناهجنا في مطلع القرن الحادي والعشرين وقبله بسنوات نرى منعا لدروس النشيد في أغلب المدارس، ومنعا لمئات العناوين من الكتب المفيدة، وشطبا لأسماء كتاب وطنيين ويمنع تداول أسمائهم او كتاباتهم. و” التشخيص ” حرام، والاستماع للموسيقى يفسد الخلق، لان من يستمع إلى مغنية صبّ رصاص بأذنيه يوم القيامة! وغير هذا كثير من تهديد ووعيد، ورافق هذا حملات ” ايمانية” منافقة وتلويحات طائفية كريهة وتحولنا من شعوب مبدعة الى شعوب يتقاسمها الجهل والكسل، حتى اقتنعنا بقول الشاعر معروف الرصافي ” ناموا ولا تستيقظوا / ما فاز إلا النوّم” !

ولكن هل الصورة قاتمة بالتمام والكمال؟! إلا يوجد ضوء في النفق؟! إلا يوجد بين مئات الملايين من العرب، اليوم، من ينذر نفسه لتطوير واقعنا الثقافي بشكل عام، والمسرحي بشكل خاص؟!

من صحارى الجنوب العربي، من رمالها الساخنة ومياهها الدافئة ظهرت الهيئة العربية للمسرح التي أشرف على تأسيسها حاكم الشارقة الشيخ سلطان بن محمد القاسمي ووضعها بأيادي امينة، لا ترشي ولا ترتشي، ولا تنحاز إلا للفن. هدفها الأساس لم شمل المسرحيين العرب، بعيدا عن التحجر والتمترس الطائفي والاثني والاقليمي، ليقوموا بالتنسيق والتشاور مع العديد من المسرحيين العرب للقيام بمهرجان مسرحي عربي سنوي بأوسع مشاركة. وها نحن نقترب من المهرجان في نسخته التاسعة والذي سيعقد في الجزائر مطلع العام القادم.وكالعادة ستمنح الهيئة جائزة كبرى باسم الشيخ القاسمي لأحسن عمل مسرحي مشارك. ولم يتوقف نشاط الهيئة، رخم ضخامته، على هذا المهرجان، فهناك مهرجان لمسرح الطفل وآخر للمونودراما. ومتابعة دقيقة لكل مفاصل المسرح والمسرحيين العرب. وتقوم الهيئة بطبع النصوص الفائزة على نفقتها الخاصة، بالاضافة الى طبع الدراسات والكتابات الخاصة بالفن المسرحي.

———————————————————

المصدر :مجلة الفنون المسرحية – طه رشيد –  المدى

 

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *