المخرج المسرحي العراقي عماد محمد: التكنولوجيا مفتاح المسرح لدخول المستقبل- عواد علي

في السنوات الأخيرة ظهرت العديد من التجارب المسرحية العراقية التي حاولت كسر المألوف والاشتغال على مسرح أكثر حيوية وارتباطا بقضايا الإنسان العراقي الذي عانى وما زال يعاني من أهوال الغزو والحروب والصراعات، كما حاولت الانفتاح على الفنون الأخرى مثل الرواية والسينما والموسيقى وفنون الفيديو، ما مثّل خطوات هامة لتجديد الخطاب المسرحي ليكون لسان حال العراقيين والعرب والإنسان ككل، اليوم والآن وهنا. وهو ما نجده في تجربة المخرج العراقي عماد محمد الذي التقته “العرب” وأجرت معه هذا الحوار حول تجربته وقضايا مسرحية أخرى.

حين شاهدت عرض مسرحية “البيادق” للمخرج المسرحي العراقي الشاب عماد محمد في الدورة الخامسة لمهرجان المسرح العربي بعمّان، أيقنت أن الحركة المسرحية في العراق حظيت بمخرج موهوب جدير بأن يكون له حضور إبداعي كبير في المشهد المسرحي العربي إذا ما أتيحت له الفرصة وجرى دعمه، خاصة من طرف المؤسسة المسرحية الرسمية.

وقد أثبتت تجارب محمد اللاحقة، ونيله العديد من الجوائز في المهرجانات المسرحية المحلية والعربية والدولية أنه مخرج مبدع يمتلك رؤية ومخيلة خلاقتين.

عماد محمد، الذي يتهيّأ الآن لإخراج نص مسرحية “سرندبال” للشاعر والكاتب المسرحي العراقي خزعل الماجدي، حاصل على دبلوم إخراج مسرحي من معهد الفنون الجملية، وبكالوريوس إخراج مسرحي من كلية الفنون الجميلة في بغداد.

أخرج حتى الآن للفرقة الوطنية للتمثيل ومؤسسات فنية أخرى عشرة أعمال مسرحية، أهمها: تحت الصفر، البيادق، مظفر النواب، عربانة، عودة أشيلوس، مكانك أيها السيد، ورائحة حرب.

 ولاقت هذه الأعمال، التي ركزت أغلبيتها على الأوضاع المأساوية في العراق عقب الغزو الأميركي، اهتماما نقديا واسعا أثناء تقديمها في مصر وتونس والمغرب وسوريا والإمارات والأردن، إضافة إلى بلده العراق.

ونالت مسرحيته “تحت الصفر” 6 جوائز دولية بين عامي 2008 و2010، إلى جانب جائزة الصحافة التونسية، وحازت مسرحيته “عربانة” على جائزتين في مهرجان بغداد الدولي الأول سنة 2013، وترشحت لثاني أفضل عمل عربي متكامل عام 2014 ضمن جائزة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي لمهرجان المسرح العربي في دورته السادسة بالشارقة. كما نال عماد محمد العديد من الدروع والشهادات التكريمية من المهرجانات التي شارك فيها.

مسرح مقاومة

 

عماد محمد: أوظف الصورة السينمائية والرقمية من أجل المسرح وليس العكس، لكونها تصنع فضاء فكريا وجماليا أوسع وأشمل
عماد محمد: أوظف الصورة السينمائية والرقمية من أجل المسرح وليس العكس، لكونها تصنع فضاء فكريا وجماليا أوسع وأشمل

 

العرب: ركّزت تجاربك المسرحية على المآلات السياسية والاجتماعية الشائكة إثر الاحتلال الأميركي للعراق. ما هي الثيمات الأساسية التي قامت عليها تلك التجارب؟

عماد محمد: بعد الاحتلال الأميركي للعراق، وجدنا أنفسنا أمام خيار واحد لا غير هو المقاومة الثقافية والفنية، التي يحتّمها علينا واجبنا الوطني والإنساني.

من هنا بدأ مشروعنا المسرحي، فقدمنا أول عروضنا المسرحية “مكانك أيها السيد”، للكاتب مثال غازي، بعد أشهر من الاحتلال، وبمعالجة جديدة تدعو إلى التحرر من فكرة الانتظار، وعدم الرضوخ والاستسلام من خلال مقاومة الاحتلال لنيل التحرر والاستقلال.

كان أهم مشهد في العرض هو المشهد الأخير الذي يظهر فيه الممثل أمام نصب التحرير، وهو يحمل مرشة مبيدات يطهر بها المكان، ثم يسير في شوارع بغداد لتطهيرها من الجدران الكونكريتية العازلة والأسلاك الشائكة بوصفها رموزا للاحتلال الأميركي، ويكمل مسيره إلى جسر الجمهورية، ومنه باتجاه المنطقة الخضراء قاعدة الاحتلال، ليظهر بعدها بشكل حي ومباشر في صالة العرض بين الجمهور، ثم يصعد إلى خشبة المسرح ليكمل مهمته التطهيرية.

بعد هذا العرض قدمنا مونودراما “عودة أشليوس” أو “منو”، هي أيضا من تأليف مثال غازي، وتناولت ضياع الهوية العراقية، والفوضى، وانتهاك حقوق الإنسان، والتعذيب والاغتصاب في سجون الاحتلال الأميركي، وتدمير البنى الفكرية والاجتماعية والثقافية للإنسان العراقي من خلال شاب عراقي فقد ذاكرته بسبب الاحتلال.

 وتناولت كذالك مسرحية “تحت الصفر”، للكاتب ثابت الليثي، على نحو أوسع وأهم، الاحتلال الأميركي ونتائجه المدمرة مثل الطائفية والإرهاب ومسخ الهوية الثقافية العراقية، وتعرية شعارات الاحتلال الزائفة (الديمقراطية والحرية)، وصناعة نظام سياسي يمتهن القتل والتدمير.

وجسدت مسرحية “رائحة حرب”، التي كيّفها مثال غازي والكاتب التونسي يوسف بحري عن رواية “التبس الأمر على اللقلق” للروائي الفلسطيني أكرم مسلّم، النتائج التي صنعتها آلة الاحتلال الأميركي، وأهمها نظام سياسي/ ديني اعتمد الفوضى والطائفية والإرهاب والفساد ومسخ المواطنة.

 وعرضنا في مسرحية “عربانة”، للكاتب حامد المالكي، قهر الإنسان العراقي عبر مراحل مختلفة، وأهمها مرحلة ما بعد الاحتلال من خلال قصة رجل يدفع عربة خضار، مثل التونسي محمد البوعزيزي، وهو مثقف وحامل لشهادة جامعية، يقرر حرق نفسه احتجاجا على القهر والفقر والواقع القاسي، لكنه يموت قبل حرق نفسه، ويستعرض حياته مع منكر ونكير بعد فتح سجله من أجل محاسبته، وينتهي الأمر بغلق جميع ملفاته دون حساب.

السينما والتكنولوجيا

 

التجريب بحث وتمرد ومغامرة
التجريب بحث وتمرد ومغامرة

 

العرب: وظّفت المادة السينمائية في بعض تجاربك المسرحية، وهذا أمر جديد على المسرح العراقي، إلى حدّ ما. ألا تخشى من التأثير السلبي للإسراف في الدمج بين فني المسرح والسينما بحيث يفقد المسرح خصوصيته وهويته؟

عماد محمد: المسرح هو الحياة، وعلاقته المباشرة بالإنسان تجعله ينسجم ويتقبل دوما ما هو متغير وجديد في الحياة. وللتكنولوجيا أهمية كبيرة في ديمومة المسرح وتواصله إنسانيا عبر تاريخه، بدءا من الضوء وانتهاء بالصورة الرقمية المسرحية.

مشروعنا يؤمن بتوظيف الصورة السينمائية أو الرقمية من أجل المسرح وليس العكس، لكونها تصنع فضاء فكريا وجماليا أوسع وأشمل لأن خشبة المسرح لا تستطيع، أحيانا، الوصول إليها، بالرغم من تطور التقنيات المسرحية.

إضافة إلى أن الصورة السينمائية عندما تتلاقى مع الصورة المسرحية برؤية حديثة ومتوازنة تصنع فضاء سينوغرافيا وبعدا جماليا جديدا ومؤثرا فكريا وفنيا. أعتقد أنه لا توجد أي هيمنة للصورة الرقمية على المسرح إذا كانت هناك رؤية ومعالجة ومعادل صوري واع ومحسوب وليس تكميليا. ويُشترط في هذا التوظيف وجود فهم وانسجام وتواشج وإحساس واضح بين النص الحواري والممثل والموسيقى والمؤثرات والأزياء والعناصر الفنية الأخرى وعلاقتها بالصورة الرقمية. وتقنيا إن توظيف السينما في المسرح هو مشروع عالمي ليس جديدا، ولكن قد يكون عراقيا وعربيا حديثا.

العرب: اعتمدت أيضا على التقنيات الرقمية في بعض عروضك المسرحية، فهل يعني هذا أنك تميل إلى ما يسمى بالمسرح الرقمي؟

عماد محمد: نحن نعيش الآن عالما رقميا، وسنعيش عالما رقميا أكبر، وعلى المسرح أن يلاحق هذا العالم ويستثمره حتى لا يغدو ثانويا في الحياة والفنون، وكي يبقى في طليعة الفنون وملكها، لكونه فنا حيّا لا يموت طالما ارتبط بوجود الإنسان والحياة ومتغيراتها الشاملة، فالمسرح لن يهدأ ولن يستكين أبدا، بل سيستغرق في البحث والابتكار.

وأنا اؤمن بأن المسرح يحتضن جميع أنواع الفنون والتكنولوجيا، ومن ضمنها الرقميات الصورية، ويتقبلها ويتحاور معها، ويقيم من خلالها حوارا إنسانيا صادقا وواعيا مع المتلقي، ويحاول الولوج إلى المسكوت عنه، والمجازفة والتمرّد بأساليب مختلفة وجديدة.

توجه أغلب المخرجين إلى فن المونودراما أملاه تدني الكلفة الإنتاجية ولاعتقادهم بأنها أسهل في الاشتغال

العرب:  أخرجت نصوصا مسرحية مونودرامية عديدة، لكن ثمة التباس حول مفهوم المونودراما، فبعضهم يخلط بين النص المسرحي الذي يقوم على شخصية واحدة والنص المسرحي الذي يحتوي على أكثر من شخصية لكن ممثلا واحدا يؤديها كلها. ما وجهة نظرك في ذلك؟

عماد محمد: في اعتقادي أن المونودراما فن الاختزال والتكثيف والتجديد، يشترط نجاحه بنص درامي حواري متحرر يأتي ببنية جديدة للنص المونودرامي غير متوقع ليستعرض أفكارا وأحداثا وبيئات مختلفة تعتمد على شخصية محورية رئيسية ونموذجية تستعرض تلك الأفكار والأحداث، ويؤديها ممثل شامل لديه القدرة على اللعب والأداء المسرحي الشامل من تمثيل ورقص وغناء وغير ذلك ليقدم عرضا مسرحيا مختزلا ومكثفا جدا ومبهرا جماليا وفكريا، مستعينا بعناصر فنية مختلفة؛ تقنية ورقمية أو بممثلين وراقصين ومجموعات.

أعتقد أن أغلب المخرجين ذهب إلى فن المونودراما بسبب كلفتها الإنتاجية الواطئة، وكذلك اعتقادا من بعضهم أنها أسهل من حيث الاشتغال والإنجاز، وهذا خطأ كبير لأن فن المونودراما صعب ومركب ويكون الجهد الإخراجي وأداء الممثل مضاعفا من حيث البروفة والبحث والاجتهاد والتنفيذ.

 لقد قدمت ثلاثة عروض مونودراما لكل منها اشتغال جديد، وحاولت أن أبحث في كيفية صناعة مونودراما حديثة غير مكررة، أهمها “فيسبوك” التي وظفت فيها السينوغرافيا الرقمية على نحو كامل، وجعلت كل ما تفكر فيه الشخصية وتحلم به وتعيشه من أحداث تجسده المادة الرقمية الصورية، وهي عبارة عن صفحة شخصية في الفيسبوك، شخصية شاب يحاول الخروج من العزلة ليلتحق بالناس عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، ومشاركتهم   أفكارهم وهمومهم وأحلامهم، وفي نهاية العرض يظهر منتفضا مع المتظاهرين في ساحة التحرير ببغداد بشكل مباشر وضمن صورة حية للأحداث.

مشروع مسرحي

 

مسرحيات تعالج الأوضاع المأساوية في العراق
مسرحيات تعالج الأوضاع المأساوية في العراق

 

العرب: كثيرا ما تشير إلى أن أعمالك المسرحية تجريبية، كيف تفهم التجريب في المسرح؟

عماد محمد: التجريب مختبر للبحث والاجتهاد والتمرد والاكتشاف في جميع عناصر العرض المسرحي، أو في جزء منها دون إهمال العناصر الأخرى للوصول إلى صناعة معادلات صورية وفكرية جديدة تبدأ من النص الحواري وتذهب باتجاه فضاء العرض. والتجريب المختبري يخضع للفشل والنجاح معا.

 ومن اشتراطاته على المجرب أن يمتلك الوعي والقدرة والخيال الواسع والعمل الميداني الكبير بفن الخشبة، والمعرفة الكاملة، النظرية والتطبيقية، بجميع الاتجاهات والتيارات المسرحية. وأعتقد أن التجريب يرتبط بالمتغيرات البيئية والفكرية والاقتصادية والسياسية والعلمية في الحياة البشرية، وهو لا يرتبط بالمخرج فقط، بل يمكن أن يكون الممثل والكاتب والتقني مجربين أيضا.

العرب: يُلاحظ أن جميع أعمالك المسرحية لمؤلفين عراقيين، ولم تلجأ إلى إعداد أو تكييف نصوص أجنبية أو عربية. هل هذا من باب تشجيع النص المحلي أم لأنك تجد فيه ما يشغلك من قضايا ساخنة يمور بها الواقع في العراق؟

عماد محمد: بالتأكيد إن النص المحلي الناجح والناضج والساخن هو الأقرب إلى مشروعي المسرحي، الذي كان على تماس كبير بالواقع العراقي والعربي، مع أن نص عملي الأخير “رائحة حرب” كان مشتركا بين العراق وتونس وفلسطين، لكني أعتقد أن النص المحلي الناجح تتوفر فيه إمكانية صناعة عرض مسرحي ناجح، وهو الطريق الذي يوصل إلى العالمية.

العرب: كيف تنظر إلى تجارب الجيل الجديد من المخرجين في المسرح العراقي؟

عماد محمد: هناك توجهان لدى الجيل المسرحي الجديد من الشباب، الأول يبحث ويقرأ ويتابع ويحاول أن يقدم عرضا مسرحيا عراقيا مختلفا وواعيا، بالرغم من اعتماده على جهوده الفردية، وبساطة الإنتاج، وعدم وجود حاضنة حقيقية له، والثاني تتسم تجاربه بالتقليد، والتأثر المباشر بما يشاهده من خلال اليوتوب، ويبحث عن السهل على حساب الرصانة الفنية والأصالة، وتكاد تكون أعمال هذا الجيل متشابهة.

https://alarab.co.uk/

Thumbnail

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش