«الآفـانسيـن» شبــــــاب مبدع فى مهرجان سرى للغاية : هند سلامة

 

المصدر : محمد سامي موقع الخشبة

فى سرية تامة وبعيدا عن الأضواء أقيمت الدورة الخامسة عشر من مهرجان الشباب المبدع بالمركز الثقافى الفرنسى أو «الآفانسين» دون أن يشعر أحد سوى المشاركين ضمن فعالياته «السرية»، مهرجان شبابى كان يجمع خيرة شباب المسرحيين على مدار دوراته السابقة كى يحفزهم ويمنحهم جائزة كبرى بالسفر إلى مهرجان أفنيون بفرنسا للمشاركة والمشاهدة والاستفادة من الاحتكاك بالآخر، اليوم انطفأت شعلته وذهبت بهجته، ليبقى منه حطام مهرجان أقيم بشق الأنفس هذا العام، وبرغم احتوائه على أعمال مسرحية جيدة لمجموعة من الموهوبين إلا أن القائمين عليه لم ينشغلوا كثيرا بالتنظيم والإعداد له كما ينبغى أن يكون أو أضعف الإيمان كما حدث من عام سابق.

الترحم على أيامه السابقة
ساهم هذا المهرجان فى تقديم عدد كبير من الشباب المبدع للساحة المسرحية على مدار انعقاد دوراته سواء فى مجالات الإخراج أو التمثيل أو الإضاءة والديكور، وكانت مديرته السابقة الفنانة لطيفة فهمى ومديرة النشاط الثقافى بالمركز الفرنسى سابقا تسعى بكل جهدها لمساعدة ودعم هؤلاء الشباب وأكدت أنها كانت تحرص برغم الظروف المادية الصعبة على سفر خمسة أشخاص سنويا لفرنسا ممن حصلوا على جوائز المهرجان وليس واحدا أو اثنين فقط، عانى المهرجان مؤخرا من حالة تراجع شديدة ليس على المستوى الفنى بل على المستوى الإدارى والتنظمى، ففى الوقت الذى يحرص فيه الشباب على تقديم عروض مسرحية قوية ومتنوعة كى يفوز أحدهم برحلة السفر إلى فرنسا لم يستطع المهرجان التخديم بشكل جيد على هؤلاء الشباب والترويج لأعمالهم أو حتى الترويج لإنطلاق فعالياته، فإذا لم يحالفك الحظ وعلمت بالمصادفة عن بدء فعاليات الفرنسى لن ينجيك أحد من هذه الغفلة، يترحم اليوم الشباب على أيام رئاسة لطيفة فهمى والتى أكدت فى تصريحات خاصة قائلة «الحب يأتى بالحب والنجاح سره حبى لما أفعل، كنت حريصة أن يأتى مدربون طوال سنوات المهرجان ففى خلال 12 دورة جاء تسعة مدربين للمشاركة وتدريب الشباب فى مجالات مختلفة، كما قمت بعمل مشروع القراءة المسرحية وهو تنظيم عروض قراءة لنصوص يتم قرأتها باللغة العربية والفرنسية على خشبة المسرح، لم أسع لأى مجد شخصى بقدر ما سعدت بإفراز مجموعة من الموهوبين للحركة المسرحية».
الشباب المبدع فى آخر دوراته
أقيمت فعاليات الدورة الخامسة عشر هذا العام فى الفترة من 1 وحتى 7 أكتوبر الجارى بمشاركة 6 عروض مسرحية تم اختيارها من ضمن 30 عرض بعد التصفية النهائية للجنة المشاهدة والتحكيم التى ضمت المخرج المسرحى هانى عفيفي، والدكتورة أسماء يحيى الطاهر عبد الله، والمؤلف ومقدم البرامج باسم شرف، وتعتبر هذه الدورة هى الدورة المؤجلة من شهر فبراير الماضى لظروف تنظيمية تخص المركز الثقافى الفرنسى حتى أشيع بأنها قد تكون الدورة الأخيرة نظرا لتعثر خروجها للنور، شارك ضمن فعاليات المهرجان عروض «حرية المدينة» إخراج محمود طنطاوي، «الموت» إخراج أحمد شبل، «ضحايا الواجب» إخراج فادى سمير، «سقوط مفاجىء» إخراج اسماعيل إبراهيم، «الأربع فصول» إخراج نورهان خالد، «العش» إخراج إبراهيم محمد»، فاز بجائزة أفضل عرض «سقوط مفاجئ» أو «سقط صدفة» للمخرج إسماعيل إبراهيم، وأفضل عرض مكرر «ضحايا الواجب»، وأفضل مخرج مسرحى فادى سمير عن ضحايا الواجب، واسماعيل إبراهيم عن سقط صدفة، أفضل ممثلة هند حسام الدين عن «الفصول الأربعة»، أفضل ممثل ميشيل ميلاد عن «العش»، أفضل عمل جماعى جميع ممثلى «سقوط مفاجئ»، أفضل مؤلف مسرحى إسماعيل إبراهيم عن نفس العرض، أفضل موسيقى عمر غالى عن «موت»، أفضل ديكور أحمد فتحى عن «العش»، أفضل إضاءة محمود طنطاوى عن «حرية المدينة»، وهكذا فاز بجائزة السفر كل من   فادى سمير وإسماعيل إبراهيم بجائزة المعهد الفرنسى للإقامة الفنية بمدينه مارسيليا الفرنسية لحضور مهرجان Les Rencontres à l’échelle ».
استحق العرض المسرحى «سقوط مفاجئ» أو «سقط صدفة» الجوائز التى منحت له عن جدارة، العمل مأخوذ عن مسرحية الكاتب الإيطالى «داريو فو» لفريق جامعة القاهرة، صنع معد النص المسرحى والمخرج اسماعيل إبراهيم من قصة داريو فو مسرحية داخل مسرحية وحلم ضائع داخل حلم شاب كان أمله أن يصبح فنانا وفى يوم دخل فيه مجموعة من الأشخاص لمقر سينماتك لمشاهدة فيلم سينمائى صامت والذى تبدأ به أحداث العرض يحبس هذا الشاب هؤلاء الأشخاص داخل السينما ويبدأ فى ابتزازهم مقابل أن يستمعوا له ويقوموا بمشاركته التمثيل فى المسرحية التى أراد أن يكون بطلها، وهى مسرحية داريو فو «موت فوضوى صدفة»، تسير الأحداث فى اتجاه لا يفهمه هؤلاء لكنهم يتبعونه وينصتون إليه، حول قضية المنتحر الذى لقى حتفه بعد تعذيبه أثناء التحقيق معه لإجباره على الاعتراف بجريمة تفجير محطة سكة حديد وتؤكد التحقيقات أن هناك تجاوز حدث مع هذا الرجل بسبب شدة تعذيبه كما أنه لم ينتحر بل تم إلقاؤه من النافذة، داخل كل هذه القصة مزج المخرج بين خطين متوازيين بمهارة فنية عالية حيث قدم إعداد مبتكر ومختلف لتقديم العرض المسرحى وربط بين العملين برابط ضياع الحلم بشكل عام لكثير من الشباب المشاركين باللعب والعبث مع هذا الشخص المجنون الذى قام بإحتباسهم داخل السينما فهو عبث فوق العبث بابتكار حالة من التكرار والإعادة ثم الإنقطاع والعودة للواقع والدخول فى أحداث العرض من جديد بإيقاع شديد الإتقان والانضباط بالإضافة إلى حرصه على تقديم العمل فى قالب كوميدى ساخر بدخوله وخروجه من الخيال للواقع، وهكذا قدم العرض فى حالة من الانسياب والتلاحم الشديد مكنه من الخروج بعمل فنى يحمل الكثير من المتعة والإبتكار والنضج فى التناول فهو لم يشبه عروض الجامعات التقليدية التى اعتدنا رؤيتها فى تناولها لمثل هذه النصوص الأجنبية بل حرصوا على تقديم توليفة فنية مختلفة تجمع بين المتعة والبهجة والألم بأداء متقن وإعداد متميز، شارك فى بطولة العرض إيهاب عشماوي، أحمد مهران، مينا سامي، مروة محمد، محمد حسن، أيمن عبد العزيز.
يلى هذا العمل فى مستوى الاتقان والجودة الفنية عرض «حرية المدينة» إخراج محمود طنطاوى لكنه قدم فى إطار كلاسيكى لقصة ثلاث ثوار تقابلوا معا أثناء اختبائهم من القنابل المسيلة للدموع ورائحة الغاز فى مكان غريب ثم يكتشفون فيما بعد أنه منزل الحاكم وتدور بينهم مواقف وحوارات كوميدية لنكتشف أن حرس القصر قضى عليهم بالموت جملة واحدة، فى حين أن التحقيقات تزيف الحقيقة بأن أحدهم حاول قتل الآخر، هناك تشابه ما يجمع العملين فى فكرة تزييف التحقيقات لصالح أجهزة الدولة بإعلان إنتحار المجنى عليهم خوفا من المسألة القانونية ثم إغلاق التحقيقات على ذلك كى تنتهى وتغلق القضية، قدم أبطال العمل بأداء فنى متقن للغاية على كل المستويات التمثيل والديكور والإخراج، وكان من الأعمال المسرحية التى اقتربت من الإكتمال فجميع الممثلون قدموا أدوراهم بحضور وشعور بالمسئولية وهم ايمن عنارة، شريف إسماعيل، اسراء أبو زيد، مهند المسلماني، محمد هشام، تغريد النجار، محمد عصام، أحمد أنور، عمر طارق، عبد الرحمن أحمد.
كان من بين الأعمال المشاركة أيضا عرض «العش» عن نص بيت الدمية لهنريك إبسن بطولة إسلام علي، ميشيل ميلاد، ونانسى نبيل وإخراج إبراهيم أحمد، و«موت» إخراج أحمد شبل عن نص «death» لودى  آلان قدم العرض بكافتيريا المركز الفرنسى بالساحة وذلك نظرا لإهتمام فريق العرض بالساحات بشكل عام حيث يؤكد أحمد شبل مخرج العرض أن فريقه «ع النصية» يهتم فى المقام  الأول بعروض مسرح الشارع وقدموا العرض فى ساحة مفتوحة كى يكون الجمهور فى منتصف الحدث وقسم المكان فى اتجاه عقارب الساعة وتتلخص فكرة العرض فى دائرة الحياة أننا خلقنا من العدم ثم نعود مرة أخرى بالموت إلى هذا العدم، كان ضمن الأعمال المشاركة أيضا «الفصول الأربعة» والذى حصلت ممثلته هند حسام الدين على جائزة أفضل تمثيل لهذا العام، ثم اختتم المهرجان فعالياته بعرض «ضحايا الواجب» للمخرج فادى سمير، ورغم فوزه  بجائزة أفضل عرض ثانى إلا أن هذا ليس دليلا على أنه الأفضل خاصة وأن العمل عليه الكثير من الملحوظات على المسستوى الفني، لأنه فارغ من المعنى والمضمون وكذلك التمثيل وربما كان للجنة التحكيم وجهة نظر فى تشجيع تقديم تجارب مختلفة وأفكار مبتكرة خارجة عن المألوف وهذا رأى يحترم لأن معظم الشباب اعتادوا على تقديم الكلاسيكيات ويخشون دائما من المحاولة والتجربة الجديدة، قد يحسب لفريق العمل جرأته على تقديم تجربة مختلفة لكن ليس كل مختلف جيد أو يستحق الإشادة والتشجيع خاصة إذا لم يكن هناك اهتمام حقيقى بتقديم هذا المضمون الجديد فلا يمكن تشجيع المختلف لمجرد أنه مختلف، كما أنه ليس كل عمل فارغ من المحتوى الفنى يقدم على أنه أحد تيارات مسرح العبث لأن العبث فى حد ذاته محتوى فنى فدائما ما تسخر العروض العبثية من الواقع، يسخر العمل من إنقلاب المعايير وتحول الأشياء للأسوأ لكنه اختار الشكل الأسوأ، وخرجنا بعرض غريب مفكك دراميا، كما أنه لم يستطع الاحتفاظ بالجمهور داخل قاعة العرض!!

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *