المسرحي البحريني المبدع راشد المعاودة.. ريادة ترحل على حرير الصمت – يوسف الحمدان #البحرين

المعاودة 1
راشد المعاودة

المسرحي البحريني المبدع راشد المعاودة.. ريادة ترحل على حرير الصمت – يوسف الحمدان #البحرين

بعد صمت طويل هو أقرب للرفض والعتب على من منحهم عصارة روحه الإبداعية والإنسانية كي يتعرشوا سُدّة الريادة والسبق في حقل المسرح، وما اقترن به من الفنون الأخرى كالموسيقى والغناء والتمثيليات الإذاعية إبان الوهج الثقافي السبعيني فوجد أغلبهم آخر الوصل والود. بعد هذا الصمت يغادرنا الكاتب والمبدع الكبير راشد المعاودة أحد أهم رواد الحركة المسرحية الحديثة في مملكة البحرين والخليج العربي، يغادرنا ليترك في القلب غصة يصعب تضميدها بمواساة لم يطرق همسها حتى حرير زجاج نافذة الصمت إبان اختياره مرغما غرفة العزلة الأبدية .

هو الكاتب والفنان والمبدع الذي تجلت روحه بإنسانية فريدة وسمت تقاسيم محياه وارتسمت على وجه كل منجز مسرحي يكتبه نصا أو يعيشه واقعا مشاكسا لتاريخ العسف والظلم والجور إبان مرحلة الغوص في البحرين وكيف انعكس ذلك بأشكال مختلفة ومتعددة على واقع تجاوز هذه المرحلة وكما لو أن هذه السلطة القهرية القديمة قدر يتعقب كل من يعارضها وإن تغير شكل منظومتها الإنتاجية أو تغير وعي من يخضع لقهرها .

هو سليل الشاعر البحريني الكبير عبدالرحمن المعاودة الذي يعد أحد كبار المناضلين الذين تجلت وطنيتهم وأضاءت المشهد الثقافي في البحرين إبان ثلاثينيات القرن الماضي وحتى خمسينياته من خلال مشاركته الفاعلة في تأسيس النادي الأدبي في العام 1930 مع نخبة من الأدباء والمثقفين بينهم صديقه الشاعر والصحفي عبدالله الزائد ، ومن ثم افتتاحه لمدرسته الخاصة التي حملت اسمه والتي من خلالها قدم مسرحيات أبرزت النزعة القومية في استيحائه لأحداث تاريخية عربية تحكي أمجاد العرب ونستطيع أن نلاحظ ذلك من خلال تتبع أسماء المسرحيات التي كتبها، وهي: عبدالرحمن الداخل،

سيف الدولة الحمداني، الرشيد وشارلمان، يوم ذي قار ومسرحيات أخرى، ويوم ذي قار هو يوم انتصرت فيه القبائل العربية على الجيش الفارسي، وعبدالرحمن الداخل الملقب بصقر قريش هو مؤسس الدولة الأموية في الأندلس، وسيف الدولة الحمداني .

هذه النزعة الوطنية القومية لم تغادر وهج السليل المبدع المجدد راشد المعاودة وإن أخذت منحى فني آخر ابتعد عن المباشرة والتقريرية التاريخية الاحتكامية للشعر العمودي التي وسمت روح والده الراحل عبدالرحمن المعاودة الأدبية والمسرحية ، هذا المنحى أسهم في فتح بوابة جديدة في قراءة ومعالجة التاريخ والموروث والقضايا الاجتماعية في مسرحنا البحريني، وأسهم أيضا في خلق ذائقة مختلفة لدى الجمهور تتعاطى مع هذه النصوص المسرحية المعروضة وفق معطيات التحولات السياسية والاجتماعية في سبعينيات القرن الماضي وانعكاساتها على حياته اليومية، وهي نصوص أغوت المشتغلين في حقل المسرح فتبنوها في عروضهم المسرحية خاصة الملامسين لوهجها الإنساني والسياسي والاجتماعي والفني، وخاصة المشتغلين في فرقة أوال المسرحية ، حيث كانت مسرحيته (بيت طيب السمعة) التي أخرجها الفنان الراحل سالم سلطان عام 1969 تعد أول مسرحية اجتماعية متكاملة تقدم على خشبات المسرح البحريني وهي بوابة الفتح التأسيسي والريادي للكاتب نفسه ولفرقة أوال المسرحية والذي انطلقت من خلالها مسرحيات (ما لان وانكسر) التي أخرجها الفنان المسرحي الكبير الراحل محمد عواد ، ثم مسرحية ( سبع ليالي ) التي أخرجها الفنان خليفة العريفي ، وهي أول مسرحية تتجاوز خارطة المسرح البحريني لتحظى بمشاركة خليجية وعربية مهمة جدا في دولة الكويت ومن ثم في مهرجان دمشق المسرحي عام 1973، نالت اهتماما كبيرا من قبل النقاد والفنانين والجمهور هناك .

هذه التجارب المسرحية الإبداعية بوأت المبدع المسرحي الرائد راشد المعاودة مكانة كبيرة ومهمة في مسرحنا العربي ، خاصة وأن نصوصه صيغت بلغة موحية ورشيقة وشاعرية ومؤثرة وتفتح مجالا للتأويل الأمر الذي دفع في حينها أهم المخرجين الشباب المبدعين في المسرح البحريني للتصدي لها، بل وظلت مثل هذه النصوص حاضرة بقوة حتى الألفية الثانية ، حيث تم تقديمها على خشبات المسرح البحريني لأكثر من مرة .

ويعتبر الفنان المسرحي الكاتب الرائد راشد المعاودة أحد أهم من أرهص لإقبال بعض شعراء البحرين المبدعين لكتابة النص التراثي الإسقاطي في حينها ، ومن بينهم الشاعر الكبير إبراهيم بوهندي والشاعر الكبير الراحل عبدالرحمن رفيع وغيرهما ، كما أنه أحد ، إن لم يكن أول من استثمر الموروث الغنائي في مسرحنا البحريني ومنحه دلالات عدة تتآخى مع رؤيته الاجتماعية والوطنية للموروث ذاته ، وهذا ليس ببعيد أو غريب على كاتب مبدع مثل الشاعر راشد المعاودة الذي أسهم في ريادة ورئاسة جمعية البحرين للموسيقى لفترة ليست بقصيرة ، والذي أسهم أيضا في حفظ وتحليل الأمثال الشعبية البحرينية ، فهو موسوعة في مجالات متعددة أغنت نصوصه المسرحية ومنحتها مساحات عدة في التأويل تغري من يتصدى لها إخراجا .

ولأن المبدع الراحل المعاودة لم يحفل بأدلجة نصوصه المسرحية كما ذهب بعض المسرحيين إلى ذلك نظرا لاندفاعات سياسية اقتضتها فترة السبعينيات الساخنة آنذاك ، صارت نصوصه المسرحية في متناول أكثر من رؤية واتجاه ، خاصة وأنها تكتنز بالموروث الشعبي المحفز لرؤية الخلق والتأويل ، بجانب التناول الاجتماعي الذي يقترح مساحات عدة في مفارقاته الساخرة ، مثل مسرحية ( توب توب يابحر ) التي أخرجها الفنان سعد الجزاف لمسرح الجزيرة ، بمشاركة دار قلالي للفن الشعبي ومسرحية ( عمارة رقم 20 ) التي أخرجها الفنان الكويتي الراحل عبدالرحمن الضويحي للمسرح الشعبي بإعداد الفنان الكويتي الراحل مبارك الحشاش وتمثيل نخبة من نجوم المسرح الكويتي ، من بينهم الفنانين إبراهيم الصلال والراحل عبدالعزيز النمش والراحل أحمد الصالح والفنان الكبير جاسم النبهان الذي أبدى كبير تأثره وحزنه بوفاة الراحل راشد المعاودة من خلال رسالة وصلتني منه عبر الواتسب .

لقد كان الراحل راشد المعاودة متآخيا وموازيا في إبداعه النصي آنذاك مع الكاتب المبدع الكويتي الكبير عبدالعزيز السريع ، حيث كانا أهم المجددين في الكتابة النصية في الخليج العربي حينها ، ويعتبر الراحل المعاودة من أول المؤلفين المسرحيين في الخليج العربي الذي تجاوزت نصوصه حدود خارطة بلده ، وكان الراحل الكاتب المبدع جاسم الزائد يهيء حينذاك حضوره التأليفي في الكويت ليصبح بعده أهم من قدمت نصوصه المسرحية على خشبات مسارحها .
أيها المبدع راشد المعاودة .. لن نغفر لأنفسنا ذنب نسيانك أو تجاهلك بقصد أو دون قصد وأنت الذي منحت المسرح والموسيقى والموروث والثقافة والدراما الإذاعية في مملكة البحرين عصارة التأسيس والريادة والسبق وأطلقتنا في مضاميرها بروح ملؤها التحدي والقدرة على الخلق .

أيها المبدع الباقي ما بقي عطاؤك وإبداعك ، اعذرنا إذا لم نتمكن من تكريمك ، لأننا كنا على ثقة كبيرة بأن عطاؤك وإبداعك تجاوزا حدود خارطة الوطن فكان الأوْلى بمن يتولى زمام أمور الثقافة والفن في البلد بأن يسبقنا في تكريمك ، أو كان الأوْلى بمن أطلقت مسيرته المسرحية الأولى بأن يحتفي بك أيما احتفاء ، وهنا لا بد وأن أشيد بالجهد التكريمي الذي اختزله ووثقه الفنان إبراهيم راشد الدوسري في كتابه ( راشد المعاودة .. الإبداع في حب الوطن ) ، فلعله جهد يدفعنا لأن نتذكرك دائما أيها الراحل على حرير الصمت.

يوسف الحمدان – البحرين

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش