الفلسفة والمسرح الأصول اليونانية والنصوص اللاتينية دراسة في الأدب المسرحي عند الفيلسوف الرواقي لوسيوس سينيكا

المقدمة 

   نحسب بدرجات ما إن الفيلسوف الروماني الرواقي لوسيوس آنيس سينيكا (4 ق.م – 65 ميلادية) هو جان بول سارتر (1905 – 1980م) القرن الأول بعد الميلاد ، وإن سارتر هو سينيكا القرن العشرين . فمن المعروف إن كلاهما كتب مسرحياته في إطار فلسفي . فمثلاً إن سينيكا ألف مسرحياته بهدي فلسفته الرواقية بل وتضمنت معالجة رواقية لبعض المواقف التي مرت بها أبطال وشخصيات مسرحياته ، ومفاهيم رواقية عن الإنسان والطبيعة وعلاقة الإنسان بالطبيعة والله والقدر والمستقبل والمحط الأخير للإنسان . وإن سارتر مثل سينيكا وظف الكثير من شخصيات ومناخات المسرح الروماني لمعالجة قضايا الحرية الإنسانية والموقف من الله وعلاقة الإنسان بالله ، بل إن الكثير من المفاهيم وأسماء الألهة الرومانيين قد حضرت في بعض مسرحيات سارتر ، والشاهد على ذلك مسرحية سارتر والتي حملت عنوان الذباب ، حيث الإله الروماني جوبيتر ، وشخصيات رومانية مثل إجمامنون وإلكترا وأورستس وكليمنسترا … وغيرها كثير كثير ..
 
  ولا تنسى إن سارتر كتب مسرحياته بوحي فلسفته الوجودية ، وسينيكا بدوره عالج الكثير من القضايا في مسرحياته في ضوء فلسفته الرواقية . وما بين الفلسفة الرواقية والفلسفة الوجودية الكثير من المستبطن والمضموم وخصوصاً حول الإرادة وفعل الإنسان وحريته وعلاقته بالله والقدر .. كما إن العلاقة ما بين الرواقية والمسيحية كانت قوية حيث إن الكثير من آباء الكنيسة الأوائل كانوا رواقيون ..[1] كما ولا تنسى إن العلاقة بين الوجودية والمسيحية عميقة جدا جدا ، والوجودية نمطين وجودية هرطقية والتي مثلها كل من هيدجر وسارتر . ووجودية مؤمنة أو قل مسيحية مثلها سورين كيركيجارد (1813 – 1855) ، وكارل ياسبرز (1883 – 1969) وجبريل مارسيل (1889 – 1973) ..  ومفاهيمهم الوجودية ليس فيها إلحاد وإنما كل مافي الأمر فيها تأكيد على حرية الإنسان .. وفي كل من الوجودية الهرطقية والوجودية المسيحية مناقشات عريضة حول حرية الإنسان وحرية الله … وهذا المقال سيقدم مادة وشواهد فيها مشاركة ما بين سينيكا وسارتر بل ويصح أن نقول إن سارتر إستخدم التراث المسرحي والعقيدي الروماني وهو عقيدة سينيكا ليُعالج الكثير من أطراف فلسفته الوجودية .. كما ولعبت رواقية شيشرون (107 – 43 ق.م) القريبة إلى الفيلسوف الرواقي سينيكا دوراً فاعلاً في تشكيل البيئة الثقافية الرومانية التي تلقى فيها سينيكا تعليمه بعد إن جاء إلى روما من أسبانيا . وبالمناسبة إن شيشرون كان من أبناء القرن الأول قبل الميلاد وقد ملآه شيشرون بكتاباته وخصوصاً كتاباته عن الفلسفة الرواقية وبالتحديد كتابه النقدي الذي حمل عنوان برادكس أوف ستوك فيلوسوفي وبالعربية تناقضات الفلسفة الرواقية [2].
 
   ومن المعلوم إن الفيلسوف الرواقي سينيكا ولد في نهاية القرن الأول قبل الميلاد وكان فيلسوف الرواقية في القرن الأول الميلادي . ونفترض إنه عرف مؤلفات شيشرون وخصوصاً كتابه تناقضات الرواقية ، حيث إن روما والعالم الروماني عامة كان مشغولاً بكتابات الشهيد شيشرون . والشاهد على ذلك إن شيشرون قاد حركة ثقافية عرفت بالنزعة الشيشرونية والتي قامت أولاً بنشر تراث شيشرون ومن ثم تجديد هذا التراث والدفاع عن شيشرون ضد خصومه السياسيين يومذاك . كما وبتوجيه سياسي تم تكليف مساعده والمدعو ماركوس تيليوس تيرو (توفي عام 4 ق.م وكان عبداً وحرره شيشرون وحمل الأسم الأول والثاني من إسم الفيلسوف) [3] بكتابة سيرته الذاتية ومن ثم قام بنشرها ومعها نشر تراثه الفلسفي والسياسي ورسائله وكل ذلك حدث بإشراف الجمهورية الرومانية … وهذا الإهتمام بشيشرون ونزعته الشيشرونية إمتد خلال القرون العشرين اللاحقة وحتى اليوم [4]. 
 
لوسيوس سينيكا : الكتابات الرواقية الروائية والمسرحية
 
    يُعد الفيلسوف الروماني الرواقي لوسيوس سينيكا ظاهرة فلسفية وأدبية متفردة في مضمار عملية الإنشاء في جنسي الكتابة الفلسفية والروائية – المسرحية بطرفيها التراجيدي والكوميدي . فقد كتب ما يُقارب العشرة تراجيديات وكوميديا واحدة ، وبث فيها الكثير من فكره الفلسفي الرواقي . وشيد بهذه المثابرة الشعرية المسرحية ، تجربة فلسفية رائدة في تاريخ المسرح والمسرح الروماني (اللاتيني) وتاريخ الفلسفة على حد سواء .
 
  صحيح كل الصحة إن الفيلسوف الشاعر الرواقي الروماني سينيكا قد إتخذ من المسرح اليوناني (وخصوصاً إسخيلوس (525 / 524 – 456 / 455 ق.م) وسوفوكليس (497 / 496 – 406 / 405) ويوربيديس (480 – 406 ق.م) ..) قاعدة وموديلاً ، أسس على هديهما آدبه المسرحي . فمثلاً إن سينيكا تبنى مسرحية أودبيوس وكييفها لصالح رواقيته من سوفوكلس . وتبنى إصول مسرحيته إجاممنون من أسخيلوس . أما معظم مسرحياته الباقية فقد تابع إصولها وموديلها من يوربيديس . إلا إنه إختلف عنهما في فكره الفلسفي والموضوعات الفلسفية التي تعرضت لها الفلسفة الرواقية ، وبذلك أضاف أملاحاً رواقية إلى نصوصه المسرحية ، منحتها مذاقاً فلسفياً جديداً إضافة إلى إسلوبه المسرحي الذي تميز به في معالجة المناخ المسرحي حين وضع شخصياته تتحرك في إطاره ومن ثم تواجه قدرها ونهاية تراجيديتها ..
 
  ولاحظنا فوق كل ذلك إن سينيكا في بعض قليل من مسرحياته ، لم يتابع إصولاً مسرحية يونانية في كتابة مسرحياته . ولهذا فإن هذا العدد القليل من المسرحيات تُعد روائع أصيلة أبدعها يراع الفيلسوف سينيكا بشخصه وهذه قضية سنشير إليها فيما بعد . وذهب عدد من  الباحثين الأكاديميين الغربيين إلى إن هناك أثاراً واضحة على إسلوب سينيكا في الكتابة المسرحية يصعد إلى كل من الشاعريين الرومانيين فيرجل (70 – 19 ق.م) [5] وأوفيد (43 ق.م – 17 أو 18 ميلادية) وخصوصاً مسرحية سينيكا التي حملت عنوان ميديا والتي نُرجح  إن بعض إصولها نزلت من شخصية ميديا الأوفيدية (نسبة إلى الشاعر الروماني أوفيد) [6] بالرغم من إن مصادر أوفيد ومصادر سينيكا هو الشاعر اليوناني يوربيدس .. وهنا سنخصص هذا المحور للحديث عن جنرا أو جنس أو أدب الرواية – المسرحية عند الفيلسوف الرواقي لوسيوس أنيس سينيكا . وستكون البداية التعريف بالروايات التي كتبها الفيلسوف سينيكا ، ومن ثم نتبعها بتحليل المضمون لكل واحدة منهما . وهنا نود من الناحية الميثديولوجية أن نصحح سوء فهم لف واحد من أهم المصادر التي كتبت عن ما يمكن أن نصطلح عليه الأدب المسرحي الفلسفي عند الفيلسوف الرواقي الروماني لوسيوس آنيس سينيكا . وهذا المصدر هو المدخل الذي كتبه الأستاذ أي . أف . وتلنك للكتاب الذي قام بترجمته وبعنوان أربعة تراجيديات وأوكتفيا [7].
 
  ونحن نسعى هنا ونتطلع إلى تصحيح العنوان ومن ثم نكشف عن سوء الفهم الذي لف التراث المسرحي التراجيدي للفيلسوف الرواقي سينيكا ، ونقترح عنواناً بديلاً ربما ينطبق أكثر على مثابرتنا الأكاديمية الحالية والتي دافعت وأكدت على إن مسرحية أوكتفيا هي جزء من تراث الفيلسوف الرواقي سينيكا المسرحي ، وهي فعلاً مسرحية كتبها سينيكا بريشته الخلاقة وليس غيره . وعنوانا الإفتراضي هو : سينيكا : تسعة تراجيديات وأوكتفيا (والأدق على أساس دفاعنا عن مسرحية أوكتفيا : سينيكا : عشرة تراجيديات رومانية) . وإذا إضفنا إليها كوميديا سينيكا التي حملت عنوان السانت (القديس) كلوديوس : اليقطين [8]، وهي كوميديا سياسية جريئة إستهدف بها القيصر الروماني كلوديوس (10 ق.م – 54 ميلادية) ، فإن العنوان الحالي يصبح عشرة تراجيديات وكوميديا السانت كلوديوس اليقطين  .
 
القسم الأول
 
مصادر لوسيوس سينيكا في كتابة مسرحياته
 
الفصل الأول
 
الشاعر اليوناني يوربيديس وأدبه المسرحي
 
     يُعد يوربيديس من كتاب التراجيديا الكلاسيكية في آثينا القلائل الذين ظل عدد من مسرحياته خالدة محفوظة . ومن الإنصاف التأكيد على إن يوربيديس شارك معاصريه كل من كاتب التراجيديا إسخليوس و كاتب التراجيديا سوفوكلس في بقاء أجزاء من تراثه المسرحي خالداً مع الإشارة إلى إن يوربيديس كان الأصغر سناً بينهما .  كما ولاحظنا إن يوربيديس كان معاصراً حتى لكاتب التراجيديا إيبورين (وهو إبن إسخليوس) حيث إن الأخير (إيبورين) فاز بالجائزة الأولى عام 431 ق.م في إحتفلات ديونسيا في آثينا . 
 
   كتب يوربيديس أكثر من تسعين مسرحية ونحسب إن أفكار يوربيديس في تراجيدياته الأخرى قد عبر منها الكثير إلى دائرة تفكير الفيلسوف الرواقي الروماني سينيكا . ولكل ذلك وجدنا من النافع أن نُعرف القارئ بشئ من سيرة يوربيدس وأعماله التراجيدية والتي نُرجح أن سينيكا كان له حظ ما بالإطلاع عليها وربما الكثير منها قد ترك أثراً ملحوظاً على حرفة كاتب الدراما الروماني سينيكا بصورة عامة فقد أجمع الأكاديميون الغربيون على إن يوربيديس وتراجيدياته كان لها وله حصة الأسد في الحضور ومن ثم التأثير على نصوص سينيكا المسرحية ، مقارنة بكل من إسخليوس وسوفوكلس . وبداية نقول إن يوربيديس هو شاعر مسرحي آثيني حيث ولد في عاصمة الثقافة والفلسفة آثينا ، وفي أجواءها تحول إلى واحد من أشهر كتاب الدراما في تاريخ الثقافة اليونانية الكلاسيكية . وكتب تسعين مسرحية ، وظل منها خالداً تسعة عشرة وبالطبع من خلال مخطوطاتها اليونانية [9].
 
   ولد يوربيديس في جزيرة سالاميس في عام 480 ق.م وكان أبويه كل من والدته كليتو (باللاتينية) أو كلايتون (باليونانية) ووالده مينساروش (بالاتينية) أو مينسارشس (بالإنكليزية) وكان مينساروش تاجراً صغيراً (بالمفرق) وكان يومها يعمل ويعيش مع عائلته في قرية قريبة إلى مدينة آثينا . ووفقاً لنبؤة الوحي ، فإنها توقعت بأن إن الولد يوربيديس سيفوز ” ويتوج بالنصر ” . وعلى أساس النبؤة ألح الوالد مينساروش على ولده ببدأ الدراسة والتدريب في مضمار الرياضة والرياضيين . إلا إن الولد يوربيديس إختار قدره المهني في المسرح . وفعلاً فقد فاز بخمسة إنتصارات وواحدة منها ربحها بعد موته [10]. ومن النافع أن نذكر ما دمنا نبحث في بدايات عمل يوربيديس المهني إلى إنه عمل في بداية حياته المهنية المبكرة ولفترة قصيرة راقصاً وحامل المشعل خلال الطقوس والشعائر الدينية التي تُقدم إلى الإله آبولو [11].
 
   أما إذا إنتقلنا إلى البرنامج التعليمي الذي خضع إليه الشاعر اليوناني يوربيديس في فتوته ، فإننا نلحظ إنه لم يكن مُقيداً ومحصوراً على الرياضة وحسب . وإنما تخطى كل ذلك وشمل الفنون وخصوصاً الرسم إضافة إلى الفلسفة . ونحسب إن الرسم في مفهومه العام سيُساعده على عمله المستقبلي أي المسرح الذي هو نوع من الرسم بالكلمات . ولاحظنا كذلك إنه درس الفلسفة على يد إثنين من مشاهير وأسياد الفلاسفة في عصره ، وهما كل من الفيلسوف اليوناني بروديكس الكيوسي (أو السيوسي باللاتينية) (حوالي 465 – 395 ق.م) وكانت سيوس أو كيوس جزيرة في بحر إيجة . وبروديكس بمنظار العديد من الباحثين الأكاديميين الغربيين ، كانت له مكانة في تاريخ الفلسفة اليونانية قبل سقراط ، حيث إن الفيلسوف بروديكس الكيوسي كان من بواكير الحركة السفسطائية بل ورائداً من روادها وهذه مسألة في غاية الأهمية تمكننا من معرفة حجم الأثار التي تركها بروديكس على الشاعر المسرحي اليوناني يوربيديس [12].
 
  أما الفيلسوف الثاني الذي درس الشاعر اليوناني يوربيدس الفلسفة على يديه ، فهو الفيلسوف اليوناني إنكساغوراس (حوالي 510 – 428 ق.م) وهو أول فيلسوف جلب الفلسفة إلى مدينة آثينا وفقاً لشهادة كل من بلوتارك (45 – 120 ميلادية) ومؤرخ الفلسفة اليونانية ديوجانس لارتيوس (إزدهر في النصف الأول من القرن الثالث الميلادي) . وفعلاً فإن  يوربيديس تأثر بإنكساغوراس وإكتسب منه روح الحماس إلى العلم والإنسانية [13]. وهكذا نحسب إن نزعتين فلسفيتين نزلتا إلى دائرة تفكير يوربيديس ومن خلال ذلك تركا أثراً أو كان لهما حضوراً بمنازل ودرجات متفاوتة في حبكة مسرحياته ، وهما كل من النزعة السفسطائية التي نزلت من الفيلسوف بروديكس الكيوسي والنزعة الطبيعية التي هبطت من الفيلسوف الطبيعي إنكساغوراس .
 
  كما لاحظنا إلى إن حياته الخاصة قد تركت أثاراً واضحة على عمله المسرحي وخصوصاً بعض مواقفه من المرأة والتي حملت بعض النقاد (كما بينا في نهاية هذه الفصل) إلى إتهامه بالنزعة الماسوجينية (النزعة المعادية للمرأة أو النظرة التي تحط من مكانتها) . ولعل الشاهد الخاص الذي أعتمد عليه النقاد (وبالطبع أغفل هؤلاء النقاد مواقف يوربيديس المضيئة من المرأة) ، هو إن يوربيديس عاش حياة زوجية عاصفة ، وكان حاصلها زواجه مرتين ؛ الأولى من ” ميليتا (بالاتينية) أو ملايت (الإنكليزية) ” . والثانية من ” سورينا (باللاتينية) أو شورين (بالإنكليزية) ” والأخيرة شورين قد ولدت له ثلاثة أولاد وكان يوربيديس ” يشُكُ بإخلاصهن ” ولهذا السبب إنفصل عن زوجته الثانية مثلما فعل مع زوجته الأولى وهجر بيت الزوجية ولعن الزواج ” وعاش في كهف وأصبح يُعرف هذا الكهف بكهف يوربيديس ” . وبعد موته تحول هذا الكهف إلى مقام طائفة حملت عنوان طائفة يوربيديس والتي شاعت وإنتشرت . كما إن يوربيديس في حياته أسس في هذا الكهف مكتبة واسعة وأخذ يقود فيها تجمع من أتباعه وبالتحديد في المنطقة المواجهة إلى البحر والمنفتحة إلى السماء [14].
 
   صحيح إن يوربيديس كان معاصراً لكل من كبار كُتاب المسرح ، وهم إسخليوس وسوفوكلس . كما ومن الصحيح القول إنه دخل المسابقات معهم . إلا إن يوربيديس كان أصغر سناً منهما وعلى هذا الأساس يصبح حديث نقاد المسرح الغربيين ، له الكثير من الصحة وذلك من طرف إن مسرحياته حملت طبعات مميزة ، فيها إختلاف واضح عن مسرحيات كل من إسخليوس ومسرحيات سوفوكلس . ويُرجحون إلى إن هذا الإختلاف فيه علامات فارقة تتحدث عما يُسمى بالفجوة الحضارية بين أجيال من كُتاب المسرح اليوناني . يُضاف إلى كل ذلك إن يوربيديس عاش وكتب في عصر النهضة الفلسفية السفسطائية ، والتي فرضت هيمنتها عصر يوربيديس ، وهو العصر الذي شغل العقود الوسطى من القرن الخامس قبل الميلاد . ومن ثم عقد نقاد المسرح الأثيني مقارنة بين كل من إسخليوس وسوفوكلس ويوربيديس ، وذهبوا إلى إسخليوس كان مشدوداً بقوة إلى الماضي . في حين إن سوفوكلس كان يعيش ويكتب في مرحلة تحول . وإن الوحيد من بينهم كان يوربيديس الذي تشرب بصورة تامة الروح الجديدة للعصر الكلاسيكي [15]. 
 
   وبالرغم من إن يوربيديس كان واحداً من أكبر ثلاثة كتاب وشعراء الدراما اليونانية ، وهم كل من إسخليوس و سوفوكلس وبالطبع يوربيديس . فقد كان يوربيديس الحبة الأخيرة من عنقود عنب المسرح التراجيدي اليوناني ، فإنه كان الأكثر تأثيراً بينهم . كما ولاحظنا ومن خلال المتداول والشائع بين صفوف الأكاديميين الغربيين ، هو إن معظم تراجيدياته كانت إعادة إنتاج إلى الأساطير اليونانية القديمة ، وفيها ألقى الضوء على الأطراف المعتمة من الطبيعة الإنسانية . وكان  يوربيديس مثل كل كُتاب الدراما اليونان ، يتنافس ويدخل المسابقات في الإحتفالات الأثينية ، ويحصد الجوائز ورموز التشريف في إحتفالات الإله ديونسيوس . والحقيقة هو أول من دخل هذه الإحتفالات عام 455 ق.م وربح أول جائزة له عام 441 وهي واحدة من أربعة جوائز ربحها في هذه الإحتفالات ولكن تراجيدياته ظلت تحصد الجوائز بعد وفاته كما سنبين ذلك لاحقاً [16].
 
   وكان الحاصل من ذلك إن إسم يوربيديس إقترن مع أسماء فلاسفة اليونان الكبار في القرن الخامس قبل الميلاد ومن أمثال سقراط (470 / 469 – 399 ق.م) و بروتاغوراس (487 – 420 ق.م) و إنكساغوراس (500 – 438 ق.م) . وحقق يوربيديس له بفعل ذلك ، شخصية كبيرة ومستقلة حرة [17].. وفي عام 408 ق.م غادر يوربيديس مدينته آثينا وذهب للعيش والكتابة في مقدونيا بدعوة من الملك المقدوني آرخليوس الأول والذي حكم من سنة 413 وحتى سنة 399 ق. م  ولم يعود إلى آثينا ومات في مقدونيا . ولاحظنا إن هناك عدداً من الباحثين من يحتمل إلى إن يوربيديس إختار مقدونيا منفى إختياري له في شيخوخته ومات فيها [18]. وحديثاً أثار عدد من كتاب السير الكثير من الشكوك حول آراء القدماء من كتاب سيرة يوربيديس ، وإحتملوا إلى إن ” يوربيديس لم يزور مقدونيا على الإطلاق ” [19]. بل وهناك من يجادل ويرى إذا هذه الزيارة قد حدثت فعلاً ، فإنهم يعتقدون بأن الدافع وراءها ” هو تشجيع الملك المقدوني أورخليوس الأول ” والتي سبق إن عرضها على عدد من الفنانين والأدباء الآخرين [20].
 
  وتعود أهمية الشاعر الملحمي يوربيديس إلى الفيلسوف الرواقي والشاعر الملحمي الروماني (اللاتيني) سينيكا ، هو إن يوربيديس تحول في الفترة الهيلينستية إلى مدرسة كلاسيكية من طرف . ومن طرف ثان إن سينيكا تبنى أعمال يوربيديس المسرحية وقدمها إلى المشاهد الروماني وبلغته اللاتينية . ونحسبُ بهذا الفعل الذي قام به سينيكا ، قد قلب المعادلة القديمة التي كانت سائدة في تاريخ المسرح اليوناني وإنتزع مركزه من مسرح إسخليوس وسوفوكلس ووضعه في مسرح يوربيديس . ولهذا صح الرأي الذي يذهب إلى إن ” يوربيديس وليس إسخليوس ولا سوفوكلس أصبح سيد المتعة التراجيدية ، كما وكان يوربيديس هو السبب وراء إعادة ولادة التراجيديا في عصر النهضة الأوربية ” [21].
 
  والحقيقة إن يوربيديس بحد ذاته أصبح مشكلة وظل مشكلة عبر العصور ومنذ إن أنتج على خشبة المسرح أولى مسرحياته . ولذلك حصل على العديد من الألقاب من مثل : يوربيديس شاعر التنوير اليوناني وكذلك يوربيديس (ومسرح = منا) اللامعقول . كما كان يُنظر إليه على أنه شاعر مسكون بنزعة شكية دينية إلا إنه لم يكن هرطقياً (مُلحداً) من طرف . وإنه من طرف آخر مؤمن بالنعمة الإلهية وعدالة التدبير الإلهي . وكان يُنظر إليه من طرف ثالث على إنه شاعر يتطلع إلى إستكشاف أسرار النفس الإنسانية وصاحب خطاب شعري فيه هامش من التوافق بين ما هو شخصي وبين ما هو من نتائج الفعل . وهو فوق كل ذلك كان شاعر تتجاذبه نزعات متناقضة ؛ فهو مثلاً شاعر صاحب نظرات ماسوجينية (نظرات تسفيل لمكانة المرأة) من جهة ومن جهة مقابلة فهو شاعر فيمنستي (مناصر للمرأة وحقوقها) . وهو شاعر واقعي ولذلك نقل الفعل التراجيدي إلى مستوى الحياة اليومية . في حين إنه من زاوية نظر آخرى شاعر رومانتكي وذلك من طرف إنتخابه الأساطير غير المألوفة وغير الإعتيادية وفضل التعامل مع الأجواء المسرحية الغريبة [22].
 
  كما وكانت المسرحيات التي كتبها يوربيديس بمفهوم الجمهور الواسع ما هي  ” إلا مقاطع من  أناشيد وطنية تمجد آثينا وتعاضدها في الحرب ضد إسبارطة وغيرها من القوى الأخرى ” . في حين كان عدد ملحوظ آخر يرى فيها نزعات ضد الحرب . بل وتعدى نفر آخر ذلك ، وذهبوا بعيداً بعض الشئ ، حيث صرحوا بأنهم وجدوا فيها نصوص معارضة للنزعة الأمبريالية الأثينية . وكل هذا حقق للشاعر المسرحي اليوناني يوربيديس إعترافاً بأنه ” كان مُبلغاً ومبشراً بنمط جديد من الكوميديا ” . بل ولاحظنا إنه حتى الفيلسوف اليوناني آرسطو فقد وصف يوربيديس في رائعته التي حملت عنوان في الشعر ، إلى إنه كان ” من أغلب الشعراء تراجيدية ” [23]، وعلى حد تعبير برنارد نوكس ، ” فإن لا واحد من هذه الأوصاف  هي محض أكاذيب على الإطلاق ” [24].  
 
 أهم مسرحيات يوربيديس التراجيدية :
 
    من الصحيح جداً القول مرة ثانية إلى إن جهابذة المسرح اليوناني الثلاثة (إسخليوس ، سوفوكليس ويوربيديس) قد تركوا أثاراً واضحة على المسرح الروماني . كما كان لهم حضوراً قوياً في مسرحيات الفيلسوف الروماني سينيكا الشاب . إلا إن مثل هذا الكلام هو خطاب عام تعوزه الدقة والتخصيص . ونحسبُ إن الصحيح هو القول إن يوربيديس وتراجيدياته هي التي مارست دوراً أكثر تأثيراً بل وهيمنة مقارنة بعل تأثير مسرحيات آسخليوس وسوفوكليس .  ولهذا نظن إن المنهج التاريخي هنا غير نافع في معرفة حجم ووزن التأثير الذي تركه كل من يوربيديس وإسخليوس وسوفوكليس . وخلافاً لنهجنا فإنه بالتأكيد يقف المنهج التاريخي بقو وسلطة لا تقاوم وذلك لأن كل من إسخليوس وهو الأكبر سناً وهو شيخ المسرح اللأثيني ، ومن ثم سوفوكليس وبالطبع يأتي فتى المسرح الأثيني يوربيديس . إلا إننا هنا معنيون برصد حجم الأثر والسلطة المعرفية على عموم تراث الفيلسوف الروماني والكاتب المسرحي القرطبي الأسباني سينيكا وهذا الحال هو الذي يمنح منهج التحليل ومعرفة آوزان التأثير تحملنا على تعطيل المنهج التاريخي في هذه الجزئية فقط .
 
  فعلاً ومن خلال عملية مسح إستقرائية لنصوص الفيلسوف سينيكا المسرحية وجدنا إن حضور مسرحيات يوربيديس كان لها مكانة الأسد ، وفرضت هيمنتها وسادت روحاً وأضافت ملحاً مسرحياً على مسرحيات إسخليوس ومن بعده على مسرحيات سوفوكلس .
 
   ولهذ الحال نحسب إن منهجية هذا البحث قد تخطت وتجاوزت المنهج التاريخي ، وإلتزمت بمنهج تحليل وإستقراء يُحدد حجم الأثر وسلطته المعرفية ولذلك بدأت بالشاعر اليوناني يوربيديس مصدراً معرفياً متسلطاً في قراءات وإستلهام وفعل تكييف قام به الفيلسوف سينيكا ، ومن ثم تأتي ألأوزان المؤثرة لكل من إسخليوس وسوفوكليس بالرغم من إننا عارفون علم اليقين بأن يوربيديس إستلهم الكثير الكثير من تراث سوفوكليس أولاً وإسخليوس ثانياً والشواهد كثيرة منها :
 
أولاً – مسرحية (تراجيديا – كوميديا) ألسيتيس وهي شكل يوناني قديم . وفعلاً فقد تخلى  الرومان عن هذا الجنس من المسرح . وهي من مسرحيات يوربيديس الأولى وقد أنتجها أولاً في إحتفالات مدينة ديونسيا في عام 438 ق.م وفازت بالجائزة الثانية . وهي مسرحية ذات إشكالية أو هي كما قيل ” مسرحية مُشكلة ” ولذلك أطلق هذا العنوان على يوربيديس كذلك حيث إن المسرحية أما تراجيديا أو كوميديا . وفي حال هذه المسرحية وكاتبها يوربيديس إنه مزج في مسرحية واحدة التراجيديا والكوميديا في وقت واحد وعلى حد سواء وهذا التركيب جعل من هوية المسرحية أن تكون تراجيديا – كوميديا [25].
 
ثانياً – مسرحية ميديا وهي تراجيديا قديمة كتبها يوربيديس على أساس إسطورة جيسون وميديا . وأنتجها لأول مرة عام 431 ق.م  وفازت بالجائزة الثالثة[26].
 
ثالثاً – تراجيديا أطفال هيركليز وهي تراجيديا أثينية كتبها يوربيدس وتم تمثيلها لأول مرة حوالي عام 430 ق.م . وهي مسرحية تتابع أطفال هيركليز وهم يبحثون عن ملجأ آمن لهم ملك تيرنر القوي الغاشم يورثيس . وهذه المسرحية هي واحدة من أثنين من تراجيديات يوربيديس الخالدات . وأطفال هيركليدز هي دراما سياسية وطنية [27].
 
رابعاً – مسرحية هيبوليتوس وهي تراجيديا كتبها يوربيديس على أساس إسطورة هيبوليتوس ، وهو إبن الملك الأثيني الإسطوري ثيسيوس . والمسرحية تم تمثيلها لأول مرة في عام 428 ق.م وفي مدينة ديونسيا الأثينية ، وفازت بالجائزة الأولى وهي جزء من ثلاثية . واليوم تُعد واحدة من مسرحيات يوربيديس الضائعة [28].
 
خامساً – مسرحية إندروماش أو إندرومكي وهي تراجيديا آثينية . وتحكي قصة إندروماش زوجة الأمير الطروادي هيكتر والتي أصبحت من العبيد بعد سقوط طروادة وهي بنت مقاتل طروادي لشجاع . وتاريخ تمثيلها غير معروف إلا إن الأكاديميين الغربيين يرجحون إلى تمثيلها على خشبة المسرح كان ما بين عام 428 و425 ق.م . أما المدرسيون البيزنطيون فيذهبون إلى إنتاجها مسرحياً حدث لأول مرة خارج أثينا . بينما الأكاديميون الغربيون المحدثون يثيرون الشكوك حول كل ما قيل [29].
 
سادساً – مسرحية هيكوبا وهي تراجيديا كتبها يوربيديس عام 424 ق.م وتم تمثيلها مسرحياً بعد الحرب الطروادية . ولكن قبل أن يُغادر اليونانيون طروادة . ويبدو في هذه الفترة ذاتها تم تمثيل مسرحية يوربيديس نساء طرواديات . والشخصية الرئيسية في المسرحية هي هيكوبا زوجة الملك بريم ملك طروادة خلال الحرب الطروادية . والمسرحية تصف حال ملكة سابقة ولمملكة سقطت وتصف حزنها على موت بنتها الشابة بوليكسينا وعزمها على الإنتقام لمقتل ولدها الشاب بوليدورس [30].
 
سابعاً – مسرحية المتوسلات أو نساء متوسلات وفي عنوان آخر ” العوانس المتوسلات ” . كما إن مضمون التراجيديا يقترح عنواناً موافقاً للنص ، وهو الإمهات الشافعات وهي دراما وطنية سياسية . وأنجزها يوربيدس مسرحياً عام 423 وهي مسرحية يونانية قديمة . وتذهب قصة المسرحية إلى إن أثيرا وهي أم الملك الأثيني ثسيوس وصلت أمام مذبح الإله ديميتر وبرفقتها عدد من نساء أركوس واللائي قُتل أولادهن في معركة خارج أبواب مدينة طيبيا . وسبب توسل النساء هو إن كراين أصدر قراراً طالب فيه بترك جثث الموتى في العراء ومنع من دفنها . وثسيوس من طرفه رفض السماح للنساء المتوسلات من رؤية جثث أولادهن بسبب تعفنها . ووعدهن بإستلام رماد جثث الموتى … وفي النهاية عبر النساء عن إمتنانهن من مساعدة الملك ثسيوس ومن ثم غادرن المدينة [31].
 
ثامناً – إلكترا وهي مسرحية كتبها يوربيديس في أواسط السنوات العشرة الأولى من القرن الخامس قبل الميلاد (410 ق.م) . وربما كتبها قبل عام 413 ق.م . وهناك عدم وضوح يدثر حقيقة هذه المسرحية وظلت الأسئلة تدور في أذهان الأكاديميين الغربيين ومن مثل ؛ هل إن يوربيديس أنتجها لأول مرة قبل أو بعد مسرحية إلكترا التي كتبها سوفوكلس ؟ وفعلاً فإن المسرحية قبل أن تبدأ وبالتحديد في بداية الحرب الطروادية ، قام الجنرال اليوناني إجاممنون بتقديم إبنة كليمنسترا وإبنته إيفيجينا قُرباناً – ضحية وذلك لإسترضاء الإلهة أرتميس[32] وهناك إعتقاد  بأن أرتميس هي أخت الإله ديميتر وهي تقابل عند الرومان الإلهة ديانا [33]. إلا إن فعل إجاممنون سبب معاناة كبيرة لزوجته كليمنسترا من طرف ، وسهل للجيش اليوناني من الإبحار إلى طروادة . وبعد عشرة سنوات من غياب إجاممنون ومشاركته في الحرب ، عاد وكان في إنتظاره زوجته كليمنسترا وعشيقها إيجيسثوس فقتلا إجاممنون . ومن ثم إلكترا وأخيها أروست قتلا أمهما كليمنسترا .. وجنس هذه المسرحية مزيج من الإسطورة التقليدية وأنواع متعددة من الدراما [34].
 
تاسعاً – مسرحية هيركليز وتعرف كذلك بعنوان جنون هيركليز . وهي تراجيديا آثينية . وفعلاً فقد تم تمثيلها على المسرح لأول مرة وفي إحتفالات مدينة ديونسيا في عام 416 ق.م [35]. كما وسيرد الحديث عنها في هذا البحث لاحقاً وعند الكلام عن تراجيديا أودبيوس عند الفيلسوف الرواقي سينيكا . 
 
عاشراً – مسرحية الطرواديات أو النساء الطرواديات وهي تراجيديا كتبها يوربيديس وأنتجها مسرحياً في عام 415 وبالتحديد خلال الحرب البولبونزية والتي حدثت للفترة من سنة 431 ق.م وإمتدت حتى سنة 404 ق.م . وبالمناسبة إن هذه المسرحية فازت بالجائزة الثانية . وهذه المسرحية شرحت إحتلال جزيرة ميلوس اليونانية والتي تقع على بحر إيجة . ومسرحية النساء الطرواديات هي التراجيديا الثالثة من هذه الثلاثية المسرحية والتي عالجت الحرب الطروادية [36]. أما المسرحية الأولى فكانت بعنوان الكسندروس ودارت حول الإعتراف بالأمير الطروادي باريس والذي ضيعه والديه حين كان رضيعاً ومن ثم تم إكتشافه وهو رجلاً . بينما كانت التراجيديا الثانية بعنوان بلميدز وهي معالجة مسرحية للمعاملة السيئة التي قام بها اليونان لأتباعهم البلميدز اليونان . وهذه الثلاثية شارك فيها يوربيديس في إحتفلات ديونسيا ، وفاز بها يوربيديس بالجائزة الثانية [37]. في حين حصل على الجائزة الأولى كاتب التراجيديا سينكلس وهو شاعر يلفه الكثير من الغموض وذلك لأن هناك إثنين من الشعراء الأثينيين الذين يحملون هذا الأسم وواحد منهم هو سينكلس الكبير والأخر هو سينكلس الصغير . وإن سينكلس الكبير هو الذي كتب مسرحية حول أودبيوس . وهذا كل ما نعرفه عن شخصيته وشعره المسرحي [38].
 
أحد عشر – مسرحية إيفجينيا في توريس وهي دراما رومانتيكية ثلاثية كتبها الشاعر المسرحي اليوناني يوربيديس ما بين عامي 414 و412 ق.م . ويظهر إن هناك الكثير من الإشتراك بينها وبين مسرحيتيه كل من هيلين والتي أنتجها مسرحياً أولاً في إحتفالات مدينة ديونسيا وبالتحديد في عام 412 ق.م ، ومسرحيته الضائعة والتي حملت عنوان إندروميديا . وربما مسرحية إندروميديا هي من أول هذه المسرحيات تم تمثيلها على خشبة المسرح . وهي تحكي قضة رجل شاب يسقط في حب إمرأة [39]. وبالرغم من ضياع مسرحية إندروميديا فقد بقيت بعض المقاطع محفوظة ، كما وأشارت إليها بعض المصادر القديمة . فمثلاً جاءت العديد من الإشارات إليها في مسرحيات الأثيني آرسطوفان (حوالي 446 – 386 ق.م) وهو سيد الكوميديا القديمة [40]. وبالطبع شاعر الدراما اليوناني ميندر (342 / 341 – 290 ق.م) هو سيد الكوميديا الحديثة ، وهو مؤلف لأكثر من مئة كوميديا وحصد جوائز عديدة ، منها ثمانية مرات فاز بجوائز في إحتفالات لينيا في مدينة آثينا ، ولكن لا يوجد له ذكر في سجلات إحتفالات مدينة ديونسيا [41].
 
إثنتا عشر – مسرحية اليتيم أياون وهي دراما رومانتيكية ويُعتقد بأن يوربيديس كتبها ما بين عام 414 ق.م وعام 412 ق.م وهي تدور حول قصة الطفل اليتيم أياون الذي يبحث عن إصوله بعد إن كان ضحية قدره الذي رسمه الإله أبولو وإمه كروازا والتي إختلى بها الإله أبولو وحملت بالطفل أياون وهي قصة أخفتها كروازا وخوفاً من الفضيحة فإنها تخلت عنه في الكهف ، إلا إن للإله أبولو خطته مع الطفل أياون وتركه لإكتشاف الحقيقة بنفسه بعدما ذهب إلى أثينا . وإن شهادة الألهة أقنعوا أياون بأنه إبن الإله آبولو وإن إمه كروزا . وإن آثينا من طرفها أخبرتهم بعدم إخبار إكسوثوس زوج كروزا بأي شئ وحمله على الإعتقاد بأن أياون هو ولده الحقيقي . وإن المسرحية هي دراما بحث أياون عن إصوله الحقيقية ومن ثم في النهاية إكتشافه لها [42].
 
ثلاثة عشر – مسرحية هيلين و دراما رومانتيكية وتدور حول شخصية هيلين الطروادية أو هيلين الإسبارطية [43]. وهي دراما كتبها يوربيديس وأنتجها مسرحياً في إحتفالات مدينة ديونسيا ، وبالتحديد في عام 412 ق.م . وهي ثلاثية ضمت معها مسرحية يوربيديس الضائعة والتي كانت بعنوان إندرومكي أو إندروماش . ومسرحية هيلين من طرف موضوعها تشارك فيه عمل مسرحي آخر ، كتبه يوربيديس ويحمل عنوان إيفيجينيا في أوليس . ودراما هيلين كُتبت بعد الإستعراض العسكري الأثيني في مدينة سيسلي (صقلية بالعربية) والذي حدث للفترة ما بين 415 ق.م و 413 ق.م وتحديداً خلال الحرب البلوبونيزية [44].
 
  ومن الزاوية التاريخية فإن مسرحية هيلين كُتبت في الفترة التي كانت تُعاني فيها مدينة آثينا من هزيمة كبيرة . وهي بالطبع حملت السفسطائيين [45]على الجدل وإثارة الأسئلة حول القيم التقليدية والعقائد الدينية . وفي ظل هذه الأجواء الثقافية كتب يوربيديس هذه المسرحية ، ومن ثم ذهب إلى إن الحروب هي جذور كل الشرور [46]. وحسب الميثالوجيا اليونانية فإن هيلن هي بنت الإله زيوس وأمها ليديا . وهيلن هي من أجمل نساء العالم ومن خلال زواجها من الملك ميلاوس أصبحت ملكة لاكونيا (محافظة في يونان هوميروس) ومن ثم إختطفها باريس أمير طروادة .. [47].
 
   والحقيقة إن هناك جدلاً بين الأكاديميين الغربيين ، سببه إشكال كبير في مسرحية هيلن ، ويصعد إلى مصدر قديم وله سلطة معرفية . وهذا المصدر هو المؤرخ اليوناني هيرودتس حيث كان يجادل قبل مسرحية هيلن بحدود ثلاثين سنة وفي كتابه المشهور التواريخ [48]، ويذهب إلى إن هلين ” لم تصل إلى طروادة على الإطلاق . إلا إنها كانت في مصر وخلال فترة الحرب الطروادية كاملة . ومن الملاحظ إن مسرحية هيلن تكلمت عن صور مختلفة من قصة هيلن ؛ منها إنها بدلاً من الذهاب مع باريس إلى طروادة ، فإن الألهة في الواقع قادتها إلى  مصر . ومنها إن هيلن هربت مع باريس وخانت زوجها وتنكرت لبلدها .. ومنها إن هلين فتحت باب صراع إستمر سنوات عشر .. ومنها إن باريس وعد هلين أجمل إمرأة في العالم بإسم الإلهة إفروديت (إلهة الحب والجمال والشهوة ..) [49]ولذلك وازن بين عدالة إفروديت مقارنة بأفعال الإلهات كل من أثينا (إلهة الحكمة والشجاعة والإلهام والعدل والقانون ..)[50] والإلهة حيرا (إلهة النساء والزواج ..) وترتب على ذلك إن الإلهة حيرا[51] أمرت هيرمس (وهو إبن رب الأرباب زيوس .. وبالطبع هيرمس هو رسول الألهة ويتوسط بين عالم الأموات والعالم الإلهي ..)[52] أن يُغير مكانة هلين . وفعلاً فإن هلين إختفت في مصر لسنيين . بينما أخذ اليونانيون والطرواديون يلعنون هلين لأنهم تصوروا إنها مجرد زانية . والطرف الآخر من قصة هلين يحكي أطراف حياتها في مصر ، حيث إن الملك المصري بروتيوس وفر حماية إلى هلين ، إلا إنه توفي ومن ثم أصبح ولده ثيوكليمنيوس ملكاً جديداً ، وكان صاحب نزعة معادية إلى اليونان ويميل إلى قتلهم ، ويتطلع إلى الزواج من هلين . غير إن هلين بعد كل هذه السنيين ظلت آمينة لزوجها مينلاوس ومحافظة على إخلاصها له [53].  
 
رابعة عشر – تراجيديا النساء الفينيقيات وكتبها يوربيديس[54] إعتماداً على القصة ذاتها التي كتبها إسخليوس والتي حملت عنوان ” سبعة ضد طيبيا ” [55] وهي المسرحية الثالثة من ثلاثية إسخليوس التي حملت عنوان أودبيوس والتي كتبها عام 467 ق.م وحصلت على الجائزة الأولى في إحتفالات مدينة ديونسيا . وإن المسرحيتين الأوليتين وهما مسرحية لايوس ومسرحية أوديب إضافة إلى كوميديا سيفنك (أبو الهول) فإن لاوجود لها [56].
 
  وعنوان النساء الفينيقيات هو إشارة إلى الكورس اليوناني أي مجموعة المنشدات وهو في الحقيقة تكون من النساء الفينيقيات اللائي كن في طريقهن إلى معبد دلفى . إلا إنهن وقعن في حصار طيبيا بسبب الحرب . والواقع إن هذه المسرحية لا تشبه مسرحيات يوربيديس الأخرى ؛ فالكورس لم يلعب دوراً مهماً في حبكة المسرحية . وإنما كان يمثل مجموعة ناس أبرياء ومحايدون ، وجدوا أنفسهم في مواقف الحرب . وبالطبع إن موضوع المسرحية (الثيما) الأساس هو المشاعر الوطنية والتي كانت مهيمنة وأكثر أهمية في حكاية المسرحية . والأمثلة على ذلك كثيرة منها إن بولوتيكوس (وهو إبن أودبيوس) كان يتكلم بفخر عن حبه لمدينة طيبيا بالرغم من إنه جلب معه جيشاً جراراً لتدميرها . وكراين مثلاً آخر فقد أجبر على الإختيار الصعب بين إنقاذ المدينة وإنقاذ حياة ولده . ومن الثابت تاريخياً إن يوربيديس كتب هذه المسرحية حوالي عام 408 أي قبل وفاته بسنتين وبتأثير هزيمة بلده آثينا والتي كانت بالطبع حاصل هزيمة عسكرية كبيرة [57].
 
    ولاحظنا إن نص هذه المسرحية على حد عدد من الأكاديميين الغربيين ، كان نصاً فقيراً ، ولذلك ذهب البعض منهم إلى الإعتقاد بأن المسرحية كاملة تعود إسلوب الفترة التي جاءت بعد يوربيديس (أو مابعد اليوربيديسية) وهذا جاء من ملاحظتهم إلى سيطرة إسلوب يوربيديس المتأخر . وفعلاً هذا ما لاحظه البروفسور دونالد ج . ماستروندا وهو أستاذ الكلاسيكيات في جامعة كليفورنيا – براكلي [58].
 
خامسة عشر – تراجيديا أورستس وهي مسرحية أنتجها يوربيديس على خشبة المسرح سنة 408 ق.م . وهي تتابع الأحداث التي عاشها بطلها أورستس بعد قتله لأمه (وهو إبن كل من إجاممنون وكليمنسترا) [59]. وعلى أساس نصيحة تلقاها أورستس من الإله جوبيتر قام بقتل إمه  كليمنسترا وذلك لقتلها والده إجاممنون . وإدعت إلكترا (أخت أورستس) بأن أخيها مجنون في حين إن السياسيين كانوا يتطلعون إلى إنزال عقوبة الإعدام بحقه . إلا إن آمل أورستس الوحيد لإنقاذ حياته ، هو الإتكال على عمه ميلاوس ملك ميسينيا (إسبرطا) وزوج هلين الطروادية والذي عاد بعد سنوات من طروادة وبضع سنوات من الحياة المترفة في مصر .
 
  ولاحظ الأكاديميون الغربيون إن مصادر هذه المسرحية جاءت أحداثها بعد حوادث وردت في مسرحيات من مثل إلكترا التي كتبها يوربيديس بقلمه . وكذلك جاءت من مسرحية إسخيلوس والتي حملت عنوان أورستيا وكذلك لها علاقة بأحداث مسرحية يوربيديس التي حملت عنوان إندروماش والتي أنتجها يوربيديس مسرحياً ما بين 428 و425 ق.م [60].    
 
سادسة عشر – تراجيديا الباكاي أو الباكوسيات وتم تمثيلها سنة 405 ق.م وعلى مسرح ديونسيوس وبعد سنة واحدة من موت الشاعر اليوناني يوربيديس وفازت بالجائزة الأولى [61]. وهذه المسرحية هي واحدة من ثلاثية وكانت تضم إليها كل من تراجيديا إيفيجينيا في أوليس وألسمون في كورنثيا . وتراجيديا ألسمون في كورنيثيا ضاعت ولم تبقى منها سوى فقرات . ومن ثم قام الكاتب المسرحي الإيرلندي المعاصر كولن تيفن (ولد سنة 1968 – حياً) بإعادة تركيبها عام 2005 [62]. وبالمناسبة إن الباكاي وكذلك الباكوسيات هم مجموعة من أتباع الديانة اليونانية الديونسيوسية (أتباع ديونسيوس) [63]. وكتبها يوربيديس في سنواته الآخيرة حيث يومها كان يعيش في مقدونيا ، وفي بلاط الملك المقدوني آرخليوس الأول (والذي إستمر حكمه للفترة من 413 ق.م وحتى 399 ق.م [64].
 
سابعة عشر – تراجيديا إيفيجينيا في أوليس وهذه المسرحية تُرجمت العديد من المرات ومن ضمنها إلى اللغة اللاتينية (ولذلك نحسب إنها توفرت للفيلسوف الروماني باللغتين اليونانية واللاتينية وهي لغته الأم وبوزن اللغة اليونانية) . وكتبها يوربيديس ما بين عام 408 ق.م وبعد مسرحية أورستس وعام 406 ق.م وهي السنة التي مات فيها يوربيديس . وأنتجت تراجيديا إيفيجينيا في أوليس مسرحياً في السنة التي تلت موت يوربيديس وهناك رأي يذهب إلى إن إبنه (أو إبن إخيه أو إخته) يوربيديس الصغير هو الذي أعدها إلى المسرح وفازت بالدرجة الأولى في إحتفالات مدينة ديونسيا الآثينية [65].
 
  وتدور المسرحية حول شخصية إجاممنون وهو قائد التحالف اليوناني قبل وخلال الحرب الطروادية ، وقراره بتقديم إبنته إيفيجينيا قربان إسترضاء إلى الإلهة آرتيمس وذلك لتسمح لقوات الجيش بالإبحار بسلام وشرف حتى تذهب للقتال ضد طروادة . وهناك كما يبدو نوعاً من  التشابه في صراع إجاممنون في تراجيديا إيفيجينيا في أوليس والصراع بين إجاممنون وآخيل والذي كان يدور كذلك حول مصير إمرآة شابة تم نذرها قرباناً ، وهو الصراع بين الأثنين في بداية الإلياذة التي كتبها هوميروس [66]. وبالتحديد في تصوير يوربيديس للشخصيات الرئيسية حيث غالباً ما يستعمل المفارقة التراجيدية من أجل التأثير الدرامي [67].
 
ثامنة عشر – تراجيديا رسوس[68] وهي تراجيديا آثينية كتبها أو أنتجها يوربيديس حوال عام 445 ق.م حسب التاريخ الذي وضعه المترجم على غلاف التراجيديا [69]. ويجري الحديث عن هذه المسرحية في دوائر الغرب الثقافية وخصوصاً المعنية بمسرح يوربيديس ، إلى إنها تنتمي إلى فترة التحولات التي حدثت على مسرحيات يوربيديس ولذلك فإن نسبتها إلى يوربيديس هي موضوع جدل مستمر وحالها مثلما كان حالها في الماضي حيث لم يُحسم الجدل حول حقيقة مؤلفها الأصلي  [70].
 
   ويصعد تاريخ الجدل حول حقيقة مؤلف هذه المسرحية تقريباً إلى القرن السابع عشر وبالتحديد مع رجل الدين الإيطالي والباحث الأكاديمي جوزيف يوستس إسكاليه (1540 – 1609)[71] الذي تحدى نسبة هذه المسرحية إلى يوربيديس ومن ثم تابعه عدد من الأكاديميين . وكان تحديه ينهض على العديد من الأسس ، منها أسس جمالية . ومنها أسس الغرابة حيث تداولت المسرحية مفردات غريبة . ومنها أسس الإسلوب والتقنيات [72].
 
تاسعة عشر – تراجيديا سيكلوبس أو العملاق[73] وحالها حال مسرحية يوربيديس الأولى حيث عاد يوربيديس إلى مزج الترجيديا بعناصر كوميدية وهو شكل تخلى عنه لفترة بعيدة . وإن هذه العودة إلى الإسلوب القديم تثير الكثير من الأسئلة حول تاريخ تأليف هذه المسرحية ومعروف إن تاريخ كتابة هذه المسرحية غير معروف . ونحن نُرجح إنها من النصوص القديمة التي كتبها في مرحلة متقدمة وتركها في حينها جانباً .
 
  ولاحظنا إن المترجم الإنكليزي لمسرحية سيكلوبس أو العملاق ، السيد جورج ثيودوريدس يقترح تاريخ تمثيلها هو عام 428 ق.م وفعلاً فقد وضع ذلك على غلاف المسرحية [74]. ومن المعروف تاريخياً إن يوربيديس مات سنة 406 ق.م ، فهذا مؤشر يدلل على إنه كتبها ومن ثم تم تمثيلها قبل موته بإثنتين وعشرين سنة هذا طرف . ومن طرف مقارنة تاريخها مع تاريخ مسرحيته الأولى ألسيتس (وبالطبع إن جنسها الأدبي مشابه تماماً إلى جنس مسرحية سيكلوبس) وكتب ألسيتس عام 438 ق.م . فهذا يدلل على إن يوربيديس كتب مسرحية سيكلوبس بعد عشر سنوات من مسرحيته أليستس . وعلى أساس منهج المقارنة التاريخي ، نحسب إنه إنتج سيكلوبس مسرحياً في الفترة ذاتها التي كتب وأنتج مسرحياً تراجيديته الرابعة والتي حملت عنوان هيبوليتوس أي عام 428 ق.م .
 
  ويبدو إن يوربيديس لم يُكمل نص مسرحية سيكلوبس بصورة كاملة وتركها ناقصة ، وإن القسم الوحيد الذي ظل محفوظاً وخالداً ، هو الجزء الكوميدي من المسرحية ويبدو إن الجزء التراجيدي لم يكمله أو إنه ضاع لأسباب شتى . وعلى النص الكوميدي الباقي يُرجح الأكاديميون الغربيون إن إصوله أو ربما تفاصيل قصته مشابهة لتفاصيل قصة أوديسا التي كتبها الشاعر اليوناني هوميروس في الكتاب التاسع [75].
 
  ولاحظنا إن الحديث يجري بصورة واسعة في الأوساط الأكاديمية الغربية ، عن ضياع الكثير من الأعمال المسرحية التي كتبها الشاعر اليوناني يوربيديس . ولهذا سنركز في هذا الطرف من البحث على المسرحيات اليوربيديسية الضائعة والتي وصلتنا عنها معلومات عنها . والواقع إن هناك العديد من المقتطفات تتوافر لدينا عنها . وهي مقتطفات وردت في بطون أعمال كتها آخرون . وبعض هذه المقتطفات لا يتجاوز البيت الشعري الواحد وبعضها قطع شعرية أو نثرية وتصعد إلى تاريخ بعيد ويوم إكتشافها كانت مكتوبة على أوراق البردي . وكان بعضها نُسخ جزئية من مخطوطة . بينما كان بعض منها أجزاء من مجموع جاء على صورة موجزات في حين إكتشافها كانت مكتوبة على أوراق البردي . والبعض الأخر من هذه المقتطفات جاءنا من خلال أعمال الكاتب المسرحي الكوميدي آرسطوفان .
 
   كما وتوافرت بعض المقتطفات الكبيرة بدرجات ما ، حيث سمحت لبعض الكتاب من العمل الجاد على إعادة تركيبها وتقديمها نصوصاً مفقودة للكاتب اليوناني يوربيديس . وفعلاً فقد لاحظنا إن هذا العمل في مقتطفات يوربيديس المحفوظة ألف مجلدين مع ترجمة لها ومداخل وملاحظات ، والتي قام بنشرها كريستفور كولر وآخرون ، وضمت مسرحيات يوربيديس من مثل مسرحيات ؛ تلفوس ، وكريتين (أو النساء الكريتيات) ، إستينبويا ، بليرفون ، كريفونتس ، إركثوس ، فيثون ، الحكيم أو الفيلسوف ميلنبيب ، والسجين ميلنبيب [76].
 
  وكذلك فقد نشرت مكتبة لوب الكلاسيكية ، مجلدين من مسرحيات يوربيديس والتي بقيت منها مقتطفات فقط [77]. وهناك دراسات نقدية قام بها معجم ويبستر وبعنوان تراجيديات يوربيديس القديمة [78]. ويُعتقد إن تأسيسها كان على أفضل المسرحيات التي تم إعادة تركيبها من هذه المقتطفات .
 
  وإستكمالاً للبحث نسعى إلى الوقوف على قائمة من مسرحيات يوربيديس التي تم تأسيسها على بعض المقتطفات والتي وردت في كتابات ومصادر الأكاديميين الغربيين وبالشكل الآتي :
 
1 – تراجيديا بلياديس وهي من تراجيديات يوربيديس المبكرة ، والتي شارك بها في إحتفالات مدينة ديونسيا الأثينية عام 455 . إلا إنه لم يفوز بأي جائزة . وهي تنهض على إسطورة يونانية بعنوان بلياديس وهن بنات الملك بيلياس ملك مدينة إياولكس اليونانية القديمة [79].
 
2 – مسرحية تلفوس وكتبها يوربيديس سنة 438 ق . وفعلاً فقد ألفها مع مسرحية ألسيتس . وتلفوس تعني ” الأكثر إشعاعاً وإشراقاً ” . وهو إبن هيركلز (هرقل بالعربية) وتطلع إلى أن يكون ملكاً حسب الإسطورة على ” تكي – كريت ” في اليونان القديمة إلا إنه أصبح ملكاً على ميسيا وتقع على الساحل الجنوبي لبحر مرمرة (اليوم تركيا الحديثة) . ومن ثم جُرح تلفوس عندما الهجوم على طروادة الأشنس (وهم من العبيد) وجلبوا معهم هلين إلى إسبرطا [80].
 
3 – مسرحية الكميان في بيسوفس وهي مسرحية كتبها يوربيديس ، وتُعد اليوم من المسرحيات الضائعة . إلا إن من حسن الحظ بقيت فقرات قليلة منها . وقد تم إنتاجها للمسرح لأول مرة عام 438 ق.م . وهي واحدة من رباعية شملت بالإضافة إليها كل من مسرحية ألسيتس والمسرحية الضائعة نساء كريتيات و تلفوس [81].
 
4 – المسرحية الضائعة نساء كريتيات وكل ما نعرف عنها إنها كانت جزء من رباعية ونشرت مع مسرحية ألسيتس ويُرجح تاريخها يصعد إلى عام 438 ق.م [82].
 
5 – مسرحية كريتيون أو ربما كريتيات ويبدو لنا إن هذه المسرحية هي ذاتها المسرحية التي جاء ذكرها أعلاه وهي مسرحية نساء كريتيات . غير إن هناك تحدي يواجهنا في هذا الإفتراض وهو تاريخها فقد ذكرنا سابقاً إلى إن تاريخ نساء كريتيات يصعد إلى عام 438 وعلى إفتراض إنها نُشرت مع مسرحية ألسيتس . أما تاريخ الكريتيون أو الكريتيات فيصعد إلى ” حوالي عام 345 ق.م ” . ولاحظنا إن الحديث عن هذه المسرحية جاء عارياً ودون مصدر أو سند تاريخي .
 
6 – تراجيديا فيلوكتيتيس وهي دراما كتبها الشاعر الأثيني يوربيديس . ويحتمل الأكاديميون الغربيون إلى إن يوربيديس أنتجها مسرحياً لأول مرة عام 431 ق.م وبالتحديد شارك فيها في إحتفالات مدينة ديونسيا الأثينية . ويومها كانت مسرحية فيلوكتيتيس جزء من مسرحية رباعية ضمت بالإضافة إليها مسرحية ميديا المشهورة والتي حصل بها على الجائزة الثالثة . ويتحدث الأكاديميون الغربيون اليوم عن مسرحية فيلوكتيتيس على إنها من المسرحيات الضائعة إلا إن القليل من الفقرات ظلت محفوظة خالدة تحكي قصة هذه المسرحية . وإضافة إلى كل ذلك فإننا اليوم نعرف حبكة مسرحية فيلوكتيتيس من خلال كتابات السفسطائي ديو كريسستم (باليونانية تعني ديو أبو فم الذهب) (حوالي 40 – 115 ميلادية) [83]. وقام الفيلسوف ديو أبو فم الذهب بالمقارنة بين مسرحيات فيلوكتيتيس عند كل من إسخليوس [84] وسوفوكلس [85] ويوربيديس [86]. وعلى الأخص إجراء المقارنة مع نص إقتباس يوربيديس لبداية مسرحية فيلوكتيتيس ومن ثم قيامه بإعادة صياغتها من جديد والإشكال الذي وقع فيه برأي واحد من الكتاب الغربيين [87].
 
  ومن المفيد الإشارة إلى إن عشرين فقرة من فيلوكتيتيس يوربيديس ظلت محفوظة وخالدة ، وهي تؤلف أربعين بيتاً (أو سطراً) . كما يعرف الأكاديميون الغربيون إن حبكة المسرحية جاءت من خلال الموجز المقارنة التي عقدها السفسطائي ديو أبو فم الذهب مع فيلوكتيتيس يوربيديس وإسخليوس (وهناك إحتمال إلى إن إسخليوس كتبها في سبعينيات القرن الخامس ق.م) وسوفوكلس (كتبها عام 409 ق.م) إضافة إلى إقتباسات ديو المبكرة [88].
 
7 – مسرحية ديتيس أو ديتيس الكريتي ونشرها يوربيديس سوية مع مسرحية ميديا سنة 431 ق.م . وكان ديتيس الكريتي كاتب حوليات الحرب الطروادية وهي عمل نثري تألف من ستة كتب وهي بنظر الأكاديميين الغربيين أول نسخة كُتبت وإحتوت على أول تفسير للحرب الطروادية بقلم ديتيس الذي خدم في الحرب مع الملك الكريتي الخيالي أيادمينيس [89].
 
8 – مسرحية ترستي وتعني الحصادون ، وهي مسرحية ساخرة ضائعة . ويُذكر إلى إنها نُفذت مسرحياً في إحتفالات مدينة ديونسيا الأثينية سنة 431 . وهي واحدة من أربعة مسرحيات والتي شملت بالإضافة إليها مسرحيات من مثل ؛ ميديا وفيلوكتيتيس وديتيس . وحصل بها يوربيديس على الجائزة الثالثة وجاءت بعد تراجيديات كل من يورفوريان وهو إبن الكاتب المسرحي الأثيني إسخليوس ويوفوريان فازة بالجائزة الأولى وتبعه سوفوكلس الذي فاز بالجائزة الثانية ومن ثم يوربيديس [90].
 
 وفي بواكير عام 200 ق.م ضاعت هذه التراجيديا (أي تراجيديا الحصادون) كما أشار آرسطوفان البيزنطي (ولد حوالي 250 في بيزنطيا – ومات حوالي 185 / 180 ق.م)[91]ولم تبقى منها فقرة واحدة على الإطلاق . ولكن لاحظنا إن هناك من يعتقد بأن الحصادون هو عنوان بديل لمسرحية يوربيديس الضائعة والتي كانت بعنوان سايلس والتي بقيت منها فقرات خالدة [92].
 
9 – تراجيديا إستينبويا وكتبها يوربيديس أو أخرجها مسرحياً قبل عام 429 ق.م وهي من المسرحيات الضائعة [93]. وتعني إستينبويا بالعربية البقرة القوية ، وهي بالإسطورة اليونانية بنت إيابوتس أو جوبتس ملك لقيا (تركيا الحالية) [94]. كما إن إستينبويا من طرف آخر ، هي واحدة من الرموز الإنثوية (بإصطلاحات عصرنا شخصية فمنستية) ولذلك أطلق على هذا النمط من النساء هذا الإسم (إستينبويا) ليعني ” ملكات القطيع ” والذي يشمل فيربويا ويعني ” جلب القطيع ” ومن ثم بوليبويا وتعني ” تستحق الكثير من القطيع ” [95]. وكان القطيع في عالم اليونان يومذاك مصدر الثروة والغناء ومن المعلوم إن اليونانيين إعتادوا على وصف الغنى والثروة بكلمات من مثل ” غني بالقطيع ” . وكل هذا حمل دلالة على السلطة الإجتماعية والسلطة الدينية والمتمثل بحضور الإلهة حيرا . كما وإن عنوان ملكات القطيع هو رمز يدل على المهر العالي (الصداق) للعروس [96].
 
10 – تراجيديا بيلليروفون وهي مسرحية كتبها يوربيديس حوالي سنة 430 ق.م وأنشأها على أساس إسطورة بيلليروفون . وإن أغلب هذه التراجيديا قد ضاع في نهايات العالم القديم ، ولم يبق منها سوى تسعين بيتاً من الشعر والذي يضم بمجمله تسع وعشرين فقرة فقط ، وهي الفقرات الوحيدة التي ظلت خالدة منها . ولاحظنا إن هناك جدلاً بين معظم النقاد الغربيين في العصر الحديث ، وإنه لا يوجد إتفاق بينهم حول حقيقة حبكة تراجيديا بيلليروفون . إلا إن المتبقي من المسرحية كشف عن إن بدايتها المسرحي كانت مع بيلليروفون وهو على ظهر فرسه المجنح بيغاسوس والطائر في الفضاء . ويبدو إن بيلليروفون بعد إن خسر كل شئ ، فإن الحياة والعيش مع والده غلوكوس وحصانه بيغاوس قد وصلت إلى درجات اليأس العالية . وهذا الحال حمل بيلليروفون على الإعتقاد ” بأن الألهة غير موجودة على الإطلاق ” . إلا إن بيلليروفون قرر الإستمرار في رحلته ومن ثم العروج إلى قمة جبل الأولمبس وتقديم شكره على نعمة وقابلية طيران بيغاسوس (الحصان المجنح) . والحقيقة إن الدافع لفعل العروج إلى قمة جبل الأولمب تظل غير واضحة . ورغم ذلك فإن بيغاسوس حط بسلام مع خياله وجلب معه بيلليروفون الجريح . وعندها شعر بيلليروفون بالندم من سلوكه الهرطقي (الإلحادي) وفي النهاية مات بيلليروفون [97].
 
11 – تراجيديا كريسفونتس وهي واحدة من تراجيديات يوربيديس الضائعة والتي كتبها أو ربما أنتجها مسرحياً لأول حوالي عام 425 ق.م . وهي مؤسسة على إسطورة يونانية قديمة تتحدث عن قصة ميروبي ملكة ميسينيا بعد مقتل زوجها كريسفونتس ملك ميسينيا وإثنان من أولاده الكبار وأولاد ميروبي وإرغام ميروبي على الزواج من القاتل بوليفوتنس . والإسطورة اليونانية تذهب إلى نجاح ميروبي إلى إخفاء ولدها الصغير إيبايتس والذي تمكن بعد سنين من الإنتقام وقتل القاتل بوليفوتنس وبالتعاون مع والدته ميروبي . وهكذا إنتقم ” بوليفوتنس لوالده وإخوته ومن الإعتداء على والدته ” [98].
 
12 – تراجيديا إركثيس وهي مسرحية ضائعة كتبها يوربيديس ما بين عامي 423 و422 ق.م ولاحظنا إن الأكاديميين الغربيين يتحدثون عن إمساكهم بمقطع مهم من تراجيديا إركثيس الضائعة . ولعل ما يُميز هذا المقطع هو إنه عرض مثال إنموذج على النساء البطلات في القرن الرابع . وفعلاً فإن هذا المقطع ورد في كتابات الخطيب الأثيني يكورغوس الأثيني (390 – 324 ق.م) [99]وفيه وردت توقعات الإسطورة والتي ذهبت إلى إن الجيش التراقي الذي يقوده بومولبس هدد الأثينيين ، مما حمل ملك آثينا إركثيس على إستشارة وحي معبد دلفي وعلم بأن المدينة ستكون آمنة بشرط أن يُضحي الملك بواحدة من بناته الثلاث . ومن طرف زوجته براكسثيا فقد عرضت موافقتها على قرار زوجها ، وبدأت جدلها بإفتراض إن واحدة من بناتها كان ولداً فهي سوف لن تمانع وسترسله إلى الخطوط الأمامية للحرب . أمامن طرف بناتها فقد أقسمن اليمين على إن التضحية بواحدة منهن فإن ذلك يتطلب موت الباقيات كذلك . وخلال هذا الجدل هاجم التراقيون المدينة . وكان الحاصل موت الملك إركثيس وقد فاز هو وبناته بشرف الطائفة وتحولت الوالدة براكسثيا إلى القديسة الأولى لآلهة آثينا [100].  ويحسبُ الأكاديميون الغربيون إن شخصية إركثيس الإسطوري قد تم مزجها بشخصية  إركثيس التاريخي في شخصية واحدة في تراجيديا يوربيديس إركثيس . إلا إن بلوتارك دمج الأسمين سوية في صياغة الإسطورة ومن ثم أعاد ولادة إركثيس من جديد [101]. وبالطبع إن بلوتارك عمل ذلك بعد وفاة الفيلسوف الروماني سينيكا حيث إن عمر بلوتارك كان إبن العشرين ربيعاً وأن سينيكا كان يومها إبن التاسعة والستين وقد أرغم على الإنتحار بشرب السم وذلك لإعترافه بأنه شارك في مناقشة أطراف من مؤامرة إغتيال الإمبراطور الروماني الطاغية نيرون (37 – 68 ق.م) [102].
 
13 – تراجيديا فايتون [103]هي مسرحية كتبها يوربيديس حوالي عام 420 ق.م . وفايتون هو شخصية من شخصيات الإسطورة اليونانية وكان مشهوراً عنه بإنه إبن إيوس وأمه ميروبي . والإسم فايتون يعني ” الشخص المُشع ” .  والحقيقة إن هذا النص إعتمد كما صرح بروفسور الأدب اليوناني واللاتيني جيمس ديكل على فقرات قام بإعادة تركيبها من مصدرين ؛ الأول مخطوطة يوربيديس التي كُتبت بحدود 500 ميلادية . والثاني مخطوطة مكتوبة على ورق البردي وجاءت من القرن الثالث قبل الميلاد . وهذه المصادر كانت تضم العديد من الإقتباسات من المؤلفين الكلاسيكيين ومن ثم طُبعت حديثاً على صورة فقرات . وبعد ذلك قام البروفسور ديكل بفحصها ومن ثم التدقيق في كل أطراف المخطوطات ومن خلال تفكيك الرموز وحل شفرتها . ومن ثم قدم شروحاً وأرفقها بإضافات إضافة إلى إنه قدم معالجة لأسطورة فايتون في ضوء الأدب الكلاسيكي كما وثابر في إعادة تركيب حبكة المسرحية [104].
 
14 – تراجيديا الحكيمة أو الفيلسوفة ميلينبي ونشرها يوربيديس حوالي سنة 420 ق.م غير إننا وجدنا إن هناك من يعتقد إن يوربيديس كتبها قبل عام 411 ق.م [105]. ونحسب إن لا خلاف في التاريخين (أي تاريخ الكتابة وتاريخ النشر) وذلك لسبب بسيط وهو إن تاريخ نشر تراجيديا الحكيمة ميلينبي أو إنتاجها مسرحياً كان متوافقاً مع نشر وإنتاج تراجيديا نساء طرواديات .
 
15 – تراجيديا إلكسندروس [106]ويبدو لنا إن يوربيديس نشرها أو إنتهى من كتباتها في عام 415 ق.م ونشرها أو أنتجها مسرحياً بصحبة تراجيديا نساء طرواديات . وتفترض هذه المسرحية إن العبد والراعي إلكسندروس شارك في جمناستيك المنافسة الذي أقيم لتشريف إبن الملك باريس في طروادة . وإن الأمير الطروادي هُزم وخسر النزال . وهناك جدل حول إنتصار العبد إلكسندروس ، وهل يمكن الإعتراف بفوزه ؟ أم لا ؟ ومن ثم تحول الجدل نحو شواطئ مخالفة حيث إنها إفترضت إن إلكسندروس هو الذي يُعتقد إن مات على يد باريس . والسؤال كيف ؟ وذلك بسبب النبؤة فإن الأمير تمظهر في قمم جبال إيدا (تركيا الحالية) فأخذه الرعاة وإعتنوا بتربيته وبعد التعرف عليه وظهر إن إبن الملك جُلب إلى طروادة . وبها تكون قد تحققت النبؤة وتم تدمير طروادة [107].
 
16 – تراجيديا بالميديس كتبها يوربيديس أو ربما أنتجها مسرحياً في سنة 415 ق.م بالتزامن مع تراجيديا نساء طرواديات . ولم تبقى منها مع الأسف إلا بضع شذرات [108]. وفي الإسطورة اليونانية بالميديس هو إبن الملك ناوبليوس ملك إيبويا وحينها قد إلتحق بالميديس مع حشود اليونانيين في حملة الحرب ضد طروادة . ويوربيديس حاله مثل حال إفلاطون وآخرون ركز على قدر بالميديس أي الحديث عن تراجيديا موت بالميديس . ومن المناسب أن نذكر هنا إلى إن أوديسا لعب دوراً عدائياً ضد بالميديس بعد أن تحركت مشاعر الحسد في دواخل أوديسا وخصوصاً الحسد من ذكاء بالميديس وإختراعه للألف باء فكتب رسالة فيها دليل إتهام بالميديس بالتأمر مع الأعداء .. وهكذا رسم أوديسا نهاية بالميديس التراجيدية [109].    وكما قلنا سابقاً إنه لم يبقى من هذه التراجيديا سوى بضع شذرات قليلة . وكذلك ضاعت تراجيديا بالميديس التي كتبها إسخليوس وايضاً كم نحن غير محظوظين فقد ضاعت تراجيديا سوفوكلس والتي حملت عنوان ناوبليوس (وهو والد بالميديس) [110]. ولعل الحاصل من كل ذلك خيبة آمل حيث ضاعت علينا فرصة الحفر المعرفي عن حقيقة تراجيديا بالميديس .
 
17 – كوميديا سيزيف وظلت منها شذرة يتيمة والمسرحية بجملتها تصعد إلى القرن الخامس قبل الميلاد . وهي مسرحية ساخرة ونشرها يوربيديس أو ربما أنتجها مسرحياً مع تراجيديا نساء طرواديات سنة 415 قبل الميلاد [111]. ويُعتقد إن مسرحية سيزيف قد إحتوت على حجة إلحادية . والحقيقة إن هناك جدل بين الأكاديميين الغربيين حول المؤلف الحقيقي لهذه الشذرة من إسطورة سيزيف ، وظل السؤال قائماً ولم يُحسم تماماً . وبالمقابل وجدنا ترجيحات تسود البحث الأكاديمي الغربي في هذا المضمار . فمثلاً لاحظنا إن عدداً من الباحثين وبنسبة ملحوظة ينسبونها إلى الكاتب والرمز السياسي الأثيني الكبير كريتياس (حوالي 460 – 403 ق.م) [112]وبالطبع من بينهم الفيلسوف الشكي سكستوس إمبيريكوس (160 – 210 م) . وفعلاً فقد جاء في شذرة كريتياس المنتزعة من رسالة إمبيريكوس والتي حملت عنوان ” ضد رجال الرياضيات ” فقد إفترض ” إن كريتياس هو كريتياس ذاته خال إفلاطون (منا : الحقيقة هو خال أم إفلاطون) وكان قائداً للطغاة الثلاثين والذين حكموا آثينا في نهاية الحرب البولبونزية . وهذا الإقتباس على العموم منقول من تراجيديا أو دراما ساخرة تُدعى سيزيف ، وهو في جوهره خطاب وضع على لسان واحدة من الشخصيات . وإذا كان كريتياس التاريخي هو مصدرها ، فإن هذه المخطوطة تعود إلى القرن الخامس ق.م . وهي على أية حال تعكس تقريباً أفكار ذلك العصر ” [113].
 
  بينما زعم عدد آخر من الباحثين بأن يوربيديس هو المؤلف الحقيقي لتراجيديا سيزيف . وجادل آخرون وذهبوا إلى إن كريتياس إكتسب سمعة واسعة على أساس إنه كان ملحداً في تاريخ التراث اليوناني القديم . وإن هذه السمعة قد إرتبطت بتأليفه لهذه الشذرة من إسطورة سيزيف [114].
 
18 – تراجيديا السجينة أو المُعتقلة ميليبني (وبالطبع ميليبني هي أنثى) وكتبها يوربيديس أو أنتجها مسرحياً سنة 412 أو 413 ق.م [115]. وهي اليوم من المسرحيات الضائعة والتي لم يبقى منها سوى شذرة يتيمة واحدة . ولاحظنا في هذه الشذرة قد وضع يوربيديس على لسان بطلة المسرحية دعوة تذهب إلى توصيف عمل المرأة الأساس وهو الإهتمام بالقضايا الدينية والتي تبدأ منذ اللحظة الأولى للنبؤة وإلإعلان عن إشارات الوحي وحتى قيامها بإنجاز كل الخدمات والشعائر الدينية للألهة [116].
 
19 – تراجيديا إندروميدا وهي من مسرحيات يوربيديس الضائعة ، وهي بالطبع مؤسسة على إسطورة إندروميدا وأنتجها مسرحياً لأول مرة عام 412 ق.م . وهي في الأصل جزء من ثلاثيية وضمت بالإضافة إليها مسرحية يوربيديس التي حملت عنوان هلين [117]. وإندروميدا تحول فيما بعد إلى إسم لاتيني ويعني حاكمة الرجال وهي بنت الملك الأثيوبي شيفوس وبنت زوجته كاسوبيا . وخطيئة إندروميدا إنها كانت الأكثر جمالاً ، فإن وحش البحر إنتقم من آثيوبيا عقوبة إلهية [118]. ولذلك تم تجريدها من ملابسها وربطها عارية إلى صخرة كبيرة وتقديمها ضحية إلى وحش البحر . إلا إن البطل الإسطوري بيرسيوس الشهم تدخل وأنقذها من عذابها على يد وحش البحر .
 
   وعلى الرغم من إن المسرحية ضاعت ، فقد لاحظنا إن هناك عدد من الشذرات منها ظلت محفوظة [119]. إضافة إلى إن عدداً من المصادر القديمة قد أشارت إليها ومن ضمنها إشارت وردت عنها في مسرحيات آرسطوفان [120]. ولعل من التعليقات التي نحتفل بها ، والتي صدرت بحق تراجيديا إندروميدا . التعليق الذي كتبه باحث الكلاسيكيات الأسترالي البريطاني الولادة جورج جيلبرت موري (1866 – 1957) حيث قال ” إن ما بقي لدينا من تراجيديا إندروميدا بضع شذرات فقط . إلا إنها بحق شذرات جميلات جداً . والمسرحية بمجملها واضحة في حبها الرومانسي . وكما يبدو إن يراع يوربيديس لم يكتب مثلها في مسرحياته ” [121].
 
  كما نحتفل بمناسبة إن الباحث الأسترالي أعترف بأنه إعتمد على تعليقات إبن جلدتنا الباحث الأشوري (العراقي) لوقيان السميساطي (حوالي 125 – 180 ميلادية) والذي قال ” ومنذ خمسمائة سنة بعد إنتاج تراجيديا إندروميدا مسرحياً ، فإن الناس في إبديرة – تراقيا مدهوشين من تأثير المسرحية وما سببته لهم ” وكأنهم يعيشون في حلم ” وإنهم يرددون مع أنفسهم كلاماً من المسرحية والذي يبدأ ” آه أيها الحب ، إنك ملكياً عالياً ، ولا تعلو عليك آلهة أو بشر .. ” [122].
 
20 – تراجيديا إنتيوبي والتي كما شاع إن يوربيديس إنتجها مسرحياً عام 410 ق.م وهناك من يرى إنه قدمها على المسرح لأول مرة حوالي سنة 408 ق.م [123]. ومن المتداول في الدراسات الأكاديمية الغربية إن إفلاطون كثيراً ما إقتبس منها أطرافاً والشاهد على ذلك إنه ضمن محاورة جورجياس بأشياء منها [124]. كما وإقتبس منها مؤلفون آخرون . وكان الحاصل من ذلك إن العديد من الشذرات الكبيرة المنتزعة من تراجيديا إنتيوبي ظلت محفوظة [125].
 
21 – دراما إرخيلاوس والتي كتبها يوربيديس حوالي عام 410 ق.م . ويُعتقد إنه كتبها وأنتجها مسرحياً في مقدونيا وذلك لتكريم وتشريف ملك مقدونيا إرخيلاوس الأول (حكم من سنة 413 – وحتى مقتله خلال الصيد سنة 399 ق.م) [126]. وهو مؤسس السلالة المقدونية والدولة المقدونية العسكرية القوية ، وهو جد الملك الإسكندر المقدوني (356 – 323 ومات في بابل – العراق) [127]. وليس هناك شك في تفكير الأكاديميين الغربيين في إن يوربيديس ” غير إسم كارنوس إلى أرخيلاوس ” بحيث يعني في المسرحية ” قائد الشعب ” وذلك مثابرة من يوربيديس لخلق أجواء المتعة إلى أرخيلاوس مقدونيا الأول [128].
 
  وفي هذه الدراما كان آرخيلاوس هو إبن تيمنوس [129]. وقد تم نفيه إلى تراقيا من قبل إخوانه وكان يومها ملك تراقيا كاسيوس وكانت بلاده في حرب مع جيرانه ، فوعد أرخيلاوس بأنه سيوفر الحماية له ولأبنته إذا وقف معه ضد أعدائه . ومن طرف أرخيلاوس فإنه فعل كل ما طُلب منه . وبعد ذلك ذهب أرخيلاوس إلى كاسيوس يسأله تحقيق وعده إلا إن كاسيوس تنكر له وقرر قتله ومن خلال مؤامرة ولذلك أمر بترتيب مكيدة للقبض عليه . غير إن عبداً من عبيد الملك أخبر أرخيلاوس بالمؤامرة . والبطل سأل الملك بمقابلة سرية وعندما إختلى أرخيلاوس به رمى العبد الشرك عليه وأوقعه في المصيدة ومن ثم هرب العبد إلى مقدونيا . إلا إن أرخيلاوس كان محظوظاً فقادته معزة (وبأوامر من الإله أبولو) إلى مدينة إيجا (فيرغيا / شمال اليونان) وكانت المعزة تمشي أمامه وهو يسير خلفها [130]. ومن المناسب أن نذكر في هذا الطرف من المقال إلى أن مسرحيات ؛ الكمانيا ، وتيمنيوس وتيمندايا وإرخيلاوس (سوية) كونت الثلاثية المقدونية التي كتبها يوربيديس [131]
 
22 – مسرحية هيبسبيلا (باللاتينية) وهيبسبيل (بالإنكليزية) وكتبها يوربيديس عام 410 ق.م وهناك من يرى إلى إن إنتاج وتمثيل مسرحية هيبسبيلا على خشبة المسرح قد حدثت بعد موت يوربيديس بسنتين وبالتحديد سنة 408 ق.م [132]. وفعلاً فقد أنشأها يوربيديس على إسطورة يونانية قديمة ، والتي تذهب قصتها إلى إن الملكة المنفية بيعت عبدة في أسواق النخاسة (أسواق بيع العبيد) وذلك بسبب إنقاذها لوالدها من موت محقق ، حيث كان من المفروض أن يُقتل مع بقية الرجال في جزيرة لايمنز اليونانية بأيادي نساء الجزيرة وذلك بسبب هجرهن للرجال بعد لعنة نزلت عليهن من قبل الألهة إفروديت [133].  
 
23 – مسرحية الكاميان في كورنثيا والتي كتبها يوربيديس عام 405 ق.م وربح الجائزة الأولى كجزء من ثلاثية وضمت بالإضافة إليها كل من التراجيديتين ؛ الباكي أو الباكوستات وإيفيجينيا في أوليس . ويبدو إن هنا بعض الخلط فهذا الجزء من الثلاثية فاز بالجائزة الأولى بعد وفات يوربيديس وهذا يعني إنه كتبها عام 405 إلا إن إنتاجها على خشبة المسرح كانت بعد وفاته عام 406 حيث شارك بها في إحتفالات ديونسيا في آثينا وضاعت ولم يبقى منها سوى شذرات [134]. وبهذا التوضيح يستقيم الكلام .
 
بعض مسرحيات يوربيديس : ظلت مجرد ذكرى وعناوين
 
   تترددُ في كتابات عدد من الأكاديميين الغربيين أسماء مجموعة من الأعمال المسرحية التي ربما كتبها يوربيديس أو ربما لم يكتبها على الإطلاق . إلا إننا نعترف بوجود بعض منها عندما نقرأ إشارات يوربيديس إليها في متون بعض من مسرحياته المشهورة . ولاحظنا إن هناك عدد من الأكاديميين الغربيين من يعتقد بدرجات ما إلى إن يوربيديس قد كتبها فعلاً غير إنها ضاعت أو إنها في إفتراضهم كانت مسرحيات فعلاً إلا إنه لم يبقى من بعضها شئ يدلل على وجودها سوى شذرة واحدة أو شذرتين فقط . كما إن المشكلة الأخرى التي تلفها إنه لا يُعرف لها تأريخ في الإنشاء ولا تُعرف لها حبكة بحيث تُيسر الطريق نحو توصيف موضوعها أو على الأقل يُساعد على تصنيف جنسها وآدبها بين مسرحياته الآخرى . بل وحتى يعوزها الإشارة إلى الإسطورة اليونانية القديمة أو أطراف منها والتي تم الإعتماد عليها في تكوين مسرحيته . إن كل هذا غائب مع الأسف من هذه المسرحيات مما جعل عمل الباحث ، كما نظن ، يكاد أن يكون مستحيلاً وخلاف ذلك يتحول إلى حطاب ليل وفيه إمكانيات التدمير أكثر من التوليد المثمر والإنتاج المفيد .. ومن الأمثلة على هذا النمط من المسرحيات التي كتبها يوربيديس :
 
أولاً – مسرحية أيجيوس وهي مؤسسة على إسطورة آثينية قديمة ، وهي إسطورة ” الرجل – المعزة ” وهو واحد من ملوك آثينا . ولعل من النافع أن نذكر بأن مصادرنا في معرفة هذه المسرحية هي ؛ أولاً مسرحية أيجيوس التي كتبها سوفوكلس . إلا إن ضياع هذه المسرحية سد الطريق أمامنا من الإعتماد على مسرحية سوفوكلس . ثانياً مسرحية يوربيديس والتي حملت عنوان ميديا والتي فيها صور خصائص آيجيوس [135].
 
  ومن النافع الإشارة إلى الإشكال الذي يلف يوربيدس وهذه المسرحية . صحيح إن مسرحية ميديا هي واحدة من ” المسرحيات العظيمة وفقاً لمعايير التقليد المسرحي الغربي ” . إلا إن إنتاج يوربيديس لها ” لم تحمل المُشاهد الأثيني على تفضيلها كثيراً ولذلك إحتلت المرتبة الثالثة في مهرجان المنافسة المسرحية في مهرجان إحتفالات ديونسيا في عام 431 ق.م .” . ولعل السبب الذي يقف وراء ذلك هو درجات تذوق المشاهد لهذه المسرحية ، والذي يمكن العثور عليه في تذوق وتقويم الشراح لها وخصوصاً في القرن الأول قبل الميلاد وبالتحديد في البيت الشعري رقم 264 من أبيات المسرحية ، والذي يؤكد على إن أطفال ميديا قد تم قتلهم بأيدي الكورنوثيين بعد هروبها ” [136].
 
  ويبدو إن يوربيديس إخترع بصورة مقصودة قضية قتل ميديا لأطفالها ولذلك سبب فعلها إستياء وغضب المشاهدين . والحقيقة إن يوربيديس لم يفعل هذا لأول مرة ، فقد عمل ذلك في مسرحية هيبوليتوس وهي اليوم تُعدُ من مسرحيات يوربيديس الضائعة [137]. وبعد إكتشاف النص في القرن الأول ، فإن مسرحية ميديا تم تكييفها في روما (أو تكييفها للذوق اللاتيني الروماني) من قبل عدد من التراجيديين من أمثال إنيوس كوانتيوس (حوالي 239 – 169 ق.م) والذي يُعرف بأبي الشعر الروماني [138] ، وشاعر التراجيديا لوسيوس أوكيوس (حوالي 170 – 86 ق.م) والذي عاصر شيشرون وتحاور معه كما أشار [139]، ومن بينهم الشاعر الروماني أوفيد (43 ق.م – 17 / 18 ميلادية) [140]، وبالطبع من ضمنهم الفيلسوف الرواقي وكاتب التراجيديا الرومانية لوسيوس سينيكا (وهو موضوع هذا البحث الحالي) . والكاتب المسرحي الروماني أوسديوس جيتا (إزدهر في أواخر القرن الثاني وبواكير القرن الثالث) ومعروف عن جيتا إنه كان مؤلفاً لتراجيديا تتألف من 462 فقرة من الشعر وبعنوان ميديا وهو مثال مبكر على مجاميع شعرية فيرجلية (نسبة إلى الشاعر الروماني فيرجل (70 – 19 ق.م) [141].
 
  كما وأثارت مسرحية ميديا قضايا مختلفة بين صفوف مختلف النقاد والكتاب في القرن العشرين وبالتحديد الكتاب الذين بحثوا عن تفسير لردود أفعال مجتمعاتهم في ضوء إفتراضات هذا الجنس الأدبي . وعلى هذه الأساس ظهرت نزعات تفسيرية للموضوعات الكونية من مثل الإنتقام والعدالة في مجتمع غاشم غير عادل . ولعل الأمثلة كثيرة نذكر منها نماذج ، منها تبني كاتب الدراما الفرنسي جان أنويه للإسطورة اليونانية [142]. والمثال الثاني الشاعر المسرحي الأمريكي جون روبنسن جفريز (1887 – 1962) والذي تبنى مسرحية ميديا وأنتجها على مسرح برادوي في عام 1947 [143].  
 
ثانياً – مسرحية عولس (أو أولس) والملاحظ إن هناك حيرة معرفية تلف هذه المسرحية التي ربما ذكرها يوربيديس في نصوص من مسرحياته الأخرى [144]. وإن السبب هو إن هناك ثلاثة شخصيات إسطورية تمتلك سلطة التحكم والسيطرة على حركة الرياح التي هي بالطبع الموضوع الرئيس لهذه المسرحية . ولعل الحيرة الملازمة لهذه المسرحية هو إن هذه الشخصيات الثلاثة من الصعوبة بمكان الفصل بينها . بل ووجدنا حتى إن الباحثين القدماء قد عاشوا هذه الحيرة التي تتعلق بتحديد شخصية أولس . فمثلاً إن المؤرخ اليوناني ديودور (أو ديودورس) الصقلي (عاش حوالي في القرن الأول قبل الميلاد) والذي إشتهر برائعته التي حملت عنوان التاريخ الكوني[145]أو المكتبة التايخية [146]. وفيها دشن الصقلي مثابرة فكرية حددت كل واحدة من هذه الشخصيات الثلاثة وبالطبع تحولت هذه المثابرة الفكرية إلى موديل لتقسيم التاريخ إلى ثلاثة حقب ولذلك يحق لنا أن نصفها بلغة يوربيديس ثلاثة حقب أولسية [147].
 
ثالثاً – الكمانا (باللاتينية) والسمن (بالإنكليزية) وهي تراجيديا كتبها يوربيديس وهي من المسرحيات الضائعات والتي يتوافر منها شذرات اليوم ويجري الحديث حول إعادة تركيبها مسرحياً . ويُرجح إن يوربيديس كتبها مابين سنة 455 و 408 ق.م وأنتجها مسرحياً في إحتفالات ديونسيا في آثينا . والكمانا أو السمن هي أم هيركليز [148]. والكمانا هي زوجة إمفتريان (باللاتينية) وهو الجنرال الثيبي (أو الطيبي) وفي الأصل جاء من تيرينس تقع في الجزء الشرقي من بيلوبونيز . وإمفتريان قتل بالخطأ والد زوجته الملك المسيني إلكترون فحمله هذا الخطأ إلى الفرار [149].
 
رابعاً – تراجيديا ألوبي (باللاتينية) أو ألوب (بالإنكليزية) ويُطلق عليها سيرساين كذلك . وهي اليوم تُعد من مسرحيات يوربيديس الضائعة . ورغم هذا الحال فقد بقيت تقريباً سبعة شذرات خالدة منها وهي الوحيدة المتوافرة لدينا من هذه التراجيديا اليونانية في نشرة حديثة [150]. والحقيقة إن إصول هذه المسرحية تصعد إلى إسطورة يونانية قديمة تدور حول إمرأة فانية وهي ألوبي وتتمتع بجمال فائق وهي بنت سيرسيان وهو ملك إليسوس . وتذهب الإسطورة إلى إن بوسيدون إله البحر قلب شخصه وتخفى في صورة صياد سمك ومن ثم أغرى حفيدته ألوبي وإتصل بها جنسياً فحملت منه طفلاً أطلق عليه إسم إيبوثن . إلا إن ألوبي تركته ليهلك في العراء غير إن الرعاة عثروا عليه وإهتموا برعايته . وحدث جدل حول جمال الطفل إيبوثن فجلبت قضيته أمام سيرسيان . وعرف سيرسيان الطفل فأمر بسجن ألوبي وحكم عليها بالموت وأن يترك الطفل إيبوثن في العراء ليهلك . ومن ثم عثر الرعاة على إيبوثن مرة أخرى وهكذا عاش مثل المرة السابق وأطلق علية الإسم إيبوثن . أما جثة أمه ألوبي فقد حولها الإله بوسيدون إلى فصل الربيع (وهكذا أصبحت رمز الحياة والتجدد) وحملت إسم ألوبي مرة أخرى [151].
 
خامساً – دراما أنتيجون وهي من مسرحيات يوربيديس الضائعة . ولكن بقي منها خالداً ومحفوظاً عدد من الشذرات . وهناك شواهد تُدلل على إن تاريخ كتابتها يعود إلى الفترة المتأخرة من عمل يوربيديس المسرحي . ويُرجح الأكاديميون الغربيون إلى إن تاريخ كتابتها ينتمي إلى الفترة ما بين عام 420 ق.م وعام 406 ق.م (وهي سنة وفاة يوربيديس) . والحقيقة إن الشذرات المتبقية منها لا تُبيح لنا بالكثير عن حبكة المسرحية [152] كما لاحظ بعض آخر من الباحثين إن ” إنتيجون لعبت دوراً في مسرحية نساء فينيقيات ” (منا : وهي متوافرة اليوم بصورة كاملة) [153]. ووفقاً إلى الباحث أرسطوفان البيزنطي (والذي عاش خلال القرن الثالث والثاني قبل الميلاد) ، فإن حبكة مسرحية أنتيجون ليوربيديس مشابهة لحبكتها في مسرحية أنتيجون عند سوفوكليس مع ملاحظة أرسطوفان إلى وجود ثلاثة إختلافات بين المسرحيتين . وهما :
 
أولاً – إن هايمون (أحد أبطال المسرحية) وجد جثمانه مدفوناً مع جثمان إنتيجون في قبر واحد في مقابر بولينيكس .
 
ثانياً – كان هايمون وإنتيجون متزوجان .
 
ثالثاً – كان لكل من هايمون وزوجته إنتيجون ولد إسمه مايون [154].
 
سادساً – مسرحية أوجا (باللاتينية) أو أوجيه (بالإنكليزية) وهي من مسرحيات والأدق من كوميديات يوربيديس الضائعة [155]. ووفقاً إلى الإسطورة اليونانية أوجا هي بنت ملك أركيديا إليوس وأمها نيرا وكانت أوجا كاهنة في أوليا – آثينا (وهي جزء من مستوطنة تيكي اليونانية) وتذهب الإسطورة إلى أوجا حملت من هيركليز طفلها تيلفوس . وتصادف إن الوحي أخبر والدها الملك إليوس بأن حفيده سينتفض على حكمه ويزيله من العرش . فقامت أوجا بإخفاء خبر طفلها وسراً وضعته في مخزن الحبوب في معبد آثينا . إلا إن الملك إكتشف الطفل [156].
 
  ولكن منذ عام 1875 تغير الحال وأصبح متدولاً الحديث عن وجود ملخص عام لمسرحية يوربيديس أوجا الضائعة . وفعلاً فقد تم إحيائه من خلال إسطورة أرمينية تنسب إلى موسى الكورني . ومن ثم في عام 1905 تجدد الحديث عن إكتشاف ورقة بردي في القاهرة ، وفيها نص لميندار وبعنوان إبيتربونتيس وفيه بيتين من الشعر ليوربيديس يتعلقان بصورة خاصة بمسرحية أوجا والتي تدلل على إن مسرحية أوجا هي جنس من الأدب الكوميدي الذي كتبه الشاعر الملحمي اليوناني يوربيديس [157].
 
سابعاً – مسرحيات يوربيديس بشذرات وهي مجموعة مسرحيات وتشمل كل من مسرحية إتولايكس وبقيت منها فقرتان وحملت الرقم 282 [158]و مسرحية (أو ربما كوميديا) بوزيريس (ملك مصر) وهي من المسرحيات الضائعة التي كتبها يوربيديس [159] ومسرحية كادموس والتي من المحتمل إن يوربيديس كتبها ما بين عام 455 وعام 408 ق.م وأنتجها مسرحياً في إحتفالات ديونسيا في آثينا [160]وتراجيديا كريسبوس وهي من مسرحيات يوربيديس الضائعات . والمسرحية تنتهي بعودة جثمان كريسبوس [161]، وتراجيديا داناي وتراجيديا ديكتيس [162]و تراجيديا إيباوس (باللاتينية) أو إيبيس (بالإنكليزية) وهي اليوم في عداد مسرحيات يوربيديس الضائعات [163]. وذكر الباحثون في تراث يوربيديس إلى إن يُريستيس هي شخصية (وليست مسرحية) في التراجيديا الأثينية التي حملت عنوان أطفال هيركليز والتي كتبها يوربيديس وأنتجها مسرحياً حوالي للفترة ما بين عامي 427 – 430 ق.م ولم يُعرف عنها إنها فازت باية جائزة [164].
 
   ومن ثم جاءت تراجيديا هيبوليتوس (أو هيبوليتوس الملثم)  والتي أسسها يوربيديس على إسطورة يونانية قديمة تحمل إسم هيبوليتوس وهو إبن الملك الأثيني  ثيسيوس . والمسرحية تم إنتاجها أولاً على خشبة المسرح في إحتفالات ديونسيا في مدينة آثينا سنة 428 ق.م . وفازت بالجائزة الأولى جزءً من ثلاثية وهي اليوم من مسرحيات يوربيديس الضائعات [165]. ويعتقد الكثير من الأكاديميين الغربيين بأن الأطراف التي ضاعت من هذه المسرحية ، هي الأطراف التي صور فيها يوربيديس بفضاحة مكشوفة شهوانية فيدرا الجنسية وهي بالطبع زوجة الملك ثيسيوس والتي راودت هيبوليتوس (وهو إبن زوجها) والذي كان مصدوماً من إيغال فيدرا في الرذيلة ، والذي لم يتوافر لديه من خيار إلا إن يغطي وجهه بوشاح ليخفي حالة الرعب التي عصفت بكيانه [166].
 
  وتلت تلك المسرحيات ، مسرحيات من مثل مسرحية آيون والتي كتبها يوربيديس كما يعتقد الباحثون الغربيون ما بين عام 414 وعام 412 ق.م أي تقريباً في الفترة الأخيرة من حياته ، والتي جاءت بعد إكتشاف اليتيم آيون إلى إصوله (إكتشافه لوالديه) . ولعل مايميز مسرحية آيون هو إنها ظلت خالدة بصورتها كاملة حيث إنها بدأت بمقدمة تتألف من سبعة أبيات من الشعر . ومن ثم بدأ النص الذي تألف من 1600 بيتاً من الشعر . وإنتهت المسرحية بالبيت الشعري الذي حمل الرقم ألف وستمائة وكانت النهاية كلام الكورس والذي كان يُردد ” وهؤلاء الذين ولدوا أشرار ؛ فإنهم سوف لا يجدوا السعادة ” [167]. ولعل من المفيد أن نشير إلى إن الفيلسوف اليوناني إفلاطون قد كتب محاورة بعنوان آيون وكان إفلاطون إبن ثمانية عشر ربيعاً ومات يوربيديس . وهي تنتمي إلى المحاورات السقراطية (التي كتبها في الفترة من 399 وحتى 387 ق.م وفيها فعلاً ناقش سقراط مع آيون الشعر الملحمي وكذلك حاضر حول هوميروس . ومحاورة آيون هي واحدة من أقصر محاورات إفلاطون [168]. وهذه المحاورة الإفلاطونية ومناقشات سقراط للشعر الملحمي مع آيون فيها الكثير من المضموم . صحيح إن سقراط حاضر عن الشاعر الملحمي هوميروس . إلا إن إفلاطون نسي بقصد (أو ربما لاندري) صاحب مسرحية آيون الخالدة والتي كتبها الشاعر الملحمي الأثيني يوربيديس وسبق إن ذكرنا فيها إلى إن إفلاطون إقتبس من يوربيديس أشياء في محاورته التي حملت عنوان جورجياس [169]. ومن المعلوم إن إفلاطون ولد ومات في أثينا وأسس أشهر أكاديمية للفلسفة في مدينة آثينا كذلك [170].
 
  ومن مسرحيات يوربيديس الضائعات تراجيديا إيكسون والتي يُرجح إلى إنه كتبها في الفترة ما بين عامي 455 و408 ق.م (وهي فترة بعيدة ولا تحتمل بالترجيح أو حتى في الإفتراض ؟) ويُذكر بأنه أنتجها مسرحياً في إحتفالات ديونسيا في آثينا . ويبدو إن هذه المسرحية قد أثعيد إنتاجها مسرحياً خلال الإمبراطورية الرومانية . إلا إن الغريب هو جرى الحديث عنها على إنها كوميديا . وهذا الأمر سبب إشكالاً لشخصية إيكسون فقد آخذ النظر إليه على إنه شخصية ذات إشكالية . كما وجد لهذه المسرحية صدى وحضور في مسرحيات يوربيديس الأخرى . فمثلاً لاحظنا إن كلاً من الروماني بلوتارك والفيلسوف وكاتب الدراما الروماني سينيكا ينسبان إلى شخصية إيكسون أدواراً في مسرحية يوربيديس التي حملت عنوان داناي [171].
 
    كما وجرى الحديث في كتابات الأكاديميين الغربيين عن مسرحية آخرى كتبها يوربيديس وهي في قائمة المسرحيات الضائعات وهي مسرحية لاميا [172]. ولاحظنا إن هناك إشكالاً يلف جنرا (جنس) هذه المسرحية حيث هناك من ينظر إليها على إنها مسرحية دراما – ساخرة وهناك من يعدها ساتاير (ساخرة فقط) . كما وهناك من يُرجح التاريخ الغريب الذي لف مسرحيات يوربيديس (؟) حيث يقترح إن يوربيديس كتبها ما بين عامي 455 و408 ق.م . ويضيفوا إلى إنه قدمها مسرحياً في إحتفالات ديونسيا في آثينا . ولعل المهم هو إنه لم يبقى من هذه المسرحية سوى شذرة واحدة يتيمة [173].
 
     أما مسرحية ليشمنيوس فقد كتبها يوربيديس كما يفترض الباحثون الغربيون في الفترة ما بين عام 455 وعام 430 ق.م . والحقيقة إن هذه المسرحية لم يبقى منها إلا الشئ القليل . ويتردد في الحديث عن مؤلفات يوربيديس إلى إنه أنتجها في إحتفالات ديونسيا في آثينا [174].
 
ومن المسرحيات التي كتبها يوربيديس وهي في عداد المسرحيات الضائعة ، مسرحية أودبيوس (أو أوديب) ويُرجح الباحثون الغربيون بأنه كتبها خلال الفترة ما بين 415 ق.م و406 ق.م والتي بقي منها شذرات خالدة . ودللت هذه الشذرات على إنها تُعالج أطرافاً فيها الكثير من الشبه من مسرحية سوفوكلس والتي حملت عنوان الملك أودبيوس .
 
   إلا إن الأكاديميين والمؤرخين لهم رأي فيها حيث لاحظوا وجود إختلافات مهمة بين أودبيوس يوربيديس ومسرحية سوفوكلس الملك أودبيوس . فمثلاً في مسرحية الملك أودبيوس ، إن أودبيوس شخصية فخرية حيث قام بإطفاء بصره (أعمى نفسه) بعد إن عرف أصله الحقيقي وإنه قتل والده خطأ وتزود من إمه جوكاستا . أما في مسرحية يوربيديس ، فيبدو إن فقدان  أودبيوس لبصره كان بفعل ملك طيبيا لايوس والذي كان يعمل خادماً للملك أودبيوس . إضافة إلى إن مسرحية أودبيوس تتضمن بأن عماء أودبيوس قد حدث قبل أن يعرف بأن لايوس هو والده . بينما في مسرحية سوفوكلس ، نلحظ إن جوكاستا تقتل نفسها . غير إن الشذرات الباقية من مسرحية يوربيديس تصور جوكاستا حية خالدة والتي صاحبت أودبيوس إلى المنفى [175]. 
 
   ولاحظنا إن من مسرحيات يوربيديس الضائعات ، مسرحية ثايستيس والتي تركت أثراً على مسرحية الفيلسوف الرواقي الروماني سينيكا الصغير والذي كتب مسرحية باللاتينية وحملت عنوان ثايستيس كذلك . وثايستيس في الأصل اليوناني اليوربييسي (نسبة إلى يوربيديس) هو إبن الملك الأولمبي بيلوبس . ووفقاً للأصل اليوناني فإن ثايستيس وأخيه أتريوس قد نفاهما والدهما بيلوبس بعد إقدامهما على قتل إخيهما غير الشقيق كريسبيوس وذلك لطمعهما في وراثة عرش والدهما .
 
  وفعلاً فإن هذه المسرحية اليوربيديسية تركت أثاراً واضحة على النصوص المسرحية التي كتبها الفيلسوف الرواقي الروماني . فقد كتب في القرن الأول الميلادي تراجيديا وأطلق عليها عنوان ثايستيس وألفها سينيكا في عام 62 ميلادية . والمسرحية بنظر النقاد ، هي من جنرا (جنس) تراجيديا الإنتقام . وبالطبع هذه المسرحية اليوربيديسية ألهمت الأساطير والملاحم اليونانية . ومن المفيد أن نشير إلى مسرحية سينيكا وفقاً للشذرات الباقية ، تحمل الكثير من الإختلاف عن الأصل اليوناني الذي كتبه يوربيديس [176]. 
 
تعقيب ختامي :         
 
  عقد بعض الأكاديميين الغربيين مقارنة بين عمالقة المسرح اليوناني الثلاثة ؛ إسخليوس وسوفوكلس ويوربيديس . ولاحظوا مثلاً إن إسخليوس فاز بثلاثة عشر جائزة ، بينما فاز
 
سوفوكلس على الأقل بعشرين جائزة . في حين فاز يوربيديس خلال طول حياته بأربعة جوائز فقط [177] ولكن مسرحياته ظلت تفوز بجوائز بعد وفاته [178]. والمقارنة على أساس عدد الجوائز بين جهابذة المسرح اليوناني الثلاثة ، كانت مؤشراً عند البعض ، فحملتهم على الإعتقاد بأن يوربيديس كان الأقل شهرة وسمعة من معاصريه كل من أسخليوس وسوفوكلس ولعل الصحيح برأينا هو إن يوربيديس كان الأصغر سناً من أسخليوس (أكثر من أربعين سنة) وكان الأصغر سناً من سوفوكلس (بحدود ستة عشر سنة) واللذان إستهلا عملهما المسرحي قبله بردح من الزمن وهذا هو معيار الشهرة ..[179] .
 
  ولهذا نحسب إن الفوز بالجائزة الأولى لم يكن معياراً على النجاح يومذاك . كما وإن هناك أسباب آخرى برأي الأكاديميين الغربيين ، كان لها دور في تعطيل عملية إنتخاب الأكثر منها إن نظام إختيار الجوري (لجنة التحكيم) لم يكن نظاماً عصياً ومنضبطاً وخال من عيوب التحكيم .. كما إن لجنة الجوري في الإنتخاب كانت مقيدة جدا جدا ، حيث لا خيار أمامها إلا أن تختار المسرحية المتميزة والمتميزة فقط [180]. وهذه علامة تُدلل برأينا على إن عملية التحكيم غير دقيقة وغير شاملة بحيث تتكون قائمتها في التحكيم من علامات رقمية تُحدد قيم رقمية لكل أطراف المسرحية ومن ثم في النهاية فإن حاصل مجموع هذه القيم الرقمية هي التي تحدد المسرحية الفائزة .
 
  ومن المفيد أن نشير إلى شهادة كاتب مسرحي كان معاصراً إلى يوربيديس ، وهو الكاتب المسرحي الكوميدي الأثيني آرسطوفان[181](446 – 386 ق.م) وهو بالطبع الأصغر من يوربيديس بأربع وثلاثين سنة . وفي طرف من شهادته قيمة تاريخية ، وحيث إن الكثير الكثير من إهتمام آرسطوفان الكوميدي (ذات طعم تهكمي ساخر) في النظر والتقويم لأعمال يوربيديس [182]. أما من طرف شهادة سوفوكلس والذي كان معاصراً ليوربيديس ويومها سوفوكلس سيد المسرح اليوناني بعد موت إسخليوس عام 455 ق.م ، فهي شهادة لها طعم خاص ، فقد كان سوفوكلس ممتناً كثيراً وبما فيه الكفاية من الشاعر الشاب يوربيديس الذي إعترف بصراحة بالتأثير الذي تركه سوفوكلس على مسرحياته المتأخرة وخصوصاً كل من مسرحية فيلوكتيتيس ومسرحية أودبيوس في كولونيوس [183].
 
  كما ولاحظ الباحثون الغربيون في تاريخ الفلسفة اليونانية عامة وتاريخ الفلسفة الأرسطية خاصة ، إلى إنه بعد أقل من مئة عام طور الفيلسوف اليوناني آرسطو ، نظرية بايولوجية وبالتحديد خلال دراسته لتطور التراجيديا في آثينا والتي ذهب فيها إلى ” إن فن التراجيديا ولد وتطور تحت تأثير إسخليوس ، ومن ثم وصل إلى مرحلة رجولته (منا) ونضوجه على يد سوفوكلس ، وبدأ يتدهور في مرحلة يوربيديس ” [184].
 
  ونحسبُ إنه رغم درجات صدقية النظرية البايولوجية الأرسطية بحدود ما . إلا إن التاريخ وخصوصاً تاريخ المسرح اليوناني وبالطبع تاريخ المسرح الأثيني على وجه التخصيص يشهد على إن مسرحيات يوربيديس إستمرت موضوع إحتفال الجمهور الأثيني بعد موت كل من إسخليوس وسوفوكليس . حيث تحول آدب يوربيديس المسرحي إلى مدرسة مسرحية كلاسيكية في الفترة الهيلينستية . والشاهد على ذلك إن الشاعر المسرحي الروماني والفيلسوف الرواقي سينيكا قد تبنى العديد من مسرحيات يوربيديس ومن ثم قام بتكييفها وقدمها لجمهور المسرح الروماني (اللاتيني) . وعلى هذا الأساس يمكن القول ” إن يوربيديس كان من إمتلك مصدر وحي التراجيديا ، وليس إسخليوس أو سوفوكلس ، وكان يوربيديس إضافة إلى ذلك سيد إعادة ولادة التراجيديا في عصر النهضة الأوربية ” [185].
—————————————————————————————————
المصدر : مجلة الفنون المسرحية – د. محمد جلوب الفرحان – مدونة الحداثة ومابعد الحداثة

شاهد أيضاً

المسرح متعدد الثقافات، أم مسرح المهجر … مادة بحثية حـسن خـيون

المسرح متعدد الثقافات، أم مسرح المهجر … مادة بحثية  حـسن خـيون  المقدمة  في قراءة للتاريخ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *