العصفورى: العدو الحقيقى للمسرح هو الجهل والادعاء/هند سلامة

تفاوتت وتباينت رودو فعل المسرحيين فى استقبال خبر أو مفاجأة زيارة السفير الإسرائيلى للمسرح القومى لمشاهدة عرض «ليلة من ألف ليلة» للفنان يحيى الفخرانى وإخراج محسن حلمي، وتحديدا يوم السادس من أكتوبر وهو اليوم الذى تحتفل فيه مصر بانتصارها التاريخى العظيم، فهناك من تعامل بحكمة ودهاء الحكماء، وهناك من سيطرت عليه حمية المشاعر الوطنية ورفض الأمر كليا وبالتالى استنكر عرض المسرحية فى حضوره، لكن فى النهاية اتفق الجميع على معاداة نفس الشخص والدهشة تجاه هذه الزيارة، وإن اختلفت الطائفتان فى التعبير عن نفس مشاعر العداوة وكراهية الموقف، وعدم الرغبة فى الترحيب، وكان قد أصدر يوسف إسماعيل مدير المسرح القومى بيانا يعقب فيه على هذا الحدث جاء به..
«إن المسرح علم مساء الخميس 6 أكتوبر بوجود السفير الإسرائيلى بين جمهور العرض المسرحى «ليلة من ألف ليلة» للنجم يحيى الفخراني، مضيفا أن السفير توجه فور وصوله إلى شباك التذاكر وقام بنفسه بحجز عدد من المقاعد على نفقته الشخصية، ولم يتم التعامل معه بأى شكل استثنائى مؤكدا عدم استقباله أو توجيه التحية له، وصولا إلى قيام السفير بمحاسبة عمال كافيتريا المسرح على ما تناوله من مشروبات دون تدخل من قبل الإدارة، وأكد إسماعيل عدم صحة ما تداوله البعض بشأن الترحيب بالسفير مشددا إدارة المسرح حرصت على تجاهله تماما.
وأضاف: فور انتهاء العرض مباشرة حرصت على تهنئة جمهور العرض والشعب المصرى بذكرى انتصار اكتوبر وهو ما تفاعل معه الجمهور بالتصفيق الشديد، مما دفع السفير إلى مغادرة المسرح بشكل سريع، وقال إسماعيل إنه أبلغ وزير الثقافة ورئيس قطاع الإنتاج الثقافى ورئيس البيت الفنى للمسرح بالواقعة فور علمه بها، وكان الاتفاق على تجاهل وجوده تماما، وتمرير الليلة بشكل عادي، ولفت إسماعيل أن الفنانين العاملين بالعرض كانت لديهم رغبة فى الاعتذار عن تقديمه فى حضور السفير الإسرائيلي، لكننا وجدنا ضرورة احترام وتقدير الجمهور الذى حرص على المجىء هذه الليلة، ووجدنا أهمية الاحتفال معه بالذكرى 43 لانتصارات أكتوبر المجيدة».
و.. السؤال هنا ماذا تفعل لو كنت مكان مدير المسرح القومي؟..
قال المخرج المسرحى سمير العصفورى معقبا: شهد مسرح الطليعة عام 1981 نفس الموقف وربما كانت الظروف السياسية أكثر توترا وسخونة من الظرف الحالي، ففى أيام عرض «المغنية الصلعاء» بقاعة صلاح عبد الصبور بمسرح الطليعة زار السفير الإسرائيلى عام 1981 المسرح وحاول حضور المسرحية لكن وقتها كان أبطال العمل خارجين من الجيش، وكانوا أكثر توترا وسخونة، فظلوا صامتين حتى أحرجوه وخرج من قاعة العرض، لكن اليوم أعتقد أن الموقف مختلف ورد فعل مدير المسرح القومى كان بليغا، عندما قرر استمرار العرض ثم صعوده للتحدث عن نصر أكتوبر والعبور.
ويضيف: بالطبع لابد أن يختلف رد الفعل بسبب عوامل فرق السن والعمر لأن الشباب عادة يكونون أكثر حرارة بجانب أن الموقف مع اسرائيل وقتها كان لا يزال دمويا ساخنا، ونحن اليوم أصبحنا نعانى من وجود أعداء أكثر دموية من اسرائيل داخل أحشائنا، وهناك نقطة شديدة الأهمية وهى أن المسرح عليه إقبال كبير وفتح أبوابه للاحتفال بيوم السادس من أكتوبر فكيف يغلق الأبواب أمام جمهوره خاصة أن المسرح القومى له عشاقه ومريدوه، والسفير نفسه يعيش فى مصر ويتجول بالأسواق والحسين ومعارض الفن والتصوير ولم يفتح أحد فمه، فلماذا حدثت هذه البلبلة يوم ذهابه للمسرح، والموضوع أخذ حجما كبيرا وهو ليس له حجم من الأساس، والشيء الوحيد الذى يستلزم الدفاع عنه هو المسرح فقط، بمعنى أن المسرح المصرى برغم كل مشاكله وعيوبه وآرائنا السلبية فيه إلا أنه لا شك له جاذبية خاصة وسحر خاص يجذب الأعداء قبل الأصدقاء، والمسألة ليست إلا مجرد مراهقة فكرية فى نهاية الأمر لأنه ليس هناك غفير يحرس المسرح كى يكشف عن عقيدة أو ديانة أى شخص مرتاد له سواء كان سلفى أو إخوانى أو يهودي، وقائمة أعادؤنا اليوم أصبحت كبيرة، فبدلا من الكلام عن زيارة السفير يجب أن نتحدث عن أمر آخر هام، وهو هل نحن لدينا موقف واضح بمسرحنا من فكرة التطبيع، هل اليوم نقدم عروضا مسرحية تتناول هذه القضايا أو حتى نكشف شعورنا تجاه أعدائنا بشكل حقيقي، هل نحن حريصون على ذلك، فيجب أن نتحدث عن الطاعون الذى أصاب المسرح بعد أن فقد فكره ووطنيته، لأن هذه الوجبة الفكرية أصبحت غير مطروحة بأعمالنا المسرحية، وهذه الزيارة ما هى إلا مجرد بالونة انفجرت وانتهت، وأبسط الأشياء يجب أن نتساءل ونعرف من هو عدونا الحقيقي، الذى أرى أنه ببساطة هو الجهل والادعاء الذى نمارسه طوال الوقت وتصفية حسابات ليس لها أى داع، وفى النهاية قالها الفنان عادل إمام من قبل «السفارة فى العمارة» فلماذا تتعجبون من أن السفارة أصبحت فى المسرح القومي..!!
اتفق معه فى الرأى المخرج المسرحى محمود أبو دومة: بالطبع ردود الأفعال تختلف حسب قوة أعصاب كل شخص، لكن طالما الرجل دخل المسرح كى يقطع تذكرة مثل أى شخص عادى ولم يتم استقباله رسميا بشكل بروتكولى كما هو معتاد فى هذه الحالات بل فاجاء الجميع بحضوره وهذا شيء مقصود، ويجب أن نعترف بأن اسرائيل لها علاقات مع مصر وهناك حالة سلام، وهناك رجال أعمال يأتون إلى مصر والعكس، وحضوره فى يوم مثل أكتوبر أعتقد أنه نوع من المقلب السخيف، وهو اليوم الذى هجم فيه الجيش المصرى والسوري، فوجوده بمثل هذا اليوم ما هو إلا جس نبض، لكن فيما يتعلق بتصرفى على المستوى الشخصى سبق وأن وضعت فى موقف مشابه بمكتبة الإسكندرية أراد القنصل الإسرائيلى دخول المكتبة أثناء أحد العروض ورفضت دخوله وقتها، وفى النهاية مهما كانت بيننا علاقات فى العلن لكن الشعب من الداخل لديه موقف وليست لدينا علاقات قوية مع اسرائيل لأن الشعب رافض التطبيع وأى شيء لا يعترف به المجتمع لن يعيش حتى ولو كانت علاقة زوجية، لكن فى رأى مدير المسرح القومى تصرف بشكل عاقل ولم ينفعل أو يتعامل مع الموقف بحماقة، لأن الأحمق الحقيقى هو السفير الإسرائيلي.
وقال المخرج الشاب باسم قناوي: أعتقد لو أننى تعرضت لنفس الموقف لن ألغى العرض ففى النهاية المسرح مرتبط بجمهور خصوصا لو كانت الزيارة حدثا مفاجئا، لأن احترامى للجمهور أهم من انفعالى الشخصى لكن إذا كانت زيارة رسمية وأصبحت مخيرا بالقبول أو الرفض قد أفكر فى الأمر.
ويضيف: لكننى لست متأكدا من فكرة وجوده بشكل مفاجىء، خاصة أنه إذا كان دخل المسرح بشكل غير رسمى فلماذا سمح للحرس الدخول بسلاح، وهل يسمح المسرح لأى شخص أن يحمل سلاحا أثناء دخوله، وإن كانت هذه مفاجأة فلماذا لم يتم استغلالها إعلاميا بشكل جيد لمصلحة مصر، بمعنى أن يعلن أمام العالم بأنه فى اليوم الذى وجهت فيه أمريكا وبعض الدول تحذيرات أمنية لرعاياها بمصر، أن نرد عليهم عمليا بأن مصر قمة الأمن والأمان بدليل أن السفير الإسرائيلى نفسه يسير بالشوراع دون إخطارات أمنية أو محاذير بل يتجول بمصر فى أمان تام مثل أى مواطن عادي، هذا ما كان يجب أن نفعله لمواجهة الإدعاءات الأمنية على مصر فى ذلك التوقيت، كما أننى لست مع العزلة الثقافية فأؤيد رأى على سالم فى فكرة الإطلاع على ثقافتهم لأنه إذا أردت أن تهزم عدوك لابد أن تعرفه جيدا، وهذا الحاجز الذى نبنيه ليس فى صالحنا ونحن نفعله بمنطق الخوف من التعرض لهذا الكيان وليس بمنطق عزة النفس والكرامة..!
كما قال المخرج الشاب هانى عفيفي: «هعتبره زبون عادي» لأن المسرح ليس مكتوبا عليه ممنوع الدخول، لأننا لا نقوم بفرز الجمهور، وطالما اتبع القواعد المألوفة سأقدم العرض لكل الناس لكنه لن يكون مجال ترحيب أو موقف عصبى لن أهتم على الإطلاق بوجوده، أما إذا كانت هناك تجهيزات خاصة واجراءات استثنائية لإستقباله بالمكان، وقتها لن أرحب بعرض المسرحية.
مروة رضوان: أعتقد أنها كانت مجرد محاولة فاشلة للاستفزاز من لا شيء لأن التاريخ الذى ذهب فيه غريب ولست ضد ما فعله يوسف إسماعيل مدير المسرح على العكس هو فوت عليه فرصة سبق صحفي، وفى النهاية هو موجود بشكل رسمى فى البلد ولم يمنعه أحد من ممارسة حياته بشكل طبيعي، لكنه سعى فقط للاستفزاز.
اختلف معهم فى الرأى المخرج إيميل شوقى خاصة وهو كان أحد أبطال مسرحية «المغنية الصلعاء» عام 1981 واحتج قائلا: لو كنت يومها ممثلا بالعرض كنت ستأخذ نفس الموقف الذى سبق وأن اتخذته وزملائى يوم عرض «المغنية الصلعاء ليست صلعاء» على مسرح الطليعة وكنا جميعا فى سن الشباب، عزفنا السلام الجمهورى وكان أحد أبطال العرض الفنان لطفى لبيب، ووقفنا جميعا بظهورنا صامتين، حتى خرج السفير بلا كلمة، وهذا موقف وطنى محترم، فلم ننفعل ولم نطرده، بل اكتفينا بالوقوف والصمت، وفهم الرسالة، واستجاب، واليوم إذا تكرر نفس الموقف سأكرر نفس الأمر وسنعزف السلام الجمهورى ونقف صامتين حتى يغادر الصالة، لأن اسرائيل تلعب لعبة كبيرة، فهى تريد التطبيع مع المصريين، وأهم جانب فى هذا التطبيع هو المثقفين المصريين، لكننا أصحاب موقف صلب فى هذه المسألة، وكان من الحكمة الأكبر ألا نعرض أمامه.

المصدر _ روز اليوسف

محمد سامي _ موقع الخشبة

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *