«الكوميديا السياسية» ضحك من شدة الألم

3546466233

أن نضحك على مآسينا، كأن نضع الملح على الجرح عمداً، لنختبر ماهية وجعه، ولنطهر الجرح في ذات الوقت، وهذا ما تفعله الكوميديا حين تلامس السياسة، ترتدي وجه مهرج مضحك، وتعطيه سكيناً حاداً، لنجد أنفسنا نتألم، بينما أعيننا تدمع من الضحك.

أعمال كوميدية كثيرة تألقت، فرسمت البسمة على وجوهنا، لتظهر جراحاً غائرة من بين ثنايا تلك البسمة، نجحت في أن تكون مادة غنية لأهل الكوميديا وصناعها.

«البيان» التقت أبرز نجوم الكوميديا في الخليج والوطن العربي، ليؤكدوا أن الكوميديا مرآة المجتمع، وأن السياسة ترتبط بها ارتباطاً عميقاً، إذ لا يمكن فصلهما عن بعضهما البعض، مشيرين إلى أن الاستظراف الذي دخل على الخط مؤخراً، أصبح يتجاوز الحدود.

مرآة المجتمع

أكد الفنان أحمد بدير، أن الكوميديا مرآة المجتمع، وفن لا يتقنه الكثيرون، وقال: يبذل الفنان الكوميدي جهداً كبيراً لرسم البسمة على شفاه الجمهور، ويستقي أغلب قضاياه من السياسة، كونها أصل كل مشكلات المجتمع، فحياتنا كلها سياسة، بدءاً من رغيف العيش، ومروراً بأزمة المواصلات، وانتهاءً بالطلاق.

ولفت إلى أن السياسة تخوض في كافة تفاصيل حياتنا، وقال: لا نستطيع أن نفصل أنفسنا عن السياسة، ولا أن نفصلها عنا، وفي الأعمال المسرحية التي أقدمها، نرى الجوانب الاجتماعية بوضوح، ولكنها تتغذى من شريان السياسة بشكل أو بآخر.

وأشار بدير إلى أنه من الصعب جداً إضحاك إنسان وإخراجه من همومه اليومية، وقال: من الصعب اليوم، تقديم عمل كوميدي، فالافتقار إلى النص الجيد مشكلة أساسية، تزيدها صعوبة، المشكلات الإنتاجية، وصعوبة الاستعانة بأكثر من نجم في العمل الواحد.

جرأة وسلاسة

«كوميديا اليوم جريئة، وتتحدى بجرأتها قسوة المذابح والمجازر»، بهذه العبارة، بدأ الفنان طارق العلي حديثه، لافتاً إلى أن الكوميديا اليوم مستقاة من الشارع، وتسخر من السياسة، وأضاف: هناك أعمال ناجحة وكبيرة تطرقت للسياسة، وسخرت من أوضاع معينة، وناقشت بعض الموضوعات السياسية بشكل ساخر، وسبب نجاحها وقبول الناس لها، أنهم كانوا يرون أنفسهم فيها.

وذكر العلي أسماء عدد من النجوم برعوا في تقديم هذا النوع من الكوميديا، أمثال عادل إمام ودريد لحام وعبد الحسين عبد الرضا ومحمد صبحي وسعد الفرج وجابر نغموش وغيرهم، وقال: طرحوا قضايا عدة، أخذت حقها من النقاش، ووصلت إلى الجمهور بسلاسة.

استظراف

وعلى النقيض، أكد الفنان عبد الله السدحان، أن حال الكوميديا العربية اليوم يرثى له، لافتاً إلى أن من يتشبث بالسياسة، فهو كالغريق الذي يبحث عما يستند إليه، وقال: أنجح أنواع الكوميديا، هي التي تبدأ من البيت، وتعتمد على العائلة وأفرادها، وبرأيي أن الكاتب هو الضحية، فهو من يكتب ويجتهد، وعلى الفنان أن يبني على النص ليقدمه بأفضل صورة.

وأشار السدحان إلى أن غالبية الممثلين العرب، والسعوديين والخليجيين خاصة، يلجؤون إلى خفة الدم والاستظراف في مجال الكوميديا، وقال: أصبحنا اليوم لا نتقبل هذا الاستظراف، لا أنا ولا أبنائي، ولا المجتمع من حولي، فالاستخفاف والاستظراف أصبحا يتجاوزان الحدود، ما يؤثر بالتالي في العمل والبناء الدرامي له.

فوضى سياسية

وبأسف كبير، عبر الفنان جابر نغموش، عن الحال التي تعيشها مجتمعاتنا العربية، لافتاً إلى أنه من الصعب تقديم كوميديا سياسية في الوقت الحالي، فالوطن العربي في حالة فوضى سياسية، والثورات أحدثت حريقاً لا تزال آثاره السلبية تنعكس على المجتمعات، وقال: من الأفضل للكوميديا العربية، أن تلجأ إلى الشارع، وتستقي منه حكاياتها، بشرط أن تكون هادفة، وتقدم للجمهور شيئاً مفيداً.

وذكر نغموش أن الظروف التي تمر بها بعض الدول العربية، تجعل الضحك أمراً مستحيلاً، لافتاً إلى أنه من الصعب جداً إضحاك الجمهور اليوم، في ظل ما نراه من أحداث مأساوية.

وتر السياسة

تحفل قائمة الكوميديا السياسية بأعمال فنية كثيرة، حققت نجاحات كبيرة، وتردد صداها في قلوب الجمهور، وظهر فيها الوجع الإنساني، وأشهرها ما قدمتها خشبة المسرح من أعمال كوميدية اجتماعية سياسية، وأشهرها «كاسك يا وطن» لدريد لحام، إلى جانب أعمال أخرى، تميزت ولا تزال تعيش في ذاكرة الجمهور، كمسرحية «الزعيم» للفنان عادل إمام.

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *