الايقاع في الكوريغرافيا – العراق

مقدمة:

فن الرقص الكوريغرافيا،هو ذلك الاداء الحركي الراقص الذي يمتلك القدرة على التعبير الدلالي في توصيل الافكار والاحاسيس والحالات،والذي ينشأ في الفضاء المسرحي ويتحدد بواسطة الجسد المؤدي،سواء اكان راقصاً ام ممثلاً او مؤدياً،فهو نوع مسرحي يمتلك كافة شروطه الدرامية باعتبار ان الرقص/الحركة يمتلك بعداً تأسيسياً مقترناً بظهور المسرح،وسبباً اساسياً في قيامه.

ان الجسد الراقص المؤدي يؤسس علاقاته الحركية في الفضاء المسرحي،من خلال الحركة ومحاورها(التكوين والتشكيل)،والتي تستثمر الخطوط الهندسية بكافة انواعه ا(المستقيم،المنحني، المنكسر،الدائري)،وذلك عن طريق تنظيم علاقات حركية ما بين الاجساد المشاركة،و ما بين اعضاء الجسد الواحد واشتغاله مع العناصر السينوغرافية، على اعتبار ان جسد الممثل/الراقص وحضوره اقوى اداة سينوغرافية ترتسم من خلالها وبواسطتها كافة العناصر المشيدة للعرض، كما ان فن الرقص/الكوريغرافيا يعتمد الى حد كبير على حضور الممثل/المؤدي وطاقاته في انتاج لغة يكتسبها الجسد لوحده او بمساعدة المنطوق/الحوار.
ان الحركة الراقصة،تخاطب الحسي والعقلي،وذلك من خلال خاصيتها الحركية في انشاء علاقة بصرية مع المتلقي،وعن طريق اعتمادها على ذاكرته البصرية(الحركية)،التي تمنحها الايجاز والتكثيف لتوجز ماتقوله الكلمات،او ما لاتقدر ان تقوله،كما ان فن الرقص/ الكوريغرافيا يعتمد على الارتجال الحركي للمؤدي المشارك،بهدف التعبير عن الذات المفكرة بوصفها جسداً متحركاً/راقصاً.

لذا فأن البحث يسعى الى التعريف عن هذا الفن الوليد في مسرحنا العراقي، ،وكيفية تعامل الممثل/الراقص،والمصمم /المخرج معه،ومدى وكيفية افادة الممثل منه عن طريق تطوير قابليات جسده الحركية والفنية الاخرى،بغية استثمارها في العرض الراقص،وكذلك في العرض المسرحي الغير راقص.

يمثل الايقاع عصب الحركة بكل اشكالها فهو (( نبض الحياة وعلامة من علاماته، وقد يكون الايقاع مسموعاً او مرئياً او ملموساً او مشموماً او مذاقاً)) (1)، ويقسم الايقاع الى ظاهري وباطني،بالايقاع الظاهري هو ذلك الذي يمكننا رؤيته في الطبيعة من حولنا مثل حركة الافلاك والليل والنهار،(( ان تكرار الحوادث والظواهر الذي يعطي للانسان انطباعاً عن الزمن فهذا التكرار هوايقاع الحياة)) (2) وقد يكون الايقاع محسوساً كما في الشمس والقمر،فإيقاع الشمس ايقاع افقي الحس،اما ايقاع القمر فهو ايقاع عامودي حسياً.فالايقاع يعتمد على الزمن وتكراره،فإذا لم يتكرر بأزمان قياسية ثابتة فلا يكون ايقاعاً،وان الايقاع قبل ان نراه في الطبيعة والكون من حولنا نتحسسه داخل اجسامنا بدءاً من نبضات القلب ،الى كافة العمليات البيولوجية اليومية والشهرية مثل “التنفس،الجوع،النوم…” وصولاً الى اصغر خلية في أجسامنا وكيفية عملها،فكل تلك العلميات البيولوجية تقوم على الزمن والتكرار وكذلك جميع الكائنات الحية. (( إن ظاهرة ايقاعية الزمن وانتشارها في كل ما هو حولنا يجب اعتبارها من الامور الاساسية التي تتصف بها الكائنات الحية)) (3)فالايقاع سواء في اجسامنا او في غيرها من كائنات ، هو المؤشر الاول على الحياة واستمراريتها .لقد تنبه الانسان منذ القدم الى اهمية الايقاع لتنظيم الأعمال الجماعية مثل “الحصاد،التجذيف،الصيد…” والذي يهدف الى توحيد حركة المجاميع وتوفير الجهد الحركي للمجموعة،حيث يستخدم التشديد او النبر اثناء الغناء على حرف أو اكثر من حروف الكلمة لتحديد الايقاع الحركي وضبطه(4)، وربما يتولى شخص واحد مهمة الغناء الايقاعي في العمل الجماعي، اوتضطلع المجموعة ذاتها بمهمة الغناء والترديد لتوحيد وتنظيم ايقاع العمل،فالغناء المنفرد/الجماعي والحالة هذه يأخذ مهمة العد،إضافة الى تنشيط الاحاسيس العاطفية،والمشاعر الانسانية الجماعية عن طريق كلمات الاغنية.(( ان الغناء والموسيقى قد نتجا عن الاندفاعات الانفعالية للصوت البشري والالات الموسيقية التي استخدمتها الشعوب الاولى لتسير العمل الذي كان يتطلب جهداً شاقاً)) (5) وتتعدد الاراء حول نشأة الموسيقى والغناء(*)،ولكنها تتفق على انها ترتبط بالايقاع والذي يعتبر ركيزة يقوم عليه الغناء والموسيقى وكذلك يشكل الايقاع الاساس للفنون الثلاثة التي اسست للمسرح ،الرقص والموسيقى والشعر((والتي لا تشكل سوى فن واحد في الاصل وقد كان منبعها الحركة الايقاعية الصادرة عن الاجسام البشرية المندرجة في العمل الجماعي )) (6) ،فهذه الفنون الثلاثة والتي قام عليها المسرح الاغريقي هي فنون تتأسس بنيتها الفنية من الايقاع،سواء اكان مسموعاً كما في الشعر والموسيقى،أم كان محسوساً كما في الحركة الراقصة.ويعرف الايقاع المسرحي ،بأنه ((تكرار وحدات حسية متفاوتة بالقوة والضعف وبالبروز والاختفاء وبين كل وحدة واخرى مسافة او زمن معين وبين كل عنصر من عناصرها ايضاً مسافة وزمن)) (6)، بمعنى ان الايقاع المسرحي سواءاً كام ملموساً او محسوساً هو تتابع وتكرار لأزمان متساوية تختلف من عنصر الى أخر ومن حالة الى اخرى، فإيقاع الحزن يتميز بالبطىء والثبات،وبعكسه ايقاع الفرح يتميز بالسرعة والتنويع،بمعنى ان الاختلافات الايقاعية للحالات او الالوان والعناصر المشيدة للعرض تحدث نتيجة الطول او القصر ما بين الوحدات الزمنية المكونة للايقاع ذاته،ففي الايقاعات الحزينة تطول مدة الوحدة الايقاعية،كما تطول الوحدات السكونية مابين تلك الوحدات،كما في موسيقى وايقاع المشي في الجنائز او المارشات العسكرية،اما في الايقاعات الفرحة فيحدث العكس تماماً حيث تقتصر طول الوحدة الايقاعية الواحدة كذلك تقصر فترات السكون ما بين الوحدات الايقاعية كما في ايقاع الافراح والاعياد سواءاً في الموسيقى والرقص او حتى الالوان المميزة والمتعددة لملابس المناسبات السعيدة،إضافة الى التنوع والتعدد للايقاعات المفرحة المسموعة /والمرئية. ويقوم الايقاع الحركي بصفة عامة- والمسرحي منه-على الحركة والسكون،او من خطوة وأخرى وسكون،حيث بين الخطوة الاولى والثانية زمن محدد،وبين الخطوتين والسكون او التوقف زمن آخر،وكلما قصرت المسافة بين خطوة وأخرى او سكون وخطوة او خطوتين يتحول الايقاع الى السرعة فهي عنصر من عناصر الايقاع بشكل عام(7)، وان الايقاع الحركي ((ايقاع الحركات “الزمن” هو المقياس للتناسب “او النسبة” بين أجزاء الحركة. وتتعين من خلال ايجاد النسبة بين الاطوال الزمنية لأجزاء الحركة لذا فالايقاع هو كمية لاقياسية “او لا رتيبة)) (8)،حيث يتميز الايقاع بالحيوية والتغيير اضافة الى التنظيم فهو ((أول ما يسهل على الانسان الاحساس به في الموسيقى وقد يرجع ذلك الى انه من العناصر الاساسية في الطبيعية،فهو يتمثل في صورة دقات او نبضات متتابعة مرتبة من مجموعات واضحة تحددها نقط ارتكاز متتابعة،ويعطي للموسيقى معنى خاص بتكوينها وحيويتها،فالايقاع روح الرقص،وروح الموسيقى،وروح الشعر)). (9)ان التنويع الايقاعي ضرورة من ضرورات الرقص الكوريغرافي -والرقص عموماً- اضافة الى كونه هدفاً من الاهداف الفنية في المسرح،والتي تفرضها المواقف والافكار والمشاعر سواءاً للتعبير عن الفكرة الفلسفية للعرض، او بهدف التسويق وابعاد الروتينية والرتابة والملل لدى المشاهد(10).ان معرفة واهتمام الراقص/المؤدي/الممثل بالايقاع الحركي،تساهم في توفير الطاقة المبذولة للأداء الحركي ،وذلك عن طريق تقسيم كميات القوة /الطاقة “Effort” الجهد على مراحل زمنية منتظمة ومتناسقة،((اي اخراج القوة بالقدر الامثل في الزمن المناسب مثل ايقاع راكض الحواجز او ايقاع راكض المسافات الطويلة وايقاع الحركات المتكررة في التجذيف او الجمباز))(11)، وكافة انواع الاداءات الرياضية ،فالراقص/الممثل –كما الرياضي- ومن خلال معرفته واستخدامه للأيقاع الحركي،يسعى الى توفير جهده وطاقته المبذولة في اداء الحركات الراقصة او الحركات المسرحية الاخرى ،وعدم الاحساس بالتعب ومحاولة احتفاظه بحيويته الحركية و الادائية ونشاطه طوال فترة العرض. ويرتبط مفهوم “الايقاعRhythm”بعنصر الزمن (12)، سواء في انجاز الحركة او في توفير الجهد المبذول للانجاز،حيث يميل الجزء الاسفل من الجسم الى استخدام الايقاع المنتظم في الاداء-كما في حالة الرقص- في حين يتعامل الجزء العلوي من الجسم والاطراف مع الايقاع الحر و الغير منتظم والذي يعكس دينامية الحركة وتعبيرتها (13)،فحركات الرأس او اليدين في حالة الرقص لايعني بأنها حركات تفتقر الى النظام والترتيب،بل انها حركات انسيابية/مرنه/لينة/،كما في الرقص الشرقي او الباليه،فإنسايبية الحركة تعني استخدام قوة قليلة/جهد في زمن طويل نسبياً (14)،فحركة العسكري -في حالة الاستعراض – بالنسبة للقدمين واليدين والجسم بأكمله تتميز بإلتزامها بالايقاع المنتظم،اما حركة الراقص-في الغالب- فهي حركات مبنية على الايقاع المنتظم والايقاع الحر اللامنتظم ” الحركي ” ، ويتجلى ذلك في رقص “الفلامنكو” للراقص او الراقصة، حيث تشيد ثنائية التوافق الايقاعي لحركات الجسد في الجزء الاسفل مع الايقاع الموسيقي وضرباته وانسيابية حركة اليدين والخصر-الجزء العلوي- روح الاداء وشكله المبني على التباين ما بين أعضاء الجسد للرقص الاسباني”الفلامنكو”.ويرتبط الايقاع بشكل مباشر بالتنفس كونه عملية “ارادية ولاارادية”، ففي حالة النوم يكون عملية لا ارادية ،ويصبح التنفس عملية واعية/إرادية في حالة التنظيم لحركات الشهيق والزفير مع الايقاع الحركي(15)،كما في حالة الرياضي او الراقص والممثل ايضاً – وذلك من خلال اتباع نظام للشهيق والزفير وعدد محدد من الخطوات والحركات .
والايقاع صفة مميزة من صفات الاشخاص عموماً، سواء أكان ايقاعاً لفظياًاوحركياً،فكل شخص/انسان يتحرك او يتكلم بإيقاع يختلف عن ايقاع انسان أخر،ودائماً ((هناك نوع من الايقاع الداخلي يجري طوال الوقت من اي شخص)) (16)، ويؤثر الايقاع الشخصي في كل شيء بدأ من المكان الى الاشخاص،الممثلين، المتلقين وقد يتصادم ايقاع الافراد وربما يتألف ويتوافق(17) و يتأثر الايقاع ويتغير في حالة تعرض الانسان الى مثير عاطفي فيظهر ذلك من خلال التنفس،كما يختلف ايقاع الشخص المضطرب عقلياً عن ايقاع الانسان السوي. ان اي نشاط يقوم به الانسان-بحسب ستانسلافسكي- سواء أكان لفظياً ام حركياً او تأملياً ،فهو يتكون من لحظات انتباه وتركيز ثم استرخاء(18)،اما الشخص المضطرب عقلياً او المعصوب ،فيخرج عن الايقاع الطبيعي في حركته والفاظه وحتى افكاره ،وذلك من خلال تقليص فترات الاسترخاء بالقياس الى الشخص الطبيعي،ويتنفس الشخص المثار عاطفياً اسرع من الشخص العادي، ويكون تنفسه من الفم بدل الانف(19) وذلك لحاجته المتزايده الى كمية اكبر من الاوكسجين ، ومن هنا يكون الممثل بحاجة الى تمارين الاسترخاء التي قال بها” ستانسلافسكي وغيرها اكان في تدريباته او في العروض المسرحية بغية التوصل الى حالة الاسترخاء العضلي وشحذ الطاقة للممثل،فالطاقة على المسرح ليست هي ذاتها في الحياة اليومية فإذا كان الراقص/الممثل/المؤدي متوتراً ، فسيكون من الصعب عليه ان يظهر أحاسيسه ويتحرك او حتى يفكر(20)،فالتوتر هو انشداد عضلي- بما فيها الصوت –وهو يعيق الحصول على الطاقة المسرحية التي هي اعلى من الطاقة اليومية/الحيايتية، فحتى الهمس على المسرح بحاجة الى طاقة اعلى من طاقة الهمس اليومية، ان الاسترخاء يبعد التوتر من خلال التمرين والتدريب المتكرر ((بحيث يكون لديك اداة جسمانية تعمل باحساس من السلاسة، ولكنها قادرة على التوتر حينما تريدها ان تتوتر وقادرة على الا تتوتر عندما لاتريد لها ذلك)) (21)، بمعنى ان تمارين الاسترخاء تحول عملية التوتر اللاارادية الى عملية ارادية ويمكن الافادة منها في الاداء عموماً وخصوصاً الاداء الجسدي/الراقص .

ان الحركة – اية حركة- هي تغيير من وضع الى أخر،وتعرف الحركة ((بأنها انتقال جسم معين من حال الى حال زمنياً ومكانياً))(22).وتستلزم الحركة صفات محددة منها،الاتجاه “يمين،شمال،اعلى،اسفل” والسرعة ” بطيئة،سريعة،متوسطة” وكذلك الطاقة والتي هي صفة اساسية لأنجاز الحركة وهي الجهد المبذول او التحكم بذلك الجهد للوصول الى الانجاز الحركي،والتقدم الذي يعني عدد التغييرات المتحققة ضمن ذلك التقدم الحركي(23)،والحركة الراقصة قد تكون موضعية او انتقالية، وتحتاج الحركة الانتقالية الراقصة الى مجهود عضلي اكبر من الحركة الموضعية الراقصة في الاغلب، فالايقاع الحركي ((هو التغيير المنظم في المكان وايقاع الحركة هو العلاقة بين الطاقة المخزونة والطاقة المستهلكة. ويتأثر الايقاع بالتتابع الحركي…فالجسم المتحرك أكثر مؤكداً من الثابت)) (24).

ان التتابع الحركي يعني مجموعة حركات تكمل بعضها في تشبه الجملة الكلامية ،فالحركة الواحدة في الجملة الحركية بمقام الكلمة في جملة طويلة،فإذا كانت الكلمة لوحدها لا تكشف عن معنى الجملة، فكذلك الحركة الواحدة لا يكتمل بها المعنى ،فالتتابع الحركي يعني اختيار حركي معين وترتيبه في انساق معينة تنظيمية تهدف الى ايصال معنى ما من خلال سياق معين لمجموعة حركية مشكلة لجمل جسدية تدل عن مفاهيم وافكار قد لا تقدر الجمل الكلامية ان تقولها. وحركة الرقص وإيماءته((ليست إيماءة حقيقية،بل مفتعلة ..انها حركة حقيقية فعلية،ولكنها تعبير ذاتي مفتعل))(25)،فالطاقة اوالقوة تسفر عنها”حركة، قفزة،إنحناءة،…” للتعبير عن المعنى بوسيلة حركية بدل الوسيلة اللفظية، فالحركة((هي جوهر الرقص ومادته كما انها-حرفياً- الموقع الذي يكمن فيه معناه)) (26)،لكن ذلك لا يعني استغناء الراقص الكوريغرافي عن العناصر المسرحية الاخرى،بل تتمايز ادوارها مثل ” الديكور، الزي،المكياج”فلاضاءة المسرحية في العرض الراقص قد تحظى بدور متقدم عن المسرحية غير الراقصة وذلك لما يمكن ان يحققه الضوء من وظيفة حسية مساعدة للحركة ،((يجب ان يكون التنويع والتغيير في تركيز الاضاءة سريعاً مع ملاحظة تناسبها وانسجامها مع ايقاع وجو الحركة)) (27)،فاللون يتشكل ايقاعياً مع الحركة من خلال التأكيد او عدمه،إضافة الى التوضيح والفرز والعزل والتصغير،اضافة الى دلالة اللون و الضوء الفلسفية/والجمالية في تحقيق الالهام الطقسي للعرض الراقص. اما الموسيقى فتمارس دوراً كعنصر مؤسس ومساعد في الرقص و الرقص الكوريغرافي،سواء اكانت ملحنة خصيصاً للعرض او تم اختيارها ،فهي تؤكد التزامها بالايقاع والمقامية(**)، وان الراقص-والممثل ايضاً- بحاجة الى معرفة اولية/اساسية/للاوزان الموسيقية والمفاتيح اللحنية من خلال التثقيف الموسيقي العام/العالمي،والخاص/المحلي،فهناك ايقاعات عديدة للموسيقى الغربية منها “4/4،2/4،3/4” وغيرها، كما ان هناك ايقاعات عربية ومحلية منها ايقاع “الجورجينا”و”ايقاع المصمودي الكبير” و”ايقاع الهيوه” وغيرها من الايقاعات المحلية/العراقية.وتتأسس بنية الايقاع الموسيقي عموماً على “دم” ضربة قوية، و”تك” ضربة خفيفة و”سكوت”، ويختلف عدد الدم ،التك او السكون” من ايقاع الى أخر(28).وتتكون الحركة الراقصة من مجموعة حركات صغيرة وتسمى((الوحدات الحركية الصغيرة”احاريكKinemes”والتي ترتبط قواعدياً مع اشكال حركية أخرى ،بشكل بالغ التعقيد-مركب اشكال الحركة Complex Kinemorphs)) (29)وان لكل وحدة حركية صغيرة ايقاعها الحسي الخاص-و ليس الزمني-والذي يساهم في اطلاق وتحديد ايقاع الجملة الحركية حسياً واضافة الى الايقاع الزمني المحدد،بإعتبار ان عدة اعضاء جسدية تسهم في انجاز الجملة الحركية،فحركة الكف- مثلاً – لها ايقاع يختلف عن حركة الذراع بأكمله،وحركة القدم تمتاز بإيقاع اقوى من حركة اليد المنسابة ،واذا ما ساهم الجذع فسوف يضاف ايقاع حركي/حسي اخر-إضافة الى الايقاع الزمني-وبالتالي تخرج عدة ايقاعات نتيجة مساهمة اطراف عدة من الجسد في الجملة الحركية،اما التشكيلات والتكوينات والتي تتميز بالصلابة والثبات وربما حتى الجمود في الحركة(30)، كما في وضعية راقص/راقصة “الفلامنكو” او وضعيات مصارع الثيران “الاسباني” الجسدية،فالرأس يميل لأحد الجانبين والنظر الى الارض ،والجسم متصلب/مشدود واليدان تأخذ وضعاً مغايراً للرأس والجسم،والخصر يتجه الى أحد الجانبين وغيرها من تفصيلات جسدية .
ان التشكيل/الوضعيات في المسرح الراقص/الكوريغرافي يعول عليها كثيراً في التصميم الحركي،بهدف استثمار وتوظيف اجساد المجموعة المشاركة في الرقص،حيث تتشكل وتتكون تلك الاجساد مزهرة عن ايقاع متنوع،فكل راقص/مؤدي له ايقاعه الجسدي الخاص والمختلف عن ايقاع زميله،سواء أكان ذلك الايقاع نابعاً من الحس الشخصي للراقص او بسبب بنية وهيئة جسد الراقص نفسه”الطول،المقاييس الجسدية”واختلافها عن راقص اخر،إضافة الى الايقاع الموسيقي،فـ((الموسيقى الحديثة تبرز ايقاعات الرقص…أكثر من ابرازها للهارموني او التوافق النغمي كما انها توجه اهتماماً أكبر نحو الصورة أكثر من اهتمامها بالحرفية الموسيقية عالية المستوى)) (31).

اننا نرى بأن هناك وفرة ايقاعية في العرض الراقص وذلك ما يميزه عن عرض أخر،فإذا كان الايقاع = زمن

ففي العرض الراقص يكون الايقاع= زمن+حس+شكل فالحركة الراقصة هي الشكل والمعنى في آن واحد.((ان الايقاع الحركي على المسرح يرتبط بالتقسيم الديناميكي الزمني للحركة ،اذ يمكن للمتلقي ان يحس بحالة التوتر القائمة بين الشخوص والاحداث في العرض المسرحي وتملثلها في نفسه)) (32).ان الحركات الراقصة- على اختلاف انواعها- تحتوي على مجموعة شحنات تنتقل عن طريق الدم،ونشاهد انعكاسها على وجه الراقص،احمرارً،فرحاً،ألقاً، فطاقة الحركة متغييرة تبعاً لنوع الحركة ما بين السريعة /القوية /المتوترة،او الانسيابية/المرنة/اللزجة،او المتعرجة/المتكسرة/الحلزونية…وغيرها،فكل حركة من هذه الحركات لها طاقة معينة وشحنات محددة،قد لا نتمكن من قياسها الا بواسطة اجهزة معينة،لكن تلك الطاقة التي يؤكدها “باربا” موجودة حتماً لأن المتلقي يحسها وان لم يكن مشاركاً في الرقص،فالشحنات طاقة تنتقل في المكان وليس في الجسد الواحد فقط(33). ويرى “باربا”،بأن الحركة تتضمن طاقة “ذكرية Animus” وطاقة “انثويةAnima” وان هذين النوعين من الطاقة ليست لها علاقة بجنس الممثل /او الممثلة وحتى جنس الشخصية المؤداة،وهي عنصر متواري لدى الرجل والمرأة.اننا نشابه هاتين الطاقتين،كما الهرمونات الذكرية والانثوية لدى الرجل او المرأة فهي -الهرمونات- تتكشف اوتتوارى بحسب نوع الجنس ولكنها موجودة لدى الجنسين،وان طاقة (Animuse &Anima) – بحسب “باربا” لا تنتمي الى السلوك اليومي/الحياتي للرجل والمرأة،بل انها تنتمي الى طاقة الممثل في المستوى غير التعبيري”un-Expressif” لدى الرجال والنساء،ونراها متجسدة في المسرح الشرقي/الاسيوي لفن “الاوناجاتا”(34).
وكما يرى”يونع” واتباع مدرسته ،بأن النفس الانسانية تحتوي على مستويين هما “مذكرAnimus” و “مؤنث Anima” يوجدا لدى كل انسان رجلاً كان ام أمرأة ،واحياناً يتخاصمان او يتعاونان(35).لكن “باربا” لا يرى علاقة ما بينه وبين “يونغ” في “الانيما والانيموس”(36).

ويرى “باشلار” متأثراً بطرح “يونغ” ،بأن(( حلم اليقظة في أبسط وانقى حالاته،ينتمي…..الى الانيماAnima)) (37)، بمعنى ان “باشلار” يربط مستوى “Anima” كونه سبباً للراحة والسكنية في الحلم .اما الكوابيس والقتل والخوف فهو بسبب المستوى الثاني “Animus”.

ويتميز الرقص الهندي بقطبيه او مبدأيه الرقيق ويسمى” لسايا Lasya”والنشيط ويسمى “تندافا Tandava” وهي طريقة لأداء الحركات لا علاقة لها بجنس المؤدي،ويمتد هذان العنصران في الرقص الهندي الى جميع العناصر المشاركة في العرض “كالحركة،الازياء،الموسيقى” وكذلك نجده في رقصات “بالي”(38). ان الطاقة المصاحبة لاية حركة “الانثوية والذكرية” يحصل عليها الممثل/الممثلة- بحسب “باربا”- من خلال التدريبات الحركية والنفسية ،بهدف الافادة منها في تجسيد الشخصيات حركياً،سواء أكانت حركات راقصة او حركات مسرحية ،فعلى سبيل المثال ان شخصية “عطيل”-قبل وقوعه في الشكل- تمتاز بحركات قوية/مباشرة/صلبة،ذات طاقة ذكرية “Anima”،اما شخصية “ياغو” فذات حركات ملتوية/لزجة/غير مباشرة/متموجة،ذات طاقة “انثويةAnima”.

ان الطاقة “الانثوية والذكرية”وسيلة لأدراك جسد الممثل/الممثلة،للوصول الى اقصى درجات التحكم به،وفرصة لأبراز براعته/براعتها(39)،وان بالامكان الافادة منها في شخصية المرأة المتسلطة او العاملة/او المُمتهِنة لمهنة عضلية،حيث تبرز الممثلة الطاقة “الذكوريةAnimus “كطابع حركي للحركات الجسدية الراقصة والحركات المسرحية عموماً.أننا نرى بأن الطاقة “الذكرية والانثوية” هي بمثابة نبض ايقاعي للحركة التي تؤديها الممثلة/او الممثل والتي بإمكانها ان تكشف عن حياة الشخصية-دون الحاجة الى القول- من خلال التركيز على تلك الطاقة النابضة والمعبرة عن الفكرة الفلسفية للشخصية او العرض المسرحي الراقص وغير الراقص للوصول الى الخصائص الشمولية للجسد حيث يلجأ الراقص/المؤدي/الممثل الى التأكيد على ايقاعية الحركة،وذلك من خلال التنقل ما بين التوتر والتقطيع والانسيابية و الشدة والمرونة وغيرها من عناصر الحركة والتي تعلن عن الطاقة المصاحبة للحركة المؤداة،وليس المقصود من الطاقة “الذكرية والانثوية” الجهد “Effort” العضلي المطلوب لأنجاز الحركة،فالحركة الانسيابية/المرنة/او السائلة،بحاجة الى جهد عضلي ايضاً، ويتحقق الجهد من خلال الانبساط والشد للعضلات اضافة الى العظام و المفاصل والاعصاب والشرايين و الاوردة،فجميعها تشارك في تحقيق الانجاز والاحساس الحركي لحركة(40) بعينها.ان الاداء في الرقص الكوريغرافي ينظر اليه ((على انه فعل جسدي يجسد خصائص عالمية معينة مثل الرشاقة،النسبة،التوقيت))(41)،حيث تتحول لغة الجسد الحركية الى مؤشر للتشابه الجسدي والشمولية.وان الممثل المسرحي-كذلك الراقص- بحاجة الى زمن تدريبي معين،بهدف الحفظ وتثبيت الحوار المسرحي/الملفوظ، وتساهم الحركة المسرحية “اليومية والجمالية” من تمكين الممثل من عملية الحفظ وذلك عن طريق ربط حركة معينة او ايماءة جسدية/حركية بجملة حوارية،فغالباً ما يجد الممثل صعوبة في حفظ الحوار/اللغة،وقد يلجأ الممثل الى استراتيجية معينة لتركيز وتثبيت الحوار عن طريق الحركة او الايماءة، فالتقدم -مثلاً- نحو طاولة او رفع الكأس او الامساك بالكرسي ،هذه الحركات والايماءات الجسدية او الاشارية تسهل عملية ربط الحوار المعين لجملة ما،بالحركة او الايماءة ،فالذاكرة بشكل عام لاتحفظ الارقام او الكلمات بل تحفظها على انها صورة، والمعلومة- اي كانت – تحفظ بداية في الذاكرة سريعة الحفظ، وبعد ان ترمز تنقل الى الذاكرة طويلة المدى(42) والحركة باعتبارها متشكلة صورياً/شكلاً،تمتاز بسهولة الحفظ وتسريعه وتثبيته في الذاكرة كما تساهم الموسيقى وايقاعاتها في المسرح الراقص/الكوريغرافي في تسهيل وتسريع الحفظ للحركة-اوالحوار- اضافة الى ايقاع الحركة ذاتها،فالايقاع يتشابه مع الكلام المقفى او السجع،والذي يقوي الذاكرة (43)، ويسهل عملية الحفظ طويلة المدى،مما يجعل الافادة منه ضرورية للممثل/المؤدي/الراقص،سواء في المسرح الراقص او الانواع المسرحية الاخرى.
المصادر والهوامش

(1) سامي،عبد الحميد:حركة الممثل في فضاء المسرح،بغداد:المركز العلمي ط1،س2011،ص12.

(2) خزعل،الماجدي:موسوعة الفلك،(عمان- الاردن)،دار اسامة للنشر،س2001،ص19.

(3) عبد المحسن،صالح:الزمن البيولوجي،عالم الفكر،المجلد الثامن،العدد الثاني،ص358.

(4) ينظر: داريوفو،دليل الممثل،تر،هند مجدي،مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي(16)،س2004،ص67.

(5) جيلين، ويلسون،سيكولوجية فنون الاداء،تر،شاكرعبد الحميد،الكويت:المجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب،س2000،ص 281.

(*) بخصوص نشأة الغناء والموسيقى ،يرى (دارون) بأنهما قد ظهرا كشكل من اشكال ابداء الغزل، في حين يرى (سبنسر) بأننا حين نستثار ترتفع اصواتنا وتحدد الفواصل وتنتظم المسافات بين الكلام، في حين يؤكد(نادل) بأن الموسيقى والغناء هي لغة خاصة اخترعها الانسان البدائي بإعتبارها تشبه كلام الالهة والشياطين،بهدف استخدامها في الاحداث الغير عادية لمعرفة المزيد،ينظر: جيلين،ويلسون:المصدر السابق، من ص 277-284.

(6) سامي ،عبد الحميد: حركة الممثل في فضاء المسرح،مصدر سابق،ص12.

(7) ينظر:المصدر السابق،ص12.

(8) عبد الكريم،صريح الفضلي: تطبيقات البيوميكانيك في التدريب الرياضي والاداء الحركي،الاردن:دار دجلة،ط1،س2010،

،ص360.

(9) فاطمة،عبد الحميد السعيد:الاسس العلمية والتشريحية لفن الباليه ،الهيئة المصرية العامة للكتاب،س1973،ص78.

(10) ينظر: سامي ، عبد الحميد:حركة الممثل ،المصدر اعلاه،ص 13.

(11) عبد الكريم،صريح الفضلي: تطبيقات البيوميكانيك ،مصدر سابق،ص13.

(12)ينظر: جين،نيولاف:منهج لابان للممثلين والراقصين،تر،نيفين جلال الدين،مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي(10)،س1998،ص65.

(13) ينظر: المصدر السابق،ص66.

(14) ينظر : عبد الكريم،صريح الفضلي: المصدر أعلاه ،ص 362.

(15) المصدر السابق ذاته،ص 381.

(16) جوزيف،شايكين: حضور الممثل،تر،سامي صلاح،القاهرة:مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي(17)،س2005،ص105.

(17) ينظر: المصدر السابق،ص106.

(18) ينظر :جين ،نيولاف: منهج لابان،مصدر سابق،ص154.

(19) المصدر السابق ذاته،ص154.

(20) ينظر: روبرت،لويس: نصيحة للممثلين،تر،سامي صلاح،مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي،(12)،ص48-51.

(21) ينظر: روبرت،لويس:نصيحة للممثلين،تر،سامي صلاح،مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي،(12)،ص52.

(22) ) سامي ،عبد الحميد:حركة الممثل في فضاء المسرح،مصدر سابق،ص45.

(23) ينظر: المصدر السابق والصفحة ذاتها.

(24) ينظر: المصدر السابق ،ص 6.

(25)نك،كاي: ما بعد الحداثية والفنون الادائية،تر،نهاد حليمة،القاهرة:الهيئة المصرية للكتاب،ط2،س1999،ص131.

(26) المصدر السابق،ص 133.

(27) فرانك،هوايتننج:المدخل الى الفنون المسرحية،تر،كامل يوسف(وأخرون)،(القاهرة)،دار المعرفة،س1970،ص379.

(**) “المقاميةTonality”وهي التسمية التي تطلق على لحن مقطوعة معينة لتمييزها عن المقام اللحني لأخرى،ويتكون المقام من نغمات محددة صعوداً او هبوطاً وغير مقيد التتابع ،ويسمى المقام باسم الدرجة الموسيقية” التون ” التي يبدأ منها، وهناك مقامات غربية واخرى شرقية”عربية وعراقية” وتمتاز بأنها تحتوي على نغمة ربع “التون” والذي لا يتوفر في الموسيقى الغربية اضافة الى نغمة نصف “التون” والذي يتواجد في الموسيقى الغربية والشرقية(الباحثة).

(28) ينظر: قاسم بياتلي: ذاكرة الجسد في التراث الشرقي الاسلامي،بيروت:دار الكنوز الادبية.ط1،س2007،

ص(109-111).

(29) اكرم،اليوسف:الفضاء المسرحي، دمشق:مطبعة الوفاء، س2009،ص127.

(30) ينظر: المصدر السابق،ص112.

(31) جيلين،ويلسون:سيكولوجية فنون الاداء،مصدر سابق،ص 276.

(32) يحيى،البشتاوي:الوظيفة وموتها في العرض المسرحي،الاردن:مطبعة الروزنا،س2007،ص140.

(33) ينظر: قاسم بياتلي:الوشاح الذهبي،الرقص في المجتمع الاسلامي، بيروت: دار الكنوز الادبية، ط1،س1997،ص78.

(34)ينظر:ايوجينو،باربا(واخرون):طاقة الممثل مقالات في انثربولوجيا المسرح،تر،سهير الجمل،مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي(11)،س1999،ص67.

(35) ينظر:غادة ،الامام: جماليات الصورة- جاستون باشلار،التنوير للطباعة والنشروالتوزيع،ط1،س2010،ص352.

(36) ينظر:ايوجينو،باربا،زورق من ورق عرض المبادىء العامة للانثروبولوجيا المسرح،تر،قاسم بياتلي،القاهرة:الهيئة المصرية العامة للكتاب،س2006،ص114.

(37) ينظر:غادة ،الامام: جماليات الصورة- جاستون باشلار،التنوير للطباعة والنشروالتوزيع،ط1،س2010،ص352.

(38) ينظر: ايوجينو، باربا:زورق من ورق،مصدر سابق،ص117-118.

(39) ينظر: ايوجينو، باربا(واخرون):طاقة الممثل،مصدر سابق،ص70.

(40) سامي ، عبد الحميد: حركة الممثل في فضاء المسرح،مصدر سابق،ص6.

(41) فيليب،اوسلاندر:من التمثيل الى العرض مقالات حول الحداثة ومابعد الحداثة،تر،سحر فراج،مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي(14)،س2002،ص118.

(42) جمال،الملا:لقاء في برنامج(خطوة) على قناة ابو ظبي الاولى،بتاريخ 5/7/2011.

(43) ينظر:جيلين،ويلسون:سيكولوجية فنون الاداء،مصدر سابق،ص288.

—————————————————————–
المصدر : مجلة الفنون المسرحية – د.ليلى محمد – الخشبة

شاهد أيضاً

المسرح متعدد الثقافات، أم مسرح المهجر … مادة بحثية حـسن خـيون

المسرح متعدد الثقافات، أم مسرح المهجر … مادة بحثية  حـسن خـيون  المقدمة  في قراءة للتاريخ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *