السياسة الجديدة للتكوين المسرحي بالجزائر أرضية خصبة هل ستسقى مرارا وتكرارا ….؟

بين تناقضات العصر ، وموجات التأثير والتأثر بعالم لا يستقرّ على جديد واضح  المعالم ، وبحكم مدّ التغييرات الحاصلة وجزأرة  الأصوات الصادحة بالسموّ والرقيّ باللعبة المسرحية في أبهى تشكيلاتها وأسمى معاني الفن الرابع ، هذا السهل الممتنع المحموم بقضايا الانسان ، الفكر والإنسانية ، وبين فوضى البيت المسرحي وما يفرزه من استفهامات وآراء والسعي الى تأثيثه ولملمة شتاته ، لابدّ لحقل التكوين أن يغدو ركيزة ونواة أساس من أولوياتها أن تحصد العناية والاهتمام اللازمين على أكثر من صعيد .

 

وخارطة الفن المسرحي بالجزائر عرفت الكثير من الهزّات والتحوّلات ، الأمر الذي مسّ بشكل أو بآخر مبادرات التكوين بهذا المجال ، وقد أخذ على عاتقهم جملة من عشّاق المسرح ومحبي الفن مسؤولية تبنّي فكرة التكوين في المجال المسرحي تسليما منهم بشرعية تكوين الأجيال وتلقين الأسس والمبادئ في الممارسة الفعلية لأبي الفنون .

 

وفي محافل عدّة في شكل مهرجانات وطنية أو دوليّة غالبا ما نلمس حجبا للجوائز الكبرى أو المندرجة تحت مسمّى جائزة  أحسن عرض متكامل ، وبمنأى عن ذلك جلّ النقاشات وأبواب الحوار المفتوحة ضمن مناقشة العروض بمناسبة أو بغيرها تطرح ذات الاستفهام : أين نحن من التكوين الجادّ والفعليّ ؟ وهل من سبقونا من أعمدة الفن سواء في السينما أو المسرح احتاجوا فعلا الى تكوين ؟ وهل لتردّي المستوى يد وثقى بين تغييب الحوار البنّاء والقطيعة بين الأكاديميّ والممارس ؟

 

تلكم جميعها استفهامات تفرض نفسها بقوة منذ سنوات ، دونما الخوض في تفاصيل التغيرات الجذرية التي حصلت بالساحة الجزائرية على المستوى السياسي ، الاقتصادي والاجتماعي والتي تمسّ بشكل مباشر النمط الثقافي والفني بشتّى مجالاته ، فما بالك بالمسرح المحرّك الأساس للفكر والرؤى ووقود كل انصهار وإبداع ، ودونما الغوص أكثر في إشكالية أسماء فنية لامعة ما عرفت التكوين قطّ لكن موهبتها وشغفها خوّلها لأن ترسخ بالذهن والوجدان وأن تحفر أسمائها بالذاكرة الجماعية والفنية أمثال ” رويشد “ ،  ” محمّد توري” والقائمة طويلة ، لكن بين مؤيّد ومعارض بالاكتفاء بالموهبة ثمّة بون شاسع نتيجة الأعمال المقدّمة حاليا على مستوى خشبات المسارح وصالات العرض على المستوى الوطني ، وبخاصة بالمحافل المسرحية في شكل مهرجانات ، أين تحوّلت جميعها الى لقاءات مناسباتية في ظلّ تغييب أطر وأسس تعنى بالعملية المسرحية وترفع من مستوى التكوين ضمن برنامج أية تظاهرة ، أين باتت كل التظاهرات الموزعة مرتبطة بإشهار ملفت غداة افتتاح واختتام تلكم التظاهرة ، وإغفال جانب المتابعة الرصينة والدقيقة للفعاليات المدرجة بخاصة في باب الورشات المقترحة ، في ظلّ نذرة الأقلام الإعلامية المتخصّصة غير الملمّة بمرجعيات وخلفيات الكتابة النقدية الموائمة بين الأكاديمية والتحرير الصحفي السطحي ، العابر للمشهد المسرحي .

 

 

ولمّا كان من الضروري إعادة روح الإبداع الى الركح ، كان لزاما التفكير في منهجية مدروسة لرفع اللبس الحاصل والتركيز على التكوين في الفن الرابع ، بوضع مخطّط تكويني على البعد القريب والبعيد لملء الفجوة العميقة بالممارسة المسرحية ، في محاولة تحديد الأبعاد المتوخّاة جرّاء التكوين والشراكة مع الأجانب بغية الانفتاح على الأشكال والمعايير الفنية خارج الحدود لتطعيم التجارب المسرحية الجزائرية وتغذية إبداعها ضمن أطر ومناهج سليمة من شأنها السموّ بالفعل المسرحي ، ناهيك عن تنظيم ورشات منتظمة تجمع بين الممثلين المسرحيين والمخرجين لتوطيد الصلة بين الجانبين.

 

وفي اتصالنا بالفنان  ” بلعالم” وهو المدير الفني للمهرجان الوطني لمسرح الهوّاة بمستغانم ، والذي أكّد على أهميّة التكوين في مجال أبي الفنون والأهداف المسطّرة جرّاء ذلك ، وأن تلكم السياسة قد انتهجها هو شخصيا منذ سنوات غابرة ، وله أكثر من خمسة سنوات وبفعل تدنّي المستوى الفني سواء لدى المخرجين أو الممثلين محترفين كانوا أو هوّاة بخاصة بالمهرجانات الأخيرة على المستوى الوطني كان لزاما المناداة بوضع أرضية وقاعدة متينة للتكوين المسرحي ، وقد تمّ الأمر لما يزيد عن الثلاث سنوات على مستوى جامعات وهران ، مستغانم والجزائر العاصمة بشكل منتظم بهدف إرساء ضوابط هذا التكوين المسرحي والتسليم بحقيقة أنّه لا فرق بين أكاديميّ أو ممارس فكل واحد فيهما مكمّل للآخر ، كما أضاف أنه شخصيا وبعد تكوينه لأجيال عديدة انتهج البعد الأكاديمي في تلقينه أسس ومبادئ اللعبة المسرحية ، وأن لكل من  الممارس والأكاديمي تجربة معينة لابدّ من الاستفادة من الطرفين تحقيقا للبعد المرجو إزاء المسرح ، كما أكّد على أن التكوين في شكل ورشات تجمع السينوغرافيين والمخرجين والمهتمين بالفن الرابع متواصلة بشكل منتظم ، ونهاية الأسبوع ستتواصل بمدينة عين الدفلى مع جامعة الخميس ، ليضيف مؤكّدا أنّ زمن البحبوحة الماديّة قد ولّى وأنّه بات لزاما على الشباب المحبّ بصدق للمسرح والممارس له أن يكمل مشوار إبداعه كما بدأه والثمار ستنضج في القريب العاجل ، فالتكوين المسرحي حلقة مهمة في حقل أبي الفنون وأنّه من الضروري منح البعد الإعلامي والإشهار  الواسعين لهذا التكوين حتى نكوّن جسرا متواصلا من العطاء وتلاقح الأفكار .

 

من جهته السيد  ” إبراهيم نوّال ” الأستاذ في تاريخ المسرح ونقده ، حيث أكّد أن سياسة التكوين المسرحي استراتيجية جادّة اعتمدتها مديرية المسرح الوطني ” محيي الدين بشطارزي” لتكون فضاء خصبا لمحبّي الفن الرابع ، الملمّين به على مستوى الجامعات أو المعهد ، وكلّ المهتمّين به ، حيث تمّ تسطير برنامج بعيد المدى وقصير المدى على مستوى النقاد ، الكتابة المسرحية وحتى الدراماتولوجية وبخاصّة تكوين المتلقّي هذا العنصر المحوري في الفن المسرحي تحصيلا للذائقة الجمالية والشاعرية ، كما أردف أن التكوين يعتمد الإلمام بالمفاهيم المسرحية واللغة المسرحية حتى لا نسقط في هوّة الارتجال حيث لابدّ من البحث عن الأسس الصحيحة بالمسرح باعتباره سلما ثقافيا وذا بعد إنساني وحضاري ، مع التركيز على تكوين الممثلين التابعين للجمعيات أو التعاونيات رفعا لمستوى قدراتهم وصقل مواهبهم وتوجيهم .

 

دونما التغاضي عن استقطاب جمهور الأطفال وليس مجرّد حمله على مشاهدة العرض ، وإنّما العمل على إدخاله في جوّ التقنيات وربطه بالجسور التقنية ، والتعريف بما وراء الستار ، مع إشراك الجامعيين من طلبة علوم اتصال واجتماع تحقيقا لأبعاد التنسيق والتواصل الجوهري وكلّ ذلك ينصبّ في إطار خدمة الجمهور ، حيث ركّز على أهميّة الجمهور والبحث في أسس التأثير فيه وتحقيق المتعة له على أكثر من صعيد ، فمهمّة كل مبدع ترتبط أيّما ارتباط بهذا الجمهور .

 

صفوة القول ، أنّ السياسة الجديدة في التكوين المسرحي بالجزائر ذات أبعاد ورؤى مستقبلية هادفة سنلامس نتائجها كما ستؤتي ثمارها في القريب العاجل ، إن تظافرت جهود جميع المعنيين والمهتمين ، كما لابدّ من التركيز على فتح قنوات التواصل والاحتكاك مع كل الجهات ، دونما إهمال خاصية التنسيق وتزفيت الأرضية اللازمة لعطاءات واعدة في شتى مجالات التكوين المسرحي ، بغية التأهيل والتحصيل مع حصد التطور الشاهق في هكذا سياسة مُنتهجَة مواكبة  لكلّ جديد ، متجدّد حتى ننفتح على الآخر الذي قطع شوطا بارزا .

 

بقلم : عــبـاســيـة مـدوني – سـيـدي بـلـعـبـاس- الـجـزائـر

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *