المصيدة قراءة واعية في جماليات القبح / محمد النجار

العرض المسرحي ( المصيدة ) قراءة مختلفة وواعية في جماليات القبح، فعلي الرغم من قتامة المنظر المسرحي وثقل الدلالات المطروحة، فإن هذا لم يمنع الاستمتاع بصورة بصرية وفكرية مختلفة تعلن عن مواهب حقيقية في كافة مفردات العرض.
على خشبة مسرح قصر ثقافة أسيوط وضمن فعاليات مهرجان الصعيد الثالث للفرق الحرة والذي نظمته جمعية أصدقاء أحمد بهاء الدين في أكتوبر 2018، قدمت فرقة مرايا المسرحية باكورة إنتاجها المسرحي ( المصيدة ) تأليف / محمد علاء الدين سنواغرافيا / وائل بكري إخراج / إيهاب زكريا وانتزع العرض المركز الثالث في الترتيب الاخير للعروض المتبارية في هذا المهرجان .
المصيدة عرض مسرحي تناول أفكارا شديدة الحدة والقسوة وحاول التعبير عن عذابات النفس البشرية وادرانها دون افتعال فدنا الإيقاع من مبدعي العرض واستطاعوا الوصول الي جدلية فكرية شديدة التعقيد محافظا في ذات الوقت على انضباط التشكيل وتدفقه .
هي مجموعة من الشخصيات المنقسمة الأصوات والمتحدة الأدران والمساوئ تتبارى للوصول إلى قاع المنحدر الذاتي للنفس الملتاعة أثر القهر المتجدد والمستدام من قبل منتفخي الكروش واللاعقين دماء البسطاء والمهدرين كرامتهم فجاء المنظر المسرحي مجسدا لمجموعة من الستائر الرئيسية تؤطر مكان الأحداث وتحتوي وهي اربع ستائر اثنتان عن يمين مقدمة المسرح ويساره واثنتان في عمق يمين المسرح ويساره وجسد فوق الستار من يسار المنصة / يمين الصالة حركات القمر من بداية تكوينه كهلال وانتهاء إلى  اكتماله لتتناسب بالتالي مع عقارب الصالة ان اتخذنا المنصة دليلا وتتعارض بطبيعة الحال ان اتخذنا صالة النظارة دليلا ليبدء الجدل والصراع الفكري في تفسير وتأويلا الدلالات المسرحية طبقا لاليات التلقي التي ينتهجها المتفرج في كل الاحوال وتزينت الستائر الرأسية ببنايات وعمائر حديثة الإنشاء ولكنها مائلة ومشوهة وكأنها تضغط علي محتواها وتقهرهم وكأنها تضغط علي الفراغ الناشئ بينها وتسحقهم وفي الفراغ تكونت أطلال من القمامة والقاذورات وتكون المنظر المسرحي المتجدد دائما من مجموعة من الشخصيات الصامتة حينا والمتحدثة في صوت واحد في احيان عدة ( يوسف ابراهيم – محمد ابو بكر – خالد محمد – أحمد عزالدين – ابراهيم صلاح – سارة عماد – فرح مرتضي )  ليستخدمهم مخرج العرض في تغيير الحدث والحديث دون اخلال او رتابة مؤكدا القدرة الفائقة علي التشكيل ومنتهجا الإبهار البصري في الاهتمام بالكتلة والفراغ في تأكيد المؤكد وطرح الدلالات التي تعبر عن رفض للاستمرار في حالة الانصياع لسلطة الروث والقمامة وحتمية الرفض لتلك القاذورات والوصول لجلال الفعل الرافض للاستكانة وسط ترهات الفعل السالب كينونة الإنسان في أي زمان وفي كل مكان .
شخصيات مجردة تحتمل التأويل لاي مدلول ذلك طبقا لحيادية الرمز ورمزية الدلالة ذلك ان كل الشخصيات الموجودة علي خشبة المسرح ارتدت الملابس السوداء الملوثة ببعض البقع واختصت الجوقة والتي اجتهد ممثلوها في صنع ايقاع الحدث وتغيير المنظر المسرحي كسرا لاستاتيكية المنظور الاشمل والمتكون من الاربع ستائر الرأسية الثابتة والاربع كتل الأفقية التي احتضنت القاذورات والقش واشتعلت دائما بنور خلفي وارضي لاضافة ثراء للمنظر المسرحي حينا والاستفادة من ظلال النور الارضي علي الشخصيات المجردة ( الشادو ) احيان عدة .
هو مكان مجرد في اللازمان واللامكان للوصول الي الاشارة الاكثر دقة انه يحتمل ان نكون في كل زمان وفي كل مكان احتوي الكثير والكثير من النفايات والقاذورات والروث ذلك الذي اعلاه الانسان بعد ان عمد الي اخماد فضيلة الكينونة البشرية فاعتنق القذارة واعلي جماليات القبح ظنا ان في القبح نجاة فتجلت من ثم امراة ( اسراء نوبي ) هي التي مورس عليها فعل الدراما وشخصيات ذكورية عدة هي التي عبرت عن شهوات الانسان وادرانه فتجسدت في شخصيات الذكور ( أحمد كمال – جمال عبدالناصر – مينا صبحي ) شهوات القتل والجوع والفقر والجهل لتمارس فعل القهر علي المرأة التي تنصاع حينا وترفضهم وتلفظهم احيان عدة حتي يأتي الخلاص ببشارة المرأة أنها حامل وفي ذلك منتهي الرجاء حيث ان حمل المرأة وتطلعها لمساقبل أفضل اكمل الرؤية السينوغرافية حيت تم سجن كل الادران والأثام والخطايا البشرية الناتجة عن ضعف الانسان في مصيدة حديدة منعتهم من الخروج واطرتهم في اضيق مكان لتنجو المرأة وجنينها من الغبن والروث .
عمد صناع العرض إلى التصريح بما هو غير مسموح التلميح به بعد أن تعاملوا مع الفن أنه قوة كاشفة لمشكلات المجتمع وأنه قد آن أوان التعري أمام ذواتنا لدرء كل ما يعيقها عن اعتناق السلام النفسي فلا وجود للأقنعة المستعارة في مجتمع  يسعى إلى ربح قضيته ولا وجود لأثمال قذرة تكشف سؤاته فتفكيك الحقيقة وإعادة تجميعها على أسسها الحقيقية ينتج الحقيقية المطلقة التي حق على الإنسان السعي إليها فإن وصل فهذا منتهى الرجاء وإن تعثر فيكفيه شرف المحاولة .
اعتمدت موسيقى العرض التصويرية ( جمال عبدالناصر ) على الإيقاع لخط اساسي لإضفاء الجو الغرائبي بطبيعة الأحوال ونذير الخطر وعاونها الإضاءة الخافتة دائما ( محمود فرح ) والمعتمدة على  مصدرين للضوء أرضي وعمودي وعالج بعض مناطق الإظلام باستخدام ( الزووم ) وإن استخدم الألوان الساخنة دائما ( الأحمر ) بشكل أرهق العين في النظر والتلقي

__________________

المصدر / مسرحنا

موقع الخشبة

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *