«الآنسة جولي» تزور باريس في حلة جنوب أفريقية – فرنسا

تعتبر مسرحية «الآنسة جولي» (مدموازيل جولي) التي ألفها السويدي أوغست ستريندبرغ نهاية القرن التاسع عشر، من أكثر المسرحيات المعروضة على مستوى العالم في شكل دوري، غير النسخ السينمائية المتعددة التي صورت عن حكاية الشابة الأرستقراطية التي تقع في غرام خادم والدها وتخضع لمعاملته السيئة والإهانات المتكررة إلى أن تقدم في النهاية على الانتحار. وأحدث فيلم روى الحكاية أخرجته السويدية ليف أولمان في العام ٢٠١٤، من بطولة نجمة هوليوود جسيكا شاستاين والإرلندي كولين فاريل.

وها هو مسرح «بوف دو نور» الباريسي الذي أسسه عملاق المسرح بيتر بروك قبل أربعين سنة تقريباً، يستقبل فوق خشبته «ميس جولي» باللغة الإنكليزية المرفقة بترجمة فرنسية فورية فوق شاشة تعلو الخشبة المعنية، ومن إخراج الفنانة الجنوب أفريقية ياييل فاربر (٤٥ سنة) التي رأت في العمل مناسبة لعرض الوضع في بلادها راهناً واستمرار النزاع العنصري في بعض المناطق، على رغم الديموقراطية المزعومة في البلاد.

وتقيم جولي في بيت ريفي كبير مع والدها بعدما توفيت أمها، وتتلذذ بإثارة مشاعر الخادم الذي عينه الوالد هو وأمه التي تتولى شؤون المطبخ. ويحلم الزنجي الشاب بكسر قيوده والفرار نحو حياة أكثر كرامة في مكان آخر، إلا أن والدته تمنعه بحجة أن مكانه هنا إلى جوارها فوق الأرض التي آوت أجدادهم والتي استولى عليها الرجل الأبيض وبنى فوقها بيوته.

ولا تدري جولي عندما تلعب لعبتها التي تتلخص في إغراء الخادم، أن نفْس الشاب مليئة بالحقد ضد والدها وضدها وأنه سيسخّر كل قواه لإسقاطها في حباله وتحويل مساعيها المغرية إلى حكاية حب بينهما تعيشها هي بصدق، بينما يخطط هو كل خطوة فيها هادفاً إلى القضاء على حبيبته وإهانتها إلى أكبر درجة ممكنة. وهذا ما يحدث، غير أن الخادم لم يفكر لحظة واحدة في احتمال الانتحار الذي ستقدم عليه جولي بسبب بؤسها ولأنها تكتشف أنها حامل من عشيقها. وبعد فوات الآوان يكتشف الخادم مدى عشقه الحقيقي لجولي وكيف أنه بدوره خسر عمره بتصرفاته التي أدت بها إلى إختيار الموت.

 

شخصية الطباخة

وحوّرت المخرجة ياييل فاربر كثيراً في النص الأساس للمسرحية، محتفظة قبل كل شيء بعنصرين، هما ضياع الشابة الأرستقراطية بسبب إهمال والدها المنشغل بأعماله ورحلاته وثروته، وقسوة الخادم الناتجة من شعوره بأنه يعيش حالة من العبودية في بيت عائلة ثرية.

ومن أبرز ما غيّرته فاربر، شخصية الطباخة التي لم تكن أصلاً تنتمي إلى عائلة الخادم بل كانت مغرمة به وبالتالي تنمو في نفسها ضد كراهية لجولي لا حد لها. وهي صارت في المسرحية الجديدة والدة الخادم العاجزة عن منع المصيبة التي ستودي بربة البيت وبابنها على السواء.

تتميز مسرحية «ميس جولي» في حلتها الجنوب أفريقية بإخراج قوي لا يترك للمشاهد فرصة أن يتنفس بين مشهد وآخر، منذ البداية حتى إسدال الستار.

ويذكر هنا أن المخرجة متأثرة إلى درجة كبيرة جداً بالعنف الذي يسود بلدها، وإن يكن كامناً في النفوس بدلاً من أن يظهر علناً كما في عهد الفصل العنصري.

وظهر الديكور معبراً عن لهيب الطقس والنفوس في آن واحد، بينما تؤدي الممثلة هيلدا كرونجي شخصية جولي ببراعة، ويعبر الفنان بونجيل مانتساي بمهارة عن الثورة الكامنة في نفسه والتي لا تعرف الراحة أبداً. وتأتي زليخة هيليسي مقنعة إلى أبعد حد في دور والدة الخادم الرصينة والمؤمنة بالقدر.

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *