الارتجال أفضل طريقة لتدريب الممثل – محمد الحمامصي #مصر

الارتجال أفضل طريقة لتدريب الممثل – محمد الحمامصي #مصر

قد لا يختلف اثنان على أهمية الارتجال في التمثيل، فهو ما يبرز القدرات الفنّية لدى الممثل، ومن خلاله يمكن لبعضهم أن يقيّم أداءه، لكن الارتجال له وجه سلبي إذا ما تجاوز حدود الوعي إلى الاندماج والانصهار والانفعال، وبذلك يتحول من فعل فني إلى تمظهرات للذات. وهو ما درسته بدقة الباحثة المصرية إنجي البستاوي.

ما تأثير تدريبات الارتجال على زيادة معدل التفكير الإبداعي لدى الممثل؟ وما نسبة التغير في قدرات الممثل الذهنية ودرجة انعكاسها على قدراته الإبداعية؟ ما هي أهمية إنماء التفكير الإبداعي للممثل؟

هذه التساؤلات المتعددة النواحي تتبلور حولها أطروحة الدكتوراه التي قدمتها أخيرا الباحثة إنجي البستاوي، المدرس المساعد بالمعهد العالي للفنون المسرحية بعنوان “أثر الارتجال في تنمية التفكير الإبداعي لدى الممثل”، طارحة مجموعة من الفرضيات التي سعت لإثباتها وقياس مداها وتأثيرها على الممثل من خلال تدريبه.

الارتجال معمل فني:
قسمت إنجي البستاوي عملها إلى أربعة مباحث، بداية بمسألة الارتجال وكيف يزيد من معدل التفكير الإبداعي لدى الممثل بنسب متفاوتة تخضع لمجموعة من المؤثرات “بعضها داخلي وبعضها خارجي”، وثانيا تشدد على أن هناك فروقا فردية مهمّة بين الممثلين وبعضهم البعض في الإبداع، أما ثالث المباحث فتبيّن من خلاله الباحثة العلاقة بين الارتجال والتفكير الإبداعي كعلاقة منحنية، وليست طردية أو مستقيمة، ورابعا ترى أن الممثل الذي يتم تدريبه على الارتجال هو أكثر قدرة على الإبداع من غيره.

الارتجال

وتؤكد البستاوي أنها استهدفت في أطروحتها اكتشاف مساحة العلاقة بين الارتجال والتفكير الإبداعي لدى الممثل، ومدى ما تطرحه من إمكانات لتطويره والاستفادة من المناهج التدريبية المختلفة التي تستخدم الارتجال؛ لوضع منهج تدريبي على أسس علمية قابل للتطبيق في توظيف الارتجال كوسيلة لتدريب الممثل لإثارة خياله وقدراته الفنية، وتفجير طاقاته الإبداعية وقياس أثر تلك التدريبات على التفكير الإبداعي لديه.

وترى الباحثة أن الارتجال يعتبر أحد عناصر تدريب الممثل المهمة التي تبناها العديد من أساتذة التمثيل والإخراج وأصحاب المناهج والمدارس المختلفة. كذلك لعب دورا كبيرا في الحركة المسرحية في مراحل تطوره، حتى أصبح علما يدرّس وله قواعد ودراسات علمية تربط بينه وبين العلوم المختلفة، مثل علم النفس، وعلم الاجتماع، والصوتيات، وحتى توظيف الجسد والتعبير الحركي. وقد أسهمت الكوميديا ديلارتي المعتمدة بشكل أساسي على الارتجال، في تطوير فن الممثل خاصة، وفنون المسرح بشكل عام.

وتقول البستاوي “في عام 1964 حدد المعهد الدولي للمسرح ندوته العلمية التي عقدت في بوخارست لموضوع الارتجال كعنصر أساسي ومهمّ في تعليم التمثيل المسرحي، ودوره كوسيلة لتنمية قدرات الممثل العضوية والنفسية، ومنذ ذلك الحين يحتل الارتجال المسرحي موقعا مرموقا في العملية التعليمية في الكثير من مدارس التمثيل، وإن ظلت النظرة حيال قيمته وطبيعته تتميز بالاختلاف الشديد”.

وتضيف أن الارتجال المسرحي يقوم على الموهبة والصقل والكفاءة، والحرية والعفوية والتلقائية، والإبداع الفوري، وإعطاء الأهمية الكبرى للمخيّلة والخيال والتخيل في تقديم الفرجة الدرامية وتركيبها مشهديا. ويقوم على الإضافات الشخصية، والاستكشاف الذاتي، كما يبنى على الجديد، واللامتوقع، والخروج عن السائد والمألوف.

كما أن الارتجال تكسير لبنية التقليد، والبحث عن نص أو فضاء أو تشخيص أو إخراج أو تأسيس سينوغرافي يتسم بالجدة والابتكار. ويكون الارتجال على صعيد الأفكار والإخراج والحوار والمونولوجات والحركات والإيماءات والرقصات والأغاني.

ويقول جيرارديو ريكوبوني “كان تدريب عشرة ممثلين للمسرح النظامي أكثر سهولة من تدريب ممثل واحد للمسرح المرتجل.. حيث يجب على المرتجل الجيد أن يمارس نوعا من نكران الذات، وأن يتحاشى إطلاق العنان لخياله أو المبالغة في تمثيل دوره بحيث يؤدي الأدوار الأخرى”.

وتوضح البستاوي أنه في هذا الصدد يمكن الحديث عن أنواع وتصنيفات عدة من الارتجال، فهناك تصنيف يقوم على التأليف الفوري، وينقسم إلى: ارتجالات بسيطة، وارتجالات مركبة، وهناك تصنيف آخر من حيث العدد: ارتجالات فردية وارتجالات ثنائية وارتجالات جماعية، وهناك من حيث المكونات المسرحية: ارتجالات حركية، وارتجالات حوارية، وارتجالات مونولوجية، وارتجالات غنائية، وارتجالات ميمية، ومن حيث المستويات الدرامية: ارتجال التأليف، ارتجال التشخيص، ارتجال الإخراج، ارتجال السينوغرافيا.

وتؤكد الباحثة أن الارتجال هو المعمل الفني، والإنتاج الإبداعي الأصيل للممثل الذي يصنع فيه عملا جماليا جديدا ذا تأثير، فالارتجال هو الذي يظهر كل العناصر التي يشملها العمل العملي والحسي، إنه عمل تمثيلي تلقائي يهدف إلى اختلاق حدث يرتبط بالشخصية المسرحية، أي أنه ينقل صورة للأحداث القائمة بين الناس، إنه يمثل وحدة تلقائية تجمع بين عناصر الشخصية “الخيال، الفكر، الإحساس، الإرادة، والقيمة”.

وتلفت إلى تفاوت قدرات الارتجال من ممثل إلى آخر طبقا لقدراته الإبداعية.. بل إن هناك بعض مدارس التمثيل تقوم بتدريب الممثل على عناصر الارتجال بأنواعها المختلفة؛ لتنمية قدراته وتفجير طاقاته الإبداعية. والعلاقة بين الارتجال والإبداع تحتاج إلى تفهم دراسات الإبداع بشكل متعمق، ومن بينها دراسة ما يسمّى “التفكير الإبداعي. وتعد هذه الدراسة محاولة للإسهام في هذا المجال بشكل جديد”.

القوة المحفزة للخيال

قسمت البستاوي دراستها إلى مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة، حيث بدأت دراستها بتناول “مفهوم الإبداع بين العلم والفن” في مبحثين الأول حول التفكير الإبداعي من منظور علم النفس وسيكولوجية الفنون، والثاني الارتجال كمصطلح وتطوره وتاريخه “منذ الكوميديا ديلارتي” والتنظير للارتجال كعلم، وتوظيف الارتجال لتفجير الطاقات الإبداعية لدى الممثل.

أما الفصل الثاني فتناول مسألة “الممثل بين التعلّم والإبداع” وجاء في مبحثين أيضا الأول حول الارتجال لتنمية مهارات الممثل وبناء الشخصية الدرامية، والثاني الارتجال كوسيلة لبناء العرض وتطوير ديناميكية، حيث قامت الباحثة بالتعرض لبعض التجارب المسرحية المهمة التي تناولت الارتجال كمادة أساسية لبناء العرض المسرحي أمثال: أوغستو بوال “مسرح المقهورين”، جيرزي غروتوفسكي “المعمل المسرحي”، جوزيف شايكين “المسرح المفتوح”.. وغيرهم. بينما خصصت الفصل الثالث “أثر الارتجال في تنمية قدرات الممثل الإبداعية” لرصد عينات استكشافية وتجريبية.

وخلصت البستاوي إلى عدد من النتائج منها أن الارتجال لا يعد عملا تمثيليا ينشأ من ذاته أو عن ممارسة الممثل لعملية التمثيل؛ ذلك لأن التفسيرات التي تناولت ماهية التمثيل الحسي تظهر أن الارتجال بوصفه ممارسة فنية يحدث فقط بمساعدة القوة المحفزة للخيال، ومن خلال التأثير الحيوي للإرادة وارتباط ذلك بتحديد هدف معين.

وتقر بأنه ليس هناك تدريبات محددة للارتجال لتدريب الممثل بشكل محدد، بل تختلف التمارين والتدريبات باختلاف الهدف من الارتجال؛ فالارتجال ليس هدفا في حد ذاته، بل يستخدم كوسيلة للوصول إلى هدف محدد، على سبيل المثال: في هذه الدراسة الهدف هو تنمية التفكير الإبداعي عند الممثل، كذلك تتغير التدريبات وفقا لأسباب أخرى، مثل: البيئة المحيطة والظروف الاجتماعية والثقافية والنفسية للمتدربين، كذلك الخبرات الشخصية لديهم.

الارتجال المسرحي

وتلفت البستاوي إلى أن أهداف الارتجال تكمن في مسألتين أساسيتين تنبثق منهما تنويعات عديدة لأهميته، ولكن الأهداف واحدة ألا وهي ارتجال لتدريب الممثل، وارتجال يتعلق بالنص المسرحي سواء من خلال نص مكتوب أو تكوين عرض مسرحي كامل.

وتضيف الباحثة “توافقت إلى حد ما زيادة وثبات معدلات القدرات الارتجالية والتفكير الإبداعي فيما عدا بعض الحالات، وكلما تم التخلي عن التركيز العملي للفعل وللكلام، كلما كان رد الفعل، سواء اللفظي أو الحركي، أكثر تلقائية. ومن أهم السمات المشتركة بين جميع منظري التمثيل الذين تعرضنا لهم في الهدف من استخدام الارتجال، هي اكتشاف الممثل لذاته الداخلية وحدوده؛ لكي يتمكن من التحكم في أدواته والسيطرة عليها”.

وتؤكد البستاوي أن التدريب على الارتجال يعتبر العامل الأساسي الذي يفيد في خلق حالة توازن بين زيادة وضعف الوعي الذاتي للممثل، فالارتجال يساعد على تلقائية الأداء، ولكن بشرط أن يكون ارتجالا موجها تحت إشراف المدرب؛ حتى لا يتحول إلى مجال آخر لاستعراض الذات أو للانغلاق عليها، حيث لا بد من عدم الإفراط في إدراك الممثل لذاته؛ حيث أن زيادة الوعي الذاتي للممثل تعتبر من أكثر معوقات التمثيل؛ هناك عدة عوامل رئيسة لا بد من توافرها في المتدربين من أجل إقامة ارتجال ناجح، وهي على سبيل المثال لا الحصر: الحرية، الشعور بالأمان، الثقة بالنفس وبالآخرين وخاصة المدرب، الاستعداد التام، التفاعل مع الآخر.

محمد الحمامصي – مصر
(العرب)

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش