الأثر الثقافي للفن المسرحي

ما كان الفن المسرحي منوطا به تحقيق صورة الوجود الإنساني. وبناء نوع من الاتحاد الاجتماعي- الثقافي حول الهموم العامة بين البشر من خلال ما يملكه من عناصر جمالية Aesthetic elements تعبر عما هو ثقافي اجتماعي. مستهدفاً من وراء ذلك تجسيد توازن الفرد مع ثقافته الاجتماعية في لحظة ما. خارج الزمان والمكان فإن هذه العناصر الجمالية تكمن في حقيقة الموضوعات التي يعرضها المسرح وكذلك اللغة التي تستخدم للتعبير عن هذه الموضوعات.

د.مدحت الكاشف
عميد المعهد العالي للفنون المسرحية

لما كان الفن المسرحي منوطا به تحقيق صورة الوجود الإنساني. وبناء نوع من الاتحاد الاجتماعي- الثقافي حول الهموم العامة بين البشر من خلال ما يملكه من عناصر جمالية Aesthetic elements تعبر عما هو ثقافي اجتماعي. مستهدفاً من وراء ذلك تجسيد توازن الفرد مع ثقافته الاجتماعية في لحظة ما. خارج الزمان والمكان فإن هذه العناصر الجمالية تكمن في حقيقة الموضوعات التي يعرضها المسرح وكذلك اللغة التي تستخدم للتعبير عن هذه الموضوعات.
من أجل قيام المسرح بوظيفته الاجتماعية بغرض إحداث تأثير ثقافي يجب النظر إليه باعتباره وسيلة لخدمة غاية أو هدف. وهو ما يتفق مع مبدأ “أرسطو” الذي أكد علي ضرورة أن يتطابق الانفعال المسرحي مع الانفعال اليومي للإنسان وذلك علي اعتبار أن العمليات الإبداعية التي تكتنف المسرح بكل فعالياته هي أقرب إلي التأثير المتبادل بين الأوضاع الثقافية والاجتماعية السائدة في المجتمع الذي يقوم فيه هذا المسرح وبين التكوين النفسي والوجداني والجمالي للمبدعين الذين يعملون في مجال المسرح ولذا يتم وصف هذه العمليات الإبداعية بأنها: نوع من الصراع بين الأيديولوجيا الذاتية أو الشخصية للمبدع والأيديولوجيا السائدة في المجتمع. وهو ما يتفق مع افتراض الناقد “بازكيرشو” الذي يصف المسرح أو الأداء المسرحي بأنه صفقة أيديولوجية فيما بين فرقة من الممثلين ومجتمع مشاهديهم والأيديولوجيا هي مصدر القدرة المجمعة للممثلين والمشاهدين وهي تقريباً ما توحد الاحساس والتذوق الفطري المشترك للمدلولات المستخدمة في العرض. وعليه فالأيديولوجيا تقدم الإطار الذي فيه يتم للمؤدين اللغز والشفرة ويقوم المشاهدون بفك رموزها ومعانيها”.
من هنا يمكن القول إن الفن عامة- وفن المسرح علي وجه الخصوص- ليس مجرد تعبير عن ذوات المبدعين فحسب ولكنه تعبير بالصور والصيغ “الجمالية” التي ترجع إلي أصل ثقافي- اجتماعي ولذا نجد أن تطور البني الفنية في المسرح لم تنفصل عن رؤية مبدعيها للمجتمع الذي يعيشون فيه وذلك من خلال هذا التأثير المتبادل والمستمر بين الموضوعات التي يقدمها هؤلاء المبدعون علي المسرح وبين حركة تطور المجتمع إن هذه البني المتغيرة بتغير المجتمع ومفاهيمه هي المادة الملموسة التي تقبع في أعماقها رسالة المبدع متفاعلة مع موضوعه المختار ولذا فإن البنية تتغير بتغير المتعامل معها خاصة في مجال المسرح باعتباره عملية تفاعل خلاق بين فنون مختلفة. الأمر الذي يتطلب من ذلك المبدع وعياً جمالياً بالقوانين الثقافية والاجتماعية الثابتة أو المتغيرة التي تشكل حركة تطور مجتمعه حتي يكون قادراً علي تفعيلها أو مناهضتها وفقاً لموقفه الأيديولوجي.
كما يتعامل الفنان مع الوسائل الجمالية والحرفية كذلك فإن المتفرجين يتلقون مضمون العرض المسرحي من خلال مجموعة من العمليات التأويلية Hermeneutique التي تحددها هذه القيم المرتبطة بثقافة المجتمع الأمر الذي يكشف عن حضور المجتمع و”قيمه” بقوة داخل مجتمع العرض المسرحي. وهو ما يؤكد أيضاً عدم إمكانية فصل الخطاب المسرحي للعرض عن الثقافة الاجتماعية التي أفرزته فهو جزء من جمالياتها,حيث تلعب أشكال الإنتاج الفني المتاحة للفنان دوراً فاعلاً في عملية بناء العمل الفني وعليه فإن أفكار الفنان وقيمه باعتبارها قد تشكلت اجتماعياً تنتقل من خلال مواضعات ثقافية وأدبية خاصة بالأسلوب واللغة والجنس الأدبي والمفردات الجمالية وكما يتعامل الفنان مع خامات وتقنيات الإنتاج الفني فإنه يتعامل أيضاً مع المادة المتاحة من المواصفات والأعراف الجمالية هذا يعني بالتالي أننا عندما نضطلع بقراءة المنتج الثقافي فنحن بحاجة إلي فهم منطق البناء الخاص به ونوعية الشفرات الجمالية التي تتدخل في عملية تشكيله. ومما سبق فإن النظرة التحليلية لموضوع الابعاد النفسية والاجتماعية للمسرح. تتعلق بالأسس التي وضعتها بعض العلوم الإنسانية لتحليل الظاهرة المسرحية من جانب. وبالتجربة المسرحية ذاتها من جانب آخر. 

https://www.gomhuriaonline.com/

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش