المرأة والفن في عيدها العالمي

في عالم محموم بالإبداع والفن ، يتحقّق الجمال والسموّ الإنساني الذي ينعكس بشكل مباشر على المجتمع الذي يعكس واقعه ، يعرّي آفاقه ويكشف عن أحلامه وطموحاته ، بين مجموع التعقيدات والحلول المرجوّة التي من شأنها الرقي بالأفراد والجماعات نحو تحقيق الجمالية ونحت مفهوم الإبداع ببعده الإنساني ، وبين كل ما يحدث بالعالم من تباين بين الواقع السياسي والطموح الفني الإبداعي لابدّ أن نتساءل مرارا : ما هو الدور الفعّال الذي يلعبه الفن ؟ وما دور المرأة في اللعبة الفنية ، ومدى التزامها فنيّا ؟

بمنأى عن معادلة الموازنة بين الرجل والمرأة ، وبعيدا عن رصد مدى استعداد لكل طرف والتزامه فنيّا ، لابدّ أن نلتفت قليلا الى المرأة ، الكائن البشري الذي يمثّل العطاء والخصوبة بشتى المجالات والميادين ، ودونما الغوص في تعقيدات الوجود والصراع المحتدم بين الذكر والأنثى ، ظلت قضية المرأة وممارسة الفن بمختلف اتجاهاته ، ومدى استعدادها للمغامرة وخوض غمار التجارب الفنية محل نقاش وسجال دائمين ، ونحن نحتفي بعيدها العالمي المصادف للثامن من آذار من كل سنة ، استسغت أن أفتح نافذة تطلّ على عطاءات المرأة وتضحياتها في مجال الفن الرابع ، هذا المجال السهل الممتنع الذي منحها حرية أكبر وفتح أمامها فسحة للبوح ، للحلم ، للتغنّي بآمالها ، لعرض قضاياها دونما عقدة ، لطرح مفاهيمهما وإثارتها بشكل فنيّ مناجاة للحرية ، للحب ، للاحتواء ولكل ما يتصل بوجودها .

المشهد المسرحي دوما تطلّب التكافؤ بين دور آدم وحواء ، وباعتبار الفن الرابع انعكاس للحياة والواقع ، فهو يثير العواطف ، ينمّي الأفكار ويطرح المفاهيم الواعدة ، ونلفي المسرح منذ العهد اليوناني الى الروماني وصولا الى العصر الوسيط ورفض الكنيسة للمسرح ونظرتها الدونية له ولمشاركة المرأة بسبب عجزها في اعتقادهم السائد آنذاك ، ويعدّ ” هنريك إبسن ” مطلع القرن التاسع عشر من الذين نادوا بحتمية تحرر المرأة وممارسة أحقيتها في التعبير عن آرائها وأهدافها بالحياة ، بتبنّيه قيما صارخة بالحرية في مسرحيته ” بيت الدمية ” حيث دعا بشكل صريح الى ضرورة إعادة النظر في العادات والتقاليد ، وطرح دور المرأة وتقديم صورتها الواعدة .

وتلت ذلك محاولات عديدة تباينت من حيث الشكل والمضمون ، وفي الغالب لم تتعدّ دور المرأة التابعة للذكر ، الغير قادرة بعد على التحرّر وفرض هيمنتها وسيطرتها في أخذ زمام الأمور ، إلا في محاولات قليلة أثبت فيها قدرتها على التحكم والسيطرة ، ومع توالي العصور ومطلع القرن العشرين اهتم المسرحيون كتابا ومخرجون بخصوصية المرأة والكتابة لها ، مع التركيز على القضايا الحساسة التي ترفعها بأدائها وحضورها على الركح ، باحثين عن خاصية الكتابة
والطرح ونوعية القضايا الشائكة التي تشغل المجتمع برمّته ، حتى المرأة ذاتها اقتحمت مجال الكتابة ، الإخراج والسينوغرافيا ، وحضورها ضمن لجان التحكيم بين الفينة والأخرى .

إنّ مهمّة تغيير ملامح المرأة بالفن الرابع ومنحها الصورة الأكمل التي تليق بها ، ما يزال طريقا شاقا ومتعبا ، فهي ترى في المسرح ملاذا لها وغالبا ما رأى الذكر فيها منافسا قويا له ، حتى وان كانا يكمّلان بعضهما البعض في المشهد المسرحي ، فحضورها القوي على الخشبة تحدّ في حدّ ذاته لكل ما هو مباح وممنوع ، وكثيرا ما تصادمت بأصوات المنع ومصادرة حريّتها الفنية .

وتبقى الأنثى محل نقاش دائر ، بخاصة في ممارستها للفن الرابع ، وتبقى الأسئلة شاخصة :
من أنصف المرأة في المسرح ؟ وهل عليها أن تثبت أحقيتها أكثر ممّا قدّمته من تضحيات ؟

سواء احتفلنا بعيدها العالمي أم لا ، يبقى عالمها خاصا بها وذا خصوصية متفرّدة ، وفي ممارستها للفن الرابع سواء تمثيلا ، إخراجا ، نقدا ، سينوغرافيا أو غير ذلك ،لا يسعنا في
عيدها العالمي الا أن نضئ لها شموع الفخر والعرفان بمجهوداتها الجبارة ، لاستكمال رقيّ الفن الرابع جنبا الى جنب مع توأمها الرجل الذي لن ينكر دورها الفاعل في المشهد الفني لا سيّما المسرحي منه .

بقلم : عــبــاســيــة مــدونــي – ســيــدي بــلــعــبــاس – الـــجــزائـــر

 

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *