العرض السوري “كيميا”.. عندما تُولد الحياة مُجدداً في مساحة 3 أمتار – محمد المعايطة #مهرجان_المسرح_العربي12

ماذا تعني الحياة من غير حبّ، وكيف لنا أن نُقدم على خطوتنا التالية دون أن نكون ممتلئين بهذا الشعور الغامض الغريب، الشعور الجميل والموجع في الوقت نفسه. مهما حاولنا الإجابة عن هذه الأسئلة، نظل بعيدين عن الحقيقية، ندور في فلكها ولكن لن نصل. لأن الحياة بدون حب غير ممكنة على الإطلاق.

وعن خياراتنا الأخرى في الحياة التي ظلت مؤجلة كثيراً، عن الشجاعة لنتقدم خطوة ثم خطوات تجاه ما كنا خائفين منه، وعن الحب الذي لا يمكننا العيش بدونه، قدم المخرج السوري عجاج سليم، عرضه المسرحي الجديد “كيميا”، الذي أعده عن مسرحية “مجالات مغناطيسية” للكاتب الروسي ألكسندر أوبرازتسوف، ليستهل فعاليات ثاني أيام الدورة الـ12 من مهرجان المسرح العربي.

هكذا تحدثت “كيميا”..

حكاية العمل السوري جالت كلها في فلك الحب، من خلال مفارقة تخيلية غريبة جمعت بين عروس زفافها بعد ساعات، وبين رجل متزوج غريب عنها خرج لتوه من العمل، وكل ما يريده أن لا يتأخر عن المنزل. المفارقة التخيلية، كانت بتحويل شعور الترابط الذي يُخلق بين الأشخاص الغرباء -ويُدعى “الكيمياء البشرية”- إلى ترابط حقيقي كأن هنالك حبل يوثق كل واحد منهما بشكل فعلي، فيجعله غير قادر على ترك الآخر لأبعد من 3 أمتار.

هذا تماماً ما حدث مع شخصيتا العروس والرجل، اللذين التقيا صدفة في الشارع، وخُلقت هذه الكيميا بينهما. ورغم أنهما غريبان تماماً عن بعضهما، وأن لكل واحد حياته الخاصة، إلا أنهما لا يتمكنان من ترك بعضهما. ويُقدم عجاج هذه الرابطة كأنها شيء مادي ملموس لا تريده الشخصيات، لكنه واقع فُرض عليهما، ما يُجبر الرجل إلى الذهاب مع الفتاة إلى زفافها، لينتقل ويعيش مع العروس وعريسها في منزلهما بعد ذلك، أملاً بأن ينتهي هذا الإنجذاب المغناطيسي –على حدّ قول الشخصيات-. ومع مرور الوقت يقع الرجل والفتاة في حب بعضهما، ويقرران التضحية بحياتهما السابقة، والعيش معاً حياة جديدة، يختارانها بأنفسهما.

العمل على الخشية:

خفة الممثلين وإدارة المخرج..

عند تقديم كوميديا خفيفة “لايت كوميدي”، لا بدّ من اختيار ممثلين يتمتعون بخفة عالية على خشبة المسرح، وهذا ما فعله عجاج سليم، فقد تميز جميع الممثلين بخفة الحركة وضبطها بشكل كبير، الأمر الذي انعكس على إيقاع العمل الذي سار حتى آخره دون أي ملل أو تسارع لا مكان له. كما أعطى العمل سرداً مسرحياً خالياً من الحشو. وساعد تمكن الممثلين من شخصياتهم وانتقالهم بين الحالات الدرامية والإنفعلات الإنسانية بحسب ما يقتضيه الحدث بالشكل الملائم، على وضع المتلقي في حالة العرض.

وهنا، لا بدّ لنا من الإشادة بالممثلين اللذين جسدا الشخصيتين الرئيسيتين –العروس والرجل المتزوج- حيث استطاعا إقناعنا بتعابير أجسادهما، بأن هنالك حبل حقيقي يربط كل واحد منهما بالآخر. ومن الأمور التي ساعدت في إتقانهما للشغل الجسدي على الخشبة، إدراة المخرج لكل حركات الممثلين، الذين كانوا يعرفون جيداً من أين ومتى يبدأون خطوتهم وأين ومتى ينهونها، وكان هذا واضحاً في تحركاتهما على الخشبة. وعلى الرغم من حساسية وصعوبة هذه المشاهد التي تربط بين الممثلين، إلا أنهما تمكنا من تأديتها على أكل وجه، دون الشعور بأن هنالك عدم فهم أو اختلال اتزان بحركة الجسد عندما يذهب كل واحد منهما باتجاه مختلف، أو عندما يسيران بالإتجاه نفسه.

السينوغرافيا.. مساحات المراحل المتعددة

اعتمد عجاج سليم في إضاءة عمله على إضاءة شبه عامة/جنرال، ما كان ملائماً لحالة العرض الكوميدية والإجتماعية. وذلك إلى جانب اعتماده على فكرة مربعات الإضاءة التي حددت مسير الممثلين في الفضاء المسرحي وضبط حركتهم. إضافة إلى كونها عبّرت عن المساحة الشخصية التي يعيش كل واحد منهم فيها داخل المجتمع. وكيف من الممكن أن تجمع هذه المساحات الأشخاص، وكيف لها أن تفرقهم.

وفي عمق المسرح، كان هناك الستائر التي استخدمها سليم لتقديم عدة حالات مسرحية مختلفة، منها شاشة عرض قدمت للحضور صوراً مرافقة لبعض الحوارات لا سيما الشعرية منها. وأيضاً الحد الفاصل بين العالم المُتخيل عند الحديث في الحب والنصوص الشعرية التي ألقاها الفنان مأمون الفرخ، عن الحدث الواقعي الذي تعيشه الشخصيات.

الحب بين التناقضات.. أسئلة وقفت بوجه العرض

على الرغم من أن الحب، كان هو موضوع مسرحية “كيميا”، ولكن كان هناك أسئلة كثيرة حول الزاوية التي عرض المخرج عمله من خلالها. إذ كيف لنا أن نُمجّد الحب واختياراتنا فيه ونحن نبنيها على تعاسة الآخرين، وليس أي آخرين بل أقرب الناس إلينا. فكيف للرجل المتزوج أن ينساق وراء “انجذاب مغناطيسي” لحظي، ليعيش بعد ذلك قصة حب جديدة، وهو متزوج من امرأة أحبها سابقاً، ووُلدت قصة حبهما في أحلك الظروف…. الحرب. وأيضاً العريس الذي لم يتزوج بطريقة الصالونات، بل عاش قصة حب منذ الطفولة مع عروسه، حتى اللحظة التي قررا فيها الزواج.

وهل شيطنة الطرف الآخر –زوجة الرجل وعريس الفتاة- في بعض الأحيان، من الممكن اعتباره تبريراً لترك الرجل المتزوج لزوجته التي تنتظره في المنزل، والذهاب مع حب جديد..؟. وهل إظهار معاناة الطرف الآخر المذكور، من الممكن أن تعيد أنسنته بعد لحظات الشيطنة التي أظهرها العمل..؟ وهل نتاقضات النفس البشرية، تبيح لنا القبول والتصالح مع هذه الأحداث التي كانت أقرب إلى “النـزوات” أكثر من كونها حالات الحب..؟. وأسئلة على جانب آخر، في الوقت الذي مجّد فيه العمل المسرحي الحب، أين مكان الإخلاص والوفاء والقيم الإنسانية العظيمة الأخرى من كل ذلك..؟.

ولأن المسرح معمل الأسئلة، ولأن الحياة معمل الأسئلة الأكبر، قد نُجيز لأنفسنا طرح كل ما سبق من تساؤلات تصب في صميم فكرة العرض المسرحي. الذي رغم أن موضوعه الأساسي كان الحب، إلا أنه ربما نقل حالة ليست دقيقة إنسانياً، بغض النظر إن كان حدوثها في مجتمع شرقي أو غربي. فكأن شعورنا بالحب، يسمح لنا بفعل ما نشاء والإنسياق وراء أي شعور آني دون الإلتفات إلى حياتنا السابقة التي تسير بسياقها الطبيعي، ودون الأخذ بالإعتبار من يشاركنا هذه الحياة بأوجاعه وآلامه وأفراحه.

لا مكان للحرب هنا..

أمر لا شكّ فيه على الإطلاق، أن يكون حدثاً جللاً مثل الحرب، مُسيطراً على عقول من عاشوا أحداثها ودوي رصاصها ومن رأوا دماء أخوتهم تسيل هنا وهناك، وخاصة المبدعين والفنانين. ولكن عرض “كيميا”، كان حكاية كاملة عن الحب، ولم يكن للحرب فيها أي مكان، سوى الإشارة إلى أن الرجل المتزوج التقى بزوجته في الحرب وتحت ضرب الصواريخ، وأحبها في ملجأ، ولم تأخذ هذه القصة من العمل حيزاً سوى دقائق قليلة.

عجاج سليم بدأ عمله بعرض صور من الأزمة السورية، التي نالت ما نالت من الشعب السوري، ثم انتقل بعد ذلك مباشرة إلى أحداث العمل وحكايته الرئيسية، فكانت الإشارة إلى الحرب، كأنها حشو في العمل لم يخدم القصة أو الرؤية الإخراجية. وعلى الرغم من أن القضية السورية هي الحدث الأهم بقلب ووعي كل سوري في الوقت الحاضر، إلا أن لا مكان لها في العمل، الذي كان بمجمله اجتماعياً في مكان غير معلوم إلى حدّ ما.

محمد المعايطة – الأردن

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد العاشر