الخلافة والتكفير .. والمبدعون يمتنعون

أ. محمد أبو العلا السلاموني (مصر): الخلافة والتكفير .. والمبدعون يمتنعون
 
في كتابه “الحقيقة الغائبة” الذي كتبه الدكتور فرج فودة كمفكر وباحث فى حقائق التاريخ
الإسلامي استطاع أن يميط اللثام عن الأوهام والأكاذيب التي تروج لها جماعات الإسلام
السياسي ودعاة التطرف والتكفير حول مفهوم “الخلافة” باعتبارها الهدف النهائي الذي
يسعون إليه، فكان جزاؤه التكفير والقتل. وفكرة “الخلافة” هي القاسم المشترك والغاية
التي تنادت بها كل جماعات الإسلام السياسي القديم والمعاصر، ومن ثم فإن تفنيد هذه الفكر
ة وكشف الأوهام والأساطير التي تكتنفها هذه الوسيلة المثلى التي تقوض فكر هؤلاء
الجماعات ومن هنا تأتي الخطورة التي مثلها المفكر فرج ضدهم حين كشف أن فكرة الخلافة لا علاقة لها بالدين وإنما هي ذريعة اتخذوها للوصول إلى السلطة والحكم المستبد باسم الدين، وهكذا كفروا المجتمع واتهموه بالجاهلية لأنه مجتمع بلا خليفة ومن ثم يمكن استحلال دمه وأمواله وأعراضه.
وبالعودة إلى أصل الفكرة باعتبارها ذريعة دينية للوصول إلى السلطة نرجع إلى أسطورة قديمة أو واقعة ربما كانت خرافة ولكن دلالاتها الفكرية فيما حدث بعد ذلك، أنها تراجيديا الصراع بين الهاشميين والأمويين، وكما بدأت تراجيديا أوديب منذ مولده بدأت أيضا هذه التراجيديا عندما ولد لعبد مناف في الجاهلية توأمان (هاشم وعبد شمس) ولدا ملتصقين من عقبيهما، و إذا هذا الدم يؤوله العرافون شرا مستطيرا يثور بين أعقاب بنى هاشم وأعقاب بنى عبد شمس. وكان من أعقاب بنى هاشم (العلويون) نسبة إلى على بن أبي طالب، ومن أعقاب عبد شمس (الأمويون) نسبة إلى معاوية بن أمية، وتحققت النبوءة حين ثارت الحرب بينهما فيما عرف بالفتنة الكبرى وأدت إلى مقتل علي و ولده الحسين وانتصار معاوية وولده يزيد ثم قيام الدولة الأموية.
واستمر الصراع بين شيعة علي وأتباع معاوية إلى أن تحالف شيعة علي مع العباس من أبناء عمومتهم ليستردوا الخلافة من الأمويين، واشتد الصراع بين الجانبين إلى أن استطاع العباسيون أبناء عمومة الشيعة أن يهزموا الأمويين ويقيموا دولتهم العباسية وحدهم دون حلفائهم الشيعة العلويين، وهكذا انتقل الصراع ضد الأمويين ليصبح بين أبناء العمومة الهاشمية، أي بين الشيعة العلويين وبين العباسيين، مما أعطى الفرصة للفرنجة الصليبيين للاستيلاء على القدس وفلسطين، وهكذا ظل الصراع بينهما على السلطة والخلافة عدة قرون إلى أن استطاع الشيعة العلويون أن يقيموا دولتهم الفاطمية فى مصر والمغرب العربي، واشتد الصراع والأطماع بين الخلافتين العباسية والفاطمية إلى أن سقطت الخلافة الفاطمية في مصر ونشأت في أعقابها أخطر فرقة إرهابية في التاريخ وهى فرقة الحشاشين التي أسسها (حسن الصباح) اعتمادا على أن الخلافة لنزار أحد أبناء الفاطميين، وكانت وسيلة النزاريين أو الحشاشين هي نظرية الاغتيال السياسي والعمليات الانتحارية الإرهابية التي تتبناها الجماعات المتطرفة حتى الآن في وقتنا المعاصر. وجاء المغول وقضوا على الخلافة العباسية في بغداد، إلا أن المماليك فى مصر انتهزوها فرصة للحكم واستدعوا أحد أبناء العباسيين ليعيدوا به شكل الخلافة ويكون ذريعة لشرعية حكمهم الذي اغتصبوه من الأيوبيين، وهكذا إلى أن ظهر الأتراك العثمانيون وهزموا المماليك وتولى سليم الأول العثماني الخلافة بعد أن نزعها من الخليفة العباسي ليكون أيضا ذريعة لشرعية حكمهم، وظل الحال هكذا إلى أن أسقط كمال أتاتورك فى تركيا نظام الخلافة عام 1924.
إلا أن فكرة الخلافة أخذت تراود الطامعين في الحكم في العصر الحديث، وكان على رأس هؤلاء الطامعين (جماعة الإخوان المسلمين) ومؤسسها (حسن البنا) الذي عاصر الثورة الكمالية التي أسقطت الخلافة ورأى أن هذه فرصة ليرثها وجعلها ذريعته وهدفه عندما أنشأ جماعته وتنظيمها السري الإرهابي على غرار جماعة (حسن الصباح) التي تعتمد على القتل والاغتيال والتي ألهمت كل جماعات الإسلام السياسي ودعاة التطرف والإرهاب والتكفير في كل أنحاء العالم، وكان من ضمن الطامعين في (الخلافة) العديد من الحكام العرب والمسلمين منهم الملك فؤاد وابنه الملك فاروق الذي إدعى نسبه إلى البيت الهاشمي وكأنه كان يريد إحياء أسطورة الصراع القديم وينافس أطماع الشيعة في إيران التي تنسب إلى أئمتها التقديس بانتسابهم إلى أبناء علي من الهاشميين، ثم يظهر فيما بعد خلفاء آخرون ليسوا من الشيعة ويدعون الانتساب إلى السنة لمناوأة الشيعة واقتناص الحكم والسلطة أمثال خليفة طالبان في أفغانستان وخليفة داعش في العراق والشام فضلا عن أطماع (أردوغان) في تركيا لاستعادة عصر حريم السلطان بتدعيم من التنظيم الدولي للأخوان المسلمين تحت رعاية المخابرات المركزية الأمريكية التي تسعى لاستنساخ الفتنة الكبرى القديمة فى صورة جديدة وهى نظرية الفوضى الخلاقة التي تشتعل الآن بين الطامعين في تجزئة المنطقة وتقسيمها وتوزيع غنائمها بين الفرس الشيعة (إيران) والروم السنة (تركيا) والفرنجة الغرب (أمريكا وإسرائيل) والجماعات المتطرفة (الأخوان والقاعدة و داعش وغيرها من جماعات الذئاب المنفردة).
والنتيجة هي ما نحن عليه الآن من فوضى مدمرة حيث نعاني من أسطورة هذا الوهم المدعو (الخلافة) وما نشأ عنه من عنف وإرهاب وتكفير باسم الدين و الدين منه براء. والسؤال الذي نطرحه الآن فى هذه الدراسة، ترى ماذا فعل المبدعون إزاء هذا الهم الثقيل؟ .. الحقيقة أن المفكرين عانوا الكثير من هذا الخطب العظيم مما أدى إلى قتل الكثير منهم بدعاوى التكفير منذ عصر الخوارج حتى الآن. أما عن الإبداع ففي رأيي أنه لم تكن على مستوى المسؤولية التاريخية وكان مقصرا إلى حد كبير خصوصا منذ فترة سقوط الخلافة العثمانية في تركيا وبداية بزوغ الجماعات الإرهابية المعاصرة.
ورفق هذا نموذج لخطاب التكفير والتحريض على قتل المفكرين من قبل أحد علماء الأزهر يحرض فيه على قتل الدكتور جابر عصفور والمفكرين بالسيف وقطع الرقاب حيث يقول في آخر مقالته المنشورة بجريدة الأخبار الأحد 10 يوليو عام 2016:
إن الأزهر (لم يكن سيفا مصلطا إلا على رقاب المرجفين في المدينة ممن يرجون زعزعة الأمن الفكرى في البلاد باسم التنوير)، هذا في الوقت الذي لا يجرؤ فيه الأزهر أن يكفر القتلة الإرهابيين .. يا للعجب .. هو يحرض على قتل المفكرين المسالمين، بينما الأزهر وشيخه الأكبر لا يكفر القتلة الإرهابيين .. أهذا هو تجديد الخطاب الديني الذي يطالبنا به رئيس الجمهورية؟! .

———————————————————————————————————————–
المصدر : مجلة الفنون المسرحية – مهرجان القاهرة للمسرح المعاصر والتجريبي – المحور الفكري – المحور الأول: ماذا قال؟ المسرح وتكفير الفكر العقلاني:

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *