البنية الجمالية وروح الكرنفال

أ. خالد رسلان (مصر): البنية الجمالية وروح الكرنفال
زعزعة الخطاب السائد الذي يصدره المركز، وتعرض له المجتمع المصري إبان الثورة بعد سقوط البنية كاملة
، ونسقها -أي النظام- الذي كان يفرض سيطرته على الفضاء الاجتماعي، وكانت بداية تلك الزعزعة بالتحديد
في ميدان التحرير الذي سادته الخطابات الهامشية المسكوت عنها لقرون طويلة والمناهضة للمركز وخطابه
المهيمن. وبذلك أعيد إنتاج هذا الفضاء وطبيعة العلاقة بين الأفراد فيه بعيدا عن المحددات التي تفرضها
المؤسسة الاجتماعية، خاصة وأن الميدان يمثل مركزية إدارية على أغلب مؤسسات الدولة وهيكلها التنظيمي
(وزارة الداخلية- مجلس الشعب – مجمع التحرير – المجمع العلمي – المقر الرئيسي للحزب الحاكم).
تلك الآلية السابقة المتمثلة في مناهضة الخطابات الهامشية للخطاب المهيمن لمركزية الدولة يفسر لنا بروز
شكل الكرنفال كطابع فني وممارسة ثورية داخل الميدان، لما يمتلكه من قدرة على هدم بناء القوى الاجتماعية حيث “يكمن جوهر الكرنفال في جمعه للناس باعتبارهم كلا واحدا وجعلهم واعين بجماعتهم ووحدتهم الحسية والمادية والجسدية هذا بالإضافة إلى جعلهم واعين بأنهم يوجدون خارج كل الأشكال القسرية للهيئة الاجتماعية / الاقتصادية / السياسية والتي يتم تعطيل فاعليتها طوال مدة الاحتفال “، فغالبا ما يعبر الكرنفال” عن رفض محددات التصنيف الاجتماعي بل ويعد علامة على الغياب وشكلا من أشكال تجاوز الحدود في الوقت ذاته عندما يخفي القناع هوية الفرد فإنه يخاطب إدراك الجمهور من خلال رؤية بصرية مركزة ” ومن هنا يتضح لنا دور الملابس والأقنعة حيث يتم التأكيد على الروح الجماعية المخترقة للأنساق الاجتماعية والتي تذوب بالفرد داخل إطار المجموع الساعي ناحية تأكيد ذاته عبر كل ما هو مناقض للثقافة السائدة طارحا الثقافة المتنحية والهامشية كعنصر فاعل يحمل داخله كل المتناقضات والأضداد. وذلك نابع من السمة الرئيسة المميزة للكرنفال في كونه طقسا دنيويا، فهو يستخدم الشكل الطقسي وينزل به إلى مستوى الواقع الحسي الذي يتسم بالفوضى والنسبية، وهو ما يجعل الكرنفال يقدم الطقس منزوعا عنه قدسيته في ذات اللحظة، وذلك عبر سيادة العناصر الأدائية الخالية بشكل مبالغ فيه من الطاقات الروحية والجسدية التي يتميز بها الطقس في مقابل اعتماد أكبر على الطاقة الحركية المفعمة بالحياة للأجساد الطليقة الحرة “، لذلك يقوم الكرنفال على بناء الطقس وهدمه، فهو يصنع بنيته المنتظمة المغلقة ويعمل على تفكيكها في تدمير هيراركيتها. كما يظهر أيضا بوضوح أثر الطابع الجروتسكي الجامع للعناصر المتناقضة والمتنافرة على فاعلية الكرنفال، حيث ينسج واقعا حالما شديد الخصوصية وغير مرتبط بالقيم السائدة أو منطق الواقع، ولكن مع الوضع في عين الاعتبار أنه يقدم واقعا مخالفا، ويلخص باختين تلك الفكرة عن الكرنفال في كونه معبرا عن “البشرية جمعاء الداعر منهم والتقي” وهذا يضع الكرنفال في صورته الحقيقية التي تؤكد على الأصوات المتعددة بل والمتناقضة والتي تتحقق في إطار وحدة عضوية مع الشكل العام للكرنفال الذي يذيب الفواصل بين المؤدي والمشارك وذلك لكونه يقوم بعملية تثويرية متعددة الاتجاهات والمذاهب والوظائف داخل إطار موحد يستوعب كل تلك التناقضات في تداخل بيلوفوني متعدد الأصوات وليس داخل إطار أحادي الصوت والذي يفرضه الخطاب المهيمن القديم.

————————————————————————————————————

المصدر : مجلة الفنون المسرحية – مهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي 

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *