الطول×العرض – راضي شحادة

.jpg

   بعد جهد أشهر من التدريبات والتكثيف والتعب والمصاريف الباهظة والتعامل مع طواقم كبيرة ومكلفة من راقصين وممثلين ومخرج ومؤلف وملحن وعازفين ومصمم أزياء ومصمم رقصات ومنفذي ديكور ومنفذي أزياء ومساعد مخرج، تَبَيَّن أن العرض الذي نتدرب عليه لن يزيد طوله على ساعة واحد.

    وللحقيقة فإنّ طول العرض القصير بهذا الشكل جعل القائمين على العمل بشكل عام والمنتجين له بشكل خاص يتبلبلون ويتذمرون ويرتبكون، فكيف سنواجه جمهورنا بساعة واحدة فقط؟ الجمهور في مصر يدفع خمسين جنيها لعرض طوله ثلاث ساعات، وأحيانا عندما تكون القاعة مكتظة بالجمهور ويعرف الممثلون والمنتج أنّ الدخل المادي ممتاز في ذلك العرض فإنّهم يَكْرَمون على الجمهور بنصف ساعة إضافية مُرتجلة تزيد العرض طولا، فكيف سيدفع جمهورنا ثمن تذكرة عادية قد تصل في الناصرة الى 25 شاقلا وفي القدس الى عشرة شواقل وفي رام الله الى خمسة شواقل، على عرض لا يزيد طوله عن ساعة؟

    دار النقاش حاميا ليشكّل في النهاية حزبين متناقضين: حزب المدافعين عن الطول في العرض وحزب المدافعين عن العرض كعرض.

    ولأنّ عملنا يصبو الى الوصول بذوق المشاهد الى عرض مكثّف، يشبع حواسه بدون حشو ويشوّقه ويمتعه بدون ملل او تعب، فقد لاحظنا أنّ عرضنا يغوص في العمق وليس في الطول، وهذه كانت القناعة التامة لدى أنصارنا من جماعة حزب العرض كعرض.

    وللحقيقة فقد اقتنع أنصار الحزب الأول بوجهة نظرنا عندما شاهدوا الجمهور خلال العرض وطوال العرض مشدودًا، بل ولشدّة انبهاره بالعرض صفّق في النهاية وهو واقف على أرجله (لاحظ للجمهور أرجل وليس رجلين) لشدة انبهاره، ونسي ثمن التذكرة الذي دفعه لساعة عرض، بل قال بعضهم: “إنّ هذه الساعة المكثفة من العرض تساوي مئات الساعات الفارغة من العروض الطويلة التي يحسب أصحابها قيمتها بكمّها وليس بكيفها”، وبالطبع فليس كل عرض طوله ثلاث ساعات هو سيء، وليس كل عرض طوله ساعة هو جيد، ومسرحيات الكابوكي الياباني تستمر ثماني ساعات ولها مبرراتها ومبررات الذين يحبونها بهذا الشكل وبهذا الطول.

    لقد سمعنا تعليقات كثيرة بعد العرض لا نستطيع حصرها في هذا الهاجس، ولكن واحدة منها لا تزال عالقة في الذهن لأهميتها وهي:

– لا زلنا متعطشين للمزيد، فمتى يكون عرضكم القادم لنرتوي ونشبع من ولائمكم المسرحية الشهية؟

– الخير لقدّام والجايات أحسن من الرايحات.

*راضي شحادة- مسرحي وكاتب وباحث فلسطيني.

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش