“الرهوط” مسرحية تونسية تتوج في العراق / محمد ناصر المولهي #تونس

المخرج التونسي عماد المي يؤكد أن سلاح المسرح هو التجريب وعدم الخوف.

مع انتشار جائحة كورونا في مختلف أنحاء العالم، قررت الكثير من المهرجانات المسرحية إلغاء فعالياتها، فيما اختارت أخرى العروض عن بعد، ما خلق جدلا كبيرا بين المسرحيين حول الخشبة والمسرح كفن حي، ومدى قدرة الفضاء الافتراضي على احتوائه بخصائصه.

توجت مسرحية “الرهوط أو تمارين في المواطنة” للمخرج التونسي عماد المي بجائزة العمل المتكامل بمهرجان أيام كربلاء الدولي في دورته الثانية، الذي اختتمت فعالياته مساء الأحد 27 ديسمبر.

والمسرحية من أداء الممثلين ناجي القنواتي وعبدالقادر بن سعيد وغسان الغضاب وعلي بن سعيد وآمنة الكوكي ومنى التلمودي.

 

عماد المي: من حق المسرح أن ينافس لافتكاك مساحة افتراضية


نقد لاذع

تنتقد مسرحية “الرهوط” الواقع السياسي التونسي، ومن خلفه العربي وحتى العالمي، حيث الإنسان لم يحقق مكسبا من ميثاق الحريات والحقوق العالمي، ولم يتحقق له غير استعباد أكبر وأشد قسوة.

كما يتطرق العمل من خلال شخصيات مقنعة وبلا أسماء إلى أدق التفاصيل الاجتماعية، من الإنجاب إلى الزواج إلى الوظائف المفقودة إلى العلاقات البشرية الباردة، وغيرها من المشكلات التي لا يعالجها الممثلون، بل يقترحونها فحسب. هم يقولونها، يشيرون إلى الداء، يشخّصونه بدقة، يسخرون ويبكون، وهنا يمتزج الضحك بالبكاء، المزاح بالجد، الحركة بالكلمات، كلمات أغلبها من شعر، حيك اعتمادا على قصائد أبوالقاسم الشابي ومحمد الماغوط وأحمد مطر وغيرهم من الشعراء الذين اعتمد العرض على قصائدهم.

ليس في العرض خرافة كما هو متفق عليه، بل هو مشاهد يجمعها مشهد مكرر، هو مشهد تولي الحكم من قبل رهطيين جدد بدل القدامى، والرهط كما  يصطلح عليه، هو الكائن الذي بلا ملمح خاص، وهي الفكرة التي سعى العرض لإبرازها.

تكسر مسرحية “الرهوط” النمط التقليدي للمسرح المبني على الخرافة والعقدة وعلى الشخصيات والحوار، وفي الحقيقة هي لا تقدم ذلك، بل تقدم عملا مفككا في ظاهرة إلى مقاطع لغوية وحركية تجمع بينها محاور أساسية، مثل مشهد تولي الحكم أو المشهد الراقص الذي نرى فيه ألواحا تتحرك على الركح وبينها ممثل يتكلم صارخا إلى أن يغيب خلفها.

الفضاء الافتراضي لا يمكن أن يعوض الفضاء الحقيقي أي المسرح، ولكن بإمكان المسرح أن يستفيد من الافتراضي

وتربط المسرحية العمل في مناخ متصاعد بالصوت والضوء والحركة والخطابات، فيها من الشخصيات التي بلا وجوه تكون ضد الحكام، وفيها من يكون ضد الشعب الخائن، وفيها من يدعو الناس إلى الضحك نظرا إلى حال الرفاه الذي يعيشونه، وفيها من يدعو إلى البكاء على الحال. مزيج فريد متناقض هو عيّنة فنية مكثفة من واقع متشظ.

ويتواصل النقد اللاذع إلى حد الختام، حيث يستند إلى مقطع من النشيد الوطني التونسي وبيت من قصيدة أبوالقاسم الشابي “نموت نموت ويحيا الوطن”، ليقلبه أحد الممثلين يجلس وسط الجمهور خارج الخشبة إلى “نعيش نعيش ويحيا الوطن”، حيث الوطن هو الشعب، هو الإنسان ولا وطن بلا إنسان، فماذا يبقى من الوطن إذا مات الإنسان فينا؟ هكذا كان النشيد الذي قدمه الممثلون “نحن الوطن” تاج ختام لرحلة خطابات متباينة ومتداخلة. في النهاية الإنسان يقوم على الاختلاف، لكن لا خلاف على كرامته وحقه في الحياة، لا خلاف على مقاومة التطرف والجهل، ولا خلاف أيضا حول أن الإنسان هو الوطن.

المسرح والافتراضي

 

                                                                                                             لكي لا تقتلنا الحقيقة

 

قدم العرض بشكل افتراضي لجمهور المهرجان، وفي سؤال لـ”العرب” حول مشاركة المسرحية عن بعد في المهرجان، يقول عماد المي “كانت مشاركتنا عن بعد بمثابة أمر غريب في رحاب المسرح بثالوثه الأساسي المتكون من: الممثل (الباث) والجمهور (المتقبل أو المتلقي) والفضاء (مكان اللقاء بين الباث والمتقبل)”.

هذا الثالوث، في رأي مخرج العرض، هو الذي يجعل اللعبة المسرحية تكتمل بشكل مباشر وبتفاعل جدلي حي بين المرسل (الباث) والمرسل إليه (المتقبل) حتى يتحقّق التواصل.

ويتابع المي “قلت غريبا لأننا تعودنا على جمهور يتفاعل معنا سلبا أو إيجابا ويجعلنا نتحمّس لبلوغ التلاقي الجميل والسحري لخلق مساحة للتفكير والشعور الحسي النقي والآني المرتبط بلحظة العرض وحياته”.

ويشدد المي على أن الفن المسرحي فن مباشر في آنه ومكانه لحظة العرض للجمهور. لذا يصر على غرابة العرض افتراضيا، مضيفا “نحاول الدخول لمغامرة محفوفة بالمخاطر والانزلاقات من أجل الحفاظ على حضور العرض المسرحي واستمراريته، حتى ولو بأشكال مستجدة فرضتها الضرورة في ظل الوباء المستجد حتى نكون داخل الزمان واللحظة لا خارجها”.

ويقول “سلاح المسرح هو التجريب وعدم الخوف، فجرّبنا مسألة البث الافتراضي بكل سلبياتها وإيجابياتها وهذا كله لأجل المسرح العظيم”.

العرض افتراضيا مغامرة محفوفة بالمخاطر والانزلاقات، لكنها ضرورية من أجل الحفاظ على حضور المسرح واستمراريته

ويشدد مخرج مسرحية “الرهوط” في حديثه لـ”العرب” على أنه لا يمكن أن يعوّض الفضاء الافتراضي الفضاء الحقيقي، أي المسرح، ولكن بإمكان المسرح أن يستفيد من الافتراضي، لأنه حلّ محل الواقع أو خلق واقعا آخر افتراضيا بمقاييس تقنية تكنولوجية معولمة وافتراضية.

ويضيف “المسرح فن له أن يسوّق نفسه لجمهور افتراضي ومن حقه أن ينافس لافتكاك مساحة افتراضية والانتشار بين المتلقين الافتراضيين والسعي لشدّ انتباههم”.

وتسأل “العرب” المخرج حول هذا التتويج، وكيف يمكن الاستفادة منه؟ ليقول “هذا التتويج هو تتويج لفريق العمل أولا، نظرا إلى مجهوده الحقيقي، وتتويج للمسرح التونسي في تواصل أجياله ومساره وإشعاعه”.

وحول ماذا يمكن أن يقوله للمسرحيين ومحبي المسرح في تونس وخارجها، يقول المي “أقول للمسرحيين التونسيين من أجيال مختلفة كبارا أو صغارا، وحتى من انطلق اليوم ومن مازال ينوي الدخول إلى عالم المسرح الجميل عليكم بالحب والصفاء. انشروا الحب وتعلّموا الاعتراف والعرفان بالجميل لبعضكم البعض، فبالحب يستمر المسرح والإبداع. تحاوروا وافتحوا نقاشات جدلية تهتم بجماليات المسرح”.

ويضيف “لكل المسرحيين أقول لنا المسرح لكي لا تقتلنا حقيقة الواقع المؤلمة، وبالمسرح سنقاوم الابتذال والبؤس اللذين حلّا بعالمنا. ويحيا الفن المسرحي الذي تجاوز كل الأوبئة والأزمات السابقة من خلال صرخته العالية بصوره وأفكاره وجمالياته من أجل الجمال والحياة. الكثير من الحب لكل مسرحيي تونس والعالم”.

 


الممثلون لا يعالجون المشكلة فقط بل يقترحونها
المصدر / العرب
https://alarab.co.uk/

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …