المسرح في الإمارات يستجدي جمهــــوره أم يصنع مجتمعاً

 

 

 

لعل وليام شكسبير هو القائل «أعطني مسرحاً وخبزاً أعطك مجتمعاً عظيماً»، وكان يعني بذلك أن لهذا الفن من السحر والطاقة التربوية ما يكفي للتأثير على الجماهير وإعادة صياغة الفرد على نحو يجعله يتسم بالنبل ونبذ الشر وبذل ما يجب نحو تكريس وتعزيز قيم الفضيلة والنماء والسعادة والسلام.

فذاك هو المجتمع العظيم، وقد يكون من تأويل هذه المقولة أيضاً إن الناس فرادى وأشتات، يبحثون عن مصالحهم بطرق غريزية قد تتصادم فينشأ الصراع العنيف والمدمر بينهم، ولذلك يبقون شعثاً متفرقين، بينما منظومة القيم الإنسانية السامية التي يزرعها المسرح في أنفسهم ومخيلاتهم توفر أسباب التناغم والمحبة والتآلف فيما بينهم فيكونون بذلك مجتمعاً متماسكاً ومستقراً.

وفي كل الأحوال فإن هذه المقولة ليست سهلة الفهم رغم بساطتها ولا هي سهلة المنال من حيث مراميها وأهدافها البعيدة، ولذلك بقيت أيقونة ملهمة تتردد عاماً بعد عام على ألسنة دهاقنة المسرح وعشاقه في كل مكان، ومن بينهم الكاتب والفيلسوف الفرنسى فولتير، الذي قال: «في المسرح وحده تجتمع الأمة، ويتكون فكر الشباب وذوقه، ولا تعبير عن أية أحاسيس جديرة بالتقدير إلا وكان مصحوباً بالتصفيق، إنه مدرسة دائمة لتعلم الفضيلة».

تلمّس للمدى

فإذا طبقنا ما سبق على الحالة الإماراتية، بعد مرور 67 عاماً على التجربة المسرحية التي بدأت في المدرسة القاسمية في الشارقة عام 1950م، فإلى أي حد استطاع «أبو الفنون» أن يخلق هنا مجتمعاً بمقاييسه، أو على الأقل أن يسهم بقدر ملموس في صياغة المجتمع الذي تنشده هذه النظرية المثالية؟..

وتساؤلنا هنا ليس جهلاً بما يجري وإنما تلمس للمدى، ولحدود الواقع، وتنبيه للوسط المسرحي، تحريك لساكنهم، إذ لا يغيب عنا أن أولى مشكلات المسرح هنا هي أنه بلا جمهور واسع، إلا لماماً وفي بعض المواسم، وبالتالي فكيف يؤثر في الناس إذا لم يشاهده الناس؟

تشكل الشخصية

واقع الأمر أننا لم نفتح هذا الملف فقط للإجابة عن سؤال تمكن المسرح الإماراتي من التأثير على المجتمع وإعادة صياغته كما فعل في أثينا يوماً، وإنما نفتحه بحثاً عن ملامح شخصية المسرح في الإمارات، فهل تشكل خصوصية وهوية للمسرح في الإمارات بعد هذه العقود التي تناهز السبعة؟ أم لا يزال تتنازعه التجارب والمغامرات والمحاكاة؟

إن الفرق المسرحية في الإمارات اليوم حوالي العشرين، فهل ذاك مؤشر نضج؟

طرحنا شأن المسرح في الإمارات وشجنه على أهله فعزف عن الرد كثير منهم، اتساقاً مع عزوف الجمهور فالكل مشغول، حتى عن لحظات يضبط فيها البوصلة ويتأمل النتائج واستجاب لنا بعض المهمومين فكانت الحصيلة التالية..

البحث عن الجوائز

المخرج والكاتب جمال مطر يقطع بأن مدة تتجاوز نصف قرن كانت كافية لخلق جمهور واسع وراسخ يعشق المسرح ويواظب على متابعته، ولكن هذا لم يحدث للأسف، وبالتالي فالواقع يقول إننا نقدم لعبتنا من دون جمهور يتفاعل معها، وهذا بحد ذاته فشل، إذ لا مسرح بلا جمهور، وبالتالي فإننا لم نتطور وتجربتنا لم تتقدم إلا في بعض الحالات الاستثنائية فقط.

ويشير جمال مطر إلى مشكلة يراها أساسية لتقوية التجربة المسرحية وتحقيق تأثيرها الاجتماعي المنشود الا وهي انعدام الهم الشخصي لدى المسرحي، فإذا كانت علاقتك بهذا الفن مظهراً فقط ووجاهة أو حتى وسيلة للحصول على الجوائز، فإنك حينئذ لن تقدم قيمة إضافية تبقى لتؤثر.

ويفصل في مسألة الجوائز فيقول إن الجائزة ليست مقياساً على التميز، خاصة في ظل توجيه لجان التحكيم وفرض شروط غير فنية أحياناً تحقق للبعض انتصارات زائفة، ومن يعول على الجوائز ويركض وراءها فهو ليس مخلصاً للمسرح لقضية تهمه على المستوى الشخصي.

ويرى مطر أن عنصر الفرجة يجب أن ننظر إليه بوصفة مفصلياً في تحقيق معادلة الجمهور والعمل الجيد المؤثر من خلال توفره على عنصر التشويق والإمتاع بما يجعل للفرجة معنى.

التأهيل الأكاديمي

وعن مؤهلات الممثلين الإماراتيين يقول جمال مطر: الذين درسوا نظريات المسرح وتدربوا بصورة أكاديمية لا يتجاوزون 20% من جملة المثلين لدينا، ولكنني أقول إن المعاهد لا تصنع مبدعين مسرحيين وإنما الموهبة والهم والمثابرة هي التي تصنعه ولكن الدراسة تصقل تلك القدرات وتوجه الطاقات.

ويدعو مطر الى الخروج بالمسرحية الى مظان وجود الجمهور كالجامعات والمولات فلا بأس في ذلك، الأمر الذي ظللنا نفعله خاصة في ما يخص الجامعات التي عرضنا فيها أعمالاً طوال السنوات الماضية.

ويرى مطر أن تسعينيات القرن الماضي شهدت فترة ازدهار المسرح الإماراتي، وخلالها استطعنا أن نتقدم بنموذج مسرحي جديد يميز التجربة العربية وليست الإماراتية فقط، وترتكز على أسس جديدة للعبة ومن عناصرها طريقة عرض الحكاية الشعبية، ويذكر مطر من أعمال التسعينيات التي حققت رواجاً: مسرحية «حبة رمل» لناجي الحاي وجميلة وأيضاً «يا راعي البوم عبّرني» لجمال مطر، وهذه قدمناها على شاطئ البحر مباشرة على الطبيعة.

تعلق بالتراث

الأديبة الإماراتية والمؤلفة المسرحية باسمة يونس تقول:

إنها 67 عاماً من 1950 إلى اليوم، تشكل عمر المسرح الإماراتي، الذي رغم كبر سنه وتخطيه حدود الشباب لكنه لايزال يتجدد مع الزمن ويجتهد لتظل خشبته متاحة لكل من يمكنه أن يقف فوقها من كل الأجيال.

والمسرح الإماراتي في نظر باسمة له هوية واضحة تظهر من خلال تعلقه بالتراث، فهو رغم كل التغييرات الحاصلة في العالم، ورغم محاولة بعض المسرحيات القفز من فوق سور الماضي، لكن يبدو أن المسرح الإماراتي يثق بحضور التراث أكثر ويعتمد عليه لإبراز كل مواضيعه وقصصه وحكاياته.

وتذهب الكاتبة المسرحية باسمة يونس الى أن البحر هو الثيمة المبدعة لكل من يفكر بالمسرح الإماراتي وهو القضية المزمنة والتي لا يمكن لمن يرتاد المسرح تخطيها، فكأن البحر هو الهوية الأساسية التي تسطر نصوص الكتاب وتؤلف سينوغرافيا المشاهد والموسيقى المستعارة من حركة أمواجه الهادرة وصوتها المميز ولونه المفعم بالأمل وكل ما يتحرك عليه من مراكب وقوارب وصيادين وغواصين ونواخذة.

البحر في المسرح الإماراتي لوحة مرسومة ومحفورة ومحتشدة في ذاكرة المسرحيين وسيظل هو الهوية الأبرز وقصة كل بيت إماراتي والتي لن تنتهي أبداً مادام المسرح قائماً.

وتؤكد باسمة أنه إذا أردنا تحديد خصائص المسرح في الإمارات فإن ذلك سيرتبط من وجهة نظرها بكونه روحاً تنبض في كل إمارة، تتوزع فرقه على مدى الخارطة الإماراتية فتسجل المسارح حضوراً لافتاً في كل إمارة، ويمكن لمن يحضر أي عمل أن يستشعر خصائص البيئة وعطر تلك الإمارة التي يوجد فيها يفوح في زواياه وأركانه، ولأن جزءاً عظيماً من المسرح يعبر عن المكان، فالمسرح هنا لديه القدرة الفائقة على تجسيد تلك الأماكن من دون غموض ويمكن لأي متفرج أن يدرك أنه أمام عمل من المسرح الإماراتي حتى لو كان يقدم خارج حدود الدولة.

شريان الجمهور

المؤلف والفنان المسرحي طلال محمود تحدث عن الأدوار التي يؤديها الممثل الإماراتي فقال إن الشخصية الإماراتية يجب أن تكون مرنة بما يكفي لتتماشى مع طبيعة وخصوصية الشخصية المكتوبة على مستوى النص فتتقمصها وتعيشها وتعايش الأحدث المحيطة بها ثم تتصاعد معها عبر تصاعد الأحداث مهما كانت حتى من نسج الخيال.

ويرى طلال أن التجربة المسرحية الإماراتية استطاعت أن تجد نفسها المميزة وأن تسهم بخصوصية منحتها فرادة وتميزاً، حيث استطاعت الحضور بقوة في المهرجانات الخليجية والعربية ووصلت إلى تقديم العروض في أوروبا، وهذه مفخرة لنا جميعاً.

كما يشير طلال إلى العائق الأساسي الذي يعترض ازدهار ونمو المسرح الإماراتي وهو عدم تسليط ضوء الاهتمام عليه بصورة مستمرة من جانب الإعلام المحلي، إذ ينحصر الاهتمام على مواسم المهرجانات وفترات تقديم العروض، والمطلوب هو القيام بدور الحض والتحفيز لتنشيط المسرح على مدار العام وهذا واجب الصحافة والتلفزيون ووسائل الإعلام عموماً حتى عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ونوه طلال أيضاً بأهمية دعم الجهات المختصة والمسؤولين عن الحركة المسرحية بشكل عام، داعياً إلى زيادة هذا الدعم وتنظيمه بالصورة الفعالة، ويضيف: يجب أن يتساوى الاهتمام بالمسرح والفنان الإماراتي كاللاعب الذي يمثل ناديه والمنتخب في كرة القدم فكل منهم يحمل واجبه تجاه وطنه ويرفع راية البلد بفنه وإبداعه.

وعن توقعاته لمستقبل مسرحنا قال: المسرح بخير ومستمر في تنويع طرحه سواء المسرح النخبوي المهرجاني أو المسرح الجماهيري الذي يقدم المتعة للجمهور بجانب عروض العائلة والطفل، حيث إن المسرح عبارة عن شريان يجب أن يجري الجمهور فيه كي يصل وينبض الفن.

دور تأسيسي

هو ممن لعبوا دوراً أساسياً في تجذير شغف المسرح على هذه الأرض الطيبة من خلال منصة نادي دبي الأهلي ومسرحه العريق خلال الثمانينيات، حيث تخرج على يديه أهم المهمومين بقضية المسرح الإماراتي الذين صنعوا قيمة إضافية وقدموا أعمالاً كبيرة فيما بعد خلال التسعينيات.

وأولى إرهاصات دوره الفعال ظهرت في عام 1990م حينما شاركت الإمارات في مهرجان المسرح بالدوحة بعمل مميز تحت عنوان «عطس وفطس» لفرقة مسرح الطليعة في خورفكان، وجرى العرض على مسرح قطر الوطني وهو أول عروض المهرجان.

«عطس وفطس» مسرحية أعدها المخرج السوداني الراحل يوسف خليل عن قصة «موت موظف» للكاتب الروسي أنطوان تشيخوف، وقد كان يوسف خليل من العناصر المسرحية العربية الفاعلة بقوة في المسرح الإماراتي في أوائل ثمانينيات القرن الماضي، وهذه المسرحية مثل فيها عشرة من العناصر المسرحية الإماراتية الشابة آنذاك ولقيت صدى طيباً من الجمهور القطري.

ويقول المؤرخ والكاتب عبد الإله عبد القادر عن دور يوسف خليل في صناعة مسرحيين إماراتيين بارزين:

يوسف خليل أحد أهم المؤثرين في البيت المسرحي، ولعلي أذكر ما تركه لنا من أثر طيب ممثلاً بمن تأثروا به من الشباب وفي مقدمتهم: ناجي الحاي، الراحل أحمد راشد ثاني، جمال مطر، عمر غباش. إضافة إلى زملاء لهم من أعضاء فرقة دبي للمسرح التجريبي. يوسف خليل ليس مخرجاً فحسب، بل كان حجة ومرجعاً في علم المسرح.

أهل المسرح في الإمارات يتذكرون مسرحيته «م خ لعبة الكراسي»، التي مثلت الدولة في واحد من المهرجانات العربية بعد أن فازت في دورة من دورات أيام الشارقة المسرحية.

المسرح.. مكونات وتعريفات

لفن المسرح مكونات خمسة أساسية تلي توفر النص القوي والذي ينطوي على عناصر درامية شائقة وتتضمن صراعاً وفكرة ذات رسالة بأسلوب سردي محبوك برصانة عالية. وأهم مكونات العمل المسرحي بعد النص المشار إليه:

الجمهور:

يعتبر المشاهدون من أهم العوامل اللازمة لإتمام ما يسمى بالعرض المسرحي، ويطلق عليه الجمهور.

المنتج:

هو المسؤول الأول عن نجاح العرض أو فشله، ويمكن أن يشترك أكثر من شخص في الإنتاج، وتكمن واجبات ومهام المنتج في الحصول على نص العرض من المؤلف وعليه أيضاً توفير المال والدعم المادي .

المخرج:

يكون مسؤولاً عن قوة العرض الفنية، فهو الذي ينسق الجهود المختلفة، وللمخرج سلطة كبيرة في المسرح لدرجة اعتبار العرض مجازاً: ملكاً للمخرج.

الممثلون:

هم الأشخاص الذين يقومون بتمثيل وتجسيد النص وتقديمه للجماهير، ويتميز الممثلون عن غيرهم بكونهم يمتلكون تلك القدرة على فصل مشاعرهم وتمثيل مشاعر أخرى لا تخصهم، ولا بد للممثل الناجح أن يتمتع ببعض المواصفات والميزات مثل الجسم والصوت المناسب والقدرة على التركيز والمرونة والخيال وأن يكون لديهم معرفة كافية بمناهج التمثيل ومبادئه.

تصميم الديكور:

يهدف التصميم المناسب للديكور على مساعدة المشاهدين أو الجمهور على فهم المسرحية والتعبير عن الخصائص المسرحية الأخرى.

إرهاصات المسرح الإغريقي

أول مسرحية كانت بممثل واحد فقط يسمى الراوي أو بطل الرواية، بروتاجونيست (Protagonist)، وكورس مساعد. لكن في القرن الخامس قبل الميلاد، استمر تطور المسرحية عن طريق عدة مؤلفين:

المؤلف المسرحي أسخيلوس، أضاف ممثلاً آخر لبطل الرواية، هو خصم البطل، أنتاجونيست (Antagonist)، وقلل عدد أفراد الكورس من 50 إلى 12 فقط. وتعتبر مسرحيته بعنوان «الفرس»، التي مثلت عام 472 ق م أقدم مسرحية إغريقية وصلتنا من كنوز الإغريق، التي فقد معظمها في حريق مكتبة الإسكندرية.

تلميذه، سوفوكليس، قام بإضافة ممثل ثالث. بينما يوريبيدس، أضاف إلى ذلك مقدمة (Prologue)، وأضاف أيضاً خاتمة في صورة شخصية إلهية تقوم بلم الموضوع، كما يقال.

أثرياء أثينا كانوا يدفعون ضرائب خاصة تطوعاً لتشجيع الأعمال المسرحية. على أمل أن هذا يجعلهم مشهورين، لزوم النجاح في الانتخابات المقبلة.

عرضت أول مسرحية على مسرح ديونيسوس، المبني بجوار الأكروبوليس في أثينا، في القرن الخامس قبل الميلاد. منذ ذلك الحين، أصبح المسرح مشهوراً، وانتشر في كل المدن اليونانية.

الدراما المسرحية تنقسم إلى ثلاثة أنواع:

* كوميدي أو الملهاة «تمثل بالقناع الأبيض أو ألوان فاتحة».

* تراجيدي أو المأساة «تمثل بالقناع الأسود أو ألوان داكنة».

* تراجيكوميدي شيء بين هذا وذاك.

التراجيديا تعالج موضوعات كبيرة مثل الحب، الفشل، الكبرياء.

عندما كان الأثينيون يذهبون للمسرح لمشاهدة الأعمال الدرامية، كانوا يضحكون ويبكون ويرتجفون من الخوف ويضربون صدورهم ويشدون شعورهم.

المرأة الإماراتية .. خطوات متباطئة نحو الخشبة

يسجل تاريخ الحركة المسرحية في الإمارات أن «المرأة لم تشارك في المسرح حتى عام ‬1972 وقبل هذه الفترة كان بعض الشباب يقوم بالأدوار النسائية، وقد تخصص أمين محمد أمين بهذه الأدوار والفنان أحمد يوسف وسلطان الشاعر.

وقد أكد البعض أن أول فنانتين من الإمارات أسهمتا في المسرح هما شادية جمعة، ومنى مبارك عام ‬1972، قد كانتا مطربتين شاركتا في الوفد إلى ليبيا بهذه الصفة، وسافرتا مع فريق الشباب إلى ليبيا عام ‬1975 لتمثيل دولة الإمارات في مهرجان الشباب العربي الثاني في مسرحية «غلطة أبو أحمد» من إخراج أبو عبيد، مما شجع بعد ذلك على ظهور العديد من الأوجه النسائية كموزة المزروعي ورزيقة الطارش ومريم أحمد ومريم سلطان ومريم سيف ومنى حمزة وعايدة حمزة وسميرة أحمد ورئاسة عبدالرحمن.

إثراء

وتميزت العناصر النسائية في مجال الكتابة المسرحية في السبعينات، ولكنها اختفت ضمن سقف الحرم المدرسي، أو البيئي. حيث شكلت أقلامهم «ظاهرة حضارية»، كما وصف ذلك مؤرخو الحركة المسرحية مؤكدين الجهود النسوية في إثراء النص المسرحي. حيث بين أن طاقاتهم شكلت حلماً واعياً وخص بالذكر الشيخة مهرة القاسمي، وفاطمة لوتاه، ونورة القاسمي، ومريم مدفع.

الحركة المسرحية في الإمارات..خلفيات وكواليس

انطلقت البدايات المسرحية في الإمارات عام 1950 ومرت التجربة بمراحل متعددة ويذهب البعض إلى أن النبضات الأولى كانت مع مشاهد تمثيلية قدمها بورحيمة في المدرسة القاسمية، ثم مسرحية جابر عثرات الكلام عام 1955، ويذكر المؤرخون أن المسرح في الإمارات عانى في تفتقاته الأولى بسبب الحكم العسكري البريطاني، ويدللون على ذلك بما حدث حين قدم نادي الشعب في الشارقة مسرحية نهاية صهيون التي كتبها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة يوم كان طالباً في عام 1958 الأمر أدى إلى غضب الحاكم العسكري البريطاني وقيامه بإغلاق المسرح.

وهناك من يؤكد بأن بدايات المسرح الإماراتي الحقيقية كانت مع واثق السامرائي القادم من العراق في ستينيات القرن الماضي.

وفي الحقيقة فإن التجربة المسرحية المحلية شهدت قفزة مهمة مع مجيء الفنان صقر الرشود، وهو مخرج وكاتب مسرحي كويتي أسس مع مجموعة من المسرحيين الكويتيين مثل غانم الصالح ومريم الغضبان ومريم الصالح فرقة مسرح الخليج العربي، فقدمت الفرقة أول عمل مسرحي من إخراجه عام 1961.

النصوص المسرحية الإماراتية عالجت موضوعات عدة منها: غلاء المهور، مشكلات ومعاناة من يعمل في البحر، الصراع الطبقي في مجتمع السفن والغوص، قيمة الأم، الزواج من أجنبية، أفراح الاتحاد بعد قيام الدولة.. وموضوعات أخرى .

توجد قرابة العشرين فرقة مسرحية تتوزع جغرافيا على الإمارات السبع بإنتاج يصل نحو 30 عرضاً مسرحياً في السنة، كما إن هذه الإمارات تحتضن خمسة مهرجانات مسرحية رئيسة هي: مهرجان أيام الشارقة المسرحية، مهرجان دبي لمسرح الشباب، مهرجان الإمارات لمسرح الطفل، مهرجان المسرح الجامعي، مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما، ومهرجان المسرح الخليجي.

نظرة عامة

• عبر سنوات عمره التي تجاوزت الستين، لم ينغلق المسرح الإماراتي على نفسه، بل تعاون واستقطب العديد من المسرحيين العرب الذين عملوا مع الفنانين الإماراتيين لبناء بنية مسرحية شملت بناء الفنان المسرحي بكل اختصاصاته بناءً علمياً وفنياً رصيناً، ولعلنا نبدأ بالرائد المسرحي «واثق السامرائي» الذي بدأ نشاطه عند وصوله الإمارات عام 1963.

وأكمل مرحلة كانت المرحلة التالية لتجربة القاسمية، مع مجموعة من الشباب أمثال «جمعة غريب، عبد الله بالخير، أحمد الخطيب، وغيرهم»، ومع الإعلان عن قيام دولة الاتحاد، استقطبت وزارة الإعلام والثقافة خيرة المسرحيين العرب، أمثال «زكي طليمات، وإبراهيم جلال، وصقر الرشود»، إلا أن بداية الثمانينيات كانت مرحلة أخرى، حيث عمل في المسرح المحلي مجموعة أخرى من المسرحيين العرب أمثال «المنصف السويسي، وخليفة العريفي، وقاسم محمد، وأحمد عبد الحليم، وجواد الأسدي، ويوسف خليل، ويحيى الحاج، وفؤاد الشطي، إضافة إلى العبد الفقير، كاتب هذه المقالة، ثم تواصل الفنانون العرب.

• لقد أرسلت الدولة عدداً من الشباب لدراسة المسرح في المعاهد والأكاديميات العربية أمثال «حسن رجب، وإبراهيم سالم، وحبيب غلوم (والذي حصل على أول دكتوراه للمسرح في الدولة)، وجمال مطر، وعمر غباش، وناجي الحاي، ووليد الزعابي، وخالد البناي، وإبراهيم بو خليف، وعبد الله الأستاذ الذي كان أول المتخرجين من شباب المسرح مؤهلاً بعلم وفن المسرح».

• في بداية ثمانينيات القرن الماضي بدأت مهرجانات المسرح مع ولادة مهرجان الشارقة المسرحي الذي أكمل دورته السابعة والعشرين قبل أيام، ومع ولادة هذا المهرجان ولُدت مهرجانات متخصصة أخرى مثل المونودراما والشباب، ومسرح الطفل، والمسرح الثنائي، والمسرح الصحراوي، ومهرجانات أخرى، غطت كل جوانب المسرح وتطلعاته.

• وإذا ما كان الدعم المالي منحصراً بمكافأة وزارة الثقافة للمسارح العاملة، إلا أن صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان القاسمي، قد أجزل على الفرق بمكافآت مختلفة، إضافة إلى مساهماته الشخصية في العمل المسرحي، واهتم أيضاً كما اهتمت الدولة ببناء صالات المسرح المتطورة بعد أن كانت الإمارات تشكو من صالات العروض الفنية.

وانتشرت هذه الصالات ليس في قلب المدن الرئيسية فحسب، بل وفي الأطراف أيضاً، مثل كلباء وخورفكان ودبا، وبالتالي أصبح لدينا في الإمارات أفضل صالات للعرض مجهزة بأعلى تقنيات الضوء والصوت والتكنيك المسرحي وأعلنت الدولة ممثلة بدائرة الثقافة والإعلام بالشارقة، وهيئة دبي للثقافة، وهيئة أبوظبي، ووزارة الثقافة وغيرهم من المؤسسات عن جوائز مجزية للكُتاب، فنشطت الكتابة المسرحية.

• وبعد أن كان المسرح في الإمارات يشكو من النص المحلي، واعتماده على النصوص الأجنبية أو العربية، أصبح في الإمارات مجموعة من كُتاب المسرح الواعدين مثل «إسماعيل عبدالله، ومرعي الحليان، وعلي جمال، وعمر غباش، وعبد الله صالح، وباسمة يونس، وجمال سالم، إضافة إلى الراحل المبدع سالم الحتاوي، وغيرهم» وهؤلاء بمجموعهم سدوا النقص في النص المحلي.

عبد الإله عبد القادر

مشاهدة النفس

* دعني أعتبر المسرحية نفساً بشرية، معروضة على الخشبة للفرجة عليها، وهي على ما هي عليه دائماً، متشعبة رحبة ومستوياتها عديدة وما يجيش فيها من خواطر وآلام وآمال بلا حد.

* بهذا التصور فقط يسهل علي فهم ما هي المسرحية منذ أن انطلقت من داخل معابد أثينا حيث الإنشاد الديني وتمثيل الأدوار المعبر عن المعتقدات السائدة آنئذ، ثم تجيء مرحلة استقلال هذا الفن الكبير وتبلور ملامحه المائزة، رويداً رويداً، على يد اسخيليوس وتلميذه العظيم سوفوكليس، حيث ظهر الشكلان الرئيسان لأبي الفنون وهما: الملهاة والمأساة، حيث تظهر استعراضات ما يجيش في النفس البشرية من خواطر وآلام، وما تفرزه من مشاعر حب وبغض وحقد تصل حدود الموت في نتائجها الناجمة عن صراع الخير والشر على مدى الرواية.

* وأما مرحلة المسرح الإليزابيثي حيث سطوع نجم شكسبير الذي لا يجارى في أعماله الكبرى المأساوية خاصة ما كبث وعطيل وهاملت والملك لير، فقد وضح جلياً كم يعتني المسرح بتشريح وتحليل طوايا النفس البشرية، فيقوم بعرضها على الخشبة أو الجمهور الذي يجد نفسه فيها فيبكي ويضحك ويتعاطف ويغضب مأخوذاً بقوة العمل نصاً وأداء وغناء مصاحباً.

* تذهب إلى المسرح إذاً لترى نفسك، سواء الآن، أو نفسك لما كانت يوماً تمر بظروف مشابهة لما يقدمه العمل الآن، وإن لم تكن مررت أو تمر بالتجربة النفسية ذاتها التي يكشفها العمل أمام عينيك فإنك على الأقل تستقبل معطيات نفوس تشبهك وتنفعل فتتأثر مثلك، ولذلك فلا مناص أمامك إلا أن تتفاعل مع العمل عبر عملية «الفرجة» التي تأخذك تماماً من الواقع المحيط إلى الواقع الذي رسمه لك المؤلف والمخرج بتوظيف طاقات الممثلين فتنخرط نفسياً في واقع افتراضي لا تعايشه فقط وإنما تعيشه بكل حواسك وأفكارك.

* من هنا نقول: إن المسرحية إنما هي تحضير أرواح أو هي عملية تنويم مغناطيسي نسبي أو على الأقل جلسة علاج نفسي.

* ولأن العيش في الخيال بحذافيره لم يكن خبرة متاحة ومتجذرة بين الناس في غابر الزمان، حيث كانوا واقعيين بصورة صارمة، فإنهم كانوا يجدون ضالتهم أولاً في النصوص الأسطورية الملحمية ثم الدينية والحكايات الشعبية وأخيراً في المسرحية التي تجسد لهم في هذه المرة بأناقة تامة هذا المتخيل عبر الشخوص «الممثلين» وأسلوب سرد الرواية بأفكارها ومشاعرها المتناقضة والملتهبة أحياناً، ولذلك كانوا يهرعون إلى دور العرض، زرافات ووحداناً للاستمتاع بالفرجة ليروا أنفسهم كيف تتجسد، ويرون نفوس الآخرين كيف تنفعل وما الذي يحصل للشرير حتى يكون شريراً وما الذي يحدث للأخيار حتى يكونوا كذلك.

* بهذا الفهم يجب أن يسائل المسرحيون في الإمارات أنفسهم: هل عرض المسرح الإماراتي نفوس الناس، كما هي عليه الآن، من انفعال وسعادة وتناقض وصدمة، وأعني هنا صدمة الانتقال من منتهى الفقر إلى منتهى الرفاه، ومن منتهى العزلة في الجبال والأودية والجزر بالذات إلى غاية التفاعل مع كل شعوب العالم الذين جاؤوا من كل حدب وصوب بكل نفوسهم وثقافاتهم وأحلامهم. هل عبر المسرح الإماراتي عن هذه النفس وما يجيش بها؟ الإجابة تجدونها في علاقة المجتمع المحلي بمسرحه.

د. محمد سبيل

 

 

http://www.albayan.ae

 

 

 

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *