( الإيماحكواتية) في تجربة ( بينوكيو ) انموذجا للفرجة العربية الشعبية ( الملتقى العربي لفنون العرائس والفرجة الشعبية ) للباحث والايمائي د. أحمد محمد عبد الأمير

unnamed

 ( الإيماحكواتية) في تجربة ( بينوكيو ) انموذجا للفرجة العربية الشعبية ( الملتقى العربي لفنون العرائس والفرجة الشعبية ) 

للباحث والايمائي د. أحمد محمد عبد الأمير

العراق / بابل

تجربة العرض ( بينوكيو Pinocchio) قدمت ضمن فعاليات (الملتقى العربي لفنون العرائس والفرجة الشعبية) والمقام في إمارة الشارقة دولة الامارات العربية المتحدة بالتعاون مع الهيئة العربية للمسرح آيار2016 ) . سعى القائمون على الملتقى لإحياء الاحتفالات العربية الشعبية وفنونه القديمة ومنها فنون الدمى بأنواعها ( العصي ، الخيوط ، القفاز ، والأراجوز) ، وفن الحكواتي ، وصندوق العجب ، وفن خيال الظل القديم .. اذ تطرح في هذه الاحتفالية السنوية مواضيع تهم المتلقي المعاصر بأسلوب فني جذاب .

شخصية خيالية مُستمدة من رواية كتبها الروائي الإيطالي ( كارلو كولودي 1880 ) دمية مصنوعة من خشب الصنوبر كانت في غاية الإتقان ، قدمت هذه التجربة في ساحة مفتوحة أمام الجمهور وبعرض ارتجالي يجمع ما بين الأداء الصوتي والتمثيلي للحكواتي التونسي ( البغدادي عون ) بأسلوب الحكواتي ، والأداء الإيمائي الصامت للممثل العراقي الإيمائي ( أحمد محمد عبد الامير ) بأسلوب ( المايم ماريونيت ).جمعت التجربة الحداثوية بين الإيماءة و اللفظ ، التمثيل الايمائي مع الأداء الحكواتي بشكل منسجم يكمل الأول فاعلية الثاني , فأسلوب التمثيل الصامت  كما هو متعارف عليه  لا يرافق اداؤه اللفظ عادة ، إذ يعتمد الصمت والاتكال على الإيماءة في رسم الموقف والحدث الدرامي . اما في هذه التجربة الفنية تم الجمع فيما بينهما لتشكيل فضاءا إيمائيا حركيا لفظيا يجسد ابعاد الفكرة صوريا ويوضح دلالاتها الفكرية من جانب ، ومن جانب آخر يحقق التواصل الذهني والحسي مع الجمهور ( المتلقي ) ويحقق المسافة الجمالية مع خبرة المتلقي مع الاعمال الإيمائية التي تعرض في الشارع ويملاء الفراغات والاجابات لغرابة التجرية التي تطرح موضوعا وجوديا عن الإنسان / الدمية .

ان للدمج ما بين الأداءين المختلفين نوعا من التغريب في التجنيس ضمن تجربة ارتجالية فنية واحدة فضلا عن انه قد حقق عدة نتائج ، منها : الدهشة والتواصل مع التجربة الحداثوية ، إضافة أسلوب جديد للفرجة الشعبية التي تعتمد العفوية ، والبساطة في الطرح والتقديم ، والتفاعلية الانية ، ومن جانب آخر تحقق التحديث في جنس العمل الفني ، لذا ففن الحكواتي مع الإيمائي . يمكن لنا أن نطلق عليها ( الإيماءة حكواتي / الإيماحكواتي ) .

قدم العرض في فضاء مفتوح خاص بالملتقى في احدى القلاع القديمة للإمارة الشارقة ، وعلى نحو يكون الجمهور ضمن فضاء العرض وعلى شكل حلقة نصف دائرة تحيط بالمؤدين حيث حرية الجلوس على الارض أو الوقوف بين جوانب العرض وهو ما يتيح ( حرية الفرجة ) .

( بينوكيو ) حكاية معروفة ومتجذره في الموروث الذهني ، استغلها فنانا العرض لتتلائم مع اهتمامات وطبيعة الملتقى باسلوب فني معاصر يحقق المواصلة والتحديث والمعاصرة ، انزاحت فيه الدمية ( بينوكيو ) عن تبعيتها السردية المتداولة لتحال الى فكرة رمزية داخل فضاء جمالي أدائي . الى حكاية وجودية رمزية عن (الدمية / الإنسان) التي تبحث عن نجاتها من القدر المحتوم وذلك بسعيها للتحرر من القيود المادية وتحقيق حلمها في الارتقاء الى أنسنة سلوكها، والوصول الى اهدافها المثالية في الارتقاء بذاتها وتحقيق ارادتها الحرة في الانجاز والاختيار والعمل .. كسر قولبة المادة الخشبية التي تحبس تلك الأمنية من التحقق فعليا…

دمية حالمة سعت بكل قوة وبكل الوسائل لتحقق ما تصبوا اليه بعيدا عن ايدي صانعها ، تتحدى القدر وقدرتها وطبيعتها ، وتجتاز الموانع والصعاب لتحقيق حلم تحولها الى انسان حقيقي ( انسان كامل ).. لكن النهايات ابلغ ، اذ كتب عليها ان تسير وفق خيوطها وان تبقى ضمن خارطة السرد ، إذ لا ينفع معها المسعى ( فالجميع يرون انفك إلا أنت ) . ولكن يبقى أثر الحلم مرويا في الحكايات والقصص والروايات ..

ملعون من ينوي قطع كل الخيوط والسير بخطى الذات نحو طريق الشمس ، فطريق النور شاق وطويل يحرق الساعين فيه .. الخشب والطين من منبع واحد . سيحترق الخشب ويتحطم فخار الطين حتما ، وستغضب الارض يوما منهم ..

يبدا العرض بإيقاع موسيقي متصاعد ، يتحرك على اثرها المؤدي الصامت امام صورة دمية خشبية كبيرة ( لوحة شعار الملتقى ) على منصة صغيرة بإيماءات تدل على حركة دمية خشبية ( مايم ماريونيت ) يحرك اطرافه رويدا رويدا ويستدير ليكشف عن ارتدائه قناعا لدمية خشبية بأنف طويل ( قناع بينوكيو ) يعقبها صوت الحكواتي الشجي ( البغدادي عون ) كانه يأتي من بعيد ، يأمره بالنهوض من غفوته ويحقق ما رام تحقيقه ، وليتحرك ليأخذ الصندوق . مكان المؤدي من جهة اليمين والحكواتي من جهة اليسار من الفرجة ويلتقيان في وسط الباحة ليستلم من يدي الحكواتي الصندوق ( الصندوق قديم ) .

يفتح الصندوق يمد يده ليبرز منها راس دمية خشبية ، يمسك بخيوطها ويحركها متحكما بها فوق الصندوق وخارجه ومن ثم يجلسها على حضنه ، وبالتوافق مع الموسيقى وحوارات الحكواتي ، تواجه الجمهور تحاوره وتلعب معه .. الحكواتي يأمر المؤدي بالتحرر من ارادة الخيوط وبنزع عنه القناع ليتحول ، فيترك الدمية على ارض المنصة ويحاول نزع قناعه ( قناع بينوكيو بالأنف الكبير ) ويحاول أكثر من مرة لكن دون جدوى ، فالقناع ملتصق بصاحبه ويأبى الانفصال وبينوكيو عاجز عن نزعه ، انه هويته وجنسه وقدره ..

عجز عن نزع قناعه والتحرر منه ، عاد الى دمته التي وجدها لا تقوى على الحركة بعد ان قطعت صلتها بالمتحكم بها ، يرفعها بين يديه الى السماء لعلها تعيد ارتباط الخيوط اليها ، لكن بلا جدوى .. فيعيدها الى الصندوق ، ويعود ( بينوكيو ) الى ذات الوضع الأول محركا ذراعيه دلالة اللعبة ، واقفا أمام لوحة كبيرة للدمية بينوكيو ، محاولا احياء الروح في قطعة الخشب الصماء لكن بلا جدوى . في لحظاته الأخيرة ، يسقط رويدا رويدا بلا حراك . يرثيه الحكواتي وينزع رداه الطويل الذي كان يرتديه ( زي جزائري شعبي قديم زيا للحكواتي ) ويضعه على جسد ( بينوكيو ) . انتهت اللعبة ولكن لم تنتهي الحكاية .

لن ينتهي الملتقى الذي تأسس على التحاور مع كل الثقافات الشعبية وفنون الفرجة من كل بقاع الارض العربية ، شكرا لكل القائمين على الملتقى لانهم أحيوا طقسا جماليا عريقا وبالخصوص الفنان ( عدنان سلوم ) المنسق العام ، والشكر كل الشكر الى ( الهيئة العربية للمسرح ) ونخص الذكر الاستاذ ( غنام غنام ).. فبهم قام واستمر الملتقى ودامت فرجته ..

( كما قيل: تلك الشجرة التي خرجت منها ستغضب علينا يوما )

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *