الموسم المسرحي المصري بين المطرقة والسندان – أحمد خميس #مصر

الحقيقة أن تعبيرنا القديم عن (الموسم المسرحي) لم يعد له وجود الأن في راهن الحياة المسرحية في مصر المحروسة فقد تماهت تماما الأوضاع وصيغ الإنتاج وحتي طرق التفكير في أمور تخص الدعاية أو الترويج للعرض المسرحي وتماهت معها المواسم التي كانت مخططة بعناية كبيرة وطرق لا فكاك منها وظني أنة إنتهي المسمي القديم للفرق الراسخة بالمعني المطمئن حيث تداخلت بعض الفرق في إختصاص بعضها البعض وحتي معني كلمة الموسم المسرحي لم يعد لها وجود متعين يمكن مراجعته أو الوقوف علي منتج مسرحي يخصه , ففي الماضي مثلا ما كان يقدم في الموسم الصيفي لم يكن يصلح لموسم الشتاء وما كان يقدم في أحد الفرق كالطليعة أو الحديث أو القومي لم يكن يسمح له أن يخترق القاعدة ويقدم في مسرح بديل أو عبر جهة إنتاج لا تخص نوعه أو الشريحة الإجتماعية الموجة إليها, ورويدا رويدا تداخلت المسارح في إنتاجها فأصبحا ويا للعجب نشاهد عرض بالمسرح القومي كان الأجدي به هو مسرح الطفل وأخر بالمسرح الحديث كان المنطقي بالنسبة له أن يقدم علي خشبة مسرح الطليعة ولك أن تراجع في ذلك الفارق بين عروض فرقتي الطليعة والغد وستجد النتيجة بنفسك , هذا وقد تداخلت المواسم في بعضها البعض فلم يعد المسمي القديم لائقا واصبح الإنتاج الجديد شائها أو عشوائيا لا يعرف له رأس من رجلين , ورغم أننا واجهنا تلك المشكلة أكثر من مرة عبر تخصيص ملتقي فكري تكونت إحدي محاوره للخروج بتوصيات تسعي لعمل بطاقة تعريف لكل فرقة وتطرح مواسمها المختلفة إلا أن معظم رهاناتنا ومواقفنا العلمية كانت تقابل بكثير من اللامبالاة أو أنها في أحسن الأحوال لم تخرج عن دائرة ضيقة من الإهتمام والتفعيل والحرص

وبعد فلا شك أن الموسم المسرحي في كل جهات الإنتاج في مصر قد مر هذا العام بمجموعة من المكاسب علي أرض الواقع يأتي في مقدمتها إنشاء فرق حكومية جديدة مثل (الشمس ومسرح المواجهة) في البيت الفني للمسرح , فقد قدمت فرقة الشمس مجموعة من العروض برز من بينها عرض (أوبرا بنت عربي) والذي إستضافه المسرح الحديث مؤخرا وهو عرض يحاول قدر الإمكان أن يبرز دور ذوي الاحتياجات الخاصة في حياة الحكام والرسالة الضمنية التي حاول المخرج “هشام علي” تمريرها تقول أنة بدون هؤلاء ما كان للملكة وجود وسيطمع فيها الخونة والطامعين , أما فرقة المواجهة فكان أخر إنتاج لها عرض (إشاعات إشاعات) وهو العرض الذي مازال يقدم بالمسرح المفتوح بمركز “سعد زغلول” الثقافي من تأليف “متولي حامد” وديكور وإخراج “محمود فؤاد صدقي” وذلك علي المسرح المفتوح بمركز سعد زغلول الثقافي. 

وتدور رحي حكاية العرض من خلال فكرة بسيطة نقابلها يوميا في شوارع القاهرة إلتقطها الكاتب “متولي حامد” وسعي من خلالها تقديم حلول منطقية لمجموعة من التصرفات السلبية التي تأخذنا كمجتمع عشرات السنين للوراء دون أن ندري أن العمر يمر وأن الاجيال تلو الاجيال تتوارث نفس المشاكل والهموم وتقع في نفس الاخطاء البليدة وأن العالم من حولنا يقفز قفزات سريعة نحو التقدم متسلحا بالتكنولوجيا من خلال حلول مبتكرة للمشاكل المزمنة أو الطارئة التي تقابله , فما أسهل الحلول العلمية وما أسهل إعتماد العلم لتتقدم الامم وتتخلص رويدا رويدا من معاناتها التاريخية , الإشارات سهلة التكوين سهلة الهدم والمغلفة بالترويح الكوميدي كانت أساس للكاتب الذي سعي لتمرير الحكمة بوعي وقدرة علي الغوص في عدد من المشاكل المزمنة ومنها بالطبع اثر الإشاعة في سلوك المواطنين الذين يقعون فريسة للعناوين السهلة الفارغة من محتوي حقيقي ليجدوا أنفسهم في كل مرة عند نقطة الصفر فما تردد لم يكن إلا إشاعة صنعها شخص جاهل أو مغرض أو صنعتها منظومة تسعي لهدم الدولة من الداخل بخطط منتظمة وسعي خبيث

في الثقافة الجماهيرية إعيدت الحياة لبعض المشاريع المهملة مثل (التجارب الخاصة) إلي جانب الإهتمام الفائق بكل أشكال الإنتاج المعتادة (كالبيوت والقصور والقوميات) مع تطوير الإنتاج بالقدر الذي يقودنا إلي أهمية تحرير المنتج من القالب القديم الثابت بحيث يكون الإنتاج المتعلق بأي شريحة من هذة الشرائح مرتبطا بالمشروع المقدم فليس هناك سقف ثابت لأي شريحة والمشروع ذاته المقدم من المخرج لو تمت الموافقة عليه سيسمح بالمرونة الكافية التي تحافظ علي جودة المنتج , وهو تطور مهم للغاية ويتيح فرص هائلة للمخرجين أصحاب الأفكار والرؤي الجمالية المتطورة والذين كانوا يعانون في السابق من محدودية الشريحة وعدم قدرتها علي التجاوب مع أطروحاتهم الجمالية أو طموحهم الفكري أو حتي في جانب التوجة لمجتمع عنده خيارات كثيرة ويسأل نفسه الف مرة ما الذي يجعلني أذهب لعرض مسرحي فقير التكلفة في الوقت الذي يمكنني أن أجلس مستسلما للعديد من القنوات الفضائية التي تبث برامج وميديا في 24 ساعة ؟!

في قطاع الفنون الشعبية والذي عاني كثيرا السنوات السابقة تحركت عجلت الإنتاج التي عانينا من توقفها لفترة طويلة وخرجت مجموعة من العروض المختلف عليها جماليا كالعرض الذي تناول قصة حياة الموسيقار بليغ حمدي من خلال إنتاج جيد وبالطبع كان هناك عرض موجة بالأساس للأطفال تحت 18 عام أحدث دويا إعلاميا وثقافيا وتهافت عليه الجمهور للحد المشرف , فقد جاء عرض (اليس في بلاد العجائب) كي يحقق طموح المواطن ووجدنا الأسر تذهب للمسرح أكثر من مرة لمتابعة نفس العرض وبمجرد أن يعلن قطاع الفنون الشعبية عن عدد من الأيام التي يعاد فيها تقديم التجربة بعد إنتهاء مواسمها المقررة كانت هناك طوابير تنتظر فتح شباك التذاكر وقد عوض ذلك العرض الذي أعده وأخرجه “محسن رزق” الإنتاج السخي وحقق أرباح طائلة تعيد الثقة في علاقة المتلقي بالعرض المسرحي وكيف يمكن الإستثمار بالمسرح وتحقق رواج فني ومكاسب مادية لا بأس بها , فنيا بدت الحكاية التي قدمها العرض معتادة عن اليس ورحلتها الغريبة ومقابلتها للوحش (الجيبروكي) وقتلها إياه مع تغيف المحتوي بأفكار مبتكرة عن الأزياء والديكور وطرق أدائية معتني بها , وقد عانت الفرقة كثيرا من المشاكل التي أثيرت حول العرض وما هي حدود التأليف أو الإعداد وأيضا بطبيعة الحال حقوق الملكية الفكرية وهي مسائل يمكن مناقشتها في دراسة نقدية أخرى.
علي جانب أخر ظهرت في عروض القطاع الخاص وجهات إنتاجها المختلفة ما يمكن أن نطلق عليه طفرة إنتاجية ورواج فني يفتح الباب علي مصراعيه لكل المنتجين كي يقدموا عروض مسرحية بإنتاج سخي وبفرق وأطروحات جمالية متباينة فمثلا قدم النجم أشرف عبد الباقي مسرحية (جريما في المعادي) علي مسرح نجيب الريحاني بعد إعادة تأهيله وهي تجربة كوميدية تعاقد عليها “أشرف عبد الباقي” مع جهة إنتاج أجنبية كي يعيد الحكاية بمسمي يناسبنا ووفق بروتوكول ملزم نفذة بدقة بمجموعة من الممثلين الهواة وكانت النتيجة طيبة للغاية , من ناحية أخري إنشئت فرقة (كايرو شو) وإستدعت النجم الكبير “يحي الفخراني” لتقديم رائعة وليم شكسبير (الملك لير) بإنتاج ضخم وكان هناك بروتوكولات تعاون كي يجوب العرض بعض البلاد العربية وهذة هي المرة الأولي التي يتصدي فيها القطاع الخاص لتقديم عروض كلاسيكية الطابع والتجربة لاقت إقبال جماهيري وإعلامي كبير وأرجو أن تسمح الظروف في المستقبل القريب لمتابعة العرض والكتابة عنه

ولا شك أن هناك جهات إنتاج أخري مرت بمنعطفات صعبة نذكر منها ما تعانيه الفرق المستقلة من تضائل فرص الوجود وتضائل الإنتاج فقليلا ما نقابل الأن عرض مسرحي منتج من فرقة مستقلة وقليلا ما تسمح جهات الإنتاج الراسخة بمرور هذة العروض رغم أن مسرح الهناجر كان يفتح بابه بإستمرار لهذة العروض ويدعم إنتاجها الجمالي المغاير ولا يخفي علي أحد ما عاني منه النابغ “محمد أبو السعود” حين توجة للفرقة وقدمت له عرض ( ماما أفريقيا) , فقط وللأمنة إنفرجت الأزمة قليلا مؤخرا وقدمت الفرقة 3 عروض هي (الأيام الصفراء , وتسجيل دخول , وإهتزاز) وقد نال عرض (الأيام الصفراء) جائزة أفضل عرض في المهرجان القومي للمسرح المصري في دورته الأخيرة , أما عرض (تسجيل دخول) الذي كان قد بدأ بمجموعة بروفات تحاول أن تضمن مسرحية (المغنية الصلعاء) للكاتب العبثي “يوجين يونسكو” في نسيج المجتمع المصري إنتهي به الحال للإبتعاد كثيرا عن الفكرة التي بدأ بها حيث إقرب المحتوي الجمالي من راهن المعاناة التي يقابلها الشباب الأن وهنا بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011

وعن أثر ثورة 2011 أيضا خرج علينا المنتج الجديد للفرقة المستقلة التي يقودها المخرج “أحمد العطار” والتي عادة تقدم عروضها في المهرجانات المسرحية الاوربية ثم تعيد الانتاج في القاهرة من خلال التعاون مع مسرح الفلكي وجاء العرض بأسم (ماما) وتدور رحي الدراما فيه عبر كشف الاثر الذي حدث في المجتمع بعد الثورة من خلال الام ربة البيت في أسرة ثرية وكيف تقابل الاحداث والمستجدات من خلال هيمنتها علي كل مجريات الاسرة , بينما علي الجانب الاخر تتفكك الاسرة تماما للحد الذي تقع فيه فتاة الاسرة المراهقة في شباب سائق الاب وتقرر الهروب معه , وأعتقد أن أهم ما ميز ذلك العرض هو ذوق تقديمه للحكاية المعتادة عن تفكك الاسرة المصرية وتفشي أمراضها المزمنة فالمؤلف المخرج “أحمد العطار” تطور كثيرا ويقدم مجموعة عروضه الاخيرة وهو متأمل قوي لما يحدث في المجتمع المصري من تغيير ويراهن علي كيفيات بيان ذلك التغيير في ثنايا اللعبة الدرامية التي تتيح للمتلق تكملة بعض تيمات اللعبة الدرامية

في مسرح الطليعة وهو أحد جهات إنتاج البيت الفني للمسرح قدمت عدة تجارب بعد توقف دام لقرابة العام هم (أخران في الإنتظار, وشباك مكسور, ونوح الحمام) الاول جاء كإعادة صياغة لنص “صمويل بيكت الشهير (في إنتظار جودو) وهو من تأليف الكاتب “سعيد حجاج” وإخراج “حمادة شوشة” والثاني قدم التجربة الجديدة للكاتبة “رشا عبد المنعم” والمخرج “شادي الدالي”

المسرحية قائمة علي حكاية مأساوية تابعناها كثيرا في وسائل الإعلام المختلفة في السنوات الأخيرة وفجعنا لنتائجها التي تتعلق برب أسرة يتخلص من عائلته لخوفه الشديد علي مستقبلهم البائس , إلا أن الكاتبة هنا تناولت الموضوع بمنطق الكوميديا السوداء التي تحتفي بالحدث المأساوي وتضعه في إطار من الكوميديا المفجعة من هنا يمكن للحكاية مأساوية الطابع أن تغلف بشئ من الفانتازيا الموجعة التي تمتاز بالحس الساخر والسماحية بتمرير الضحك علي المواقف شديدة التعقيد والأسي أو تلك التي إنتهت بالفعل بمأساة مفجعة , وكما يقول المثل الشعبي الشائع (شر البلية ما يضحك) , فالحدث ينتهي وقد إكتشف رب الأسرة أن جرعة السم التي وضعها لعائلته بعد فشله التام في تسيير مجريات حياتهم لم تكن إلا جرعة فاسدة لم تأت بنتجة مرجوة حيث أنها تحمل علامة (صنع في مصر) فكما الحال في فشل معظم مناحي الحياة منطقي جدا أن تفشل أحد الصناعات بسيطة التكوين لغياب البديهيات العلمية والأسس المعرفية السليمة , والحكاية برمتها مضحكة من شدة القسوة والمرارة , من هنا ينتهي الحدث وقد أكمل المتلق الجملة التي صممت الرقابة علي شطبها من النص الاصلي للكاتبة حينما يسائل رب الأسرة الجمهور (صنع فين السم دة) ؟

ما لا يعرفه كثير من متابعوا العرض المسرحي أن ذلك النص تم تداوله بين أكثر من جهة إنتاج بين الرفض غير المعلن والتأجيل بحجج واهية أو رهبة وخوف من المسائلة القانونية التي قد يتعرض لها أي مدير مسرح متحمس لمثل تلك الأفكار التي تحمل طابع إنتقادي لاذع وصور كاريكاتيرية موغلة في إدانة الأسباب الرئيسة التي أدت إلي تردي أوضاع الأسرة المصرية بنت الطبقة المتوسطة

والعرض الأخير (نوح الحمام) تأليف وإخراج “أكرم مصطفي” يتناول حكاية من صعيد مصر عن محاولة أحدهم الأخذ بالثأر من قاتل أخيه ولكنه لا يفعل مكتفيا بالحكايات وطرق تلاوتها والجميل في ذلك العرض هو الحضور الطاغي للغياب فرغم أن القاتل المحترم غائب تماما ععن احداث العرض اللمسرحي إلا أنك تستشعر أهميته وهيمنته علي كل شخصيات العرض بمن فيهم الام والحبيبة والعاشقة والضابط الذي تعرض للمجرم دون جدوي , بناء التيمات في هذا العرض إعتمد طريقة السينما في تقطيع المشاهد فكأننا أمام شوتات سينمائية متلاحقة يطرح كل منها جانب من الشخصيات ويكشف جزء من شخصية المجرم المهيمن علي الحدث رغم غيابه

بالاضافة لعرض (الطوق والاسورة) الذي أنتج خصيصا مرة أخرى كي يحتفى به من خلال المهرجان التجريبي والمعاصر وبعد نجاحه الجماهيري والإعلامي إستثمر ذلك النجاح بأكثر من طريقة حيث مثل العرض مصر في جائزة القاسمي لافضل عرض مسرحي في الدورة 11 لمهرجان المسرح العربي. حصل على الجائزة التي غابت عن مصر طوال عمر المهرجان. وتجربة (الطوق والاسورة) في ثوبها الجديد تخلت الى حد كبير عن الرهان القديم حيث تتبع مصائر الحكاية الطويلة العجيبة التي كتبها “يحي الطاهر عبد الله” والتي يبين فيها أثر العادات والتقاليد علي مجتمع الصعيد , الرهان الجديد لم يكمل الحكاية كما توقعنا ولكنه إحتفي بالفلكلور وبين كيف يمكن عبر منظر واحد ان يجمع ما بين تلك العادات والاثر الفرعوني البارز في عمق المشهد المسرحي , وقد إحتفي مخرج العرض “ناصر عبد المنعم” باللعب مع الحدث الموغل في القدم بأن وضع الاحداث برمتها علي خشبة المسرح متضمنة جمهور العرض وكأنه بشكل أو بأخر يشير الي أهمية اللعب الدرامي في المنتج الجديد للعرض , وهي طريقة ذكية للغاية فما يعني المعد والمخرج هو رهان اللعب الدرامي مع الاحتفاظ ببيان أثر الجهل علي مجتمعاتنا التي تسكن اقاصي الصعيد , وعبر الغناء الحي بدت الحكاية مقبولة وبدا نسيج العمل يتغلغل في وجدان المتلق العاشق للغناء الصعيدي المباشر
وفي مسرح الشباب إستطاع المخرج “عادل حسان” تطوير المحتوي الذي تعمل عليه الفرقة من خلال مشروع (إبدأ حلمك) والذي يستوعب طموح الشباب الموهوبين في الانضمام لفرق مسرح الدولة حيث تكسبهم التدريبات التي يقيمها المشروع مهارات جديدة عليهم وتتيح لهم الظهور للجمهور عبر عروض مسرحية نتاج التكوين وكان العرض الاخير للفرقة في هذا الصدد هو (بيت الاشباح) تأليف وإخراج “محمود جمال الحديني”

الي جانب ذلك كان هناك مجموعة من العروض التقليدية التي أنتجتها الفرقة بالطريقة المعتادة للإنتاج والتي حاول من خلالها إسناد بعض العروض للمتميزين في مسرح الثقافة الجماهيرية والمسرح الجامعي بالاضافة لأبناء الفرقة الاصليين
وكان رهان فرقة مسرح الغد مختلفا حيث قدمت مؤخراعرض (الحادثة) عن نص الكاتب الكبير “لينين الرملي” ومن إخراج “عمرو حسان” هو عرض ممتع قدم ممثلين جدد للحركة المسرحية نستطيع أن نعول عليهم في الفترة القادمة وقدم رؤية جريئة جيدة تماما للمخرج الشاب وقد مثل العرض مصر مؤخرا في أحد مهرجانات دولة الاردن , بالاضافة لعرض (الثامنة مساء) والذي أخرجه “هشام علي” وكان يناقش حكاية من صعيد مصر عن صراعات الاسرة الواحدة وكيف تتحول المرأة لحرباء تهيمن علي الزوج العاجز , وكان رهان العرض الحقيقي في طرح الغيرة وأثرها الجبار علي كيان الاسرة إذ بين المخرج أن أثر تلك الغيرة قد يخرج في صوروحكايات وضغائن ويمكن في لحظة أن يتحول للقتل الممنهج
أما عن المسرح الجامعي فيكفي في تصوري أن نشير لكونه إكتسح جوائز المهرجان القومي للمسرح المصري للشباب من خلال عرض (حذاء مثقوب تحت المطر) الذي سبق وكتبت عنه في العدد السابق من مجلة المسرح في إصدارها الجديد والحقيقة أن ما يميز ذلك العرض أنه يناقش القضايا الكبري دون أن يجنح للمباشرة أو الطريقة المعتادة في طرح قضاياه…

وعلي مركز الابداع خرج علينا مؤخرا العرض الجديد الذي قدمه المخرج المسرحي “خالدجلال” تحت إسم (سينما مصر) والحقيقة أن الملفت في هذا العرض هو تركيز “خالد جلال” علي هؤلاء الشباب بالطريقة التي تتيحهم في السوق كممثلين خاضوا تجارب جادة كي تظهر قدراتهم الادائية فلا يمكننا إعتماد الحكاية الإطار كي تتجاور كل تلك المشاهد المعادة من السينما المصرية ومشاهدها الأثرة إلا في دورها العملي لكشف مهارة هؤلاء المتدربين وبيان مدي قدراتهم في التقرب من نجوم السينما عبر أبنية سريعة التكوين سريعة الهدم , والحقيقة أنهم كممثلين قد حصلوا علي جوائز فورية من الجمهور الذي تعلق بالحكاية المشوقة وشاهدوا بأنفسهم أثر الاجتهاد والصبر في أعين كل من تابع عرضهم الشيق , وبدت مهارة المخرج في تقديم هؤلاء في لحظاتهم الفائقة بالطريقة التي تتيحهم لسوق العمل وهم في أبهي صورة ممكنة وهي مسألة يراعيها تماما “خالد جلال” ويسعي لبيانها طول الوقت في عروضه مع الشباب المبدعين.

وفي المسرح القومي تم تقديم عرض (المتفائل) إعداد وإخراج “إسلام إمام” وهو العرض الذي حقق نجاحا جماهيريا كبيرا عبر 75 ليلة عرض والحقيقة أن معد العرض ومخرجه كان ذكيا للغاية حين قدم قضايا كبري بصيغ درامية خفيفة التكوين تميل للكوميديا التي يفضلها عادة المواطن المصري , لن تجد في هذا التكوين أي ميل للوقوف طويلا أمام أي من القضايا المحيطة ببطل اللعبة الدرامية فالمرور السريع علي مناطق الخطر والتأكيد علي أهمية الطموح ودوره في تأكيد المعني كان هو الامر الذي شغل المخرج “إسلام إمام” فقد وجبة مسرحية خفيفة محلاة باداء كوميدي بسيط من البطل “سامح حسين” والبطلة “سحر الصايغ ومعهم المخضرمين “يوسف إسماعيل , وعزت زين” مع مجموعة ممثلين يعرفون تماما كيف يلعبون بالمنطق الكوميدي المشوق وقد برزت في هذا الجانب “أيات مجدي” بقدراتها الادائية اللافتة خاصة في الجانب الغنائي الحي , وقد ساعد كل من مهندس الديكور “حازم شبل” ومصممة الازياء “نعيمة عجمي” وموسيقي “هشام جبر” طموح المخرج في تقديم عرض شيق لامع بنجومه الذين لا يظهرون إلا عبر منتجهم الفاخر فالديكورات تتغير بسرعة فائقة رغم ضخامتها والازياء تبدو كبطل حقيقي في العرض والموسيقي تبدو في أبهي صورة ممكنة تساعد الممثلين علي الغناء الحي وتصحب بطل الحكاية في رحلته الكبيرة بعد أن طرد من بيت خاله وتعرض لمواقف معقدة , فقط بدا لي أن العرض وكأنه موجة للشباب كي يقول لهم حكمة وأهمية أن تتكيف مع ظروفك وتكون مؤمنا بنفسك وبقدراتك علي تخطي الصعاب

وأخيرا فهذة إطلالة سريعة علي ما جري من مسرح في هذا العام الملئ بالاحداث العجيبة والذي أبي أن ينتهي إلا بالشكل الدراما تيكي حيث برزت مؤخرا مشكلة إنتاج عرض (هولاكو) بالمسرح القومي وهي المشكلة التي تدور رحاها منذ عدة أعوام فلا هي أتخذ فيها قرار حاسم ولا هي إنتهت بتقديم العرض ؟

وعن أهم القضايا التي واجهت المنتج المسرحي المصري في الأونة الأخيرة تبرز مشكلة (الرقابة) بشكل لا يمكن السكوت عنه فقد تابعنا جميعا وعبر جهات الانتاج المختلفة كيف تطور دور الرقابة بالشكل السلبي للحد الذي شطبت فيه مجموعة من العروض ومنعت فيه كثير من التيمات والشخصيات بدعاوي مختلفة وكل ما أرجوه في هذة المشكلة أن تلتفت لها وزارة الثقافة وتحسمها تماما عبر مناقشة لجان الرقابة في إختصاصاتها الأساسية وعدم التعدي علي الابداع المسرحي بالطريقة التي تضيع القضايا والتيمات والمواقف فمن منا كان يتصور أن ترفض نصوص كثيرا ما قدمت في الماضي مثل (الملك هو الملك) ومن منا يتصور أن يصل الامر لحذف شخصيات بكامل وجودها من نصوص المؤلفين ومن منا يتصور أن تمنع الشرطة بعض العروض من التقديم الاللجان التحكيم ؟ الامر بالفعل يتفاقم يوما بعد يوم ويرجي مراجعته بشكل سريع حتى لا يؤدي لما لا يحمد عقباه.

أحمد خميس – مصر

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش