الفاضل الجعايبي: المسرح فن بال إما أن يتجدد دائما وإما أن يندثر #تونس

المسرحي التونسي الفاضل الجعايبي من أهم التجارب المسرحية عربيا وعالميا، حيث يعتبر من مؤسسي المسرح الجديد في تونس، الذي غير من وجه المسرح التونسي جذريا، وقد سبق للجعايبي تقديم مسرحيات كثيرة من أبرزها “غسالة النوادر” و”عرب” و”جنون” و”خمسون”، ويملك المخرج التونسي رؤية مختلفة للفعل المسرحي اليوم. “العرب” كان لها هذا اللقاء معه في حوار حول أهم عناصر رؤيته للمسرح راهنا.

بداية يرى الفاضل الجعايبي أن الفن سياسة، هو لا يؤمن بمقولة الفن لأجل الفن، في تجريديتها وفراغها من المعنى، فالفن كما يقول الجعايبي “تحد يومي للذات وللآخر”، سواء أكان الآخر هو المسؤول أو المتفرج.

ويفضل الجعايبي تسمية رواد المسارح بالمتفرجين، حيث يرى أن لكل متفرج منهم خصوصياته، لذا فهو يرفض بشكل قاطع تسمية “الجمهور” إذ يراها نوعا من الدمغجة، التي تنسحب في رأيه أيضا على تسمية “شعب” بينما الأجدر هو “مواطنون”. فالجعايبي يؤمن بأنه يخاطب الإنسان الفرد، على اختلافاته. فالإنسان في نوعيته وتنوعه هو رهان فني.

أهمية الممثل

في ما يتعلق برئاسة الفاضل الجعايبي لمؤسسة المسرح الوطني، يقول “لقد قبلت ترؤس المؤسسة على مضض، في محاولة لإنقاذها من الإحباط وحالة الانهيار التي كانت تعيشها، وغياب البنية المناسبة والتصورات العامة للمؤسسة”.

ويؤكد الجعايبي أنه أتى إلى مؤسسة المسرح الوطني بثقافة المؤسسة الحرة، وليصلح ويشيد، مستفيدا من  التجارب السابقة وأهمها تجربة المسرح الجديد، وهي التي غيرت من المشهد المسرحي التونسي جذريا، كما يؤكد على أنه يسعى إلى التأسيس المسرحي الشامل، على خلاف ما ذهب إليه المدير الأسبق محمد إدريس من التركيز على السيرك، و“النضال يجب أن يستمر دائما لخلق البدائل” كما يقول المسرحي التونسي.

المسرح يعاني من تراجع مرده الاستسهال الكبير من بعض المسرحيين، إضافة إلى تفشي حالة من الفقر الفكري والمرجعي

في تصور الجعايبي فإن المسرح التونسي يعاني من تراجع، مرده الاستسهال الكبير من بعض المسرحيين، إضافة إلى تفشي حالة من الفقر الفكري والمرجعي، وهذا في رأيه يعود بالأساس إلى أسباب هيكلية وسياسية ومادية وقانونية، وعلى هذا الأساس ركز رؤيته لمشروع مسرحي متكامل عماده بشكل خاص “مدرسة الممثل” التي كانت من شروطه الأساسية في مؤسسة المسرح الوطني، ثم إنتاج الأعمال ثم التوزيع.

المسرح كما يرى الجعايبي فن بال، ولذا يجب أن يتجدد باستمرار أو يندثر، كما أنه يشدد على أن عناصر العمل المسرحي ثلاثة، هي النص والإخراج والممثل، وهذا الأخير خاصة هو جوهر الفعل المسرحي، وقد لاحظ الجعايبي أن المعهد العالي للفن المسرحي كوّن أجيالا مسرحية مميزة فكريا ونظريا وحتى تطبيقيا، لكنه وجد بعض النقص في مستوى تكوين الممثل، وهنا كان مشروعه بتأسيس مدرسة الممثل، المفتوحة حتى على من لم يتلقوا تكوينا مسرحيا أكاديميا.

مدرسة الممثل كما يلفت الجعايبي ليست هيكلا موازيا للمعهد العالي للفن المسرحي، وإنما هي مكمل له، كما أنها تتيح الفرصة لمن هم من خارج المعهد لممارسة المسرح والاحتراف فيه.

بعد أكثر من خمس سنوات على انطلاق مدرسة الممثل، قدمت خلالها 85 خريجا وفاعلا مسرحيا يشكلون ما يشبه “العائلة المسرحية”، كما يقول الجعايبي، وأخيرا توضحت الصيغة القانونية للمدرسة ليصبح اسمها “المدرسة التطبيقية للحرف المسرحية”، تقدم شهادات معترفا بها رسميا للمتكونين، كما أنها فتحت المجال لتكون لا للتمثيل فقط وإنما كذلك في اختصاصات الإخراج والكتابة والسينغرافيا.

ويبدأ عمل المدرسة في التكوين، وخلق فرص للشباب لممارسة التمثيل، والعمل على صقل الموهبة، إضافة إلى تطوير تجاربهم، وتحقيق مردود مادي أيضا، ومن ثم الانتقال من التربص إلى الإنتاج المسرحي.

الخروج من الجمود

مشروع الجعايبي المسرحي قائم على أربعة أعمدة؛ مدرسة الممثل والإنتاج والتوزيع واستضافة العروض
مشروع الجعايبي المسرحي قائم على أربعة أعمدة؛ مدرسة الممثل والإنتاج والتوزيع واستضافة العروض

يؤكد الفاضل الجعايبي أن مشروعه المسرحي منفتح على استقطاب تجارب مسرحية مختلفة من خارج مؤسسة المسرح الوطني، لإنتاج أعمال مسرحية متميزة، يشرف المسرح الوطني على دعمها إنتاجيا وفي توزيعها كذلك، داخل تونس وخارجها. وخلال خمس سنوات أنتج المسرح الوطني 22 عملا مسرحيا لأبرز المخرجين المسرحيين التونسيين اليوم.

فالإنتاج والتوزيع من أهم النقاط التي يركز عليها الجعايبي في رؤيته للفعل المسرحي، معتبرا أن رابع عمود لمشروعه هو استقبال الأعمال الأجنبية. حيث يستضيف المسرح الوطني عروضا مسرحية مختلفة على طول العام من دول أجنبية، في استقدام لتجارب مسرحية مختلفة للمتفرج التونسي، الذي قد لا يتمكن من السفر لمشاهدتها.

 واستقبال العروض يستمر على مدار العام كما يقول الجعايبي، مضيفا أن هناك أيضا تظاهرة أسبوع اليوم العالمي للمسرح، التي تشارك فيها عروض أجنبية متنوعة في تظاهرة توازي أهميتها أهمية أيام قرطاج المسرحية.

ويذكر الجعايبي أن المسرح الوطني سيستضيف هذا العام المسرحي الإنكليزي الكبير بيتر بروك، وذلك في شهر مارس بالتزامن مع أسبوع اليوم العالمي للمسرح.

ويقول الجعايبي إن المسرح الوطني انتقل من حالة الجمود والانهيار وغياب الجمهور، حيث أحيانا كان يفوق عدد من هم على الركح عدد الحضور، إلى تسجيل أرقام قياسية في استقبال المتفرجين. كما تم ترسيخ فكرة المؤسسة التي لا تعول فقط على دعم الدولة ومن هنا جاءت فكرة إحداث المقهى الثقافي، ومسحت المؤسسة كل الديون المتخلدة بها سابقا، حيث تمكنت من توفير ثلث التمويلات من مصادر خاصة بينما تطالبها وزارة الثقافة بنسبة 10 بالمئة فقط، كما أرست المؤسسة منظومة اتصال متكاملة، فصبغة العمل المسرحي ليست فنية فحسب كما أكد الجعايبي في مطلع حواره معنا، بل هي أيضا سياسية واقتصادية وتربوية وغيرها.

حول إنتاجه لعملين في مؤسسة المسرح الوطني يلفت الفاضل الجعايبي إلى أن القانون يتيح له ذلك، مؤكدا على من ينقدونه بأن من حقهم النفاذ إلى المعلومة، وتلقيها من مصدرها، وهو مُرحب بذلك. كما يشير إلى أنه يعمل على مسرحية ثالثة.

وأنتج الجعايبي مسرحيتي “العنف” و“الخوف”، وقد لقيتا نجاحا كبيرا في الإقبال عليهما، حيث حققت “العنف” ما يناهز 420 ألف دينار، فيما حققت “الخوف” قرابة 150 ألف دينار، وكلها عائدات تصب في صندوق مؤسسة المسرح الوطني، وهو ما يراه الجعايبي إنجازا للمسرح الذي نادرا ما يحقق شباك تذاكره أرقاما تذكر.

ويلفت الجعايبي إلى أن مسرحيتي “العنف” و“الخوف” هما جزآن من ثلاثية، وإن كان بعضهم يرى أن رؤيته كانت قاتمة فيهما، فإنه لا ينكر ذلك، حيث هو يتمثل الواقع الذي يعتبر أكثر قتامة، ويحفر في أعماق الأنثروبولوجيا بأدوات فنية تعري المسكوت عنه من قهر وكبت وعنف وخوف من الزمن والإنسان وغيرهما.

ويخصّ الجعايبي “العرب” بعنوان مبدئي للجزء الثالث، الذي سيكون بعنوان “حُلم”. ويشير إلى أنها مسرحية فيها نوع من “التشاؤل” على حد تعبير إيميل حبيب في روايته الشهيرة “المتشائل”، فهي تجمع بين الحلم المشرق والحلم المخيف، بين هذا وذاك، بين نقيضين، وسيقدم الجعايبي قريبا ثالث أعمال ثلاثيته.

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …