“الراهبة المزيّفة”: وجوه ينزع أقنعتها المسرح

دفع أسلوب الفرنسي فرانسوا دو كوريل (1854 – 1928) في الكتابة المسرحيّة نقاداً لوصف أعماله بأنها تعاني من صعوبة استيعاب، أو ذات طابع فكري وثقافوي؛ تحتاج إلى تعديلات لتصبح مسرحيّات. من بين أعماله التي استُقبلت بجفاء – خصوصاً من قبل أعضاءٍ من الأكاديمية الفرنسيّة – “الراهبة المزيّفة” (عنوانها الأصلي “الوجه الآخر للقديسة”)، الصادرة حديثاً بترجمة وتقديم محمود المقداد، ضمن سلسلة “من المسرح العالمي”، التي يصدرها “المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب” في الكويت.

إذا ما تركنا تعليق أحد صحافيّي لوفيغارو (هنري فوكييه)، إبان ظهور المسرحية التي اعتبرها “بسيطة في أحداثها، وفقيرة في المفاجآت”، وحكْم أستاذ الدراما والنقد المصري محمد شيحة في دراسته الملحقة بالعمل بأنها “تعبّر عن نوع من الاستعلاء على جمهوره المتلقي”، فإن الميزة الأساسية لأسلوب دو كوريل، هنا، هي الاقتصاد في اللغة والحركة داخل العمل، والاقتصار على الضروري، واحترام عقل المتلقي بترك مساحة له للخروج باستنتاجاته الخاصة.

ينفتح المشهد الأول في المسرحية على مسكن برجوازي في مدينة صغيرة؛ حيث الأرملة رينودان تنتظر ابنتها جولي، الراهبة الغائبة منذ 18 سنة في الدير هروباً من ذكرى حبّ لم يُكتب له أن يكتمل مع ابن خالتها هنري، الذي تركها في اللحظة الأخيرة لصالح أخرى من باريس هي جان، والتي أنجبت منه كريستين، وستكون تلك الشخصيات الرئيسية في العمل الذي لا يوحي بما بدأه به بأنه قصة حب.

تفتعل “الراهبة المزيّفة”، جولي، علاقة جيدة وحذرة مع جان، زوجة حبيبها السابق، وابنتها الصغيرة كريستين؛ ففي حين يبدأ الحذر بالتلاشي بفطرة طيبة من قبل الأم وابنتها، وبسمعة الراهبة التقيّة من قبل جولي، تستعيد الأخيرة قصص الرهبنة في ذاك الوقت داخل الأديرة؛ حيث راهبات “أقبلن على الربّ، بقلوب محطمة، فتذوقنَّ منذ دخول هذه الحياة سعادة المختارين”.

تنسخ جولي تجربة الدير إلى المجتمع، وتنسخ معها انتقاماً دفنه الالتزام بالطقوس الدينية وتطهير النفس، فتتوصّل إلى إقناع الصغيرة بفسخ خطوبتها، وسلك درب الرهبنة.

يصف العمل حياة الرهبنة؛ الخطايا والغفران، التشدّد الدينيّ، وتصرّفات الرهبان ورجال الدين ونسائه في عدم تقبّل محو الخطايا إلا بالتكفير ترهّباً في الأديرة، إضافة إلى آراء رجال الدين بما هو خارج الدير حتى في المعرفة، مثل الفلسفة التي كانت تعمل على “تشويش الأرواح الشابة في طمأنينة إيمانها”.

قبل نهاية العمل، تواجه الأحداث انعطافات لافتة؛ فالعلاقة التي نشأت بحذر بين الأم جان وابنتها كريستين مع الراهبة جولي، تنقلب فجأة إلى عداوة، وتنتقل جولي إلى مساحة الراهبة من جديد بعدما لعبت دور الشيطان؛ حيث تتقلب الشخصيات في جانبيها الخيّر مرة، والشرير مرة أخرى، في استعراض للتناقضات بالتلميح، وربما هذا ما دفع الكثير من النقاد إلى تصنيف أعمال دو كوريل بأنها تنتمي إلى مسرح الأفكار، أو المسرح الذهنيّ الذي لا يريح متلقي العمل.

 

عمّار أحمد الشقيري

https://www.alaraby.co.uk

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *