الكاتب المسرحي والناقد “مجدي الحمزاوي” يكتب: “رسالة إلى الأب من الجامعة اللبنانية الأمريكية

مجدى الحمزاوي*

كاتب مسرحي وناقد مصري

ـ

كافكا ،وأبوه، والمدير، والذئب ، والخنازير. كان هذا هو عنوان العرض المسرحي الذي شاركت به فرقة قسم فنون الإعلام بكلية الآداب والعلوم بالجامعة اللبنانية الأمريكية في لبنان  في فعاليات مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي. العرض من إخراج وأعداد لينا الأبيض عن كتابات فرانز كافكا وخاصة رسالته الشهيرة إلى والده

هذا هو العرض العربي الثاني الذي يعتمد أصل أدبي وتطويعه ونقله إلى المسرح ، ولكن في هذه المرة كانت المرجعية المطلوب توافرها بين المتلقي والعمل موجودة بالفعل ؛  من خلال بامفلت العرض الذي احتوى على تعريف بكافكا نفسه وأيضا أجزاء من هذه الرسالة ، إلى جانب أن العرض اعتمد في الأساس على أداء هذه الرسالة بذاتها ومحاولة خلق الصور المترتبة عليها خاصة ما يتماس مع الواقع اللبناني العربي؛ فلم تكتف المخرجة/المعدة بوضع الحركة الدرامية المفسرة لوجهة نظرها ؛ وإنما أضافت بعض الحوارات والمشاهد باللهجة اللبنانية الدارجة لتوصل ما أرادت أن تذهب إليه

ولكن أولا لنحاول أن نفهم لماذا كافكا؟ ولماذا رسالة من الأب تحديدا؟ سنتجاوز     عن الاختلافات الموجودة حول الرؤية لكافكا ذاته كأديب أو الآراء التي لا تري من هذه الرسالة وجها مشرقا . فكافكا   هذا الكاتب التشيكي اليهودي الذي كان يكتب بالألمانية عاش   معظم حياته في عزلة، فالتشيك يرونه ألمانيًّا، والألمان يرونه يهوديًّا، واليهود الأصوليون يرونه علمانيًّا، أما الإحساس الأعلى بالعزلة لدى كافكا فكان بسبب علاقته المتوترة دائمًا بمن حوله سواء أبوه أو أمه أو المجتمع ككل، لقد كان يشعر بالقهر، لكنه لم يكن يسعى لتغيير هذا القهر وإنما يكتفي فقط بفضحه وتعريته ، كما أن البعض يرى أن كافكا حفلت أعماله بالدعوة الصريحة لقضيته التي آمن بها وهي قيام دولة صهيونية على أرض  فلسطين ، والبعض الآخر ينفي هذا ويقول أن كافكا لم يكن مؤمنا بالصهيونية ؛ بل أنه أعترف أكثر من مرة بأنه ليس يهوديا مؤمنا . ولكن بعيدا عن نشأته وآراءه  ولنعرف لماذا تم اختيار رسالة من الأب  ، فقد قال على ديوب  على هذه الرسالة أنها : تفكيك للسلطة .. ودفاع ضد القمع  . ويقول عبد الباقي يوسف أنها أبرز وأهم رسالة تربوية.

رسالة إلى الوالد” سيرة كافكا الشخصية، واعترافه   بالجانب الآخر مِن عالمه الخاص  ، وتعتبر مفتاح الدخول إلى   عالمه الأدبي . إنها مركز كل ما كتب مِن قصص وروايات ويوميّات ورسائل، كما أن  والده  هو مركز حياته    “كتابتي كانت تدور حولك. والحقّ كنت أشكو فيها ما كنت لا أستطيع أن أشكوه على صدرك”….

 ولنكتفي بهذا لنعرف لماذا تم اختيار هذه الرسالة لتكون النواة الأولى لهذا العمل المسرحي ؛ كما أنها في مستواها الإنساني الأول هي محاكمة لسلطة الأسرة أو الأب التي عادة ما تكون قاصرة على الأوامر والنواهي وأمر الأبناء بفعل أشياء ربما الآباء أنفسهم لا يفعلونها أو العكس  والتدخل في مسيرة الحياة المستقبلية عندما يقومون هم بمحاولة رسم الطريق الذي يجب على الأبناء إتباعه ، وإن هذا الأمر لو كان قد توارى قليلا في الحضارة الغربية إلا أننا في الشرق العربي مازلنا نعاني من هذا الأمر

وفي النظرة على  أنها تفكيك للسلطة ودفاع ضد القمع ؛ ظلها في العلاقة المتوترة بين الأشخاص والجماعات والدول التي لها أثرا على الواقع اللبناني /العربي . وربما لو ذهبنا بتفكيرنا لوجدنا أنه ربما أن مشكلة لبنان الأولى أن هناك الكثيرون يطمحون في أن يلعبوا دور الأب لهذه الدولة ويحاولون إملاء ما يجب ومالا يجب .

 ولذا فقد رأينا في المعالجة المسرحية التي قامت بها لينا الأبيض هذه الظلال للقضايا اللبنانية والعربية الخاصة ولم تكتفي فقط بالبعد الإنساني العام الذي يراه الكثيرون في هذه الرسالة ولعل تكملة العنوان الموضوع لهذا العرض يشي بهذه الظلال فهناك بجانب الأب أيضا المدير و الذئب ثم الخنازير

بدأ العرض المسرحي وأنوار الصالة مضاءة وهناك اثنان من اليمين واليسار في طريقيهما لخشبة المسرح أحدهما يحمل ما يشبه مصباح ديوجين ، وفي الخلفية حيث تري بالليزر صورة متحركة غير واضحة لرجل ما ، واتساقا أو لنقل انسياقا إلى اللازمة الموجودة في المسرح العربي عامة هذه الأيام كان لابد من فترة زمنية تكون فيها  بعض الحركات فقط مع بعض الهمهمات والموسيقى إن أمكن ، بعدما صعد الاثنان إلى خشبة المسرح  حيث الحركات تنقل إليك بعض المعاني عن النشأة ومحاولة النطق الأولى ثم القهر الواقع على هذه المحاولات ، مع أن الجميع يشتركون تقريبا في السمت الواحد مع توحيد الزي وطريقة ارتدائه أي أننا أمام شخص واحد ؛ وهذا فعلا ما قصدته المخرجة ،أي أن الأمر الواقع أمامنا ليس إلا محاولة لتفسير الواقع الكابوسي الذي كان يعايشه كافكا وينقله إلينا في رواياته وأيضا تصوير حالة الاضطراب النفسي الداخلي التي تصيب الجميع على الخشبة بما فيهم نحن المشاهدون ، ثم تأتي أول الكلمات على لسان الراوي البطل من يسار المسرح ويبدأ الأمر ب ( الخوف منك يا والدي ) مفسرا لما تم مسبقا وأيضا شارحا إلى الدافع الأساسي لهذه الرسالة / الفعل المسرحي . وأثناء الإلقاء من الواحد أو الجزء يكون هناك تفسير بالصورة لما يقال بحيث يدور العرض كله في منطقة التذكر والاسترجاع أو الفلاش باك كما يحلو للبعض ؛ وبعد انتهاء الجزء المروي وصورته العامة يكون هناك تفسيرا خاصا بالإضافات التي تمت باللهجة اللبنانية حيث ينسحب الأمر من العام إلى الخاص / كما أن الاعتماد على الإضاءة الصريحة التي كانت تأتي من أمام الخشبة  في مستوى أقدام الواقفين على خشبة المسرح كانت تعطي بعدا ظلاليا ممتدا ومتعرجا ولكنه في النهاية ينمحي حينما يقع على الستارة السوداء الموجودة في الخلفية أي أن تكوين الصورة المسرحية الموجودة  لا يقتصر فقط على ما يقوم به الممثلون وإنما الأمر يتعدى لما يمكن أن يقع عليهم من مؤثرات ليس لهم علاقة بها ؛ ولذا فإن وضع المنابع الضوئية لهذه الصورة المرئية من قبل الجمهور كان مقصودا فما أسهل أن تأتي نفس النتيجة بطريقة لا تبين فيها هذه المنابع . وعموما كنت الإضاءة التي صممتها منى كليمو جيدة واعتمدت فيها على الحوارية بين الإضاءة الصريحة والإضاءة الملونة لتنقل لنا التغيير بين مرحلة السرد ومرحلة الاسترجاع لتي حدث بها الفعل وانعكاساته على نفس وذات الراوي الجمعي

وأيضا تأكيدا أن الجميع واقع في هذا الشرك وأن هذا الواحد هو بعدا أكبر من الشخص الواحد كان الراوي يتغير فمرة هو شاب ومرة آخر ومرة فتاة .. الخ . كما أن الجميع يشتركون أيضا في تكوين الصورة والتبادل بين الشخصيات المروي عنها سواء كانت شخصيات طيبة أم على العكس ؛

اى أن يصل السرد إلى أن هذه المعاملة كان نتيجتها عدم الثقة بالذات وعدم القدرة على التعبير ويكون التجسيد في  أقصى وسط يمين المسرح بعدما كانت البدايات الأولى في يساره ليوصل لنا أن الأمر قد وصل لآخره تقريبا فرحلة سرد الرسالة من بدايتها كانت تتم في وسط يسار المسرح وتتحرك رويدا رويدا للداخل ، إلى أن نصل الى طب أن المبتغى ليس كبيرا فكل ما يرجوه الراوي في نهاية الأمر هو الإقرار  بالأمر بالواقع وتخفيف حدة اللوم فقط ؛ لقد كان هذا هو الطلب الأول والأخير تقريبا وهنا تتدخل المخرجة لتعطي الأمر بعدا أنيا وخاصا بلبنان والعرب ككل ح ففي هذه اللحظة نرى الجميع على المسرح وقد أصبحوا خنازيرا  ؛ عن طريق الوضعية والأقنعة ونفاجأ بالأب يخرج من الصالة موجها حديثة الآمر الزاجر إليهم ، وبذا فإن المخرجة / المعدة قد قات مقولتها الأساسية فلم يعد الأمر هو مجرد تذكر لمرحلة مرت أو كانت في الماضي ، بل أن الأمر يحدث الآن ؛ وحولت الراضخون خنازير ربما معدون للذبح ؛ وهي قد أخرجتهم منا من قبل ذك؛ فهل معنى ذلك أنها وصفتنا  ………….؟ أم أننا جميعا هذا الأب ونتحمل المسئولية على ما صار إليه حلمنا ؟ وأصبحنا نحن الفاعل والمفعول به في آن واحد  .

ووضح ن فريق لتمثيل مدرب وعلى درجة عالية من لجودة جميعهم بلا استثناء وهم ديما تنير؛ نزهى حرب؛ غريس دنيا؛ ليان دويك؛ نادين ذبيان؛مازن سعد الدين؛مؤنس شبلي؛سهى شقير؛ محمد فائز طرابيشي؛سني عبد الرازق؛على عقل؛زهير القواص؛حسن القيسي؛حسين نخال.

وأيضا فإن لينا الأبيض هي من قمت بتصميم الديكور وقد جاء  سهلا بسيطا معبرا عن الحالة التي رأتها دون زيادة  أو تكلف ؛ مع أنه جاء مبهرا في بعض الأحيان كمشهد المراكب حينما كن الحديث عن السفر والترحال

وعموما هو عرض جيد برغم بعض التهويمات  التي حدثت خاصة في الجانب الحركي الذي نعتقد أنه لم يوصل دلالته بشكل جيد ؛ وأن الاختصار ربما كان أفضل ؛ وأنه لو اختيرت كلمات اللهجة اللبنانية بعناية كبر لتصل إلى كل من ينطق العربية لكان أفضل وأعم.

موقع: المسرح نيوز

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *