التجريب سفينة المسرح المحاربة – عبيدو باشا #لبنان

باشا
عبيدو باشا

التجريب سفينة المسرح المحاربة – عبيدو باشا #لبنان

جدل – تكاملية المسرح

لا يمحي عنصر عنصراً في المسرح. الصالة هنا، حيث يحبس التعب وحيث يتحول التعب إلى شلالات فرح بدون جد، بدون جد فائق. ما أن يدخل المسرحي إلى المسرح، حتى يراوده شعور غزو الجبال بأسلحة من خضرة، بأسلحة خضراء. بعدها، يدرك المسرحي أن لا مجال أمامه سوى المضي إلى الأمام. هكذا، يضحك كما تضحك فتاة عندما تملأ دلواً بالماء وآخر بالأمل وثالث بالأقمار الوردية. لا يفصل المسرحي بكل المراحل بين الداخل والخارج. لأنه الأدرى بأن المسرح إسفنجة، غيم ملون متفوق لم يلبث أن يغدو غيمة لا تزهر إلا في وهج المسرح. المسرح شيء برمته. الكلام على داخل وعلى خارج كلام على طعم الملح في ماء البحر. الكلام على الداخل والخارج كلام على الحروق وعلى المراهم. المسرح مساحة، حيث لا ترى الأشياء قبل إنكشافها وحيث ترى الأشياء قبل إنكشافها بآن. المسرح قطف الفجأة بالفجأة. المسرح قذف الفجأة بالفجأة.

حين ينظر المسرحي إلى المسرح كغريب، يجد أنه لن يستطيع مقاومة تشريح المسرح بين داخل وخارج. وحده المسرحي القريب، غير الغريب عن المسرح، عن عمليات استجلاء حريته بالمسرح، يدرك أن المسرح لجة واحدة، بحر، ماء، نهر لا يصغي إلا إلى صوت النهر. وحده المسرحي / المسرحي لا يرى في المسرح صخرة سقطت فجأة من السماء، سقطت فجأة بين يديه. المسرح عند المسرحي موسم ختامي، لا فصول، يقود كل فصل منها إلى ظهور زهرة الحروب بين المسرحي والمسرح. الحديث عن داخل وخارج حديث عن أيد تعتصر المسرح، تخنق المسرح، تحول المسرح إلى جدار، حين أن المسرح فجر ومساء، فجر في المساء ومساء في الفجر. هذا هو المسرح. ما كانه بالأمس وما سيصير عليه بالغد. تشريح المسرح، فكفكة المسرح استدراج لأصوات وخشخشات الرعد في فضاء المسرح الصافي، على أرض المسرح الصافية. المسرح وحدة، شيء قيامي، أرض موطؤة بالنار، موطؤة بالوشوشات الطيبة. الكلام على تفاعل بين داخل وخارج، كلام يسوط المسرح والمسرحي. التفاعلية كلام العظام على اللحم واللحم على العظم. فن من فنون الريبة، حلم بالأم والأب والعائلة والوطن والآثار. المسرح معمار كامل، مطلق، روح فروسية طويلة، نبيلة.

ثمة من يجد بالتجريب قرح. ثمة من يجد بالتجريب سفسطة. ثمة من يجد بالتجريب حلم يتحقق حين لا يتحقق ولا يتحقق حين يتحقق. لا علاقة للأمر بالحساب ولا بالماتماتيك. التجريب إنبثاث، تحليقة مكلفة. شيء رخي ومكلف. التقاح بالجنون. التجريب كتابة عهد جديد، عهود جديدة ضد الصديد. لا حاجة للملاحظة أن التجريب لا علاقة له بسطوة الأشكال الجاهزة وأنه القائد إلى الحلم بالديار الأخرى بعيداً من التقليد: وباء العصر القديم والحديث. كل ما لا علاقة له بالتجريب، لن يتبلر عند نوافذ العيون وأغشية القلوب ولا الأفئدة. كل شيء: تجريب يجرب. حتى من لا يجرب، يجرب أن لا يجرب. التجريب هرقل المسرح. بطله الأوحد والجماعي. لأن التجريب عدو المراوحة، عدو الموت، عدو الإدعاء. نشوء لؤلؤ المسرح من التجريب. تجريب يبقى على الضفاف وبالماء الهادرة للأزمنة الهادرة. لا يزال المسرحيون عند مايرخولد وبيسكاتور وبريشت وستانسلافسكي في شراكته الشهيرة بالإستديو المشترك ماير خولد وتجارب فاختنكوف ودورنمات والاستديو أكتورز والبريد أند بابيت وجوليان بك وجوديت مالينا وبروك وغيرهم. بالعالم العربي: فرقة الحكواتي اللبنانية والحكواتي الفلسطينية وتجارب فواز الساجر سعد الله ونوس وسهام ناصر والفاضل الجعايبي والفاضل الجزيري ورجاء بن عمار وتوفيق الجبالي وزهيرة بن عمار وعبد الكريم برشيد وصلاح قصب ومحمد إدريس والعشرات. التجريب سفينة المسرح المحاربة. ديار المسرحي. بعيداً من التجريب يهبط المسرح في مدافن الثقالة واللحم المتبل بالبلادة، الروح المتبلة بالبلادة. التجريب نقر على ما خفي بالمسرح، ما أخفته الحياة بالمسرح.

التجريب قارص عصب المسرح، قارص عصب فكر المسرح، التجريب فكر المسرح يبتدع بالعقل والجهاز العصبي ما يقود إلى المجاز والشعر وربيع المسرح الما بعد حداثوي. بلا تجريب: شوفينية مسرحية فارغة، تعيد إنتاج الأيديولوجيا السائدة والأشكال الجاهزة. التجريب قطن الاستئذاب العظيم بالمسرح. التجريب شفتا المسرح الرطبتين.

لا تجريب بغياب الممثل. لأن بلا الأخير، يقع المسرح والتجارب المسرحية، يقع الإثنان في كل أنواع الصبيانية الهائجة. حضور الممثل عش المسرح، فرض المسرح الأول والأخير. المسرح بلا ممثل، مسرح يهرف، يسقسق، يعقب على نفسه بلا تعقيب. المسرح بلا ممثل أرض عقيمة، مياه دوامة تقود الأشياء والأدوات والعناصر إلى القعر. الممثل شمس المسرح. هكذا، تغيرت أنماط الأداء، أنماط التمثيل، بوصف التمثيل أكثر المواد الحية، أكثر المواد حيوية على المنصة.

لا يتخذ فن المسرح أبعاده إلا بحضور، إلا بوجود الممثل. نزعاته الاجتماعية، الفكرية، الثقافية، المعيشية، من الممثل. شروط التفكير بالعمل المعاصر من الممثل، حين يتقاسم الممثل لا المعروضات على المنصة، حين يتقاسم الوسط والمحيط والوجود والمسافة بين العزلة والعجيج مع الآخرين وبالطريقة نفسها، من أجل وضع المسرح على الدرب. درب تم اختياره على طرق الممارسات المعاصرة، بعيداً من القواميس والمعاجم السائدة. بلا ممثل يقع المسرح في فخ الجوهرية. لا جوهر بدون ممثل، لا في العقود الماضية وحدها، بالعقود الأخيرة. ممثل لا يتوقع أحد ردود أفعاله، بعد أن وجد أن الحضور لا يقتصر على المطالبة بالحضور وحده. يناقش، يرفض أو يقبل، يبحث بأمور قارة المسرح وهو يعالج المسائل المطروحة بالواقع وعلى مستوى علاقة اللغة المرئية بالجماليات الجديدة، جماليات تثري العرض المسرحي، من اللعب على التناقضات الخاصة والتناقضات العامة في فن المسرح. كل حضور يستعيض عن حضور الممثل بحضوره لا شيء سوى ذبذبات عارضة لا تمتلك الحضور ولا الوقت المديد بالحضور. كل فن طقوسي يطلع من البدئية. بدئية المسرح الممثل والفن الطقوسي فن المسرح في شرق العالم وغرب العالم. الممثل نقطة التفاعل المتسلسل بالمسرح. تعريف حضور الجسد ليس تعريفاً أنانياً. لأن الجسد يخلع الأنساق على نحو واضح وعلى نحو مجازي وعلى نحو أكثر مجازية، حين ينظم فوضى المكان والنص والاضطرابات الأساسية والثانوية بالانتماء أو القناعة أو السخرية أو جمع الأقدار بحسب ما لا يعلم إلا الممثل. الممثل مصدر وحي وإلهام المسرح.

لا يزال العالم يتذكر باتريك كامبل، من أحبها برنارد شو حباً عظيماً، كما يتذكرون الفصول الشكسبيرية العظيمة والمشاهد المايرخولدية العظيمة. لن يقتل إداورد ريشارد، إلا لكي يلتقي الإثنان في مسرحية جديدة. بغياب الممثل سوف يقذف المسرح إلى الحضيض، حتى بوجود الفنون الحديثة. فنون طريفة. غياب الممثل عن المسرح أقرب إلى محاضرة عن مضار التدخين. كلام بين النفاق والنفاق. بيكيت يحتاج فلاديمير، الأخير يحتاج استراجون، الأخير يحتاج بوزو. وهذا يحتاج لاكي وهام وهام يحتاج إلى كلوف وكراب.

لمن يؤلف الكتاب. لمن أولفت أولاد هرقل ونكسة فانبورغ والزوجة الغاضبة وفاوست ودائرة الطباشير القوقازية وفتح غرناطة لجون دريدان وفرس أسخيليوس والقرد الأشعر لفونفيزين وقصر الشباب الخالد لهنغشن…. لا قطاف بلا ممثل.

حين تكلمنا على النصوص المكتوبة بصالح الممثل تكلمنا على نصوص. النصوص زهرات المسرح الرقيقة. خبر المسرح، حين يجيء المسرح في موقع المبتدأ. جسمانية المسرح الأولى من النص، المفاتيح، الكلام، الهمز، كل العلائق الخطية، الشعر، الدرب المبصر، جميع الأصول، المسارات. كأن النص متوسط القلق عند المسرحي، لأن النص يمتلك جميع عناصر الإغواء المسرحي، كل مبذول خبأ في قلبه الأشفار والأسفار، الحفيف، البرق، الصوت المفرد، صوت الجماعة، مرياح القوة، الأضواء، الظلالات. النص هندسة البياض. لا يتحقق المسرح بعيداً من هندسات البياض. هذه من الأصول. يرفع النص الخشب على الخشب على مثال الشجر، حتى يقدم نفسه كنجمة لن تلبث أن تتعمد بشعر المسرح، شمس المسرح، حرية المسرح، حبل ُ المسرح بالمحلوم الآتي على رحاه المضيئة.

لا يتفتح المسرح إلا أمام الجمهور. مدار المسرح: الجمهور. ما نراه بالآونة الأخيرة: تبذير متشكل، تبذير تشكيلي، لا تراه العين إلا حين يتكثف في مساحة ضيقة تحت وطأة الظروف. عافية المسرح من العلاقة بالجمهور. الجمهور العريض طوق نجاة المسرح. كيف يتمطى المسرح على الفيس بوك أو على مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى. كيف يتقد هو وعقيدته وأدواره العطرية في مهابط الأون لاين. هذه مرحلة العليات العالمية المتآكلة بانكشاف النظام العالمي على عريه الصحي، بعد أن ترك العالم نفسه يندفع خلَّف أصوات ما وراء الجدران، أصوات الصناعات العسكرية. كيف تتمدد ظلال المسرح بالهواء الافتراضي. افتراض حضور المسرح افتراض لا أكثر. مسرح افتراضي، مسرح بلا جسد. وحين يتبدد الجسد يتبدد المسرح. مسرح صوان مسطح. مسرح بلا تفتح، لا يتفتح، لأن الورود الصلبة لا تتفتح، كما لا يتفتح الحديد المفولذ إلا بالعسر الشديد. عافية الأشياء وتمامها من فكرة المسرحي بطرق أبواب المسرح من جذره الجديد. حمله إلى مدار تدرس فيه المسافات وهدير الجموع وأبواب الصالات والظلال الممدودة على الأرض في انتظار العرض. علاج أقراص السم الأخيرة بابتداع الحلول على الأرض، لا بتقديم المسرح بمعزل عن البشر، بوصفه جنساً هالكاً يمتلك عقل قرد يلهو لا عقل بشري، كلما تحرك توهج مثل زهرة من ذهب. اختزال المسرح ضرب من ضروب صناعة المسرح من الجلد لا من اللحم الحي والروح وسائر المصنوعات البشرية الأخرى.

عبيدو باشا – لبنان

(سما ورد)

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش