الملتقى الوطني الأول في ضوء الكتابة الدرامية في الجزائر ’ واقعها وآفاقها
احتضن قسم الفنون على مستوى جامعة أبو بكر بلقايد بتلمسان ، فعاليات أول ملتقى وطني في ضوء الكتابة الدرامية في الجزائر ، واقعها وآفاقها ، بتنظيم من مخبر الفنون والدراسات الثقافية على مستوى الجامعة .
الملتقى الوطني جاء ليسلط الأضواء على واقع الكتابة الدرامية باعتبارها ممارسة جمالية تتوخى بسط القيم التصويرية لمختلف وشتى الأنماط الفكرية للفرد والجماعة ، وقد تنوعت مضاربها ونزعاتها بين الطروحات التقريرية ، الوصفية والفيوضات الجمالية الفنية التي تعد أرقى الأجناس الكتابية ، إضافة الى منحاها النقدي أو الكتابة ضدّ الكتابة .
والكتابة الدرامية تتساوق مع الفعل الأدائي ، التمثيلي بما يضيفه من هوامش تعبيرية وفيوضات تجسيدية للمعنى المبثوت في النص عبر اللغة .
وبما أن المدونة الكتابية الجزائرية لم تنل حظها من التناول القرائي ، وظلت عديد القضايا المتعلقة بها مغيّبة ومهمّشة عن الاجراء النقدي ، لهذا تمّ بناء هرم الملتقى من منطلق عديد الاستفهامات التي تؤرق المبدع ، ولعل أهمها :
ما هي المرتكزات المرجعية التي قامت عليها الكتابة الدرامية في الجزائر ؟ ما أهمّ اتجاهاتها وقضاياها ؟ كيف تفاعل النقد مع المدوّنات النصية الدرامية الجزائرية ؟ وما هي أهمّ اشكالياتها التي باتت تشغل بال المهتمين بالفعل الكتابي الدرامي الجزائري ؟
من منطلق تلكم الأسئلة تمّ تحديد دائرة المحاور التي اتّكأ عليها منها :
مرجعيات الكتابة الدرامية في الجزائر بين الرافد التراثي والتأثيرات الأجنبية ، اتجاهات الكتابة الدرامية في الجزائر ، الكتابة الدرامية واسئلة النقد ، إشكاليات الكتابة الدرامية في الجزائر ، الكتابة الدرامية النسوية في الجزائر ، والكتابة الدرامية النسوية في الجزائر بين الحضور والغياب .
قسم الفنون كان على أتم الاستعداد لرفع ستار الملتقى الوطني الأول على مستوى جامعة تلمسان ،صبيحة العشرين (20) من شهر فبراير من السنة الجارية 2018 ، حيث استهلت فعالياته ، بكلمة الدكتور ” سوالمي حبيب” رئيس قسم الفنون الذي أعرب عن مدى أهمية احتضان القسم لكذا ملتقى ، بخاصة في مجال الكتابة الدرامية التي يندرج تحتها أكثر من تساؤل يؤرق المهتمين من مبدعين وممارسين ، كما أضاف الأستاذ “لصهب عبد القادر” رئيس اللجنة التنظيمية للملتقى ، أن هذا النوع من الملتقيات لجسر هامّ للتواصل وانصهار الأفكار بين جيل الطلبة وجموع الأساتذة والباحثين ، لمقاربة المفاهيم واستنطاق كل ما يندرج تحت صيغة الكتابة الدرامية في الجزائر ، لرفع اللبس عنها وملامسة شتى الرهانات والآفاق ، من جهته السيد عميد كلية الآداب واللغات ، الأستاذ الدكتور ” كروم بومدين ” ثمّن كل المجهودات المبذولة من لدنّ الجهات الساهرة على تنظيم هكذا ملتقى وطني ، وأنّ هذا لدليل قاطع على أهمية الكتابة الدرامية في حقل الفنون وبوجه خاص أبو الفنون ، وأن الجامعة أحوج لكذا ملتقيات في ربط الصلة بين الممارسين والأكاديمين ، وفتح مجالات التكوين بين صفوف الطلبة ، معلنا الافتتاح الرسمي لأشغال الملتقى.
ترأس الجلسة العلمية الأولى من أشغال الملتقى الدكتور” ابراهيمي اسماعين ” من جامعة سيدي بلعباس ، الذي أعرب عن أهمية الملتقى في ظل الكتابة الدرامية ، وأن الملتقى في حدّ ذاته تحدّ من نوع آخر من شأنه أن ينفض الغبار على عديد الاشكاليات والاستفهامات ، وأن احتضان جامعة تلمسان لهذا الملتقى لدليل قاطع على الاهتمام الذي يوليه المهتمون بأبي الفنون والممارسة المسرحية ، ليعرّج بعدها على ثلّة الأساتذة والدكاترة وحتى الطلبة الباحثين الذين أثروا الجلسة الأولى بمداخلاتهم كل من زاوية معينة ووجهات نظر متباينة تصب في فحوى محاور الملتقى ، ومنهم مداخلة الأستاذة ” ستي بوكليخة “ من جامعة تلمسان التي استعرضت أعلام الكتابة الدرامية في الجزائر إبّان الثورة ، وما قدّموه من نصوص مسرحية في محاولة مواكبة الأحداث آنذاك ، والطالبة ” ناصر أمينة ” من جامعة تلمسان والتي تناولت في مداخلتها موضوع إشكالية تطبيق المنهج التاريخي على النص المسرحي الجزائري ، من جهته الدكتور ” صلاي عباس“ من جامعة سيدي بلعباس حاضر في ضوء بناء الشخصية في المسرح الجزائري ، وكانت إشكاليات الكتابة الدرامية في المونودراما الجزائرية من توقيع الدكتور ” دحو محمد الأمين ” من جامعة تلمسان .
من جانب آخر حاضر الاستاذ “صالح بوشعور محمد امين ” من جامعة تلمسان في ضوء خصوصية السرد في البناء الدرامي الجزائري ، ومن جامعة وهران قدم الأستاذ “سامي قويدر” ورقته عن الدراما الجزائرية من منظور علم النفس الفرويدي ، في حين الأستاذ ” بوعزة ياسمينة ” من جامعة تلمسان فقد حاضرت حول السايكودراما في الجزائر ، أما الاغتراب اللغوي في النص المسرحي الجزائري –كاتب ياسين –أنموذجا فقد كان موضوع مداخلة الأستاذة ” هني كريمة ” من جامعة تلمسان .
ثاني وآخر جلسات الملتقى الوطني حول الكتابة الدرامية في الجزائر كان تحت إدارة ورئاسة الدكتور” عزوز بن عمر” من جامعة وهران ، والذي بدوره أشاد بأهمية الملتقى بخاصة في محور الكتابة الدرامية وما ينضوي تحتها من تساؤلات تؤرق جموع المهمتين بالمنجز المسرحي ، كما ركّز على أن الكتابة الدرامية أسالت الحبر الكثير فيما يتعلق بالإبداع والبحث عن نص أصيل يواكب جل الرهانات والآفاق ، كما فسح المجال لجموع الأساتذة والدكاترة ، بمن فيهم لفيف من طلبة الدكتوراه الباحثين الذين حاولوا من منظورهم الخاص وزاوية اهتمام كل طرف ، من أن يغوصوا في لبّ الاشكاليات المطروحة ضمن محاور الملتقى ، والعمل على تقديم وجهات نظر موضوعية وذات بعد أكاديمي يتساوق والممارسات الراهنة ، كانت أولى مداخلات الجلسة الثانية للأستاذة ” سارة طويل” من جامعة وهران ، وقدمت ورقتها باللغة الانجليزية بعنوان ” اكتشاف التأثير السافر من الانتاج الدرامي الخفي” ، ، أما الاستاذة ” نادية بلقدام” فقد قدمت ورقتها في موضوع النص الدرامي في الجزائر بين محدودية الطرح وغياب الصنعة ، والطالبة ” غالم حليمة ” حاضرت حول الاتجاه التاريخي في المسرح الجزائري ، أمّا الأستاذة ” زهرة خواني” من جامعة تلمسان حاضرت في ضوء عنونة المسرحيات ، والأهمية التي تنضوي تحت ظل اختيار العناوين الأنسب للمسرحيات لملامسة نص مسرحي درامي وآخر أدبيّ ، كما قدم الأستاذ ” أوغرب عبد الله” من جامعة تلمسان محاضرة في ضوء جماليات الخطاب الدرامي في الجزائر ، المنجز والممكن، في حين الأستاذ ” لصهب عبد القادر” من المركز الجامعي مغنية ، أضاء أبعاد المدونة الصوفية والنص الدرامي الجزائري ، حيث رأى أن المدونة الصوفية تشكل حقلا خصيبا لإعمال مختلف طرائق التواصل المعرفي ، لما تختزنه من طاقات تعبيرية وقيم جمالية ، وأن النص المسرحي الجزائري قد اعتمد توظيف الثقافة الصوفية منذ البواكير الانبثاقية الاولى ، باعتبار تلكم الثقافة تتماهى والوعي الشعبي الجمعي ،متناولا أنموذج ولد عبد الرحمان كاكي واشتغاله على المدونة الصوفية ، من جهتها الدكتورة “شرقي نورية ” قدّمت ورقة نقدية في ضوء الملتقى تناولت من خلالها موضوع مسرحة القصة في الجزائر ، الشهداء يعودون هذا الأسبوع –أنموذجا– حيث قامت بالمقارنة والتحليل وفق آليات الممارسة النقدية ، وكيف تمّ تحويل القصة الى نص درامي باعتماد مجموعة من الضوابط والأسس ، مؤكدة في ختام ورقتها النقدية على أن الكتابة الدرامية همّ يؤرق الجميع لابدّ فقط من ضبط عوالمه لوضع اليد على نص درامي قوي بخاصة في حقل مسرحة القصة وما يتمخّض عن ذلك للوقوف عند نص دراميّ يحافظ على الفكرة الأساس ويواكب الأحداث ، ومن جانب آخر حاضرت الطالبة الباحثة ” مدوني عباسية “ من جامعة تلمسان في ضوء الكتابة الدرامية في الجزائر وإشكالية النص الآني ، ملامح ورهانات ، أين ركّزت على فحوى الابداع الذي يرتكز على العلاقات على العلاقات الانسانية ضمن منجز مسرحي من شأنه تحقيق الفرجة والمتعة ، منطلقة من اشكالية : كيف للكاتب الدرامي أن يلامس نصّا آنيّا ؟ ، متّكئة على سلسلة من الفرضيات لعلّ أهمّها :
كيفلناأننحكمعلىنصّدراميّذامنطلقاتواقعيّة؟،هلوقفكتّابناالجزائريونفعلاعندكتابةدراميةتحاكيالآنيوتثيرالجدلوالاستفهامات؟،هلثمّةحقّاتجربةنصيّةرائدةمنشأنهاأنتزاحمالواقعالمعيش؟
بالتركيزعلىالارهاصاتوالمنطلقاتالأولى،معملامسةالرهاناتالمنوطةبكلمبدعالذيلابدّلهأنيثيرالجدلويفتحمجالاتالحواروالنقاشلتحقيقغائيةالمسرحبوجودنصدراميقوييخدمالابداعبمنأىعنالاجتراروالنمطية،لمواكبةشتىالتطوراتوتحقيقالعلاقةالتفاعلية
هذا ، وقد تمّ رفع سلسلة من التوصيات التي من شأنها أن تكون ركيزة اساس مستقبلا في الاهتمام أكثر بحقل الكتابة الدرامية في الجزائر ، ومن أهم ما جاء من توصيات في ختام فعاليات الملتقى والتي جاءت على لسان الدكتور ” سوالمي حبيب” رئيس قسم الفنون نذكر :
- المطالبةبترسيمالملتقىوجعلهدوريا
- العملعلىتتويجالسنةالدراسيةبعروضمسرحية
- ضرورةإدراجالمسرحفيالمنظومةالتربوية
- العملعلىتنظيمورشاتتكوينيةوتربصاتفيحقلالكتابةالدرامية
- فتحالمجالأمامالابداعاتالشابةوتبنيهامنبابالتشجيعوالمتابعة
صفوة القول ، أن الملتقى الوطني الأول من نوعه على مستوى جامعة تلمسان وقسم الفنون تحت مسمى الكتابة الدرامية في الجزائر ، واقعها وآفاقها ، يعدّ خطوة ثابتة نحو ملتقيات ولقاءات واعدة لابدّ أن تشي بالكثير نحو تشجيع المبادرات وتبنّي كذا ملتقيات من شأنها أن تسهم في الحراك الاكاديمي وتثمين الممارسات الجادة إبداعيا ونقديا ، مع التركيز على مداخلات رصينة ووافية من شأنها تحقيق الفارق وتعزيز وجهات النظر ، مع ضرورة الالمام بشتى ما يؤرق المسار الابداعي الجزائري ، على أمل أكبر بتجسيد شتى التوصيات على أرض الواقع ، وفتح مجالات الحوار الفاعل والفعّال .
بقلم : عـباسـيـة مـدونـي –سـيـدي بلـعـباس– الجـزائــر .