الأدب والمسرح / عواد علي

 

عملية التكييف تشكّل إساءة للفن الروائي إذا تصدى لها أشخاص طارئون يفتقرون إلى الموهبة أو الكفاءة المسرحية العالية، لأنهم قد يشوّهون الروايات التي يكيّفونها، ومن ثم يمكن القول إن هذه العملية سلاح ذو حدين.

التكييف”، بمعنى المواءمة، أو تحويل نوع أدبي أو فني إلى نوع آخر، مثل تحويل رواية أو حكاية أو قصيدة إلى نص مسرحي، شكل من أشكال الكتابة يطال كل الفنون والآداب. وقد شاع في العصر الحديث مع تداخل الفنون وزوال الحدود بين الأجناس الأدبية والفنية. أما تاريخ ظهور “التكييف” فإنه قديم قدم الإبداع، كما يتمثّل في تكييف كتّاب المسرح الإغريقي ملاحم هوميروس إلى مسرحيات، رغم أن التعبير لم يظهر إلاّ حديثا.

وهو يُعدّ إعادة إنتاج، حسب نظرية التناص، لأن الأول قالب آخر للنص الثاني السابق عليه أو المعاصر له، أو أنه امتصاص وتحويل وتشرّب للنص الثاني، بتعبير جوليا كرستيفا، وقد جرى تحويله من فضائه السردي إلى فضاء حواري درامي، أو ربما إيمائي أو حركي أو راقص، عبر اشتغال دراماتورجي، يقوم على الفعل الآني المباشر للشخصيات من دون وسيط أو سارد، ويحيا حياة أخرى، بتعبير جيرار جينيت.

إن التكييف الناجح والماهر لأيّ رواية إلى نص مسرحي، في رأيي، ومن خلال تجربتي في تكييف عملين روائيين، ينبغي أن يشعرنا بانقطاع حبل السرّة بينهما (الرواية والنص المسرحي)، على مستوى البناء الفني، فلا نعود نقرأ النص، أو نشاهده مُخرَجا على الخشبة، وذهننا منصرف إلى الرواية، إن كنا قد قرأناها، لأن ذلك يفسد جمالية التلقي. لكن في حال القراءة النقدية للنص أو العرض لا بدّ من إجراء مقارنة، على الصعيدين البنائي والدلالي، بين الخطابين، المكيَّف والمكيَّف عنه، أو مرجعيته، أو البحث في العلاقة الحوارية الناشئة بين النصّ اللاحق والنصّ السابق، بتعبير تودوروف.

تشكّل النصوص المسرحية المكيّفة عن نصوص سردية، في المسرح العربي، منذ منتصف القرن التاسع عشر حتى الآن، نسبة كبيرة من تجارب هذا المسرح تكاد تفوق نسبة النصوص المؤلفة تأليفا خالصا. بل إن أول نص مسرحي يؤرَّخ به لبداية المسرح العربي، وهو نص “أبو الحسن المغفل، أو هارون الرشيد” (أواخر عام 1849 م) لمارون النقّاش مكيّف عن حكاية “النائم واليقظان” التي ترويها شهرزاد في الليلة الثالثة والخمسين بعد المئة من ألف ليلة وليلة.

ومثل النقاش كيّف أبو خليل القباني الحكاية التي ترويها شهرزاد، في الليلة الثانية والخمسين، عن الجارية “قوت القلوب” في قصر هارون الرشيد إلى نص مسرحي بعنوان “هارون الرشيد مع الأمير غانم بن أيوب وقوت القلوب”. وكذلك الحكاية التي ترويها في الليلة الخامسة والأربعين إلى نص بعنوان “أنس الجليس مع هارون الرشيد”. ثم حذا حذو هذين الرائدين عشرات الكتّاب المسرحيين العرب، فكيّفوا أو اقتبسوا مسرحيات كثيرة عن نصوص حكائية أو روائية أو ملحمية أو سير شعبية من التراث العربي أو الغربي أو الشرقي.

تحتاج عملية تكييف النصوص الروائية إلى نصوص مسرحية إلى معرفة عميقة بالخشبة وخصائصها واشتراطاتها، وتكمن أهميتها، لكلا النوعين الإبداعيين، في أنها تسهم في تقريب الفن الروائي، الذي يشهد انفجارا إنتاجيا في العالم، إلى شرائح اجتماعية غير معنية، أو قليلة العناية به، وتؤدي دورا في الترويج له، فضلا عمّا تشكّله العوالم الروائية من مصدر إثراء للمسرح، بما تنطوي عليه من أحداث وشخصيات ورؤى وهواجس إنسانية، فردية وجمعية، شديدة الالتصاق بالواقع والحياة.

لكن بالرغم من ذلك، تشكّل عملية التكييف إساءة للفن الروائي إذا تصدى لها أشخاص طارئون يفتقرون إلى الموهبة أو الكفاءة المسرحية العالية، لأنهم قد يشوّهون الروايات التي يكيّفونها، ومن ثم يمكن القول إن هذه العملية سلاح ذو حدين.

المصدر / العرب

محمد سامي / مجلة الخشبة

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *