الخروج من المسرح إلى العالم الافتراضى

 

 

 

 

طرحت جائحة كورونا العديد من التساؤلات حول المسرح.. فهل سيتحول المسرح إلى اصطناع.. هل سيتم إلغاء الواقع بتحويل الفن الذى يعتمد فى جوهره على العلاقة الحية مع الجمهور إلى مجرد صورة؟.. هل سيتحول إلى مادة إعلامية يتم بثها عبر وسائل الميديا؟.. لقد  تعطلت كل فنون الفرجة، المسارح، دور السينما، المقاهى، السيرك، حتى المناسبات الاجتماعية التى يحدث فيها التلاقى بين الناس.. فجأة توقفت الأقدام عن الحركة، هذا هو كل شيء.. الإنسان الذى ظن أنه سيطر على كل شيء، ويستطيع أن يفعل كل شيء، أصبح عاجزاً عن أى فعل سوى الخوف والقلق من المجهول. وبدأت فكرة الأنشطة الفنية والفعاليات الثقافية عن بعد تطفو على السطح.

1)

أصبحت للعالم الافتراضى الكلمة العليا!.. تحولت فنون الفرجة من الحياة إلى الشاشة، الفنون التى تعتمد على التفاعل بين الجمهور وحيز اللعب تحولت إلى مشاهدة عن بعد، إلى فنون فى العالم الافتراضى، فتم إنتاج مجموعة من المسرحيات لعرضها على الشاشة، أى مسرح بلا جمهور.. وسواء كانت هذه الفكرة صائبة أم لا، ضرورة أم مجرد تقليعة، فإنه فى كل الأحوال كان الطريق ممهداً فى السنوات الخمس الأخيرة للخروج من المسرح إلى أشكال أخرى، ربما بدأت روح جديدة تتسرب ببطء إلى خشبات المسارح خاصة فى عروض الشباب، هذه الروح التى أصابت كل مفردات العرض المسرحى جوهرها كان التمرد على كل القواعد والأعراف، ولا أقصد القواعد التقليدية المتعارف عليها، بل كل القديم منها والجديد، الحديث والمعاصر، وبمعنى أدق التمرد على المسرح نفسه فى كل صوره وأشكاله قديمها وحديثها.. ثمة روح جديدة تسعى نحو مسرحٍ ضد المسرح الذى نعرفه فى كل صوره.

ومن ناحية أخرى، يختلط علىّ الأمر فى أحيانٍ كثيرة، وأسأل نفسى: هل هى روح جديدة، خلاقة، أم تجريب عشوائى مبعثه وعى زائف بالعملية المسرحية، وعجز فى أدوات المسرح ومفرداته، يدعمه عجز عن إدراك قضايا اللحظة الراهنة؟

نعم هناك محاولة لكسر سلطة المؤسسة المسرحية الراسخة سواء التى تأسست فى العقدين الأخيرين (1990 وحتى 2010) أو التقاليد السابقة على هذه الحقبة، فمن يشاهد بعض عروض الشباب سواء فى مسرح الدولة بكل قطاعاته أو الفرق المستقلة فى شتى صورها سيعرف أن ثمة تطورا فيما يحدث على خشبة المسرح، وأيضاً فى رد فعل الجمهور، فثمة روح جديدة أصابت كليهما، المسرح والجمهور.. هذه الروح تشى للمشاهد بأننا كنا من قبل نعيش واقعاً ملموساً حقيقياً بكل مفرداته وفى شتى صوره. لذلك كان من الطبيعى أن نشاهد المحاكاة التقليدية على خشبة المسرح، لكننا الآن نعيش ما فوق الواقع، نعيش المصطنع مع اختفاء الواقع الحقيقى لصالح ما فوق الواقع، فماذا يقدم المسرح؟.. وبصيغة أخرى كيف يكون أسلوب التمثيل على خشبة المسرح؟

حين وقع المجتمع المصرى بدءاً من سبعينات القرن الماضى فى قبضة التدين الزائف، تراجع المسرح، تراجع لصالح الكباريه والبحث عن الضحك الرخيص، وحين فشل هذا الأسلوب ولم تعد له سوق رائجة فى التسعينات، هرب المسرحيون إلى القوالب الأجنبية البحتة سواء فى المسرح الراقص، أو عروض التعبير الحركى التى أهملت إلى حد كبير دور الكلمة أو النص المكتوب، لكن من خلال أسس وقواعد، أما ما حدث بدءاً من العقد الثانى من القرن الحادى والعشرين فهو التمرد من أجل التمرد، وفى أحيان كثيرة يكون مبعثه الجهل والاستسهال!.. وليس الرغبة فى التجديد تحت دعوة التمرد.

2)

حين نتساءل: هل ما يحدث خروج من العملية المسرحية بكاملها إلى اللامسرح أم تجديد؟ فعلى سبيل المثال فى السنوات الأخيرة تم اعتماد أسلوب الحكى على خشبة المسرح، حكايات شخصية وأخرى عامة، والأغلب حكايات شخصية وكانت وما زالت رائجة فى الفرق التى تعمل تحت لافتة الاستقلال، والأكثر مع الفرق التى تعمل تحت غطاء التمويل الخارجى، بل هناك مهرجانات للحكى، وبعد ثورة 25 يناير راجت حكايات عن الثورة والشهداء، وكلها مكررة متشابهة، بالإضافة إلى عشرات الحكايات الشخصية، وهناك فرق تخصصت فقط فى الحكى، حيث يجلس الحكاء، أو مجموعة الحكائين على خشبة المسرح، ويسردون الحكاية، مع بعض مهارات الأداء الصوتى وتعبيرات الوجه بمساعدة الإضاءة، واسميه المسرح المعاق!

والظاهرة الثانية القراءة المسرحية، وهذا ما حاولت أن تعتمده أغلب المسارح الرسمية فى مصر مع القراءة الشعرية، وجاء بمثابة الموضة أو التقليعة التى لم تستطع الاستمرار.

والظاهرة الثالثة الكوميديا الرخيصة أو مسرح الفضائيات. والظاهرة الرابعة، مجموعة اللوحات التى تقترب فى بنائها من الكباريه السياسى. والاتجاه الخامس الذى ما زال قابضاً على جماليات المسرح المتوارثة من العقدين السابقين، والتى تعلى من شأن الصور أو المنظر المسرحى بكل مفرداته، والظواهر الخمس بدرجات متفاوتة خطوة كبيرة للابتعاد عن المسرح وليس روحاً جديدة! فكلها يعتمد على الوعى الزائف!

3)

النتيجة التى يلمسها المشاهد فى ناتج السنوات الأخيرة مع هذه الظواهر الخمس، إما تضليل الجمهور من خلال مسرح الفضائيات الذى يبتعد عن المسرح ويقدم مجموعة من الاسكتشات فى كوميديا رخيصة تسهم فى تزييف الوعى، وتبتعد عن قضايا اللحظة الراهنة حين تعتمد السخرية فى كل شيء ومن كل شيء، أو النفور من المسرح والابتعاد عنه حين تختفى مفردات المسرح فى عروض الحكى والقراءات الشعرية وإن كانت الأخيرة لم تجد سوقاً لها بين الجمهور، ولا يختلف الأمر مع عروض الكباريه السياسى فى ثوبها الجديد، ففى كل الأحوال إما نفور الجمهور وابتعاده أو تزييف وعيه حين يشاهد الكوميديا الرخيصة.

لكن وعلى الرغم من سلبيات هذه المرحلة وأقصد السنوات الأخيرة، وبالتحديد الأعوام الثلاثة الماضية، فإن هناك روحا جديدة فى العروض التى يقدمها الشباب سواء فى الجامعة أو البيت الفنى للمسرح أو قصور الثقافة، والأمر لا يرتبط بالمسرح المستقل أو العروض التى تم إنتاجها خارج المؤسسة الرسمية، بل أغلب هذه العروض التى تلمس فيها روحاً جديدة تم إنتاجها فى مسرح الدولة!.. ومغزاها الخروج عما هو سائد ومألوف.. وظنى أن هذا الاتجاه الجديد الذى لمسه المشاهد فى بعض العروض يحتاج إلى بعض الوقت حتى نجنى ثماره.

وأخيراً رغم كل الملاحظات حول العروض التى شاهدناها فى السنوات الأخيرة فإننا ننتظر روحاً جديدة من شباب المسرح، وأرجو ألا تخيب توقعاتنا.. ويستمر المسرح الذى هو ضد المسرح فى أشكاله العديدة!

4)

ومن ناحية أخرى، كل ما تم تقديمه عبر الإنترنت «أون لاين» فى فترة الجائحة، والذى وجد الطريق ممهدا فى السنوات السابقة تحت عنوان عروض مسرحية، لم ولن يكون بديلاً عن المسرح الحى، فليس من المعقول حبس فضاء المسرح فى الشاشة، فمن الممكن استخدام وتوظيف أدوات التكنولوجيا على خشبة المسرح وليس العكس، كما أنه يمكن الخروج عن الأعراف والتقاليد المسرحية على ألا يكون هذا ضد المسرح!

https://www.maspero.eg/

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش