الثلث الخالي .. الجزائر تقدم مسرح المرأة بشكل إبداعي يثير الفكر والمشاعر

تحسين يقين:
هل هناك ثلث خال؟
ما نعرفه هو الربع الخالي في الجزيرة العربية، حيث لا حياة لبشر أو نبات، فاستحق الاسم؛ فهل هناك ما يشبهه في عالم البشر؟
مرة أخرى، نحن إزاء اتجاهات موضوعية تهم المجتمع العربي يطرحها المسرح، فمن خلال العرض الثالث في مهرجان المسرح العربي، قدمت الجزائر مسرحية المرأة، التي يتداخل فيها الهم الذاتي بالهم الاجتماعي، حيث يكون لعلاقات القوة في المجتمع الأثر الحاسم على المرأة بشكل خاص، حيث يحاكي العرض محاكمة افتراضية لماضي المرأة وحاضرها، باتجاه تحرير مستقبلها.
ورغم أن الموضوع قديم ومطروح للنقاش يوميا، إلا أن عرض “الثلث الخالي” استطاع جذب المسرحيين/العرب وجمهور وهران، بما استخدم المخرج تونس أيت علي من أسلوب تقديم العرض، مستغلا الفضاء افقيا وعموديا، حيث اختار شكلا حيويا، شد انتباه الجمهور، من حيث اعتلاء الممثلات الثلاث لكتل، إضافة لتسلق حبال المشانق، والتي تم توظيفها كهاجس خوف دائم، جاعلا من البوح من خلال دوائر الحبال المعدة للشنق موضوعا خطيرا.
وقد تضافرت عوامل الجذب بالاعتماد بشكل أساسي على قدرات التمثيل، حيث تم ضبط كل حركة لتكون حركة مسرحية موحية ومثيرة للتأمل، وتعميق المضمون الذي تتم مناقشته.
صحيح أن المسرحية التي ألفها محمد شواط، تطرح موضوعا نسويا حساسا، إلا أننا نجد أنفسنا مفكرين في تجليات الحالة النفسية، على ضوء الحياة الاجتماعية السائدة، خصوصا في النظرة الاجتماعية للمطلقة والمحبة والرافضة للعلاقة الزوجية، كونها تشكل أسرا وقيدا للمرأة.
لا يظهر مكان لقائهن؛ لكن يبدو أنه السجن، أكان حقيقيا أو رمزيا، لما يظهر من ثأر أو جناية ما يقمن بها ضد الرجال، حيث من خلال سردية همومهن وطموحاتهن يقدمن تبريرا حتى يكون شفيعا يخفف العقوبة.
تعتلي الواحدة تلو الأخرى، كتلة على شكل منصة، تقدم حكايتها، على شكل مونولوج، ثم ما يلبثن يسخرن من بعضهن بعضا، وصولا نوبات هستيرية.
وفيما تنزل في خلفية المسرح ثلاثة حبال، تكون مجالا لعلو آخر، في إيحاء على حالة التعلق، لا هن على الأرض ولا في الفضاء، في رمزية لوضع المرأة الذي لم يحسم تماما. لقد حاكى العرض من خلال الحبال أسلوب فن السيرك الذي يثير الجمهور ويشد انتباهه، كونه يضع المشاهد في توتر ما، خشية السقوط حتى ولو كان غيره هو من يتعلق! إنها حالة وجودية في العمق.
وقد تم استخدام الحركة المسرحية كحركة فكرية وشعورية، تصاحبها إيقاعات موسيقية المتنوعة، كي تتكامل عناصر المشاهدة، وتتعمق، كما كان للإضاءة دور في تركيز زاوية النظر للتأمل في الحكايات الثلاث.
في ظل هذا اليأس، وما استدعاه من توتر وسوداوية، فقد راعت المخرجة إدخال الكوميديا على شكل عبارات هنا وحركات هناك، تخفيفا على المتلقي.
تبوح الواحدة بهما، متوقعة تضامنهما معها كونهن يعانين الهم نفسه، فتفاجأ بسخريتهما، حيث أنه ثمة اتجاها نقديا لهن، كونهن لم يقمن بما يكفي من تضامن وعمل اجتماعي للتغيير، حيث رغم ما بهن، إلا أنهن يتحملن جزءا من المسؤولية.
وليس هذا فحسب، بل أن الثالثة، وهي الرافضة للعلاقة الزوجية، تقوم بقمع المرأتين، وتخويفها من خلال الاستبداد بالرأي. والتي لا ترى في الرجل أي فائدة. وهو موقف متطرف يعبر عن رد فعل شريحة من النساء.
أما الأولى، فقد جربت العلاقة مع الرجل، نتيجة الحب، لكنها تفشل في الزواج، بسبب أنانية الرجل، في حين تعاني الثانية من الهجر، لكنها تظل محتفظة بالحب، على أمل العودة، لتفاجأ بارتباطه بأخرى.
في خلال ذلك، تتسارع المحاكمة الافتراضية جرأة، وصراعا بين ردود فعلهن، خففت من حدتها جمل كوميدية ساخرة. وقد عبرت الحركات العصبية عن الحالة النفسية التي وجدن أنفسهن فيها.
ورغم احتمالية محاكمة واقع المرأة، إلا أن هناك مجال لقراءتها كمحاكمة للرجل، كونه يتحمل المسؤولية، ومن جهة أخرى هناك مجال لتكون محاكمة للمرأة نفسها، كونها استسلمت للرجل، الذي في غيابه ربما كان بطل العرض الخفي كونه المؤثر والمثير والمستفز، ومصدر البهجة والعذاب والتأمل والجنون!
سخرت النساء من الرجال ومن أنفسهن، ومن غيرهن، خصوصا تلك العادات والتقاليد التي تتم تنشئة المرأة لتكون حاضرة من أجل الرجل.
ودلالة على الجانب الإنساني لدى المرأة، تبوح إحداهن بأن كل ما تريده الحنان، في نقد حزين لقسوة الرجل.
وأخيرا يظهر الوشاح الأحمر كدلالة على أنه رغم كل هذا البوح والشكوى والألم، فإن ذلك لا يشكل تبريرا كافيا لعدم تنفيذ الحكم فيهن.
ما مرّ يجيب على ما تساءلنا به؛ فحياة مثل هذه الحياة المستلبة لا تعني غير خلوها من الحياة، ففي صحراء القسوة تنعدم الإنسانية، ولا تحتاج هذه إلى مشنقة لتنفيذ الحكم!
لعل ذلك يكون استفزازا إنسانية نحو العدالة والحب، فكل ما تريده المراة والإنسان هو الحنان

المصدر/ الايام

محمد سامي / مجلة الخشبة

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *