المرأة الإماراتية و «أبوالفنـــــون».. ريادة وفيض إبداعي – الامارات

imagea

أثرت المرأة الإماراتية المسرح المحلي، وأسهمت في تأسيسه ونهضته، لذا لا يمكن الحديث عن «أبوالفنون» في الدولة دون الوقوف في محطات شديدة الخصوصية، من أبرز أسمائها موزة المزروعي، ومريم سلطان، ورزيقة طارش، وسميرة أحمد.

الإبداع النسائي في ما يخص الخشبة المحلية لم يكن على الصعيد الفني فقط، بل في ما يتعلق بالدعم النفسي والمعنوي، فالفنانة الإماراتية على المسرح منذ تشكلها أخذت طابع الأم، أو «أخت الرجال»، كما يشير التعبير في اللهجة المحلية، في علاقتها وعطائها لسائر أعضاء أسرة أي عمل تشارك فيه.

530368
• مريم سلطان امتد عطاؤها إلى الأجيال المتتابعة على المسرح، ليشمل جوانب فنية ومعنوية، فكانت بمثابة الأم التي تحتوي من لايزال يحبو في خطواته الأولى على المسرح.


530283

• رزيقة طارش عرفها الجمهور مذيعة شابة قبل أن تتألق على خشبات مسارح الدولة المختلفة، وتبزغ نجويتها في الأعمال التلفزيونية المختلفة.

من هنا تحضر ألقاب الفنانات اللائي لعبن دوراً رائداً في مسيرة المسرح المحلي، مصحوبة من قبل المسرحيين أنفسهم بلقب الأم، أو الأخت، حسب الأجيال المتلاحقة، فحينما يتحدث الفنان عبدالله صالح عن دور الفنانة موزة المزروعي، أو الفنانة مريم سلطان، في التأسيس لحركة مسرحية نشطة، يشير إليهما مقدماً لقب «الأخت الفاضلة»، في حين أن ابنه، الفنان مروان عبدالله، لا يخاطب الفنانتين سميرة أحمد ورزيقة طارش في كواليس أي عمل، مسرحياً أو تلفزيونياً، إلا مقدماً لقب «أمي». وأي رصد – وإن كان عابراً لتطور المسرح المحلي – سيجد أن «العنصر النسائي»، كما يشار إليه في مصطلحات أهل المسرح أنفسهم، كان حاسماً في نضج مختلف مسارح الدولة، واتجاهها نحو مزيد من الاحترافية، بعد مرحلة لم يكن فيها من المقبول، على الصعيد الاجتماعي، أن تصعد فتاة أو امرأة إلى خشبة المسرح.

اللافت أن معظم هؤلاء المبدعات مارسن أعمالاً وظيفية تميزن فيها، وشاركن عبرها في تقديم دور فعال في خدمة مجتمعهن، خصوصاً في مجالات الثقافة والإعلام، إذ عمل كل من سميرة أحمد ومريم سلطان في وزارة الثقافة، في حين التحقت رزيقة طارش منذ وقت مبكر بمجال الإعلام، من خلال إذاعة أبوظبي، والتحقت موزة المزروعي بالعديد من الوظائف التي بدأتها في الشرطة النسائية بدبي، مروراً بمطار دبي، وإدارة المرور، وغيرها، وانتهاء بعملها الأخير ضابط أول علاقات عامة في المجلس الوطني للإعلام.

image (1)

تحديات البدايات

تنفرد الفنانة موزة المزروعي بلقب أول فنانة مسرح إماراتية، ولاتزال تذكر مصاعب وتحديات البدايات، وكيف أنها كانت تضطر للتخفي أحياناً في طريقها إلى المسرح، من أجل إنقاذ جهود زملائها من الفنانين الذين كانوا حتى ذلك الوقت يضطرون للقيام بأدوار نسائية، في ظل غياب أي وجه نسائي يقبل مواجهة التحدي الرافض لصعود المرأة على خشبة المسرح. ولا تترد المزروعي في الإشارة بفخر إلى تلك المرحلة المبكرة في تاريخ المسرح المحلي، بما شابها من مواقف سببت لها ضغوطاً اجتماعية واقتصادية، إلى الحد الذي وصلت معه الضغوط إلى تهديد سلامتها وحياتها من أجل التراجع عن الصعود إلى الخشبة، لتضرب المزروعي مثالاً نادراً في الوفاء لفن الخشبة، دون أن يعوقها ذلك عن أداء واجباتها كأم، فضلاً عن المهام الوظيفية التي أثبتت أيضاً كفاءة وقدرة ملحوظتين فيهما. وإذا كانت المزروعي جديرة بشهادات الفنانين المعاصرين لها أنفسهم، بلقب الفنانة المسرحية الأولى، بمعيار تاريخي، فإن معيار الوفاء والعطاء لمختلف الفنانين، خصوصاً الشباب والناشئين، ومن هم في مراحلهم الإبداعية الأولى، احتفظ للفنانة مريم سلطان بلقب «أم المسرحيين»، بعد مسيرة وفاء للخشبة وصلت الآن إلى نحو 40 عاماً. سلطان التي لاتزال تحافظ على عطائها للمسرح، كانت بمثابة أم حقيقية للفنانين، ليس من خلال النصائح الفنية، وأيضاً القيمية فقط، بل أيضاً من خلال الدور الاحتوائي، إذ كانت تأخذ على عاتقها دوماً تجهيز الطعام في منزلها، لتحمله إلى زملائها وأبنائها أثناء انشغالهم بتجويد أدوارهم في كواليس مسرح دبي الشعبي، الذي كان بمثابة بيتها الثاني.

حكاية أولى

وعبر مسرح دبي الشعبي أيضاً نسجت الفنانة سميرة أحمد حكايتها الأولى مع المسرح، بعد أن جذبها ألقه، وهي التي تجاوره في ذات الفريج تقريباً، إذ ظلت أحمد تحافظ على بروفات أول مسرحياتها سراً، قبل أن يصل الأمر إلى الأسرة التي قابلت ذلك بمعارضة، لم يثنها سوى تغيير الفكرة السائدة عن مشاركة الفتاة في الأعمال الفنية عموماً. وتتذكر أحمد أول أيام عرض مسرحيتها الأولى، الذي كان بمثابة يوم إعلان أنها أصبحت ممثلة، في وقت لم يكن أهلها يعلمون أنها أقدمت على خطوة كهذه، لتجابه بتعنيف شديد من الأسرة، منعها من التواصل مع المسرح عامين متتاليين، قبل أن يتمكن بعض من أعلام المسرح في ذلك الوقت من إقناع الأهل بالفكرة، ومنهم خالد سرور المعصم، وعبداللطيف القرقاوي، وأيضاً موزة المزروعي التي مارست دوراً كبيراً في ذلك، بفضل انتمائها لذات الفريج، لتصبح بمثابة الدليلة لها في عالم التمثيل، لدرجة أنها كان يسمح لها باصطحابها من أجل تصوير المسلسل التلفزيوني «عائلة بوناصر»، في خطوة جعلت انتمائها للوسط الفني أمراً واقعاً.

ولاتزال أحمد التي خاضت تجربة إنتاج فني ثرية، عبر تأسيس شركتها الخاصة بعد كل هذه السنوات، ترى أن المسرح منحها الكثير، وعلى رأسه تعزيز دورها كامرأة، وكيف أنها عبره وجدت صوتها مسموعاً أكثر من أي مكان آخر.

الوقوف عند محطة رزيقة طارش يعني محطة شديدة الثراء والتنوع، سواء في أدوارها المسرحية أم التلفزيونية، وعلى الرغم من أن طارش التي بدأت كأصغر مذيعة إماراتية وقت إطلالتها عبر إذاعة أبوظبي، تكاد تكون انقطعت عن الأعمال المسرحية منذ عرض مسرحية «عجيب غريب»، بعد نجاح عرضه مسلسلاً متعدد الأجزاء، إلا أنها لاتزال ترى المسرح بوابتها الأكثر رحابة، وأحد أسرار إمدادها الدائم بألق لا يغيب عنها، تستشعره في أعماقها ليمدها بحالة من الثبات والرضا والرؤية المختلفة للحقائق حولها.

 

 

محمد عبدالمقصود – دبي

http://www.emaratalyoum.com/

شاهد أيضاً

الكتاب المسرحي العربي للمرة الأولى في جيبوتي. اسماعيل عبد الله: حضور منشورات الهيئة العربية للمسرح في معرض كتب جيبوتي حدث مفصلي في توطيد الثقافة العربية.

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *