المجتمع الصعيدى الأوروبى فى « الثامنة مساء» / محمد بهجت

 

 

 

كانت أستاذتى الناقدة المسرحية الكبيرة الراحلة سناء فتح الله تقول: «ما دون العرض دون النقد» وتعنى أنها لا تتناول بقلمها إلا ما هو جاد وحقيقى ومبشر بقيمة ما.. أما العروض الساذجة أو السطحية أو المبتذلة فلا تستحق تسليط الضوء عليها..

وبكل تأكيد عرض «الثامنة مساء» على مسرح الغد للمؤلفة ياسمين فرج عرابى والمخرج هشام على من العروض المحترمة والتى تنبىء بميلاد كاتبة موهوبة تستطيع رسم الشخصيات بدقة وإيجاد علاقات إنسانية متشابكة بينها وكأنها تكتب للمسرح من عقود طويلة رغم أنها تجربتها الأولى كما أننا أمام مخرج مجتهد يحسن اختيار ممثليه ولديه إحساس جيد بالإيقاع فلا تشعر بالملل وأنت تتابع القصة المأساوية المبنية على فكرة الأخذ بالثأر.

المشكلة تكمن فى التفاصيل التى قد تكون مقبولة بالنسبة لبعض شرائح مجتمع المدينة ولكنها لا تقبل بأى حال فى أعراف وعادات وتقاليد أهل الجنوب.. على سبيل المثال نسمع أن الفتاة المتنكرة فى هيئة خادمة عرجاء قدمت جسدها لقاتل والدها كطُعم من أجل أن تحكم قبضتها على مشاعره حتى تتمكن فيما بعد من الانتقام منه!! هذا الأسلوب فى التفكير لا يمكن قبوله أو حتى تصديقه فى مجتمع يؤمن أن الشرف أغلى من الحياة.. الأمر الثانى هو تعاطى قاسم بيه لمزيج من الخمور المركبة وشربها أمام الجميع زوجته وخادمته ومحاميه الذى يتولى إدارة أعماله!! وهى كلها تفاصيل تؤكد نقص معلومات الكاتبة عن مجتمع الجنوب، وإذا أرادت المؤلفة أن تجعل بطلها يغيب عن الوعى لكان تعاطى الحشيش فى تلك الحالة أكثر تقبلا وأقل عارا فى العرف السائد.. كما أن موقف الشقيق الذى يخطط للانتقام مضحيا بشرف أخته نموذج أكثر غرابة وبعدا عن الواقع.. وعلى الرغم من تلك الأخطاء الدرامية الفادحة فإن الكاتبة عالجت قصتها بأسلوب مشوق جمع بين المشاهد الممثلة والمغناة بالإضافة إلى فواصل شعرية جيدة كتبها وأداها عبد الله حسن كانت أشبه بدور الراوى ولا ندرى لماذا اختار الشاعر عامية القاهرة ولم يختر عامية أهل الصعيد لتكون أكثر مواءمة للعمل..

كما استخدم المخرج نوعا آخر من الرواة عن طريق لوحات الرسم بالرمال وإن كانت مسجلة وليست حية كما عرضت على شاشة مرتفعة بدرجة مجهدة للعين وبعيدة عن بؤرة الإضاءة ولم تكن مؤثرة على الإطلاق ونرى أن حذفها من العرض أفضل من وجودها مع التركيز على كلام الشاعر.. أما فريق التمثيل فقد أجاد محمد عبد العظيم فى تجسيد دور قاسم الرجل الصعيدى المقعد الذى يخفى خلف ملامحه الصارمة قلبا بريئا يتأثر ويريد أن يبكى لولا أن أباه فرض عليه النضج المبكر بدعوى أن الذكور رجال منذ نعومة أظفارهم ولا يجوز لهم البكاء، كما أبدع فى تصوير مشاعر العاشق المتيم الذى يقعده العجز ويحول بينه وبين حبه المتوهم.. كذلك تألقت وفاء الحكيم ـ كعادتها ـ فى أداء دور الزوجة المغلوبة على أمرها والتى تكشف كل ما يدور حولها من مؤامرات وخيانة زوجية لكنها تفضل سلاحى الصبر والضعف الأنثوى وتكتفى بأنها الزوجة الشرعية بينما الخادمة فى موقف العشيقة المهين.. أما لمياء كرم فهى موهبة كبيرة ولديها وعى بتفاصيل الشخصية المركبة التى تؤديها أو بالأحرى الشخصيتين حُسن وياسمين ولكنها تحتاج إلى مران أكثر لإجادة اللهجة الصعيدية حتى تخرج سلسة وطبيعية مثل أسلوبها فى التمثيل.. واجتهد نائل على فى محاولة تقديم شخصية صابر المحامى الحالم بلحظة الانتقام لكن البناء الخطأ دراميا فى الشخصية لم يساعده على تقديم أداء مقنع وقدمت دينا ممدوح رقصة تعبيرية كان الأنسب أن تؤديها شخصية ياسمين باعتبارها هى حلم العاشق قاسم بك، ويبقى فى النهاية أن نشيد بدور الفنان سامح مجاهد مدير المسرح الذى يحاول اكتشاف مواهب جديدة فى مجالى التأليف والإخراج حتى يحمل مسرح الغد دلالة من اسمه.

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *