المسرح الايراني.. تاريخه وتطوره … بقلم: حسام مين باشي

يعتبر المسرح واحدا من اشكال الفنون ومكانا للأداء والتمثيل قام به الاغريق لأول مرة كما انه المكان الذي يجسد ويترجم القصص والنصوص الأدبية أمام المشاهدين وذلك باستخدام مزيج من الكلمات وبعض الايماءات بالموسيقى والصوت على خشبة المسرح في المقالة هذه نحاول ان نسلط الضوء على تاريخ المسرح الايراني وتطوره منذ اوائل تكوين الدولة الفارسية مروراً الى عهد الجمهورية الاسلامية الايرانية.

المسرح في ايران في عهد ما قبل الاسلام
المسرح له جذور تاريخية قديمة في تاريخ ايران الذي يتركز بشكل أساسي على الادب والثقافة والشعر. فقد اقيمت احتفالات في ايران قبل الاسلام من المحتمل ان يكون قد نسي الكثير منها لكن من المؤكد انها تتمتع بطابع مسرحي مثل مراسيم التعزية لسياوش البطل الاسطوري الايراني. اما المسارح في ايران القديمة فكانت تقام في الساحات العامة عادة لان العرض في مكان مغلق كان صعباً بسبب الضعف في التقنيات الضوئية. واتثتت الحفريات الأثرية وجود مسارح في همدان وكرمان منذ القرن الرابع قبل الميلاد، استخدمها الممثلون المرافقون للاسكندر المقدوني، في تقديم احتفالات وعروض مسرحية ومن هنا لا يستغرب وجود المسارح في ايران القديمة على الطريقة اليونانية.
التعزية في ايران اختصارا
تروي التعزية قصة استشهاد الامام الحسين(ع) في قضية كربلاء (واقعة الطف) في صيغة مسرحية قصدا لجذب تعاطف المشاهدين وتضامنهم مع الامام الحسين(ع). تعد التعازي اشهر الآثار الدرامية الاولى للفرس بل يمكن ان نسميها أولى تراجيديات ايران المسرحية، يعتبر مسرح التعزية من الأركان والعلامات المميزة للمسرح الايراني على مر العصور حيث يجمع الى الفن المتميز جانب الالتزام ومن ثم فهو يلقي اقبالا مؤيدا من الجمهور. يستعرض مسرح التعزية في الميادين والشوارع ويبدأ مراسيم التعزية في يوم الثامن من شهر محرم الحرام فيجتمع الناس في خيمة عظيمة مترامية الأرجاء وقد لبسوا السواد وعطلوا كل زينة وعندما يعتلي المنشد خشبة المسرح ويبدأ في قراءة قصة استشهاد الامام الحسين(ع) بصوت رخيم رقيق يدب الخشوع في القلوب ويستقطر الدموع من العيون.
مسرح التعزية له ابعاد كبيرة في عملية تثقيف الايرانيين والعراقيين التي تتطلب مجالا واسعا للتشريح نقوم به في مقال مستقل آخر.
بدايات المسرح الايراني
يعود تاريخ المسرح في ايران الى اواسط القرن الـ19 عندما عاد بعض الخريجين الموفدين الى ايران، الذين درسوا في اوروبا، والذين اطلعوا على الادب المسرحي هناك، وعملوا على ترجمة الكثير من المسرحيات الاوروبية الى اللغة الفارسية، مثل مسرحيات موليير وشكسبير وآخرين.
منذ انشاء جامعة دار الفنون بطهران عام 1851 تم بناء قاعة مسرح ضمن هذا البناء التي يستخدمونها الطلاب باهتمام (لومير) مدرس الموسيقى بدار الفنون لتقديم عروض خاصة وكان من الصعب عرض مسرحيات نقدية أو اجتماعية فيها، إهتمام هؤلاء الطلاب بالمسرح ومحاولاتهم لترجمة بعض المسرحيات الى الفارسية وظهور مسرحيين آخرين مثل ميرزا فتحعلي آخوند زادة كان من اسباب ازدياد الاقبال العام على المسرح، في السنوات التالية كان ميرزا فتحعلي آخوندزادة رائد الكتابة المسرحية في ايران ومع انه كان يتأثر بموليير الكاتب المسرحي الفرنسي، لم يبق في الدائرة التقليدية بل اضاف الى مسرحياته سجايا البشر من الحرية والاستقلالية، واشتهر آخوند زادة (بموليير الشرق وغوغول قوقاز وموليير أذربايجان) تكون المسرح الأهلي عام 1913م اما في عشرينات وثلاثينات القرن الماضي تم تاسيس (تئاتر ملي = المسرح القومي) بجهود السيد عبدالكريم خان محقق الدولة والسيد علي نصر ويعد الأخير رائد المسرح الايراني الحديث. وبعد عدة سنوات قام (نصر) بتكوين فرقة ايران الكوميدية (كوميديا ايران).
المسرح الايراني قبل الثورة الاسلامية
لقد شهد المسرح والكتابة المسرحية ضعفاً في عهد رضا شاه البهلوي بسبب ضغط الحكومة على المثقفين ومتنوري الفكر ومنعهم من المشاركة في أية اجتماعات خوفا من الحركة التنويرية في البلاد، وبالتالي منع الفرق المسرحية من عرض مسرحيات نقدية لكن جهود المسرحيين الايرانيين المخلصين لارتقاء مستويات اعمالهم حركت المسرح الايراني نحو الأمام ولوحظ بعض التقدم في الاخراج والتكنيك المسرحي لذا فان هذه الحقبة تسمى (عصر خشبة المسرح) حيث عرضت مسرحيات قيمة عدة في تلك المرحلة. وفي اوائل الخمسينات ظهرت مسرحية (بليل شركشتة= بلبل حيران) التي كتب نصها الاستاذ علي نصيريان واحرزت الجائزة الاولى في مسابقة الكتابة المسرحية لعام 1956م وبجهود فرقة (كروه هنر ملي = فرقة الفن القومي) عُرضت على خشبة المسرح عام 1958م. منذ بداية 1962م بدأ الاستاذ غلامحسين ساعدي (جوهر مراد) الكتابة المسرحية، وكان لساعدي ايضا تجربة في الكتابة القصصية واستطاع ان يُدخل مسائل متنوعة الى الكتابة المسرحية الايرانية في فضاء واقعي ومن الناحية الفنية ايضا اكتسبت آثاره كمالا خاصا تزامنا مع بعض الوجوه المسرحية العالمية مثل (برتولت برشت) و(ابسن) الذي كان قد ترجم الى الفارسية، والى جانب الاستاذ ساعدي يجب ان نذكر اعلام المسرح الايراني الذين ساعدوا على نهضة المسرح الايراني مثل الاساتذة اكبر رادي وغريغور يقيكيان وبهرام بيضايي وآخرين في العهد الذي كان يعارض الشعب اغراض الحكومة الملكية شيئا فشيئا مطالبا بالتغيير في شؤون البلاد.
المسرح الايراني في عهد جمهورية ايران الاسلامية
بفعل التطورات السياسية والتغييرات الثقافية، شهدت الكتابة المسرحية في ايران بعد الثورة الاسلامية صعودا وانحدارا كبيرين، فتطرقت المسرحيات الى انتقادات للمعضلات الاجتماعية والفردية والتي تعالج الحياة اليومة بقلقها وأمنها ومخاوفها وآمالها ومن حيث المضمون، فقد تحولت العلاقات الانسانية العميقة والخالدة كالحب والتعاطف الى مفاهيم اجتماعية، وتميزت المسرحيات بالواقعية والحماس.
ويمكن اختصار الكتابة المسرحية بعد الثورة الاسلامية على ثلاث مراحل:
الاول: بدايات الثورة الى الثمانينات ومن القرن الـ20 عصر البحث في الذات، في هذه المرحلة تغيرت مضامين المسرحيات ومفاهيمها ولقد حاول الكتاب المسرحيون ان يقارنوا الوضع السائد سياسيا واقتصاديا وثقافيا في زمن الشاه مع حقبة ما بعد انتصار الثورة الاسلامية وكذلك حاول الكاتب المسرحي الايراني ان يحتفظ بهويته الفردية والاجتماعية ويطور افكار القارئ ويرتقي به فكريا وثقافيا ويسعى الى تنمية وعي الناس وثقافتهم.
الثانية: الحرب المفروضة (الدفاع المقدس):
عُرضت في هذه المرحلة مسرحيات كانت تصّور ايام الحرب المفروضة على ايران التي استغرقت 8 سنوات، ومصائب وتضحيات الشعب الايراني فيها وكان الايمان بالرب وتقدير الشهداء من العلامات البارزة في المسرحيات لهذا العصر.
والثالث: اوائل القرن الـ21 ميلاديا عصر ذروة العلاقة مع المتلقي:
في هذا العصر اصبحت الفرق المسرحية كثيرة، ففاقت عددها مائتين داخل ايران واصبحت تنشط في اطار مراكز فنية وثقافية وحكومية او شبه حكومية أو غير حكومية.
اما على صعيد الانشطة المسرحية، تقام مهرجانات على مدار السنة، وعلى كل المستويات، الوطنية والدولية ووصل عدد المهرجانات المسرحية الى خمسة عشر مهرجانا من أهمها مهرجان (فجر) الدولي والمهرجان الوطني للمسرح الرضوي موضوعها حياة الأمام الرضا بأبعادها المختلفة، ولم ينحصر المسرح الديني الايراني في قصص الانبياء والأولياء والتقاليد الدينية وعروض التعزية بل تجاوز ذلك ودخل الى حياة الناس اليومية واستلهم منهم افكار ليدخلها في المسرح ويعرضها على المشاهدين ومن اجل ايجاد حلول لمشكلات تطرحها المسرحيات.
وما يزال يستمر تحرك المسرح الايراني الى الامام.

محمد سامي / موقع الخشبة

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *