الحلقة السادسة من سلسلة “إقرأ كتب الهيئة” (عين على المسرح) محور الحلقة كتاب “المسرح.. القلب المشترك للإنسانية” تأليف عبد الله السعداوي

الحلقة السادسة من سلسلة “إقرأ كتب الهيئة”

(عين على المسرح)

محور الحلقة كتاب

المسرح.. القلب المشترك للإنسانية

تأليف عبد الله السعداوي

    قدمت الهيئة العربية للمسرح يوم الأحد 28 مارس 2020م الحلقة الشهرية من سلسلة “إقرأ كتب الهيئة”، ضمن برنامج عين على المسرح، على منصتها الإلكترونية والتي سُلط الضوء فيها على كتاب “المسرح.. القلب المشترك للإنسانية” تأليف عبد الله السعداوي. الكتاب الصادر عن الهيئة في 2019م ضمن سلسلة دراسات رقم (58) والذي نشر الكترونيا بصيغة (PDF) على الموقع الإلكتروني الرسمي للهيئة خلال شهر (مارس 2019م). 

     شارك في الحلقة إلى جانب أ.عبد الله السعداوي، مؤلف الكتاب محور النقاش، كل من أ.يوسف الحمدان وأ.خالد الرويعي، وأدار اللقاء أ.عبد الجبار خمران  مسؤول الاعلام في الهيئة العربية للمسرح.

بعد أن هنأ عبد الجبار خمران الحضور وكافة المسرحيين باليوم العالمي للمسرح ورحب بضيوف الحلقة ونقل إليهم تحية الأمين العام للهيئة العربية للمسرح الأستاذ إسماعيل عبد الله ومسؤول النشر والتوثيق في الهيئة د.يوسف العايدابي والأستاذ غنام غنام والأستاذ الحسن النفالي، قدم الكتاب بما يلي:

“المسرح القلب المشترك للإنسانية” – كتاب المسرح: تعب المسرح – شغل المخرج – الكتاب حديث داخل البروفة وخارجها قول في الإخراج وآخر في السينوغرافيا وبينهما قول في التمثيل والممثل، ثم حديث عن الحركة والفعل يتوجه بقول في العرض.. وفي الخاتمة وبعد كل ذلك الزخم من الأفكار والشخصيات والمسرحيين والبروفات. وبعد كل ذلك المزج البهي بحرفية واحترافية المسرحي السعداوي الذي يعرف ما يكتب ويكتب ما يعرف، الجامع لكتاب تتلاقى فيه الفنون كما تتلاقى فعلا في فن المسرح حيث حديث عن الرقص وتمثيل بالتشكيل وتفسير بالنحت وفن العمارة واستشهاد بالفلسفة حيث يتجاور بسلاسة اسم ستانيسلافسكي ومايرخولد مع هايدجر وسارتر، وبينهم النحات روبرت موريس

قلت بعد كل ذلك: يسأل السعداوي كيف يستطيع المسرحي التحدث عن نفسه؟ هل هو شخص فقط؟ أم شخص في علاقة اشتباكية مع الذات في علاقتها مع مفردات أخرى؟ كيف للآخر الذي لم يجرب هذه التفاصيل أن يفهمها؟ أليس المسرحي هو مجموعة العلاقات والحوارات والآداءات والشخصيات والحروف والكلمات؟ النص والتفاصيل والمكان؟

    كتاب ماتع يمسك بوجداننا وعقولنا ويأخذنا في الطريق معه إلى تخوم مسرحية ومعرفية. يطرح الأسئلة ويشاكس الأجوبة.. مقدما تجربة غنية لرائد مسرحي اسمه عبد الله السعداوي. السعداوي القلب النابض بالإبداع الفراشة التي تأخذنا في طريقها إلى ضوء المعرفة: “المسرح.. القلب المشترك للإنسانية”..

     وعن سؤال: ما الخيط الناظم لمختلف المواضيع المسرحية والتجارب الوُرشية والإبداعية تأليفا وإخراجا وتمثيلا والتي جمعت تحت عنوان “المسرح.. القلب المشترك للإنسانية”؟ أجاب عبد الله السعداوي: في الحقيقة أنا لست بكاتب ولم تكن الكتابة من هواياتي، كان حبي للقراءة.. والظروف فرضت على أن أكتب.. فكانت الاستراتيجية أن أمثل وأخرج ثم أكتب في سبيل أن أضع قاعدة للحركة المسرحية عندنا عسى ان يستفيد الشباب من مختلف المدارس الإخراجية.. وكان الأساس أن أوثق الحركة المسرحية لفرقتنا مسرح الصواري – ومعاشرتي لكتاب من أمثال يوسف الحمدان وخالد الرويعي وبعض الكتاب الآخرين – فجربت أن أكتب بعد فترة طويلة من مرافقة ومعرفة الاستاذين إبراهيم جلال وعوني كرومي… فكتبت هذا الكتاب “المسرح.. القلب المشترك للإنسانية”..

ويضيف السعداوي بان الكتاب ليس له بعد أكاديمي.. وقد كان حجم الكتاب أكبر مما هو عليه.. وقد رأيت أن يقتصر على 300 صفحة تقريبا.. وقد تناولت فيه عدة قضايا مسرحية عسى ان يستفيد منه المسرحيون الشباب الجدد.. وقد وثقت لتجارب الشباب الذين مروا من مسرح الصواري.. وفي جزء من الكتاب تحدثت عن طريقتي في الإخراج المسرحي وفي جزء ثالث تناولت الى بعض المدارس الاخراجية لعل الشباب يستفيدون من ذلك.. فكانت هذه هي الاستراتيجية التي كتبت بها الكتاب. وقد أحب القراء الكتاب…

ثم يقول خمران أن الكتاب زاخر بالعديد من الأعمال المرتبطة بتجربة السعداوي وبفرقة مسرح الصواري البحرينية.. ومن خلال سيرتك الأستاذ السعداوي انت تؤرخ لسيرة مسرحية فالممارس المسرحي ليس شخصا فقط بل هو شخص يشتبك مع مفردات أخرى وعوالم أخرى… والكتاب ينحو باتجاه حديث عن التزام مسرحي ممعن في احترام المسرح وتبجيله ذهاب المسرحي باتجاه الابداع كمثل ذهاب الفراشة باتجاه الضور – وأقتبس تعبيرا من كتابك – كيف تفصل استراتيجية تناولك لمختلف الموضوعات المطروحة في الكتاب؟

يجيب السعداوي: في تناولي لمواضيع هذا الكتاب اتخذت استراتيجية “الدروب” وليس “الطريق” لم اعتمد علامات طريق توصلك إلى مكان معين.. بل تتبعث دهاليز دروب وتخطي حواجز لأجرب نفسي في الكتابة ورصد تجربة عمر قضيته في المسرح.. وأرى في نفسي أنني فاشل في كل شيء ما عدا المسرح.. وإذا ما دمت ناجح في المسرح فلأكتب في المسرح أيضا.. لأني قد أفشل في الكتابة عن أي شيء آخر غير المسرح. فقد كنت فاشلا في المدرسة حيث أنني بقيت في الصف الأول أربع سنوات “فلم أكن أنجح” (يعلق السعداوي ضاحكا)..

يسأل خمران: تقول السعداوي في كتابك بأن المسرحي لا يمكن أن يقول كل شيء.. حتما تضيع منه أشياء وأحداث وأكيد يأجل مواضيع ولا بد أن ينتظر صوت الآخر ورأيه فيما يفعل ويكتب ويقول… فهل هناك أشياء سقطت منك أثناء الكتابة أو فضلت أن لا تقولها في الكتاب..؟ وهل تحضرك وتلح عليك بشكل ما؟

يجيب السعداوي: حذفت من الكتاب ما يناهز 200 صفحة.. رأيت انه كانت هناك “ثرثرة” كثيرة.. ذلك أن شهيتي انفتحت “للكلام”.. فبدات أكتب وأخزن وأكتب وأخزن وقد شجعاني الصديقان يوسف الحمدان وخالد الرويعي على الكتابة والنشر وإلا لبقي ما كتبت حبيس الأدراج…

     وبعد تقديم عبد الجبار خمران مدير اللقاء للأستاذ خالد الرويعي، يسأله عن كيف يعكس الكتاب تجربة وشخصية عبد الله السعداوي خاصة أنك قدمت الكتاب وقلت أنك وُضعت أمام ما سميته في مقدمتك للكتاب “بورطة حقيقية” وهي أن يقدم التلميذ أستاذه، ويجيب خالد الرويعي قائلا:

الكتاب عكس جزء فقط من شخصية الأستاذ السعداوي.. ومن يقرأ الكتاب بتمعن سيكتشف أن الكتاب ليس أكاديميا – كما أشار السعداوي – هو عبارة عن “سيرة مسرحية” يتداخل فيها الفني مع الإنساني وهذان بعدان أساسيان في المسرح. قليلة هي الكتب في العالم التي يُدخل فيها مخرجون ومعلمون مسرحيين الجانب الإنساني في الموضوع، أغلب الكتب – حتى تلك التي كتبها كبار المخرجين المسرحيين – تجد فيها حديثا عن الفني بطريقة مختلفة عما كتب الأستاذ السعداوي وبعض المخرجين الآخرين.. ذلك يرجع لإيمان السعداوي بأن المسرح مرتبط بشكل كبير بالبعد الإنساني أصلا، وقد انعكس علينا ذلك نحن تلامذة الأستاذ عبد الله السعداوي منذ انطلاق مشوارنا المسرحي معه، وقد شعرت بذلك مع مجموعة من الأصدقاء الذين تتلمذوا على يد السعداوي، الأمر الذي لا نجده في تجارب أخرى أو عند أشخاص آخرين، وهذا البعد الإنساني يحضر بشكل تلقائي ودون قصد لدرجة وضعنا في حالة أننا يصعب علينا الإشتغال مع أي شخص، وذلك لطبيعة العلاقة المختلفة “يمكننا الاشتغال مع أي شخص” الكن ما يربطنا بالأستاذ عبد الله فيه المعايشة والتقارب حد التماهي “أحيانا” فانت تصل  إلى درجة معرفة كيف يفكر هذا المعلم، وكيف يشتغل وما هي طريقته… العملية ليست فنية خالصة، ونحن ندين للأستاذ عبد الله في إسهامه في تشكيل وعينا بطريقة مختلفة.. وامتلكنا وجهة نظر خاصة باتجاه العالم باتجاه الفن طريقتنا في التفكير.. ويمكن أن أكون محظوظا أنني الوحيد من بين أصدقائي الذي صرتُ مخرجا مسرحيا واستمريت.. لذلك أجد أن ما أعطاني الأستاذ عبد الله في هذا المجال لم يعطيني إياه غيره.. وقد يرجع ذلك إلى عشرتنا للسعداوي ولكمية المعرفة التي نقلها الينا.

ولذلك بتنا نعرف أين نضع أيدينا في تعاملنا مع العملية الإبداعية المسرحية. لذلك فقارئ الكتاب سيلمس البعد الإنساني الذي أشار له السعداوي في العنوان “المسرح.. قلب الإنسانية المشترك” في ثنايا العملية المسرحة: البروفات، التفكير في العمل المسرحي… فنحن نقضي شهور في التداريب وننغمس في الاشتغال المسرحي وفجأة نجد أننا أنجزنا عرضا مسرحيا.. فنحن خلال العملية المسرحية ننسى العرض والأستاذ عبد الله برؤيته يشكل العرض.. أما نحن فنكون منغمسين في التداريب وتنتابنا الدهشة إزاء ما نتعلمه…

     ثم ينتقل عبد الجبار خمران إلى الأستاذ يوسف الحمدان وبعد أن يقدمه من خلال سيرة مختصر يسأله: علاقتك العميقة مع الأستاذ السعداوي تجعلك ترى تجربته فنيا وانسانيا بشكل – ربما – أعمق مما يتناوله الكتاب.. من خلال رفقتك للسعداوي ابداعيا وإنسانيا، هل ترى في الكتاب رسما للتجربة “السعداوية” تاليفا وإخراجا وتمثيلا…الخ؟

يقول يوسف الحمدان: شكرا صديقي خمران “وكل عام وأنتم بخير” سعيد أن أكون بينكم اليوم.. كنت مع الأستاذ عبد الله السعداوي من عام 1972م وأنا أتهجى خطواتي في طريق الرفاع وفي واد الحنينية ورافقت تجربته منذ ذلك الوقت وحتى اليوم وما أزال.. وكتبت عن تجربته – ولربما أكون أول من كتب عن تجربة

السعداوي المسرحية – نصا وعرضا ومختبرا وكنت في تماس حي مع تجربته.. وإذا ما أطلق السعداوي على كتابه (المسرح.. قلب الإنسانية المشترك) فأنا اسميه (المسرح.. قلق الإنسانية المشترك) فالسعداوي مبدع قلق

يعكس خارجه ما هو نقيض لما بداخله.. هو مبتسم ويضحك مع الجميع لكن عندما بعتمل في التجربة تجده يتشظى في مسارح يتشظى في رؤى وفي أفكار وفي جنون وفي تماهيات كثيرة في التجربة المسرحية…

عندما يدخل السعداوي التجربة يموت الكتاب

عبد الله السعداوي تجاوز لحالة الكتاب، هو كتاب حي منفتح على تجارب لا تتوقف ولا تنتهي.. إنه الكتاب المشاء …

 في كتابه (المسرح.. قلب الإنسانية المشترك) الذي تصدت الهيئة العربية للمسرح لإصداره ضمن سلستها الطباعية للدراسات والبحوث والقراءات المسرحية والذي أخضعته للحوار والمناقشة ضمن هذا البرنامج (اقرأ كتب الهيئة) بإشراف الصديق الفنان عبدالجبار خمران مسؤول الإعلام في الهيئة، يجوس الصديق المخرج المتفلت المبدع عبد الله السعداوي عالم المسرح الذي اختبره وجربه وشاكس رؤاه وأنتج من معين قراءاته للباحثين عن وهج جديد ومغاير ومؤسس لرؤى جديدة فيه، انتج رؤيته الفكرية المسرحية المحايثة الاشتباكية التي شكلت منعطفا تجريبيا جديدا متكأ على البحث والأسئلة الشائكة في فلسفة المسرح النوعي الخلاق التي لا تروم الوقوف على حالة المستقر والمطمئن وإن اشتعل في بعض جوانحها لهب الاستنفار للبحث عن حالة جديدة في التجربة.

إنه كمن يدخل في أتون الشك الصارخ حين يحتدم في كل مرة جديدة أوار اشتغاله في تجربة مخبرية جديدة، وكما لو أنه يعلن في الآن نفسه موت الكتاب الذي احتوى هذه التجربة بين ضفتيه، ذلك أنه يمعن في كل سانحةِ قراءةٍ جديدة في تدشين قلق موارب ومخاتل لها، ليصبح المسرح لديه هذا (القلق المشترك للإنسانية)، ولعل ذلك يقترب كثيرا من تطلعاته الفلسفية لمسرح ما بعد الإنسانية الذي اقترحه ذات مهرجان مسرحي أقيم في البحرين ليكون عنوانا رئيسا للندوة الفكرية المصاحبة له ، فالقلق حالة ملازمة للسعداوي بوصفه مخرجا وإنسانا ورائياً، ولا يمكن أن يكون المسرح قلبا مشتركا للإنسانية طالما القلق يزحف بشيطانه نحو إغواء السؤال وإثارة فتنته في كل ما هو مشترك في هذا القلب، وكما لو أنه يروم توليد قلق يشترك في تدشينه كل

     من تمرد على مرتكز المحور المشترك في الإنسان وهو القلب، أو كما لو أن هذا القلب هو محور الشك الأبدي في معمل التجربة المسرحية.

 وتتكثف لحظات القلق في هذا الكتاب في الباب الأول (تعب المسرح) – يقول يوسف الحمدان – حيث لحظات القلق لدى السعداوي هي لحظات التخلق الناجمة عن “تفلت النيازك” حيث اللحظات الهاربة العصي على المشتغل في نسيج ذراتها الإمساك بها بسهولة ويسر، وهي اللحظات التي أرقت شياطين الفكر والرؤية والخلق لدى غروتوفسكي فراح يبحث عن صوت آخر لا يصدر من بطن التجربة ورئتها، وهو الصوت الذي استفز شياطين السعداوي في مسرحياته (الجاثوم) و(اسكوريال) و(القربان)، والتي راحت تبحث عن مناطق خفية

مثيرة في روح وجسد ممثليه (مصطفى رشيد) في مونودراما الجاثوم و(سلمان العريبي) في (اسكوريال) و(ياسر القرمزي) في (القربان) أكثر تحديدا، وهي اللحظات التي دفعت بالسعداوي بأن يعيد تشكيل صلصال جسده الزمني والمكاني والبشري والتخيلي في المسرح ، ويضفي عليه روحا أنثربولوجية تتجاوز حالة المستقر

في الكائن الاعتيادي المنتمي، ممعنا في الارتحال بلا هوادة وبمشقة تتجاوز مشقة ارتحالات جلجامش في سديم الكون والأسئلة والخلود .

السعداوي في (تعب المسرح) لا يقف عند ما تلقاه من رؤى وأفكار من خلال قراءته لها ولمنتجيها، إنما هو يتمثلها ويتماهى معها أحيانا، وأحيانا أخرى يضيف إليها قراءته الخاصة بالتجربة التي يعتمل ويعترك فيها، ليكون واحدا من الرؤى والأفكار التي تستحق القراءة بوصفها منتجا موازيا أو مشاكسا أو ندا لقراءاته ذاتها، فهو يركز على التفاني في كل شيء والاحتراق والموت والتماهي والانصهار والقربان وشساعة الرؤية والممثل الأفعى وتناسخ الجلود، فهو أقرب ما يكون إلى جملة أشخاص في تراكم الجلود.

في هذا الكتاب تكون انتقائية السعداوي لتمثلاته أو للمحاربين الحقيقيين في المسرح، مرتهنة بالاشتغالات المعملية التي يخوضها في مخبره المسرحي، وليست بوصفها نموذج مطلوب تسليط الضوء عليها، لذا نلحظ السعداوي من خلال هذه الاشتباكات كمن يبني النص الضمني للتجربة أو خطابها فوق النص المستعار أو المستدل به، ليذهب بهذه التجربة كفراشة ذاهبة للضوء، وهنا تتجلى في هذا الضوء رؤاه الشفيفة في المسرح والفكر والفلسفة والموفولوجيا والميثولوجيا والتي تشتغل جميعها ومن خلال نسيجها الحريري المركب ضد الحلول السهلة ، فهي كقشرة الأستكوزا وتبدلها والتي على ضوئها تقفز ذؤابات الأسئلة الحادة المرعبة في المسرح وكيفية الاعتمال فيه، ذلك أنه يشتغل في المسرح عبر مقاومة الزمن المميت فيه ، محصنا برؤى المقاومة ذاتها في الفكر والفلسفة، معضدا بنيتشه وهايدغر وداريدا وغادامار وبول ريكو ومن حاوروا النص خارج إطار المستقر والمفسر، موغلا في روح القاريء والمأول في معمل التجربة، لذا نلحظ السعداوي يذهب في تجاربه المسرحية كما في قراءاته ومستدلاته الفكرية والفلسفية إلى مسرح بلا حدود، تتزاوج وتشتبك فيه الأزمنة والأمكنة لتشكل في نهاية الأمر روحا أخرى تنتمي للتجربة ذاتها وليس إلى بيئة الاشتغال عليها ، كما في مسرحياته الجاثوم والكمامة واسكوريال والقربان .

     يضيف الحمدان: إن السعداوي يتماهى في قراءاته إلى درجة يصبح معها كائنا حيا من حروفها المبعثرة، أو حالة من الفراغ كما يذهب السعداوي إلى ذلك ينبغي أن نمنحه إلى فراغ آخر كي يبتلعه، وهنا نقترب جدا من منطقة تأويل المخيال في منتج العرض المختبر، حيث لا شيء قار أو رهن مكان محدد، إنما هو رهن حرية مفتوحة على آخرها حيث لا سياج ولا حدود، حرية تشبه الماء الذي يسيل من بين أصابعه حيث يصعب الإمساك به وحيث الكائن السائل المنتج.

في كتابه المنفتح على مخبر التجربة بوصفها متسع ومشغل الفكر والرؤية والمخيلة التي تتجاوز حدود البروفة المرتهنة بالعرض في الغالب وبتمثلات رؤاه الاشتباكية بالرؤى الأخرى لمفكري المسرح في العالم، يذهب في باب آخر من أبواب هذا الكتاب (شغل الإخراج)، إلى نماذج رؤى أخرى ليحتفي بها بوصفها ركائز

لازمة في التفكير والانزياح نحو مناطق الخلق المؤسس لرؤى مسرحية جديدة جديرة بالاهتمام، من أمثال الناقد الروسي ( بيلنسكي ) وغوتهلد ليسنغ صاحب دراماتورجية هامبورغ وستانسلافسكي ودانشنكو  

وفاختانجوف ومايرهولد وأدولف آبيا وتاييروف ومسرح الحجرة غوردن كريج وأنطونين أرتو والذي كنت أتمنى أن يمنحه السعداوي جل جهده لأنه مخبره الحقيقي في أغلب تجاربه المسرحية، وبيسكاتور وبريخت وارسطوأوغستو بوال وكانتور وبيتر بروك والبارا مسرحي وأريان نوشكين ومسرح ما بعد الدراما، إنه احتفاء عرضي لهذه الرؤى وليس حواري اشتباكي معها.

أما في بابه الثالث والأخير، فيقف على قراءاته الإخراجية من خلال ملاحق تناول فيها بإيجاز شديد بعض تجارب شاهدها للشباب، كأخبار المجنون للمخرج خالد الرويعي واستفاقات للفنان حسين الرفاعي وكاريكاتير وميلاد شمعه لكاتب السطور، وهي ملامسات للتجربة تستحق الاهتمام، وقد تسنى لي كناقد أن تناولت بعض هذه العروض نقديا، وقد تكون لي بعض ملاحظات حول ما أثاره بالنسبة لتجربتي في هذين العرضين، تحتاجان إلى متسع آخر للحوار حولها مع السعداوي.

أخيرا.. مثل هذا الكتاب التجربة الثري المهم نطمح في أن يجد طريقه نحو الترجمة إلى لغات أخرى لما يتضمنه من رؤى جديرة بالقراءة والتأمل.

بعد ذلك فتح مدير اللقاء المجال لمداخلات الحضور فشارك: أ.حسين يقين، د.زهرة إبراهيم، أ.سامي الزهراني… وبعد تعاليق مختصرة للمتدخلين الثلاثة الأساتذة عبد الله السعداوي – خالد الرويعي – يوسف الحمدان بلغ عبد الجبار خمران الجميع تحيات وشكر الأستاذ إسماعيل عبد الله الأمين العام للهيئة العربية للمسرح ود.يوسف العايدابي للمشاركين في هذه الحلقة من سلسلة “إقرأ كتب الهيئة”… وحيى الجميع من شارقة سلطان الثقافة مذكرا بموضوع الحلقة القادمة: نقاش حول كتاب “لو كنت…؟! ثلاثة عقود في تجربة العمل المسرحي للمخرج الفلسطيني فؤاد عوض”.

رابط الحلقة السادسة الحلقة السادسة من سلسلة “إقرأ كتب الهيئة”

حول كتاب “المسرح.. القلب المشترك للإنسانية” تأليف عبد الله السعداوي:

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …