المسرح ومقاومة جرثومة التخلف … بين المعرفة العقلية والمعرفة الظنية / د. أبو الحسن سلام – مصر

جدل المعاني : فرق شاسع بين مقولة: ” إن بعد الظن علم ” ، ومقولة: ” إن بعض الظن إثم”” وما بين المقولتين ( نكون أو لا نكون) نفكر أو نتفكر أو نوقف التفكير إكتفاء بالتماهي مع أفلاطونية أسبقية الماهية على الوجود. المقولة الأولي ترفع راية ( الوجود أسبق من الماهية) نوجد أولا ثم نفكر في تحقيق جوهر وجودنا فينشأ الصراع والتنافس بين الذات والآخرين أو المحيط ، أما الثانية فترفع راية ( الماهية أسبق من الوجود) جوهر وجودنا مخلوق غيبا قبل وجودنا ، وبعض الظن في صحة ذلك إثم ، ونحن ملزمون  فحسب بالتفكر في مظاهر وجودنا وهنا مناط الصراع بين ثقافتين كلتيهما ظنية .. إلا أن مقولة ( إن بعد الظن علم) هي دعوة للتفكير ، بينما تقف دعوة ( إن بعض الظن إثم) عند حدود التفكر .. وما بين أصحاب التفكير وأصحاب التفكر ينشأ صراع وجودي ، يرفع أصحاب تيار التفكير شعار ( أكون أو لا أكون) ويرفع أصحاب التيار الثاني شعار( يكون كما أكون أو لا يكون)  والفرق بين التيارين كالفرق بين: قول المعري (( فلا نزلت على ولا بأرضي    سجائب ليس تنتظم البلادا )) وقول أبو فراس: ((  إذا مت ظمآنا فلا نزل القطر ))

فالعلاقة إذا بين التفكير والتفكر والتكفير علاقة قديمة / متجددة في مجتمعات التخلف الاقتصادي والاجتماعي والعلمي والثقافي التي تنشط فيها التيارات الأصولية والسلفية في ظل أنظمة التسلط الفردي والتبعية ، حيث بنعكس حكمها بالسلب على الحياة الاجتماعية والاقتصادية ، وتؤثر تأثيرا بالغ السوء على  الحراك العلمي والتعليمي وتهمش الحراك الثقافي والفني ، وهذا واقع تعيشه مصر بدون مواربة ؛ حيث يشتعل هوس الفتاوي ونعيق التكفير ، الذي كان محصورا بين التفكير والتفكر بما يتيح للإبداع الأدبي والفني إمكان المراوحة بينهما من مدخل ( إن بعد الظن علم) فينشط العلماء و(إن بعض الظن فن) فبنشط الأدب والفن (المسرح والسينما والتصوير والتشكيل) فما البال ومصر تعيش الحضر التكفيري الذي ينبذ مجرد التفكر .

لعبة الحروف في جدل المعني : أليس من الغريب تطابق حروف كلمتي تفكير و تكفير ، مع اختلاف المعني وتنافره بينهما . . مع أن  مادة الكلمتين واحدة – خمسة حروف : إلا أن لعبة تقديم حرف وتأخير حرف في صياغة الحروف الخمسة نفسها ؛ تعطي معنى نقيضا ؛ بل إنك لو تلاعبت بالحروف فصدرت كل حرف منها في بداية تشكيل مجموع الحروف الخمسة لأنتجت نحو خمس عشرة كلمة ، لا تجد لها معنى في كلام العرب إلا في كلمتين هما( تفكير ، تكفير)  ولو رجعنا لجذر كل منهما سنجد جذر تفكير هو (فكر) ومعناها المعجمي : دبّر. أما جذر كلمة تكفير هو (كفّر) ومعناها : (غطى/ أنكر)                                       .

أما الفرق بين دلالة المعنيين فكبير وعميق ، فالتدبر بحث مستمر متوالد عن جديد يستبدل به القديم أو يطوع مستجدات اللواقع المعيش ، بحث في قيمة الموجود وسبب ثباته على حاله لعصور ممتدة ، وماهية السلطة التي تستميت في الدفاع عن ثياته، لتفكيك مرتكزات جمودها وتحجرها مع تغير كل ما يحيط بنا من مستحدثات يعيد التطور العلمي والبحث المستمر تجديد ما ينفع حاضر الأمم ومستقبل حيواتها ، إعمارا للأرض واستمرارا للحياة الإنسانية .

والتدبر بهذه الكيفية بحثا عن جديد مغاير لمنهج حياة أفضل لعالمنا الفعلي ؛ هو في ذاته إنكار لمظاهر ثبات الموجود ، ثبات حياتنا على نمط واحد متكلس صدئ جامد لا حياة فيه .

إذن فالتفكير بمعني التدبر والبحث عن جديد مغاير للقديم والموجود فيه إنكار للموجود إما من حيث جوخر وجوده ، وإما من حيث مظهره ، وإما من حيث طرق تةظيفه لغاية مغايرة أو منحرفة عن جوهره . والتكفير بمعني رفض التدبر والبحث والتغير هو إنكار لمجرد التفكير في كيفية التفكير في تغيير الموجود . ومع اختلاف مصدريإإنكار كل منهما للآخر ؛ إلا أن أصحاب التفكير يتميزون إنسانيا وعقليا عن أصحاب التكفير ؛ بقصر إنكارهم على الظاهرة ، أو على المظهر – مظهر وجود الشئ أو مظهر التعالمل معه بما يحط من كرامة الإنسان؛ أي على الفعل نفسه – بينما يمتد إنكار أصحاب الفكر التكفيري لوجود المفكر نفسه ؛ أي نفيه عن الحياة !

فإذا وقفنا على منبع عملية التفكير وعملية التكفير ؛ نكتشف أن كليهما ( التفكير والتكفير) ينبعان من المنبع الظني ، وينتميان إلى المعرفة الظنية ؛ غير أن المفكر لا يتوقف مكتفيا بمحصلة ظنونه وإنما يتجاوزها بترقية ظنونه حول المسألة أو الظاهرة أو المظهر الذي أوقفه مندهشا من كيفية وجوده ؛ بحثا عن سببية وجود تلك الظاهرة أو ذلك المظهر؛ على الكيفية التي رأي فيها غرابة أدهتشته ودفعته إلى التحري والتحقق وصولا إلى حقيقتها ، بينما يتجمد ظن المكفر ويتكلس حول ظنه ، أو يتوقف عند تفسر فقيه أو أكثر من فقيه عبر تلق سمعي تلقينا .

ومع أن عملية التفسير منبعها التفكير ؛ إلا أنه تفكير منغلق على نص ديني ـ لا يستعين المفسر في فهمه له على جديد علوم عصره ، ولا يعتد بمتغيرات وجوده الإنساني المتوالد المعارف ، وبذلك ينكر مستحدثات العلم ، وإن أدار حياته بمنجزات إنتاج الآخر العلماني للمعرفة ولوسائلها ، مؤمنا بمقولة أحد المشايخ المعاصرين بأن ” الله قد سخر الغرب لينتج لنا ما نحتاجه ” مما أوقع أصحاب المعرفة الظنية في حالة إنفصام . بين إنكارهم لكل جديد مبتدع ؛ مع الانتفاع بمنجزاته بإعتباره بدعة وضلالة صاحبها في النار يقينا – إنتهازية واضحة –

  وبما أن الفنون تأسست على المعرفة الظنية بالتخييل والإيهام ، مشتبكا مع المعرفة العقلية ، والعلمية اليقينية ، فلن يقابل من أصحاب التيارات التكفيرية سوى الاستنكار والتكفير، الذي بدى فاشيا في الحياة الاجتماعية المصرية متسللا في جنح ليل الثمانينيات وما فتأ يميط لثامه ليظهر عكرة وجهه الظلامي عاما بعد عام لينشر جرثومة التخلف عبر النوافذ التي غضت الدولة عنها  ( زوايا أو جمعيات سلفية ، وإخوانية تتخفي خلف عمل الخير، وتغول في المؤسسات العليمية في مراحلها الأولية عن طريق آلاف المدارس في قري مصر، وتركت المنابر سداح مداح أمام وهاببيين مفوهين تكفيريين ينكرون على غير تابع لمسيرهم ليس حقه في الحياة

 

اخترت هذا النص بسبب اشتماله على بنية كبرى مركبة من ثلاثة أفكار تكشف عن علاقة  بنية النص بموقف المؤلف من جوهر الوجود ؛ مستندا إلى ثلاثة أفكار مركبة ( الحياة – الموت – مسئولية الإنسان عن أعماله خيرا وشرا) تتفرع من تلك البنية الكبرى بنيات فرعية تتصل دلالالتها بدلالة العلاقة بين الإنسان والوجود ليكشف النقد عن العلاقة بين دلالة البنية التوليدية وفهم ما بينها من جدل مع فكر المؤلف الفلسفي والسياسي وخبرته المسرحية ، اينادا إلى منهج لوسيان جولدمان

المسرح و صورة الحياة والموت وما بعده  بين التفكير والتفكر  

عالج المسرح فكرة الحياة والموت وفكرة المصير الإنساني في العالم الآخر، وتباينت المعالجة بين التفكير الإبداعي من منظور الفلسفة المادية والتفكر الصويري والتشخيصي المستعيد لصورة الحياة والموت وما بعد الموت من بطون التراث الدينب

وهنا نقف أمام عدد من النمادج المسرحية في التفكير الإبداعي الوجودي للصورة التي رسمها فكر سارتر في مسرحيته ( لا مفر) ، وفي التفكير الإبداعي الملحمي الجدلي المادي للصورة التي رسمها بريشت لما بعد الموت في مسرحيته ( محاكمة لوكوللوس) ففي الأولي يدور التفكير حول كسب التأييد لفكرة ارتباط وجود الدات بوجود الآخر ، بتأكيد حق كل منهما للحرية الداتية الملتزمة بحرية الآخر؛ وبدن تلك الثنائية الجدلية المركبة ينفي كل منهما الآخر ، فيحل العدم محل الوجود . فالتفكير هنا يجسد فكرة قبول الآخر المختلف. ويدور التفكير في المسرحية الثانية الثانية حول كسب التأييد لظاهرة الخسران الدب يقع على الطبقات الكادحة من جراء استخدامهم وقودا لاشعال حروب الجكام الطغاة ولتتوبجهم أبطالا تاريحيين ؛ دون أن يكون لأولئك العمال والفلاحين في الحرب ناقة ولا جمل .

وتظهر مسرحيتة كل من ت.إس.إليوت ( جريمة قتل في الكاتدرائية) ، ومسرحية جان أنوي ( بيكيت – شرف الله) وقوف الفعل الدرامي عند نصرة رجل الدين        ( القديس بيكيت)  على رجل الدولة ( الملك هنري الثامن) فبيكت الدي صادق هنري في حياتة العربدة والخمر والنساء ؛ يتحول عن ملاد الدنيا ومتعها الملكية ، متمسكا برفضه لاستيلاء الملك على ريع الأوقاف الكنسية التي ترسلها إنجلترا والممالك الأوروبية للكنيسة الأم في الفاتيكان ، فالملك يفكر في الالتداد الدنيوي ، والداعر بيكت الدي أصبح كبير كهنة كاتدرائية كانتربري يتفكرفي ملكوت الله وحفظ ريع أوقاف الكنيسة ، ليرسلها لرئيسه الديني.

وفي مسرحية (إيفري مان) من العصور الوسطي ، تلك التي مصرها د. هاني مطاوع تحض الجمهور المتلقي لهاى على التفكر في رحلة ما بعد الموت ، لييكون رأي عام متسق مع شيوع الفكر الأخروي الدي استولي على عقول الغالبية الفقيرة والوسيطة في مصر

بهجة السفر وحدك من العصور الوسطى إلى القرن 21 / – مبحث تطبيقي –               

تمهيد :  كتب النص د. هاني مطاوع  ( نص يا مسافر وحدك) وأخرجه للمسرح القومي بالقاهرة . والنص يركز على الحض على التفكر في رحلة الإنسان بعد الموت ، متماهيا في نصه مع  التوجه الديني الدي استشري في مصر خلال فترة حكم ما قبل 25 يناير 2011

وتكشف معالجته لفكرة نص قديم من العصور الوسطى هو نص ( كل إنسان – إيفري مان ) حضا على التفكر في مصير الإنسان ورحلة ما بعد الموت ؛إيمانا  بأن كل إنسان مسؤول عن أفعاله إن خيرا كانت أم شرا ، وتثبيت الفكرة الدينية عن رحلة الحساب في الآخرة ؛ إد لن ينفعه والد ولا والدة  ولا ولد ولا زوجة ولا مال ولا عيال ، لن يرحل معه في رحلة الحساب في الآخرة غير عمله فقط  خيرا وشرا. وهذا ما يوضحه التحليل حول البنية الكبرى للنص والبنىا لصغرى المتوالدة عنها

اخترت هذا النص بسبب اشتماله على بنية كبرى مركبة من ثلاثة أفكار تكش عن علاقة  بنية النص بموقف المؤلف من جوهر الوجود ؛ مستندا إلى ثلاثة أفكار مركبة  ( الحياة – الموت – مسئولية الإنسان عن أعماله خيرا وشرا) تتفرع عن تلك البنية الكبرى بنيات فرعية تتصل دلالالتها بدلالة العلاقة بين الإنسان والوجود ليكشف النقد عن العلاقة بين دلالة البنية التوليدية وفهم ما بينها من جدل مع فكر المؤلف الفلسفي والسياسي وخبرته المسرحية ، اينادا إلى منهج لوسيان جولدمان

تحليل بنيوي توليدي لن ( يا مسافر وحدك) لهاني مطاوع  [1]

استندت في نقدي للنص على عاملين أساسيان في نظرية النقد البنيوي التوليدي :

أولا: العلاقة بين تأويل الناقد والدلالة الموضوعية للنص :

أي توصل الناقد إلى الدلالة الموضوعية في بنية النص من غير الاستعانة بعناصر من  خارجه  .

ثانيا : علاقة الدلالة الموضوعية للنص بأفكار الكاتب الفلسفية والدينية أو السياسية أوالمسرحية .

ومن خلال تحليل بنية النص  اعتمادا على  أفكار المؤلف ( د. هاني مطاوع )  الفلسفية و توجهه أو أفكاره عن الواقع السياسي اتضح الآتي :

– أفكاره الفلسفية : تكشف معالجته لفكرة نص قديم من العصور الوسطى هو نص ( كل إنسان – إيفري مان ) عن إيمانه بأن كل إنسان مسئول عن أفعاله خيرا أو شرا ، وفي رحلة الحساب في الآخرة لن ينفعه والد ولا والدة  ولا ولد ولا زوجة ولا مال ولا عيال ، لن يرحل معه في رحلة الحساب في الآخرة غير عمله فقط  خيرا وشرا. وهذا ما يوضحه التحليل حول البنية الكبرى للنص والبنىا لصغرى المتوالدة عنها :

البنية الكبرى للنص :

تحتوى البنية الكبري للنص على أربعة أفكار رئيسية : (فكرة  الثأر  – فكرة القدر  – مسؤولية الإنسان – فكرة الحساب الآخروي ) .. فكرة الثأر تؤدي إلى الهرب ، والقدر لا هروب منه والمسؤولية تؤدي إلى الحساب عن أعماله في الدنيا ومن البنية الكبرى للنص تتوالد البنى الصغري ( الأفكار والموضوعات الفرعية) التي تعكس أفكار المؤلف في القضايا الكبري عن الإنسان  وعن جوهر الوجود والعلاقة التي بينهما ، تلك التي يكون على الناقد اكتشافها. وتؤكد قصدية الحض على التفكر والتماهي مع الفكر الدبني السائد في المجتمع المصري الدي يشيع الخوف والنفور من الدنيا ومن ثم يعكس الكآبة والتفاعس عن السعي نحو مستقبل أفضل. والخوف من التجديد والتفكير والابتداع أو الابتكار لأن البدعة ضلالو والضلالة في النار .

وتتأكد الفكرة الفلسفية الدينية التي  قامت عليها بنية النص من الحالة التي سيطرت على المؤلف عند بدء كتابته للنص فهو يعترف أنه قد انتابه ، سواء في كتابة النص أو في إخراجه “حالة النوستالجيا ( الحنين)  التي اعتقد أنها تصيب  جيلي بأكمله .. عندما ينتابنا الحنين للعودة إلى عوالم الصبا الجميلة التي غربت شمسها من دون أن ننتبه ، وهي العوالم التي لا تزال أفلام الأربعينات والخمسينات قادرة على إحيائها ، ولذلك لن يكون غريبا أن يجد المشاهد أطياف أنور وجدي والريحاني وليلى مراد وعبد الوهاب في طيات يا مسافر وحدك . ” [2]  ففي بنية النص نجد  طيف( د. أنور وجدي) أستاذ ( أنسي) الذي يعتذر عن  اصطحابه في رحلته إلى العالم الآخر ، مع أنه يعاني من أمراض الشيخوخة وعلى حافة الموت .وتمتنع زوجته ( نيران) عن الذهاب معه وصديقه (سرور) مع إنه كان من أعز أصدقائه ، وتتكشف الدلالة الموضوعية من خلال اكتشاف (أنسي) أن صديقه (سرور) كان يخونه مه زوجته ( نيران) .

ويظهر طيف (ليلى مراد) في بنية البنص في المشهد الاستعراضي :

” أنور : … ما أحنا الاتنين أساتذة وعمدا قد الدنيا .. ولا فيه خيار وفقوس ؟ خلاص بقه أسيب الجامعة واشتغل بلياتشو في السينما .. أنا الدكاترة أنور حسن وجدي دكتور الفلسفة وفقه وعلم لغة واقتصاد سياسي أسرح في الشارع بزماره ومزيكه .. ( استعراض دوس الدنيا وامشي عليها .. يشترك فيه كل من أنور وجدي على طريقة استعراضات بوب هوب وبن كروسبي أو جين كيلي وفرانك سيناترا .. يصاب الأستاذ بالإعياء في  نهاية الاستعراض )  آه .. آه .. قلبي  “

وتتوالد فكرة التهرب الأستاذ يتملص ويتخلص من  (أنسي)  :

” ( يستدير ناحية أنسي ) يا أنسي يا أبني حل عن سمايا .. ما تسمش بدني أكتر من كده .. أنا ما أنفعكش ببصله .. وبعدين لو جيت معاك حنه مقفولة ومفيهاش تهوية .. الريحه هتبقي وحشه قوي .. أنت ليه ما بتروحشي لأمك وأبوك . ولا همه خلفوك ونسيوك ؟ ”  [3]

تظهر الأم فرحتها برؤية ابنها ( أنسي) عند دخوله لبيت أبيه في القرية بملابس المستشفة:

” الأم : ( وهي تبكي) آهو ده العيد اللي بحقيق .. وأنت داخل على ومفرحني .. مش الصبح يشكونا التلغراف يقولوا إنك الشر بره .. بره .. وبعيد .. آل إيه .. مت ! وقال الجثه تاهت ولا أبصر اتبدلت في المشرحه ( تنخرط قس البكاء)

أنسي : (باكيا ) :سامحينس ياأمه .. سامحنى ياأبه ..أنا مااستاهلشي عطفكم ده كله .. إيدك أبوسها ياأمه .. مداسك أحب عليه يا أبا..

الأب : استغفر الله ياابني .. شفتي يابت أبوزيد آخرة شورتك المهببه .. قعدتي تقوليلي الواد يتربى بعيد عنيبنا .. ولا يطوله لا تار ولا نار .. أهم طخوه هناك .. مش كان أحسن له يطخ الرصاصة دي في بيته وفي وسط أهله وناسه ؟الأم : منكم لله ولد هجرس معيشنا ليل ونهار في رعب وحيرة من النار والدم .. جتكم الغم .”

– أفكار الكاتب المسرحية وخبراته : تظهر من خلال ميله للمزاوجة بين الشكل المسرحي الجماهيري السهل البسيط وبين احتمالات التعقيد الفني ( الدراما الشارحة) التي تخلط الوهم بالواقع والأحلام باليقظة .[4]

من خلال بني الصغرى المتوالدة عن البنية الكبرى للنص تكشف دلالاتها الموضوعية تختلط فيها الحقيقة بالخيال ، فالخيال أو حلم اليقظة يتمثل في عودة البطل (أنسي) إلى الحياة عودة مؤقتة قبل أن تبدأ رحلته إلى الحساب في الآخرة  ليستنجد بكل من يعرف في الدنيا بدءا من أمه ثم أبيه وزوجته ثم حبيبته ثم أمواله ، طالبا أن يصحبه أحدهم في رحلة الحساب ، ولكن الجميع يعتذرون له ، فتظهر موضوع الصداقة الزائفة وموضوع الخيانة الزوجية مع الصديق وموضوع  التهرب .. وهكذا نلحظ الدلالة الموضوعية  في بنية النص من النص نفسه   ، لتتوالد فكرة التأر أو تتجسد في الواقع عند سفر ( أنسي) إلى الصعيد ليطلب من والدته ومن والده أن يصحبه أحدهما في رحلته للآخرة ، فيطلق عليه الرصاص  من (أولاد هجرس) الأسرة الصعيدية التي لها ثأر عند أسرته ، كما تتولد من البنية دلالة عدم قابليته للموت بعد إطلاق الرصاص عليه لأنه ميت في الواقع

” الأم : ابني ما سيبوش .. دا أنا أم .. إلا أحنا نخلفهم ونسيبهم يتوهوا كده في الدنيا الواسعة .

الأب : ياوليه العيل من دول من ساعة ما بينقطع حبل السره وهو مسئول عن نفسه .. عقله في راسه يعرف خلاصه “[5]

هكذا ينقذ الأب (آدم)  زوجته ( امبركه) من الذهاب إلى مجهول لم يقدر الابن        ( أنسي) أن يخبرهما عن أنه في طريقه إلى حساب الآخرة.

–  وفي النهاية لا يجد من يصحبه في رحلته إلى الآخرة غير الفتاة الريفية البسيطة (حسنات) :

” أنسي : زي ما أكون مديت إيدي لغاية ما مسكت باليمين إيد أبويا وبالشمال ‘يد أمي  قعدوا يشدوا فيه .. يشدوا فيه والقطرم اشي .. يشدوا والقطرع لى آخر سرعه .. وفجأة إيدي فلتت من إيديهم .. وزي ما أكون والقطر ماشي وكده زي الصاروخ .. اتشفطت في النفق .. وزي ما أكون وقعت من جبل عالي .. ياه .. دماغي .. عيني .

حسنات: بتوجعك ؟

أنسي : زي ما يكون نور .. ما شفت زيه أبدا .. الدنيا واسعه زملهاش آخر والنور بيضوي في كل ناحية

حسنات: طب بص دقق .. شوف جاي مين

أنسي : النور جامد أوي لدرجة مش قادر أبص ناحيته .. لكن حاسس بالنور ده في كل شعره في جسمي “

” .. يا سلام .. زي ما أكون بستحمى في النور باتغسل من أولي لآخري  .. ياسلام لو

حسنات : لو إيه ..

أنسي: لو ..

حسنات/ مش قادر تتكلم .. طب نام ياخويا متتعبش راسك .. اسند دماغك على رجلي .. عشان تسافر وأنت راضي ومرضي .. ومرتاح

( تتردد في الأصداء الآيات القرآنية الكريمة من سورة النور)

” الله نور السموات والأرض  ………… “

أنسي : لو .. لو  “[6]

وعلى محطة الرحيل إلى الآخرة يلتقى (أنسي) ومرافقته الريفية البسيطة ( حسناته) التي ترحل معه للآخرة بآخرين ، كل منهم مشعول بنفسه .

المراجع

1هاني مطاوع ، مسرحية يا مسافر وحدك ، كتاب القومي 1

  2 د. عمرو دوارة

3 سي دي ، برنامج تياترو ، البرنامج الثاني ، التليفزيون المصري

  • محمود نسيم ، يا مسافر وحدك إلى الحياة الآخرى
  • جريدة الجمهورية ، يا مسافر وحدك والساعة 25 ، عدد 26/2/1998
  • محمد الرفاعي ، يا مسافر وحدك ، صباح الخير 11/3/1998
  • محمد تبارك هارون الرشيد يرقص في المسرح القومي
  • رمضان محمود نور الشريف أضحك الجمهور وأبكاه في وقت واحد ، المساء ، 10/3/1998
  • النذالة حتى الموت ،مجلة روز اليوسف 23/3/1998
  • مختار العزبي ، يا مسافر ومعاك حماتك ، مجلة أكتوبر 21/3/1998
  • أحمد عبد الحميد ، يامسافر وحدك تجربة مثيرة جامعة لخصائص الميتاتياتر ، الجمهورية 22/3/1998
  • د. عبد اللطيف عبد الحليم ، .. نص استفاد من التراث العربي والعالمية ، الأهرام ، 7/3/1998
  • ومن النقد ما قتل .. الناقد الأدبي .. والناقد المسرحي ، الأهرام المسائي 3/3/1998
  • جلال عبد العال ، يامسافر و حدك ورحلة إلى العالم الآخر ، مجلة الكواكب 3/3/1998
  • د. أحمد هيكل ، ا مسافر وحدك ، الوفد 2/4/1998
  • نبيل بدران / سعاد لطفي ، يامسافر وحدك رؤية جديدة .. لمسرحية في العصور الوسطي ، مجلة آخر ساعة 3/2/1998
  • – نبيل بدران/ سعاد لطفي ، يامسافر وحدك .. لا تنسى ، محلة آخر ساعو 3/3/1998
  • نهاد إبراهيم ، يامسافر وحدك وفايتني ، مجلة المسرح ، محمد سلماوي ، يا مسافر وح\ك ، الأهرام 16/2/1998
  • عبد الغني داود ، رحلة فلسفية محيرة – يامسافر وحدك بين المتعة والعبرة ، مجلة الكويت ، العدد 177
  • محمد بركات ، كوميديا من العالم الآخر – يامسافر وحدك ، الأخبار
  • محمد بركات ، يا مسافر وحدك على مسرح محمد الخامس بالرباط ، خاص لأخبار المسرح
  • د. أبو الحسن سلام ، يامسافر وحدك من العصور الوسطى إلى القرن العشرين ، موقع الكمبوشة .. com

المبحث الثاني

يرفع الحاكم على قمة السلطة في الأمم المتحضرة انتخاباً مباشراً ويرفع في الأمم أنصاف المتحضرة بانتخابات صورية ويرفع في الممالك العريقة بالتوريث . بينما يرفع الحاكم نفسه فوق رؤوس الشعب في الأمم المتخلفة التي تستظل تحت شعار دول العالم الثالث . ويصبح وقوفه على رؤوسهم مزمناً اعتماداً على (نظرية الكل في واحد) تلك النظرية التي أصبحت مرفوعة عن الخدمة . إطار القومية ، وبدلت فناعها لتصبح (العالم في واحد) هو أمريكا 2000) والنص المسرحي الذي بين يدينا يوحي لنا بأن ذلك الأمر ليس جديداً ؛ فعالم العرب ودولة الكل في واحد الشمولية الإسلامية لم تكن تدار عن طريق ذلك الواحد الفرد وإنما كانت تدار بالكل الذي يحوك المؤامرة تلك المؤامرة ضد الكل الإسلامية بدا متقنعاً ومتستراً مع بداية الحكم الوراثي الأموي أو قبله بقليل (خلافة عمر) إلى أن أظهر وجهه القبيح سافراً في عصر بوش الصغير ليصبح العالم في واحد . وخلاصة ذلك عندي أن هي النظرية النواه نظرية الكل في واحد التي ترفع ثالث الثلاثة المجتمعين على رأس الجماعة وهي نظرية حتمية شمولية أيديوجيا في النصف الشرقي من أوروبا وآسيا وبعض الدول الإفريقية بشعار (الكل في الحزب) ثم سقطت بسقوط النظم الشمولية التي زعمت أنها اشتراكية لتحل محلها شعار (العالم في أمريكا)

هذه المسرحية لم تذهب إلى ذلك بالطبع ولكنها تعيد إنتاج حدث ثوري شعبي . تتكرر أسباب حدوثها في عصرنا دون أن تصل المسرحية إلى تجذير حقيقي لأسباب تكرارها في مجتمعاتنا.

وحتى تنتصر المسرحية للحاكم المطلق فإنها تتركز على المظاهر العارضة وتترك الجوهر فالحاكم نفسه مظهر عارض يأتي جبراً ويذهب جبراً وأفعاله وأفعال موظفيه هي من جنسه عارضة أيضاً وجبرية ، وإنما الجوهر هو نظرية الحاكم نفسه وهو حكم التراتبية التي يؤمر واحداًَ من أفراد ثلاثة على الكل طالما اجتمعوا فيما يعرف بنظرية (الكل في واحد) ولهذا الواحد على الاثنين الآخرين واجب السمع والطاعة لأنه هنا مستخلف عليهم بتشاورهم لأسباب قوة أو الكاريزما التي رأياه عليها . ولست أبرئ الحاكم سواء أكان الخليفة المأمون أو غيره ممن سبقه أو خلفه أو ولاة مصالح نظامهم الشمولي من المظاهر أو العوارض التي يرتكبونها باسم نظرية الحكم ولكنهما متضامنين لأنهم آمنوا بها وقاموا على تطبيقها1

كذلك لا أقف عن التطبيق والسلوك ومظاهره وآثاره الحائرة ولا رفض الغالبية لها كما ذهب النص الذي حمل كل تلك المفاسد والمظالم وتبعاتها على نظرية المؤامرة .

ولأن الخلل في نظرية الكل في واحد وليس في عوارضها من حكام خلفاء ظنوا أم كانوا ملوكاً ورؤساء وولاة ومحافظون ووزراء ، لذلك تتكرر المظالم والمفاسد عبر تاريخ الحكم العربي الإسلامي الدي يواجه بهبات وانتفاضات وثورات شعبية عندما لا يصبح لدي الغالبية المطحونة ما يخسرونه سوى القيود التي يكبلهم بها الثالث المرفوع الذي أمر نفسه ولم يؤمره أحد .

” سارة وأخواتها ” والخلافة الإسلامية

من نظرية الكل في واحد إلى نظرية الكون في واحد

إذا صح القول إن كل ما نقرؤه هو نوع من الذكرى وأن القراءة تستحضر إلى حاضر حياتنا صوراً مشوّهة من الماضي ، وتحقق تراسلاً بين الفرد والجسد الاجتماعي ؛ فإن قراءة ” حزين عمر ” لثورة الفلاحين المصريين على الخلافة العباسية في عهد الخليفة المأمون ما بين عام 212 وعام 216 هجرية أي عام 830 ميلادية هي حالة استرجاع لصورة مشوّهة من ماضي أمتنا ، يعكسها الكاتب على مرآة حياتنا المعاصرة المعيشة ؛ لنقابلها عبر قراءتنا لها نصاًَ أو مشاهدتنا لها عرضاً مسرحياً مع صورة واقع أمتنا العربية والإسلامية المشوّه وبما ترتد بصيرتنا بعد العمى على مدى قرن ونصف القرن . ولأن الفن رديف الجمال – حتى في حالة التشويه المتعمّد للصورة المسرحية في بعض المدارس المسرحية– فإن تجليات المسرح التي تتجسد بالتعبير الحواري الكلامي والمرئي عن صراع العاطفة والإرادة البشرية . في حالة من التنامي في مسار الاكتمال الفني أو في مسار اللااكتمال الفني .

وحيث أن لكل إبداع تجلياته الخاصة التي تكشف عن شخصية المبدع وشخصية مجتمعه وعصره متقنعة خلف شخصياته المسرحية في مجتمعها وعلاقاتها ودوافعها . ولأن جوهر الدراما يتجلى في كون الكاتب المسرحي والشاعر الدرامي كليهما يتكلم من خلال أفواه شخصياته دون أن يبدو عليه أنه يفعل ذلك ؛ فإن إدراك الناقد لجوهر الدراما فيما أحدثته (سارة وأخواتها) اللاتي عكس حزين عمر صورهن على مرآة حاضر أمة الإسلام في مطالع الألفية الثالثة اليقول لنا : لم يكن الحدث الذي أحدثته (سارة وأخواتها) في المجتمع العربي على عصر المأمون ليس استرجاعاً استحضره لصورة مشوهة من ماضي الدولة العربية الإسلامية ، وإنما هو حدث حقيقي حاضر وملازم لنا عبر العصور ونحن نعيشه الآن .

ولأن الدراما تأسست على التكثيف شأنها شأن الشعر ، ولأنها تقوم على التقاط اللحظات الساخنة وخلق حالة توازن بين لغة القول ولغة الصورة ، ولأن الدراما تجمع ذلك كله لتمتع قبل أن تقنع تحقيقاً للأثر الدرامي والجمالي ، لذا فإن وقفتنا التفكيكية النقدية ستكون عند ثلاث محطات أساسية في مواجهة (سارة وأخواتها) ارتكازاً على النظرية الظاهراتية النقدية التي يكشف الناقد بوساطتها عن وعيه بوعي الكاتب على المستويين الفكري والفني عن طريق تفكيك تناقضات التعبير ووعي الكاتب بتشكيل مادة إبداعه ، كيف انتقى تلك المادة وكيف شكّلها ومدى تمكنه من التعبير عن المقولة التي تبناها بادئ ذي بدء ، ومن ثم قدرتها على التأثير في  المتلقي درامياً وجمالياً.

الفكرة لا التفكر:      ولأن كل إبداع يتشكل عبر خبرة المبدع الوجدانية والمعرفية على المستوى النظري والمستوى العملي ارتكازاً على المادة التي ينتقيها المبدع ويصقلها ويعيد نظمها عبر أسلوب يستهدف التعبير عن الدلالة التي يسعى المبدع إلى التأثير بها فكرياً وجمالياً على المتلقي .

وفي هذا فقد عوّل الكاتب حزين عمر في مسرحيته تلك على المادة التاريخية لواقعة من أهم الوقائع الدموية التي ثارت فيها جموع الفلاحين المصريين على الحكم العربي لمصر في خلافة المأمون ما بين عام 211 وعام 217 هجرية الموافق 830 ميلادية بسبب إفقار والي الخليفة المأمون على مصر للشعب المصري بالمكوس والضرائب وبألوان الفساد التي استشرت في كيان الدولة بسبب جور الوالي وأتباعه من جباة المال ورجال الشرطة والعسس.

الشكل وتحطي الطبيعة :

عندما نتحدث عن الشكل في الفن بشكل عام ، وفي المسرح بشكل خاص تتبادر إلى ذهننا عبارة الممثل الفرنسي القديم (ريكبوني الأب ) التي تقول : ” إذا أردنا التأثير ، وجب علينا أن نتخطى الطبيعة قليلاً ” وتخطي الطبيعة في أسلوب كتابة المسرحية يتمثل أساساً في لغة الحوار الدرامي حيث يطفو الحوار الضروري للفعل على السطح ويبدو هو الوحيد الذي تلتقطه آذاننا ، ولكن اللغة الأخرى في الواقع هي التي تصغي لها غريزتنا ومشاعرنا اللاواعية بتعبير – ميترلنك .

وفي محاولة النص – الذي نحن بصدده – لتخطي الطبيعة يوظف التقنيات الآتية : (المسرح داخل المسرح ، أفق التوقعات ، الملاءمة والملاءمة الثقافية واللغوية للشخصيات – كل منها على حده – ، الشخصية القناع ، النص الموازي ، نقاط الاشتعال الدرامي ، نمطية التعبير الرسمي ، الرمز ، التهكم ، المفارقة الدرامية ، تقنية الحذف وتجنب الزمن الميت ، تأجيج الصراع ، المبالغات ، التيار المعلوماتي ، الاحتمال ، النهايات المثيرة (القفلة الساخنة) ، روعة الاستهلال ، الغناء ، الرقص ، الكناية ، الصدمة الدرامية ، التحول ، المبالغات الميلودرامية )

تلبس الشكل الأساليب الفنية الدرامية أقنعة المصداقية حتى تقنع المتلقي بالشخصيات ومواقفها الإيجابي منها والسلبي ، مدركاً أهمية تقديم الحقيقة الفنية على الحقيقة التاريخية ، متقنعاً بالأسلوب الذي يقود فيه الإمتاع عربة الإقناع على طريق البنية الدرامية والجمالية لمؤامرة (سارة وأخواتها) ضد العالم الإسلامي .

النقد وقراءة التفكر:

 وإدا كان تخطي الطبيعة مطلوبا في التجسيد أو التصوير الإبداعي ، فهو غير مطلوب في الدعوة لفكرة السمع والطاعة لأمير المؤمنين ؛ لدلك  لم تكن قراءة حزين عمر لحادثة انتفاضة فئة من الشعب المصري على والي المأمون على مصر في 217 هجرية مجرد نوع من استحضار تلك الحادثة بصورتها المشوّهة إلى حاضر حياتنا المعاصرة بوصفها ذكرى ، وإنما كانت قراءته لتلك الحادثة إعادة إنتاج معاصر لها في واقع مشابه لذلك الواقع الفاسد الذي أنتج حادثة الحرابة التي خرجت فيها جموع الفلاحين المصريين الغاضبين من جور الوالي وجباة أمواله وتأجيج من ركب الموجة للصراع مدفوعين بدس خارجي ينتشر كانتشار الخلايا السرطانية في جسد المجتمع المصري على أيام المأمون وهاهو يتكرر على أيامنا ، حيث انتشرت الخلايا السرطانية الصهيونية وعملائها في واقعنا العربي المعاصر على مرأى ومسمع من الحكام وخربت الخلايا الطبيعية السليمة في جسد الأمة العربية .

هذه المسرحية دعوة لإدراك العلاقة بين ما حدث في مصر على أيام المأمون وهو صاحب النهضة العربية الكبرى وما يحدث الآن من تغلغل التبارات الإسلاماتيكية ، و الأيادي  الصهيونية  التي تعبث بمصيير شعوب الدول العربية وتسيطر على أنظمة حكمها الملتبس بين شمولية التسلط المزدوج بين الوجه الديني السياسي والوجه العسكري المتمد؛ فنظرية المؤامرة إذن هي سبب البلاء الذي حاق ويحيق بالعرب المسلمين – تحديداً – وهذا ما أراد نص (سارة وأخواتها) أن يقنعنا به ؛ ظناً منه بأنه يرفع عنّا وعينا السياسي عمى البصيرة. ينبهنا النص إلى ما بين لهو النخبة الحاكمة وجبروتهم وسذاجتهم وزيفهم ، وجدهم وهزلهم ما بين غفلتهم وعودة وعيهم ، ما بين تسيبهم وتشددهم وتحاملهم وتحامقهم ، ينبهنا حزين عمر إلى أننا نعيش مع (سارة وأخواتها) في ظل حكام مزمنين امتدت أعمارهم من الهعصر العباسي حتى الآن .. نعيش حالات ارتجالهم للمواقف مع القليل من حالات التخطيط والإعداد .. نعيش ثقافة عصرنا في عصر المأمون الذي عايشه حزين عمر – فرأه عادلاً وبريئاً من دماء فلاحي مصر وهم آلاف – عايشه خلال متابعته لتسلل (سارة وأخواتها) في زمنين أو عصرين متباعدين ؛ عصر المأمون وعصرنا العربي عصر (جوانتانامو / أبو غريب) ليقول لنا إن (سارة / المؤامرة) التي أعدمها المأمون مع أخواتها قد بعثت مستنسخة على طول مشوار رحلة الأمة العربية على طريق يمتد من ضريح عمر بن الخطاب حتى ضريح “المشد” وضريح “سعيد السيد بدير ” (عالمي الذرة المصريين) مروراً بضريح جمال عبد الناصر وبأضرحة علماء العراق . فنظرية المؤامرة الصهيونية هي سبب كل ما حاق ويحيق بالعرب المسلمين . تلك هي مقولة الكاتب حزين عمر مع أن النص زاخر بالقيم السلبية التي تكشف عنها الصفات التي جسدتها الأبعاد الاجتماعية والجسمية والنفسية التي رسم بها المؤلف شخصياته من (رشوة وانتهازية وتدليس وتسلط العسكر والعسس والتهديد والقهر والعشوائية والتحامق والتحامل والتحريض وقطع الطريق وغفلة الحاكم والمراوغة والاستدراج واستغلال النفوذ والتسيب وسذاجة الحكام) .

وهي قيم إفساد تفجر أعتى دولة في العالم ، دون حاجة إلى مؤامرة خارجية . فالنص وهو يشخص عوامل الفساد والانهيار الداخلي لنظام الدولة الإسلامية يسجل تفصيلياً أسباب ثورة الفلاحين المصريين التي ذبح فيها الأفشين قائد جيوش الامبراطورية الإسلامية على أيام المأمون ثم على أيام ابنه الخليفة المعتصم ، الذي صلب الافشين وقطع أطرافه من خلاف ثم أحرق حياً عشية عودته منتصراً من حربه ضد أعداء نظام الخليفة المعتصم نفسه .

المضمون :

تشكل هذه المسرحية حلقة اتصال مهمة بين الماضي والحاضر انطلاقاً من علاقة الحاكم الديني أو الشمولي أو العسكري بالمحكوم، حيث تديرها نظرية المؤامرة ودورها في استغلال الشعوب وفي هدم أركان الأمة أو تفكيكها . فالمسرحية تجسد إحدى صور الارتباك الاجتماعي التي ما زالت تتكرر على مدى تاريخ أمتنا العربية إما امتداد قارتين وإما لحلقات التآمر المتصلة والمتواصلة على تلك الأمة .

في نسيج درامي متواصل الحلقات حيث تربط المسرحية بين خلل العلاقة بين الحاكم الإسلاميممثلاً في الخليفة العباسي المأمون وأركان نظامه القائمين على إدارة منظومة الدولة الإسلامية العباسية في مصر وبالتحديد فيما بين عامي 211 إلى 217 هجرية وما استشرى فيها من فساد ومظالم وتغلغل محكم من قوى التآمر المنظمة والتي وجدت مناخاً مناسباً لتفعيل عوامل الارتباك في محاولات مستميتة لتفكيك أركان الدولة العربية الإسلامية المترهلة ، وهو مناخ متجدد الحضور في الشكل وفي المضمون بدءاً من تاريخنا القديم اتصالاً بتاريخنا الحديث والمعاصر ؛ لذا يتجدد الدور التآمري على هذه الأمة ، ما دام الفساد يتجدد وما دامت المظالم تمسك بتلابيب الغالبية من شعوب هذه الأمة وما دامت الحقيقة ليست في متناول الجميع لوجود حالة من الاغتراب بين الحاكم والمحكوم . وهنا يصح لنا الاستشهاد بمقولة أفلاطون (تظل الدولة في عافية طالما كانت الحقيقة في متناول الجميع) فما البال والحقيقة غائبة عن رأس الدولة وحاكمها الأوحد الذي يجسد نظرية الكل في واحد (نظرية الحكم في الإسلام) بفعل النخبة التي تساعده في إدارة دولاب الحكم .

المبحث الثالث

نهار اليقظة وإلقراءة المنتجة في الأسطورة الدينية ومقارباتها في حياتنا المعاصرة

نص مسرحية ( محاكمة إيزيس  (

الصفات البشرية للآلهة بين الثبات والتغير:

ارتبط المسرح الفرعوني بالفكر الديني وبالقيم الدينية ارتباطاً وثيقاً . وقد شكلت كل من الأفكار والقيم الدينية دور المسرح ووظيفته الطقسية ، على أساس أن المسرح الفرعوني هو مسرح الآلهة ؛ الداعي إلى أن الإنسان قائم في وقوف الآلهة إلى جانبه

ومع أن للآلهة الفرعونية صفات بشرية ومع أن الصفات البشرية متغيرة ومتبدلة ؛ إلاّ أن تلك الصفات لها صفة الثبات ، لارتباطها بالآلهة ، وباعتبار الآلهة خالدة ، لذا فتلك الصفات التي استعارتها من البشر لها صفة الخلود أيضاً. إن لويس عوض في نص ( محاكمة إيزيس)  يحاكم الأسطورة نفسها بالكشف عن مقاربتها للنص الديني السماوي فهو المبدع الباحث المعاصر في ذات الوقت في النصوص المصرية القديمة عن قصص دينية حدثت مع الآلهة في أحداث الأسطورة ، ثم يقارنها في ذات الوقت بما ورد في ( الكتاب المقدس ) و( القرآن ) بعد ذلك . ومنها قصة ) عشتروت ) في نص ( محاكمة إيزيس ) حيث تخفت في هيئة خادم ودخلت قصر ملكة لبنان مرضعاً لوليدها الصغير) وقصة إيزيس ومعجزة حملها بالروح القدس دون أن يمسها زوجها54 وقصة إلقاء إيزيس لابن عشتروت في النار وخلوده وقصة اختلاء إيزيس بنفسها مكاناً قصياً ، وفكرة الإله الابن والابن المخلص حورس ، كل ذلك القصص الديني يشبه قصصاً لموسى وأمه أو أخته التي تخفت ودخلت قصر الفرعون لترضع وليدها وقصة حمل مريم بالروح القدس وقصة إلقاء إبراهيم في النار وخروجه سالماً وفكرة التثليث عند المسيحية معجزة الأم العذراء التي تحمل دون أن يمسسها زوج عند إيزيس في المسرحية وعند مريم في العهد الجديد والقرآن . إن تكرار تلك القصص الدينية في الكتب السماوية ، يقطع بثباتها في عقيدة المؤمن بالله وكتبه ورسله . كذلك نجد في النص نفسه فكرة الأضرحة وزيارتها . كذلك نجد في نص ( محاكمة إيزيس ) شعيرة الحج إلى قبر أوزيريس ، حيث يحج الناس إليه ونجد فكرة الثأر من قاتل أوزيريس فعندما (استكمل حورس بأسه وفتوته خرج ليثأر لأبيه من قاتله ) وفكرة الخلاص التي عرفتها المسيحية بعد ذلك ، مع فكرة الثالوث المقدس ( الأب – الابن – الروح القدس ) كلها عرفها المصريون القدماء من خلال قصة خلاص ( حورس ) من (ست) عمه وقاتل أبيه ) أوزوريس ) وفكرة القضاء على  ( المسيخ الدجال ) نراها في النص نفسه حيث أن استيقاظ حورس كان في آخر الزمن ؛ ليخلص الكون من الشر . فكرة صعود الإله ومثلها صعود المسيح في الفكر المسيحي  إن كل تلك الأفكار دينية أو متصلة بالعقائد ، وهناك أفكار أو عادات متصلة بالعقائد مثل فكرة ( النواح ) فلقد ” كانت مصر من أقصاها إلى أقصاها تنوح كل عام لتمزيق هذا الإله المعذب فتحلق النساء شعورهن ويدققن الصدور ويصبغن وجوههن بالنيلة ويلطخنها بالوحل حزناً على تمزيق إله الخصب ” 55

ومثل هذه العادات مازالت تمارس إلى الآن في صعيد مصر وفي ريفها وتكرارها عبر العصور أحالها إلى طقس أو عادة فلكلورية ( تراث ) . وهناك من الفنون ما كان نتاجاً لشعيرة دينية فرعونية ، وأقصد بها فن أو لعبة  (التحطيب(.

إن هذه اللعبة المنتشرة حتى الآن في صعيد مصر هي بقايا شعيرة دينية مصرية قديمة ؛ ولندع هيرودوت المؤرخ اليوناني القديم يخبرنا عمّا كان المصريون يفعلونه في حفلاتهم هذه التي مجدوا بها قصة إله الخصب ؛ يقول هيرودوت ” وما أن تبدأ الشمس في المغيب حتى يتجمع نفر من الكهنة حول التمثال مقبلين على عجل إقبالهم على أمر هام ، وأما بقية الكهنة ، وهم الكثرة ، فقد كانوا ينتظرون عند مدخل المعبد حاملين الزقل والشوم ، وفي الجانب الآخر كان أكثر من ألف شخص يتجمهرون وكلهم من ناذري النذور ، وكان كل منهم يحمل عكازاً ” وتنشب معركة بين الطرفين بالشوم بين من في موكب تمثال الإله والذين تجمهروا وسدوا عليهم الطريق ليحولوا بينهم وبين دخول المعبد ” وهكذا تنشب معركة حامية يستخدم فيها الشوم وتشج الرؤوس ويموت الكثيرون56 ” .
ويعلق د. لويس عوض على ذلك بقوله : ” وواضح من هذا أن عادة التحطيب التي لا تزال قائمة بيننا حتى الآن كانت في مصر القديمة جزءاً لا يتجزأ من الطقوس الدينية الخاصة بعبادة أوزيريس ، أو على الأصح بعبادة ولده حوريس ، إله القوى المنتقم لأبيه ، هرقل مصر وماحق الشر فيها”

وأخلص مما سبق إلى أن كل ما ارتبط بالعقيدة الدينية من صفات انحدرت عبر العصور القديمة – عصور الوثنية لتصبح من ثوابت الفكر الديني السماوي.

  هاني مطاوع ، يامسافر وحدك ، كتاب القومي (1) عن المسرح القومي بالقاهرة 2000 [1]

   النص المسرحي نغسه ، ص 201،202 [2]

           النص نفسه ص 109 ، 110 [3]

   يرجع لأسلوبه المسرحي في التأليف وفي الإخراج ، النص ، نفسه ، ص   201[4]

    النص ، ص 117 [5]

    النص نفسه  ص 155 ن ص 157[6]

محمد سامي / موقع الخشبة

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *