(العين) طه سالم : ‎أنا رائد مسرح اللامعقول في العراق – العراق

‎في أواسط الخمسينات، وما تلاها من سنوات، تألقَ في المشهد المسرحي العراقـــــــــــــي مجموعة من الكتاب والمخرجين مشكلين ظاهرة في الحياة الثقافية، عامة، والمسرحيّة، خاصّة؛ من هؤلاء الفنان طه سالم الممثل والكاتب والمخرج المسرحي، الذي استطاع أن يقدم تجربة يشار اليها بالبنان؛ فمسرحيته «طنطل» شكلت نموذجاً لمسرح اللامعقول في المسرح العراقي حيث كانت المرة الأولى في مسرحنا، يُقدّم فيها مثل هذا العمل… وقد وصفه النقاد في حينه بـ«هاملت في بغداد»، إلى جانب ذلك كان من المؤسسين لنقابة الفنانين، وعضو أول مجلس مركزي للنقابة المذكورة، ومؤسس فرقة اتحاد الفنانين، ومن المساهمين الأوائل في فرقة مسرح الفن الحديث.

‎ما يميز محتوى كتابات مسرح طه سالم، هو الحس الوطني، ونصرة المظلومين والوقوف الى جانب المهمَّشين. ولعل مرّد ذلك عائد إلى معاناته الطويلة، في بناء تجربة مسرحية امتدت زهاء نصف قرن، ولا تزال تنبض حتى يومنا هذا! فضلا عن تعرّض أعماله للسرقة من قبل مخرجين وكتاب هم اليوم من نجوم المسرح والتلفزيون، كما سيكشف هو، في هذا الحوار الملتهب مع طه سالم:

■ التهميش الذي نال أعمالك، في السابق، كان سببه عدم مجاراة النظام، وأجندته الإعلامية… فما سبب التهميش اليوم؟

‎- السبب أن الثقافة اليوم؛ ومن ضمنها المسرح، لا تحظى باهتمامات الدولة. تصور قدمت مسرحية تناقش واقع العراق اليوم بعنوان نجمة أم ذويل منذ أكثر من عام ونصف العام، إلى دار الشؤون الثقافية، ولم تطبع، رغم أن ما يُطبع، فيها، ليس أفضل من مسرحيتي.

■ ما سبب ذلك؟

‎- لا يمكن أن أحدد سببًا معيّنـًا، لكني أشعر أنّ هناك تهميشاً متعمداً لي، ولجيل الرواد، وأعني جيل المبدعين. ربما تمكن الإشارة إلى توجهات تقف وراء تهميش المبدعين؛ من تلك التوجهات: الأنانية، أو النرجسية الزائدة، و الوصولية… كل ذلك اجتمع في قضية تهميشنا.

‎■ لماذا لم تجرب طباعة مسرحياتك وكتبك في المطابع الخاصة؟

‎- تمنيت ذلك… ولو كانت لديّ القدرة المادية على ذلك لما انتظرت مِنِيـّـــة أحد لطبع أعمالي، والطبع اليوم، كما تعلم، مكلف جداً في المطابع الأهلية، وأنا غير قادر على ذلك. وهنا أخصّ بالشكر دار الهنا وجمعية الثقافة في العراق، على مبادرتهما إلى طبع مسرحيتي «نجمة أم ذويل».

‎■ تعرضت بعض أعمالك للسرقة، أو لشيء من ذلك؟

‎- أعمالي في الستينات كانت تستشرف المستقبل، وكان هناك من يتعكز عليها، أو يأخذ منها… وأحيانا تجد جميع أحداث المسرحية موجودة في نصوص ومسرحيات لآخرين.

■ متى حدث ذلك؟

‎- منها ما قـُدِّم في التسعينات، ومنها بعد مفتتح الألفية الثانية.

‎■هل يمكن تحديد أعمال بعينها، وكشف بعض الأسماء؟

‎- أجل، أشير إلى مسرحيتي «البذرة» التي قدمها عمران التميمي مجدداً ودعا إليها الممثل العربي الراحل يونس شلبي كذلك ترجم محمد عبد الرحمن زنكنة إحدى مسرحياتي الى اللغة الكردية، ووضع اسمه عليها كمؤلف وليس مترجماً. حتى الفنان الراحل سليم البصري أخذ تمثيلية الســــــائل والمسؤول من تمثيلية لي بعنوان شدة ورد التي أعطيتها له ثم، بعد حين، ادّعى أنها ضاعت ثم ظهرت التمثيلية باسمه، وبعضهم الآخر باعها في دول الخليج العربي!

‎■ كم نصاً كتبت؟

‎- في حدود أربعين نصاً مسرحياً للكبار والأطفال؛ منها مسرحيات طنطل و فوانيس أخرجها الفنان إبراهيم جلال و الكُوْرة أخرجها الفنان محسن العزاوي وورد جهنمي وما معقولة إخراج الدكتور سامي عبد الحميد.

‎■ ألاحظ أن تجاربك في التمثيل، كانت قليلة؟

‎- في المسرح كنت أمثل مع فرقة المسرح الفني الحديث، وفرقة اتحاد الفنانين، وكانت من الفرق الخاصة، ولا تأثير للنظام السابق فيها… لكن في التلفزيون كانت التجارب قليلة، لأنني كنت محاصراً لعدم انتمائي الى حزب البعث… وأذكر من أعمالي التلفزيونية تحت سقف واحد و عيونها والنجوم.

‎■هل طلب منك بصورة مباشرة أن تلتحق بركب البعث؟

‎ـ نعم… لقد ساوموني إن انتميت إلى البعث فسأكون بطلاً لمعظم الأعمال التلفزيونية لكني رفضت.

‎■ راج في هذا الوقت إنتاج الأعمال الفنية العراقية في سوريا، كيف تجد ذلك؟

‎- أجدها أعمالاً قلقة، وليس فيها الخاصيّة عراقية، بحكم تبدل البيئة، لكن من جانب فني هناك تطور تقني، لاسيّما في الأمور الفنية البحت.

‎■ هل اكتشفت نجوماً في الفن؟

‎- معظم الدكاترة في الفن اليوم خرجوا من عباءتي… أذكر منهم الدكتور صلاح القصب الذي أدخلته معهد الفنون الجميلة، حين كنت في النشاط المدرسي وشاهدته في إحدى المدارس، ولا يفوتني أن أذكر، هنا، ابنتيّ، الدكتورة شذا والدكتورة سها. فقد تخرجتا في مدرستي، قبل تخرجهما في الأكاديمية. ولا بد من الإشارة إلى رعايتي لشقيقتي وداد سالم.

‎■ أهم المخرجين الذين جسدوا أعمالك؟

‎- أشرت إلى ذلك في إجابة سابقة، وأعيد تأكيد أن أبرز مَن قدم مسرحياتي، هو الفنان إبراهيم جلال والفنان محسن العزاوي لأن عقليتهما منفتحة ومتنورة، ولا يعتمدون الأساليب التقليدية في العمل المسرحي، ويواكبان التطورات في هذا المجال. فمسرحيتي طنطل التي أخرجها العزاوي، أثارت جدلاً واسعاً، فقد قال عنها الناقد المسرحي المترجم يوسف عبد المسيح ثروت: إن جميع كتاب المسرح في العراق تأثروا بالمسرح العربي، إلا طه سالم فله أسلوبه الخاص، في حين قال عنها الناقد حميد رشيد: إنها هاملت في بغداد، وناقد آخر، لا أذكر اسمه الآن، قال: إنها – طنطل – أول عمل في مسرح اللامعقول، في العراق، وثاني تجربة في الكتابة للمسرح العربي، بعد توفيق الحكيم، وقال الناقد علي حسين: إن طه سالم هو رائد المسرح التجريبي في العراق، وقال سامي عبد الحميد: إنه عمل طليعي، في حين قال نيازي عبد الله عن مسرحيتي «فوانيس»: إنها شمس مشرقه في المسرح العراقي.

‎■ كيف تجد مسرح اليوم؟

‎- في السابق كانت هناك عدة مسارح، والأعمال متواصلة في جميع القاعات، أما اليوم فلا وجود إلا لقاعة واحدة، ومن يقدم أعماله عليها هم فئة محدودة، ولا يتمكن أي فنان أن يقدم عرضاً في المسرح الوطني!

‎من جانب آخر أجد في مسرحنا اليوم ظاهرة الرقاعين التي تتمثل في الذين يأخذون أعمالهم من أعمال سابقة؛ من هنا فكرة، ومن هناك حوار، ومن هنا بيت شعر، ثم تجميعها في أعمال فنية يقدمونها بأسمائهم، ولا يكتفون بسلب حق المؤلف الحقيقي وتشويه نصوصه وأفكاره… بل يذهبون بها إلى المهرجانات على أنها من عنديات أفكارهم… حرام أن يحصل ذلك في مسرحنا، لأن الفنان يجب أن يكون صادقاً مع نفسه ومع الآخرين… كما أجد أن هناك نسّاخين في مسرحنا ينسخون نصوصاً كاملة من النصوص الأجنبية ويسجلونها بأسمائهم بلا أمانة.

‎■ ما السبب وراء ذلك، في رأيك؟

‎ – الموهبة! فحين يفتقدها الفنان يلجأ الى ذلك، وهذا دليل ضعف، ومرة أخرى أكرر: وعدم أمانة.

‎■ هل هناك قضية يمكن إثارتها؛ تهمّ المسرح العراقي؟

‎- نعم… هناك ظاهرة العالمية التي لن نصل إليها إلا عبر المحلية كما وصلها قبلنا نجيب محفوظ… في حين نجد أن هناك في العراق من يحارب المحلية… فمثلاً مسرحياتي لا تطبع لأنها باللهجة المحلية… لماذا نحارب محليتنا، في وقت ينشرها غيرنا في العالم… هناك أعمال كثيرة تعتمد المحلية؛ منها شخصيات مهمة، كلها فقدت بسبب الإهمال والتهميش.

‎■ أهم الأعمال التي أخرجتها للمسرح؟

‎- أنتيكَونا (أنيتغون) ونساء طروادة، ونزهة البستان، ومدينة تحت الجذر التكعيبي، وحكايات اللوري وسكان المستنقعات.

‎■ في المسرح كنت مؤلفاً ومخرجاً وممثلاً… فأين وجدت نفسك؟

‎- التأليف المسرحي أصعب وأشق من غيره… ومسؤوليته التاريخية أخطر من فن التمثيل والإخراج… لهذا تجد أن كُتاب المسرح، في العالم، نادرون، في حين يعجّ فن التمثيل بالمواهب التي لا تعد، فضلا عن ذلك أجد في الكتابة فرصة أفضل لخدمة شعبي وفني.

‎■ الفنان الذي أثر بك على نحو أكبر من غيره؟

‎- أستاذي الراحل والكبير حقي الشبلي وهو في نظري قمة في التربية الفنية… وهو الذي أسس قواعد التعبير الصحيحة، وصقلَ المواهب في الحركة الفنية العراقية… كذلك الفنان إبراهيم جلال الذي يعد مفخرة عراقية وعربية في الإخراج، كذلك الحال مع الفنان جاسم العبودي وأسعد عبد الرزاق، اللذين قدما خدمات جليلة للفن العراقي.

‎■ هل يمكن أن نموضع تجربتك الفنية في محطات؟

‎- لقد بدأت فنانا في مرحلة الواقعية الاجتماعية؛ تلك التي تقوم على المؤلفات التحريضية، والكاشفة لعيوب الواقع ومفاسده… بعد ذلك، وبالتجربة والممارسة، تبلورت لديّ صيغ الكتابة شكلاً ومضموناً فطرقت الرمزية، والتعبيرية، وحتى السريالية… كما ذكر ذلك غير ناقد فني.

‎■ واليوم؟

‎اليوم لا ينصب همي على اتجاه الكتابة، بل على محو تلك الكتابة! لأنني أكتب من دون أن أجد نتيجة لتلك المقدمات الشاقة والطويلة، وبطريقة تثير الاستغراب! فهل من المعقول أن يُركن كاتبٌ مثلي شغل المسرح، وأهله لعدة سنوات بنتاجه المتميز؟ بدلاً من الاستفادة من خبراته وتجاربه وكتاباته.

‎■ لماذا لا تكتب عن هذا الواقع؟

‎- لقد كتبت مسرحية نجمة أم ذويل، كما ذكرت، وكان فيها الكثير من الإرهاصات والإسقاطات على واقع اليوم… لكن أين هو الذي يُظهرها إلى الوجود؟ لقد ولـَّدَت هذه الحالة إحباطات في نفسي، وأنا الذي تفاءلت بانهيار النظام السابق، وتوقعت الانفتاح من النظام الجديد على الكتاب الرواد لاسيما الذين كانوا مهمشين مثلي!

‎وأخيرًا تأمل طه سالم المشهد، ثم قال:

‎- الحرية واحة كبيرة للفنان لأنها تتيح له الإبداع والانطلاق، وعلينا أن نفهمها بمغزاها الحقيقي بعيداً عن التهميش وغلق الأبواب أمام المبدعين.

——————————————————————————

المصدر : ‎مجلة الفنون المسرحية – حوار: قحطان جاسم جواد – الأسبوعية

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *