الإضاءة المسرحية    بقلم د.عماد هادي الخفاجي

الإضاءة المسرحية   

بقلم د.عماد هادي الخفاجي

تمثل الإضاءة المسرحية جانباً مهماً من جوانب العمل التصميمي وترتبط به إرتباطاً وثيقاً نظراً لطبيعتها الحيوية وما تحققه من جوانب تصميمية مهمة تدخل في تشكيل الصورة المسرحية ومن ثمَّ العرض المسرحي كونها لم تعد عنصراً جمالياً يتم توظيفه في العروض المسرحية توظيفاً درامياً فقط, وإنما تمثل بتصميمها ووفقا للتقنية الجديدة الإبداع الضوئي الذي يعد من أهم العناصر المسرحية التي تدخل في جماليات العروض المسرحية() وذلك لما للضوء من معانٍ, ومدلولاتٍ, رمزيةٍ وروحيةٍ ولما يمتلكه من قوة محركة تزود العرض المسرحي بالحياة مع تنوعه الإيقاعي المبهر للعين وإرضائه لحاجة المتلقي البصرية والوظيفية لذلك نلاحظ الاهتمام الملحوظ من قبل المخرجين ومصممي سينوغرافيا العرض المسرحي بالإضاءة باعتبارها خطاباً بصرياً وظيفياً يقوم بدور هام بعملية الخلق والإبداع التي يتأثر بها المشاهد, والإضاءة شأنها شأن العناصر الأخرى المساهمة في سينوغرافيا العرض المسرحي لها قيما تعبيرية خاصة أخذت بالتميز خصوصاً بعد التطورات الكبيرة التي حصلت تحت ظل التقنية الرقمية الحديثة فأصبحت أهمية تصميم الإضاءة تكاملية مع بقية عناصر العرض المسرحي الأخرى. أنَّ تطور الإضاءة أرتبط بتطور سينوغرافيا العرض المسرحي ويمكن أن نجد هذا عن طريق الاستعمال المنطقي لتوظيف مساقط الضوء المتنوعة لزوايا الإضاءة وشدتها وعلاقة ألوانها بمفردات المنظر المسرحي والممثل وحركته على خشبة المسرح وإمكانية الضوء في التعبير عن أجواء معينة ذات خصوصية فلسفية أو نفسية وهذا يعني بأنه من الخطأ الفصل بين تصميم الإضاءة وتصميم المنظر والممثل لانَّ الديناميكية الخاصة للضوء تأخذ بالهيمنة على كل عملية التصميم والإنتاج المسرحي على خشبة المسرح لتحقق الإضاءة قيمة جمالية على الخشبة, فنحن مطالبون بمراعاة التباين بين كمية الإضاءة الموجهة إلى الخشبة وبين المنطقة أو الأشخاص أو الديكور وملحقاته().إذاً فالضوء يمثل ركناً أساسياً من العلاقة الثلاثية بينه وبين المنظر والممثل كما هو اللون الذي لا يمكن فصله عن الضوء وهو الصفة البصرية التي تطلق على كل سطح ومصدره الضوء أي بدون الضوء لا وجود للون وذلك لان الضوء يتحلل فيزيائياً إلى سبعة ألوان يتحدد كل منها بطول موجي له خصوصية تختلف عن الآخر, فعند سقوط الضوء الأبيض على سطح ما فان السطح يمتص جزءا من الأطوال الموجية ويعكس الجزء الآخر وإنَّ هذا الجزء المنعكس هو الذي تتحسسه أعيننا وهو الذي يعطي صفة اللون لذلك السطح. إذاً اللون هوذلك التأثير الفسيولوجي أي الخاص بوظائف أعضاء الجسم الناتج على شبكة العين, سواء كان ناتجا عن المادة الصبغية الملونة أو عن الضوء الملون,”() إذاً يشكل كل من اللون و الضوء قيمة كبيرة في عملية الإدراك الحسي والجمالي للعرض المسرحي وذلك لان عملية الإدراك تعتمد مبدأ الإبصار هذا من جهة ومن جهة ثانية فأنَّ الإدراكهوإستجابة نفسية لمجموعة مركبة من التنبيهات الحسية مصدرها العالم الخارجي()  إذاً يعد اللون العنصر الذي يشترك مع عناصر أخرى في تكوين سينوغرافيا العرض المسرحي ويغني العرض بوجوده الفاعل بحيث يؤثر على نجاح المشهد ويضفي جاذبية خاصة على الصورة المسرحية التي يراها المتلقي إذ بالإمكان القول إنَّ الألوان وبمساعدة الإضاءة المسلطة عليها هي لغة تصاغ بشكل مدروس لإضفاء دلالة أو حالة نفسية موجودة في العرض المسرحي, إذ لا شك إن الألوان عامل مهم من عوامل خلق الجو المناسب بما تضيفه من قيم معرفية وجمالية, لذا تسهم الإضاءة الملونة في إبراز الأبعاد النفسية للعرض المسرحي ونقل المتلقي إلى حالة نفسية وواقعية() لان اللون والضوء يسهمان مساهمة فعالة في توصيل الفكرة إلى المتلقي  لجذب الانتباه وتوجيهه نحو فكرة العرض المسرحي ومن ثمَّ تحيله إلى زمان ومكان الحدث في العرض المسرحي لإشتمالهما على الكثير من الدلالات التي لا يتحدد فعلهما الفيزيائي في حدود معينة بل يتعدى ذلك ليصبحا مجتمعين كعنصراً دلالياً يحمل مضامين متعددة من خلال قيمتهما الفكرية والجمالية, لذلك فأنَّ الإضاءة  عامل مهم من عوامل تكوين العرض المسرحي, بل عامل لا غنى عنه لإظهار وتفسير المواقف الدرامية وإضفاء التشكيل الجمالي على خشبة المسرح()، فنجد التقنية الرقمية بمعالجاتها، تتيح كماً هائلاً من إمكانات التركيب المتعدد الوسائط للأشكال التفسيرية للثيمات الدرامية، وكذلك مواكبة حركة تلك الثيمات في ديناميكية الحركة الدرامية لتلك الثيمات، وبما يخلق معادلات حسية فائقة الدقة في المدرك الذهني للمتلقي، ووضعه في عين تلك الحركة الصاخبة ودون الحاجة إلى نمط حسي واحد للتمثل، ولكن سيلا من التمثلات المتحركة والمتحولة، إذ يتخذ خطاب العرض المسرحي نظاماً مركباً من الأنساقالتأثيرية الحسية والإدراكية والتعبيرية في تمثل قيم الخطاب تنقل الذات المتلقية عبر سطوح العمل المسرحي في مغامرة تلقي متعدد المستويات إلى حدود الهذيان، كما في عروض (روبرت ويلسون)و(ريتشارد فورمان)، وأدائيات ما بعد الحداثة، في سعيها لوضع المتلقي في إطار تجربة حسية شاملة، معها يصبح العمل الإبداعي معادلاً ذهانياًللمنظومات القيمية الدرامية التي يشتمل عليها العمل الفني للعرض المسرحي.

وعليه فأنه من الممكن اعتبار الإضاءة محور التركيز الأساسي بتحوله إلى عنصر تعبيري فائق الأهمية عن طريق قدرته على إنشاء علاقة  فنية متعددة الأبعاد بين المنظر والممثل وحركته على خشبة المسرح  وبما إن المسرح يبحث عن الحاجة الملحة لتقريب المشاهد من قيمته الجمالية على المستوى الفكري والموضوعي لذا فقد بحث العاملون بهذا المجال فبدأوا التعامل والتفاعل مع تقنيات العرض المسرحي المتمثلة بالأزياء, والديكور, والماكياج والإضاءة فعدت الإضاءة عاملاً مساعداً لإبراز الكتل والتكوينات بإبعادها الثلاث حال سقوطها على الإشكال فوق خشبة المسرح وبما تظهره من ملمس للمادة إعتماداً على درجة التشبع اللوني وقيمته وبراقيته فأصبح الضوء بديلاً عن بعض الخامات إذ يمنحها أولاً الملمس نفسه الذي تمتلكه 

الخامة وثانياً يغير في حجمها ويظهر إيهاما بثقل كتلتها. وبعد التطورات الكبيرة التي حصلت والمؤدية إلى تغيير الأماكن وتقديم بيئات مختلفة بجغرافيات عديدة تَّلمس الفنانون فتحاً جديداً في المفاهيم الفيزيائية للضوء وأصبح بإمكان المنتجين أنْ يوفروا الكثير من المبالغ المالية التي تنفق على المناظر والأزياء والممثل وذلك من خلال وضع الإضاءة في الدرجة الأولى من متطلبات العرض وتوفير الأجهزة ذات التكنولوجيا العالية المستوى والمتقدمة في تصميم الإضاءة المسرحية وتنفيذها() فأضاف الضوء على المسرح تحدياً تقنياً جديداً أغنى العرض المسرحي عن الكثير من العناصر المكلفة مادياً وبدت الأشياء التي ينتجها ذات قيمة جمالية أخذت المشاهد نحوه فمنح التصميم القدرة في التعددية للمنظر والجمالية في الإيقاع البصري مضافاً إلى ذلك تطوير ذاكرة الُمشاهد الحسية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المصادر:

1. ينظر: بكير,أمين: الإبداع الضوئي في العروض المسرحية,القاهرة:الهيئة المصرية العامة للكتاب,2009,ص30.

2.ينظـــــــــــر: عثمان, عبد المعطي عثمان : عناصر الرؤيا عند المخرج المسرحي,الهيئة المصرية العامة للكتاب,1996,ص166.

3. برنارد, مايرز: الفنون التشكيلية وكيف نتذوقها, تر:سعدالمنصوري, القاهرة, مؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر,1966,ص143.

4. صالح, قاسم حسين: سيكولوجية إدراك اللون والشكل, بغداد, دار الرشيد للنشر,1982,ص20 

5.  ينظر: عثمان, عبد المعطي عثمان, مصدر سابق,ص29. 

6.  ينظر: عثمان, عبد المعطي عثمان, المصدر نفسه,ص169. 

7. See: M C William Lam and Christopher Hugh Ripman: perception and lighting as formgivers for architecture , New York : Van NostrandReinhold,1992,p1 

* روبرت ويلسون Robert Wilson (1941-  ) : وهو من رواد حركة التجريب الأمريكية المعاصرة، وقد شكل نسقه التجريبي تأثرا واضحا بالحركة السريالية، حيث تداخل العناصر البصرية، وتناقضها داخل الوحدة المشهدية، وغياب المنطق العقلي. للمزيد ينظر: كونسل ، كولين : علامات الأداء المسرحي ، ت : أمين حسين الرباط,  القاهرة :مركز اللغات والترجمة ـ أكاديمية الفنون ، 1998, ص276-311

* ريتشارد فورمان Richard Foreman (1935-   ) : وهو من أقطاب المسرح التجريبي الأمريكي، ويمثل نسقه التجريبي نزعة سريالية واضحة متأثراً بآرتو، ومتأثرا بمعطيات العصر التقنية، يوصف مسرحه بمسرح انطولوجيا الهستريا والهلاوس، يعتمد فيه على خلق حالات تداعي هستيرية ضمن اطار الطقس المسرحي. للمزيد ينظر: كاي ، نك : مابعد الحداثية والفنون الأدائية ، ت : نهاد صليحة ، ط 2, القاهرة : الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 1999, ص69-111

 

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *