«المسرح» حارب القبح بالجمال وانتصر على «الجائحة» #السعودية

 

أكد الكاتب المسرحي إبراهيم الحارثي، أن المسرح انتصر على الجائحة في فترة العزلة، حيث استغل المسرحيون الوسائط الإلكترونية في الحفاظ على الحراك المسرحي، بتقديم عروض وتنظيم ملتقيات وورش ولقاءات، وأشاد بملتقى «المونودراما والديودراما» الذي عُقد في الدمام مؤخرًا، مشيرًا إلى أنه نجح في رفع شعار أن المسرح يبقى ما بقيت الحياة، وتوقع للحركة المسرحية ازدهارًا لافتًا في المستقبل القريب، خاصة في ظل «مبادرة المسرح الوطني».

● في معركة العزلة.. هل انتصر المسرح السعودي أم انتصرت كورونا؟

انتصر المسرح وقبل هذا كله انتصر الإنسان، وانتصر الفن الذي يحارب القبح بالجمال، واستجابت الوسائط الإلكترونية للمسرح، وانطلق المسرحيون بحركة واثقة منذ اللحظة الأولى للجائحة، فقاموا بالعمل بجهد حقيقي؛ لينظموا عددًا من الملتقيات والورش واللقاءات، وهكذا تحرك المسرح كما يجب أن يتحرك، ورافقت الجائحة ظروف أخرى مهمة أسهمت في جعل الوقت زاهيًا بالمسرح، فقد كان الشغف عنوان الوقت في الجهات الحكومية بدءًا من وزارة الثقافة مرورًا بجمعيات الثقافة والفنون وصولًا إلى الجامعات، وقدم الأفراد أيضًا جهدًا رائعًا تجاه المسرح، وأرى أن الجائحة أسهمت في استعراض الفرق لتجاربها الحقيقية، فصارت الوسائط الإلكترونية أداة بيد المسرحي الذي لم يكن إلا فارسًا فوق العادة، مبتكرًا وصانعًا للحياة.

يبقى المسرح

● كيف أثَّر ملتقى «المونودراما والديودراما» في الحركة المسرحية.. خاصة أنه أول ملتقى يعقد بهذا الحجم منذ بداية الجائحة؟

كان ملتقًى ذكيًّا ورشيقًا ويعرف إلى أين يتجه، وكأنه يقول للجائحة: «يبقى المسرح ما بقيت الحياة»، وكان ملتقًى مغايرًا على نحو مدهش، كسر توقعات الجميع حضورًا وعروضًا، وأسماء أيضًا، واختلف من حيث الطرح، وأعتقد أنه مسرح عبر بنا صوب اتجاهات ذكية، ولنعرف أكثر من نواحٍ فنية، وأعتقد أنه استطاع أن يكون منصة فاعلة للأسماء المسرحية التي حضرت بشكل فيه وعي كبير وتام بالأسئلة المهمة، «لماذا وكيف ومتى وأين.. نقدم مسرحًا؟»، والحضور المسرحي كان مهمًّا في هذا الملتقى، وتطبيق الاحترازات اللازمة لم يمنع القوافل المسرحية عن الحضور للملتقى الذي يحتوي المسرحيين وينطلق بهم إلى الأمام.

حداثة التجربة

● تحدثت منذ سنوات عن حداثة التجربة المسرحية في المملكة.. فهل ترى أنها ما زالت في مرحلة البداية أم وصلت إلى مرحلة النضج؟

حداثة التجربة في المسرح السعودي ليست عيبًا، بالعكس هي حافز لفهم التغيرات التي حدثت طوال العقود الستة الماضية، والمتابع للحراك المسرحي المحلي يعي تمامًا نقاط الضوء ذات البُعد الحداثي، وقدمت تجاربها الحداثية جيدًا، واستمرار التجارب والتجريب كان ديدن المسرح السعودي، وورشة العمل المسرحي بالطائف على سبيل المثال من أهم المحطات التي يجب أن تُقام عليها دراسات متعددة، فالورشة تُعدُّ أيقونة لفهم المسرح السعودي ومعرفة اتجاهه وانطلاقته صوب مسرح ذي هوية مختلفة، تتأثر بالآخر وتؤثر فيه دون أن تفقد طابعها وصوتها، والتجربة المسرحية السعودية بالفعل تجربة ذات بُعد حديث، وما وجود المسرح السعودي عربيًّا إلا دليل على أنه يتحرك على نحو مغاير.

أهداف كبيرة

● «مبادرة المسرح الوطني» كيف يمكن أن تؤثر في تطوير المسرح السعودي؟

مشروع مهم، يقدم عملًا فنيًّا حقيقيًّا ناجحًا، رغم الصعوبات الكبيرة التي تواجه الخطط وآلية التنفيذ، والمسرح الوطني سيكون محطة مهمة لجعل المسرح السعودي أكثر تألقًا من جميع النواحي الفنية والفكرية، فهو ذراع مهمة من أذرع «هيئة المسرح والفنون الأدائية»، والمسرح يحظى الآن بعناية كبيرة من جميع الاتجاهات، ما سيسهم على نحو كبير في فهم ما يمكن تقديمه لحالة الحراك، لا سيما أن هناك أهدافًا كبيرة يسعى المسرح الوطني إلى تنفيذها وصولًا إلى جعل المسرح السعودي منتصرًا وحاضرًا وذكيًّا، ومواصلًا طرحه للقضايا العادلة، وأداة من الأدوات التي تحقق أهداف برنامج الرؤية بالمملكة.

نصوص متفردة

● قلت إن النص الورقي لا يكتمل إلا حينما يتحول المتلقي من قارئ إلى مشاهد.. فكيف يمكن أن تتناسب حركة «العرض» مع وفرة النصوص المسرحية حاليًّا؟

لا يزال المسرح السعودي يحتاج إلى العديد من النصوص المتفردة، تلك النصوص التي تبقى لتكون حاضرة وصادقة وذات خصوصية تجمع بين التراثي والمعاصر، وأنا أتجه دائمًا إلى مقولة: لا يوجد مسرح من دون حكاية، وعزل الشاعرية عن المسرح محاولة للموت، فالمسرح انطلق بالشعر وما عداه فهو سيرك..

يرافق هذه النصوص تطورات الرؤى الفنية، وضرورة الخروج بأكثر من صوت واتجاه مهم جدًّا في هذه المرحلة، خصوصًا أننا مقبلون على برامج حقيقية منفذة على أرض الواقع، في مبادرات عريضة تتجه إلى تنفيذها وزارة الثقافة، لذا فنحن لا نملك رفاهية الوقت، والمسرح الآن في مرحلة قابلة للتطور والتطوير، وما يقدم الآن يجب أن يجعل المتلقي يثق بالقيم الحقيقية للمسرح، ودوره الثقافي المهم في ظل كل هذا الدعم الموجه إلى خدمته، للوصول أخيرًا إلى لغة «عرض» تحمل هوية وطابع مسرحنا.

دافع مهم

● فزت بالكثير من الجوائز.. حدثنا عنها.. وكيف أثرت في مشوارك الإبداعي؟

كانت دافعًا مهمًّا لي، جعلتني أتحرك بثقة إلى الأمام، وكانت مسؤولية كبيرة جعلتني أفكر كثيرًا فيم يمكن تقديمه وقراءته؟ وأن أبحث وأقرأ أكثر، فقد أخذت المسألة على نحو جاد، وشعرت بأن المسرح يؤثر حتى في جوهر الإنسان، وهناك أسماء كثيرة أسهمت في صقل الجانب الإبداعي والفكري عندي، واللقاءات التي كانت ضمن إطارات المسرح أسهمت أيضًا في تشكُّل شخصيتي، وجعلتني أقرأ المسرح من زاوية مختلفة.

أسئلة وحلول

● ترى أن من حق المتلقي أن يحلل النص ويتلقاه من وجهة نظره الخاصة.. فهل تصلح هذه الرؤية مع المسرح المعروض أم المكتوب فقط؟

المسرح هو الميدان الوحيد الذي يطرح الأسئلة ولا يوفر الحلول، فمن يطرح الأسئلة؟ وكيف تصل قوافلها إلى عقل المتلقي؟ وكيف نتج هذا الأمر؟ فالمكون الحقيقي لماهية «التحليل» هو آفاق تعتمد على أدوات المتلقي، الذي يحدث بينه تفاعل مسرحي ينتج من خلال أدوات «عناصر الاتصال الجمالي»، وهذه هي الميزة الحيوية التي يتميز بها المسرح، فهو ميدان مهم لإنتاج المعاني وتعدد القراءات وآليات التلقي، والمتلقي أيضًا شريك مهم في صناعة «قراءات مختلفة»، فالأثر المسرحي لا يمكن أن يُقاس إلا من خلال المتلقي، لأن المسرح هو الفن الحي الذي يتواصل على نحو مباشر معه.

عروض أونلاين

● يؤيد بعض المسرحيين عروض «الأونلاين» في فترات الأزمات.. بينما يرى آخرون أن ذلك يُفقد المسرح قيمته وتفاعله مع الجمهور.. ما رأيك؟

تابعت العديد من المحاولات التي قدمت في إطارها المسرحيات عبر الوسائط الإلكترونية، لكن هذه العروض لم تنتج مسرحيًّا حقيقيًّا، ولم تضف إلى حالة الحراك إلا التساؤلات، وأعتقد أن هذا أمر صحي في المسرح، إذ إنه يستقبل التجارب الجديدة ولا يلفظها أو يعزلها عنه، بل يستقبلها ويرحب بها، ويتركها للزمن فهو كفيل بإنتاج قراءات حقيقية تجاه أي شكل أدائي أو مسرحي.

طفرة هائلة

● في ظل الحراك الثقافي الحالي.. ماذا تتوقع لمستقبل المسرح السعودي؟

أتوقع طفرة إنتاجية هائلة، مصحوبة بأصوات مسرحية واعدة، وإمكانيات عمل جديدة بطرق عمل مختلفة أكثر قدرة على صناعة عروض مبتكرة؛ لأنه لن يتم تجاوز حالة المراوحة التي نسكن بها الآن إلا من خلال طرح مختلف وفهم للمتلقي، ونحن في مرحلة مهمة جدًّا لوجوب تزاحم الأصوات الجديدة التي يجب أن تحضر بقوة في فضاء فني وفكري حقيقي، بعيدًا عن تسليع المسرح وجعله يفقد نفسه، وفي الأيام المقبلة حتمًا ستكون لدينا أصوات إخراجية تستطيع انتزاع ثقة المتلقي، وجعل المسرح لسانًا للحياة.

 

https://www.alyaum.com/

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …